في بيان رسمي صدر عنها لوسائل الإعلام بتاريخ 8 سبتمبر 2016، حصلت مجلة المسلّح على نسخة منه، تناولت الهيئة الوطنية لاتفاقية الأسلحة الكيميائية آخر مستجدّات ملف السلاح الكيميائي الليبي. وقد جاء في البيان أن مسألة هذا السلاح هي قضية معقّدة كانت قد شكلت العديد من الشواغل والمخاوف، وظلت مبعث قلق عميق على الصعيد الوطني وحتى على المستوى الإقليمي والدولي،
إذ ما فتئ شبحها يهدّد السلامة العامة في أرجاء ليبيا ومحيطها البيئي على مدى سنوات. هذا الملف الشائك قُدّر له أن يُعالج بنجاح وقد وصل في الآونة الأخيرة بأمن وسلام إلى عتبة الإغلاق النهائي.
تضمّن البيان سردا واضحا لمختلف المراحل التي مرّ بها الملف في أعقاب قرار ليبيا التخلّص من جميع مكوّنات ترسانتها الكيميائية، وانضمامها إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في سنة 2004، وكانت قد أعلنت حينئذ عن مخزون يفوق 24 طنا من غاز الخردل ومئات الأطنان من السلائف الكيميائية التي تدخل في عمليات التصنيع، وبذلك فقد أصبح يتعيّن عليها وفقا لأحكام الإتفاقية الإلتزام بتدمير جميع مفردات ما أعلنت عنه.
وتحدّث البيان عن أنشطة التخلص من غاز الخردل الكبريتي، لدى انطلاقها خلال شهر أكتوبر 2010، والتي سرعان ما توقّفت على إثر خلل فني بمنظومة التخلص، ثم أحداث ثورة السابع عشر من فبراير.. وبحلول سنة 2012 أُستُؤنفت مسارات التعاطي مع الملف، وكانت نسبة الإنجاز في مجال تدمير مادة الخردل قبل ذلك قد بلغت حوالي 50%. وتزامنت مجريات هذا الإستئناف مع تطوّر جديد أحاط بالملف، مفاده اكتشاف ذخائر كيميائية مليئة بغاز الخردل، لم يكن قد أُعلن عنها ضمن الإعلانات المقدّمة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سنة 2004، وهو ما أضاف عبئا ثقيلا على كاهل الملف.
وذكر البيان أنّه وفقا للمهام الموكلة لكل منهما، كانت ممثلية ليبيا لدى المنظمة والهيئة الوطنية المعنيّة قد باشرتا العمل على تراتبية تنفيذ مجريات التدمير طبقا لأحكام الإتفاقية، وحسب الجدول الزمني المحدّد، ووفقا للخطة الوطنية الخاصة بإتلاف جميع مكوّنات الأسلحة الكيميائية، وذلك على أساس استخدام الطرق التقنية الملائمة مع إعطاء أسبقية لمواد الفئة (1) لخطورتها، ومراعاة المعايير الوطنية ومبادئ السلامة العامة بما ذلك الإعتبارات البيئية.
وأشار البيان إلى أن فعاليات التعامل مع الملف ظلت تُحرز تقدّما منتظما بوتيرة متناسقة على صعيد تنفيذ المراحل المتتالية للخطة آنفة الذكر وذلك بالتنسيق الوثيق والتعاون مع المؤسسات الوطنية ذات العلاقة، وقد تمثّل ذلك في إكمال تدمير مخزون الخردل الكبريتي السائب المعبّأ في صهاريج منقولة خلال النصف الأول من سنة 2013، باستخدام نظرية التحليل المائي المترافق مع التحييد الكيميائي، ومرورا بتدمير الذخائر والقنابل الكيميائية المليئة بغاز الخردل مع مطلع سنة 2014، وذلك باستخدام تكنولوجيا التفجير الحراري. وقد أنجزت كافة تلك الأنشطة تحت إشراف مفتشو وخبراء المنظمة الدولية الذين تحقّقوا من سلامة إجراءات التدمير ومطابقتها لأحكام الإتفاقية.
وأفاد البيان أن ما أنجز على صعيد التخلص من كافة الأسلحة الكيميائية القابلة للإستخدام كان قد شكل واقعا جديدا باتت معه الأراضي الليبية خالية تماما من أي وجود لأي شكل من أشكال تلك الأسلحة. وقد أعلن هذا الحدث رسميا في ليبيا وعلى نطاق دولي، وأكدته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بحلول شهر مايو 2014.
إلى ذلك فقد جاء في البيان أن ليبيا لم تكد تطوي مرحلة إتلاف الأسلحة الكيميائية من الفئة (1)، حتى عكفت على التعامل مع السلائف، التي تندرج في جداول الإتفاقية كمواد مصنّفة ضمن الفئة (2)، باعتبارها مزدوجة الإستخدام ويتعيّن تدميرها لارتباطها بتصنيع بعض أصناف من الغازات الحربية السامّة. وقد أمكن في هذا الإطار قطع أشواط طويلة على صعيد إتلاف أنواع من هذه السلائف الكيميائية، غير أن الظروف المُحيطة ببرنامج التخلص من الكميات المتبقية من هذا المخزون؛ بدءاً بعدم توفّر التكنولوجيا المناسبة التي يُمكن أن يُستعان بها في تدمير ما تبقّى فيه من أنواع محّدة من المواد، ومرورا بالمحاذير التي تشكلها هذه المواد على السلامة العامة وعلى البيئة، إلى الأوضاع الأمنية الإستثنائية التي لازالت سائدة في البلاد.. فإن هذه الأسباب في مجملها قد ألقت بظلالها الكثيفة على مسارات الأداء وشكلت تحدّيات جمّة تعذّرت معها سبل المضي قدما في برنامج التخلص بمواكبة الأجل المفترض إتمام العمليات بحلوله.
