يقصد بالأدبيات كل تلك السلوكيات التي تظهر الإحترام المتبادل بين العسكريين والدالة على مدى الجدية والإنضباط في تعاملهم فيما بينهم وهي تعتبر بمثابة قواعد السوك العامة المتبعة بين العسكريين في جميع أنحاء العالم يتعلمها العسكري في المدارس
والأكاديميات العسكرية وتصبح جزءاً من حياته اليومية بها تتحدد معالم العلاقة بينه وبين قادته وبينه وبين زملائه ضمن إطار منظم لايختلف عليها أحد في مظهرها بل إنها تعد من سيمات العسكرية الناجحة ومقياس لمدى الإلتزام بالأعراف العسكرية التي تقود في النهاية لجيش منضبط مدرب يستطيع أن يخوض معارك الشرف والكرامة دفاعاً عن الوطن والأمة.
من أهم سمات الأعمال العسكرية الناجحة التنظيم والانضباط في طريقة تنظيم الوحدات العسكرية التي عادة ما تشتمل على أعداد كبيرة من الأفراد يتفاوتون فيما بينهم بالأقدمية والخبرة العملية لذا كان لابد لإحكام التنظيم وفرض الانضباط من وضع تصنيف يحدد الرتب والصلاحيات المنوطة بالأفراد والعلاقات المتبادلة بين الرؤساء والمرؤوسين وهذا ما يعرف بـ (منظومة الرتب العسكرية).
ورد في الموسوعة العسكرية أنه استناداً على الرتبة العسكرية تتحدد العناصر القادرة على إعطاء الأوامر والتعليمات العسكرية من ناحية والعناصر التي يتوجب عليها إطاعتها وتنفيذها من ناحية ثانية، وهي منظومة هرمية تحدد صلاحيات كل عسكري ومسؤولياته وامتيازاته فالرتبة العسكرية هي الصفة أو اللقب الذي يميز الوضع التنظيمي لكل فرد من أفراد القوات المسلحة للدولة من حيث الصلاحيات الممنوحة له والمسؤوليات الملقاة عليه والامتيازات والواجبات الخاصة بذلك الفرد و لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن هذه المنظومة أو تعطيلها لأنها الأساس في تنظيم وتدريب الجيش للوصول به إلى مستوى راق من الكفاءة من الناحيتين الإدارية والقتالية.
تعتبر الرتبة العسكرية شرفا يفتخر به كل عسكري ينتمي الى المؤسسة العسكرية سواء كان هذا العسكري ذات رتبة صغيرة أو انه يحمل رتبة كبيرة في الجيش ذلك أن مجرد الانتماء الى المؤسسة العسكرية يعتبر شرفا بحد ذاته لكل مواطن يحب بلده ويحرص على خدمتها وحمايتها، ولا يوجد أفضل من الجيش ليحقق هذا الهدف فالجيش يعتبر السور المنيع المدافع عن أمن وسيادة الأوطان وحمايته من كل من تسول له نفسه المساس بهذا البلد .
يعود إستخدام نظام الرتب العسكرية إلى العصور القديمة، فالوثائق التاريخية القديمة تشير إلى أن الرتب العسكرية تعود بجذورها إلى عهود قديمة. فقد عرف قدماء المصريين رتباً عسكرية مختلفة منها "إميرا ميشا imira misha" وهو ضابط من مرتبة الأمراء في القوات البرية و"سيهيدي ديبيت sehedy depet" وهو ضابط أمير بحري، إضافة إلى "إمي إيرتي imi irti"، وهو ضابط يعادل النقيب.
كذلك عرف الرومان رتباً عسكرية مختلفة منها رتبة تريبون tribune وهو ضابط أمير يقود الفيالق ligion ورتبة سنتوريون (نقيب) centurion ويقود وحدة متكونة من مئة مقاتل century وغير ذلك.
وقد كان المسلمون الأوائل يتخذون نظاماً دقيقاً في منح الرتب لقادة الجيوش فقد كانت الجيوش الإسلامية أول من وضع نظاماً لتحديد مراتب الجند وكان ذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حين أنشأ الديوان لضبط عطاء الجيش، فجعل الناس أعشاراً على كل عشرة عريف، ثم غيرت الأعشار فيما بعد وجعلت أسباعًا، وفي أيام الدولة العباسية أعتمد نمط الأعشار في التنظيم ومنح الرتب فجعل على كل عشرة عريفًاً وعلى كل عشرة عرفاء نقيباً وعلى كل عشرة نقباء قائداً وعلى كل عشرة قواد أميراً وهكذا ظل الأمر قابلاً للتعديل والتغيير حسب ما تفرضه ظروف وأحوال الدولة .
وتطور الأمر مع بداية نشوء جيوش الممالك الأوروبية خلال عصر التنوير حيث استخدمت ثلاث رتب لا تزال معروفة وسارية وهي النقيب والملازم والرقيب والتي يجمع المؤرخون على اعتبارها الأساس الأول للرتب العسكرية المعروفة حاليًا ، واستخدم سلاطين المماليك في مصر رتبًا عسكرية مستحدثة مثل مقدم الألف والأمير صاحب الطبلخانة وأمير العشرة وأمير الخمسة وفي عهد الدولة العثمانية التي قامت على أسس عسكرية كان وزراؤها وأمراؤها يشغلون وظائف عسكرية إضافة إلى وظائفهم المدنية.