وأضاف البيان أنه تحسّبا لأي تطوّرات لا تُحمد عقباها، قد تؤدّي إلى المساس بالمخزون والتأثير على أمنه المادي، ولا سيما إذا وقع جزء منه أو كلّه في أيادي جماعات خارجة عن القانون، وهو ما من شأنه أن يهدد السلامة العامة والأمن المحلي وحتّى الإقليمي.. وحيث كان من الأهمية بمكان المسارعة إلى اتخاذ تدابير إستباقية للحيلولة دون نشوء هذه التداعيات المحتملة، لذلك لجأت ليبيا إلى طلب المساعدة من المجتمع الدولي.
وذكر البيان أنّ الإستجابة لم تتأخّر طويلا، فجاءت بمقتضى قرار دولي مفاده مساعدة ليبيا فنيا ولوجستيا، بموجب شراكة دولية داعمة، في التخلص من بقايا السلائف الكيميائية، وذلك من خلال السماح بنقل المخزون المتبقّي لديها وترحيله عن طريق البحر إلى خارج أراضيها، للتخلّص منه وفقا للمعايير المعتمدة دوليا في إتلاف النفايات الكيميائية، وبما يتّفق مع إجراءات التحقق المتّبعة في نصوص الاتفاقية، وبحضور مراقبين عن السلطات الليبية.
وعلى هذه الخلفية تمت بكل أمن وسلام بتاريخ 27 أغسطس 2016 ووفقا للخطّة الموضوعة، عمليات تحميل شحنات السلائف الكيميائية المقدّرة بحوالي500 طن، وترحيلها إلى خارج ليبيا على متن باخرة دنماركية تم تخصيصها لهذا الغرض، وذلك تحت إشراف الهيئة الوطنية وبحضور متخصّصين في الوقاية الكيميائية من الصنف المختص ومسؤولين أمنيين تم تكيلفهم من قبل المجلس الرئاسي. وقد وصلت شحنات هذه السلائف إلى ميناء بريمن بألمانيا بتاريخ 6 سبتمبر، وجرى نقلها إلى مرفق التخلص بمدينة مونستير. وبذلك فقد أصبح من الجائز اعتبار هذا الترحيل تتويجا للبرنامج الشامل للتخلص من المخزون الكيميائي في ليبيا وبالتالي وصولا إلى نقطة النهاية في إغلاق الملف الآنف الذكر على نحو واف، وفي الأثناء فقد تسنّى لليبيا الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية.
هذا وفي سياق متّصل صرّح أحمد وليد، المتحدّث باسم الهيئة الوطنية لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، لموقع مجلّة المسلّح الألكتروني أنّ ما تم إنجازه على صعيد التخلص النهائي من بقايا المخزون الكيميائي الليبي يعدّ بكل موضوعية من الخطوات الهامة في مجال الدفع باتجاه استقرار ليبيا وتأمين سلامة أهلها ومحيطهم البيئي، وذلك إذا أخذنا في الإعتبار المخاطر المُحدقة التي كان من الممكن أن تترتّب جرّاء تواجد مئات الأطنان من النفايات والمواد الكيميائية الخطرة، والمصنّفة في الفئة (2) بحسب جداول اتفاقية الأسلحة الكيميائية، ولا سيما إذا تم مداولة هذه المواد بأساليب غير قانونية أو تم المساس بها أو أُسيء استخدامها بصورة أو بأخرى. وأضاف أن الخطوة الآنفة الذكر قد بدّدت الهواجس ووضعت حدّا للعديد من المخاوف التي كان يُتوجّس منها على الصعيد المحلّي والإقليمي جرّاء هذا المخزون وخشية انتشاره.
ولفت المتحدّث إلى أن تنفيذ أنشطة التخلّص في مجملها كانت قد أنجزت تحت مظلّة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وبدعم لوجستي ومساندة فنية من قبل دول أطراف في الاتفاقية؛ منها الولايات المتحدة، كندا، ألمانيا والدنمارك.. وهو ما وفّر على ليبيا الكثير من النفقات المالية والتكاليف الباهظة، مضيفا في الأثناء أن عمليات التخطيط والتنفيذ لجميع الأعمال المتعلقة بالتخلص أنجزت بكل مهنية وحرفية من قبل أطقم وطنية من الخبراء المتخصّصين والفنيين الأكفاء، وهو ما أسّس لظروف عمل مُتقن لم تُسجّل في غضونه أي إصابات أو تلوّث للبيئة رغم خطورة وسميّة المواد التي جرى التعامل معها.
وختم المتحدّث أن هذا النجاح جاء نتيجة العمل بروح الفريق الواحد، وتكاثف الجهود وتنظيم التعاون الفعّال مع كافة الهياكل ذات الإختصاص في المؤسسات الوطنية سواء العسكرية منها أو المدنية