وكانت الرتب العسكرية في الجيش العثماني تستخدم رتب الملازم أول والملازم ثاني، اليوزباشي، الصاغ، البكباشي، القائمقام، أمير الألاي، اللواء، الفريق، والمشير وهو أكبر الرتب العسكرية للضباط أما بالنسبة لضباط الصف فقد كانت وكيل الأنباشي، الأنباشي، الجاويش، الباشجاويش، أمين البلوك، والصول وقد أخذت بهذه التقسيمات العديد من الدول العربية التي كانت خاضعة للحكم العثماني ولازال البعض من تلك الألفاظ مستخدماً حتى الآن ، وقد جرى تعريب هذه الرتب فيما بعد واستبدلت بها أخرى تكاد تكون موحدة بين الدول العربية مع وجود بعض الاختلافات بين دولة وأخرى.
تتبنى كل دولة أنظمة خاصة بتحديد الصلاحيات والواجبات المتعلقة بكل رتبة، كما أن لكل دولة قوانينها التي تحدد أوقات التدرج والترقية من رتبة إلى أخرى، وكذلك شروط منح الرتبة ونزعها أو تجريد حاملها منها والسلطات المخولة بذلك.
ويلاحظ تشابه أنظمة الرتب العسكرية الموجودة حاليًا في معظم جيوش العالم مع بعض الإختلافات الطفيفة وتختلف الشارات المستخدمة للدلالة على الرتب في شكلها ورسمها بين دولة وأخرى لكن معظم دول العالم تتفق على أن وضع شارة الرتبة يكون على الكتف فيما يختص بالضباط وعلى الساعد فيما يختص بضباط الصف.
كما تمنح الرتبة العسكرية للضباط التي أتموا دراستهم العسكرية بمؤهلات علمية تمكنهم من ممارسة أعمالهم، وعادة ما تعطى الرتب الضباط الأعوان لهم بإختلاف مستوياتهم العلمية، وتمنح أيضاً بصفة الشرف للضباط الذين أمضوا فترات زمنية كافية تنص عليها القوانين واللوائح العسكرية شريطة أن تكون لديهم خبرة كافية تمكنهم من أداء واجباتهم.
مصطلحات الرتب العسكرية العربية الموحدة:
صادقت الدول العربية على اتفاق الدفاع المشترك في عام 1950م في إطار جامعة الدول العربية، والذي ينص على توحيد المصطلحات العسكرية وخاصة الرتب العسكرية، فشكلت اللجان المتخصصة التي ارتأت أن تقسم رتب الضباط العربية إلى فئات كالتالي:
1.الرتبة الاستثنائية : مشير.
2.الضباط الأمراء : والمصطلح مقتبس من رتبة "الأمير" في العهد العباسي. وهي بالترتيب: فريق أول، فريق، عماد أول، عماد، لواء، عميد (وقد توجد حالات استثنائية في بعض الدول العربية).
3.الضباط القادة : والمصطلح مقتبس من رتبة "القائد" في العهد العباسي، وهي بالترتيب: عقيد، مقدم، رائد.
4.الضباط الأعوان : وتشمل رتبة نقيب وملازم أول وملازم.
5.رتب ضباط الصف : وهذه تختلف مسمياتها من جيش لآخر فنجد بعض الدول تستخدم رتب (جندي، مساعد أول مساعد، رقيب، إلخ) وجيوشاً أخرى تستخدم رتب (نائب عريف، عريف، رئيس عرفاء، وهكذا وهي لاتتعارض مع بعضها وتختلف فقط في التسمية وتحكمها كذلك أقدمية حامليها ومستوياتهم العلمية وخبرتهم العملية.
ولايزال يعمل بهذه الرتب العربية العسكرية الموحدة في كل الجيوش العربية وتعتمد أقدمية حامليها في التمارين والمناورات المشتركة.
مقارنة الشارات العسكرية العربية مع بعض الجيوش الأجنبية:
تتشابه شارات الرتب للقوى البرية في الجيوش العربية المحمولة على الكتفين مع شارات الجيش البريطاني، فيما عدا أن النجمة الخماسية تصبح رباعية والعقاب تاجاً، وبعض الفوارق الأخرى وقد عدلت شارة النجمة في الجيوش العربية لتكون على هيئة نجمة بداخلها سيفان متقاطعان وصقر أو نسر ، في حين تستخدم القوى الجوية البريطانية شرائط مميزة في نهاية الكُمّين.
أما شارات الرتب العسكرية الأمريكية التي تُحمل على الكتفين وياقة القميص، فتبدأ من قضيب مذهب على الكتفين للملازم وفضي للملازم الأول وقضيبين فضيين للنقيب، وورقة السنديان المذهبة للرائد، والفضية للمقدم، ونسر بجناحيه المنشورين للعقيد، ونجوم خماسية للضباط الأمراء (1- 5 نجوم).
تعتمد شارات الرتب العسكرية الفرنسية على شرائط مقصبة صفراء مستقيمة قصيرة، لكل من الضباط الأعوان والقادة في نهاية الكُمّين أو على الكتفين وأقصاها خمس شرائط للمقدم والعقيد إحداها بيضاء للمقدم، وتستخدم النجوم الصغيرة للضباط الأمراء بدءاً من نجمتين للعميد.
تعتمد شارات الرتب العسكرية في روسيا على ثلاثة أنواع من الكتافيات منها ذات الخط الطولاني الواحد للضباط الأعوان، يضاف إليها نجوم خماسية معدنية صغيرة (1- 2- 3-4 نجوم)، وذات الخطين الطولانيين للضباط القادة تحمل نجوماً معدنية أكبر حجماً (1- 2- 3 نجوم)، وذات الخط المنكسر للضباط الأمراء تحمل نجوماً مطرزة (1-2- 3 نجوم).
أما جنرال الجيش ومارشالات القوى فيعتمد لها نجمة مطرزة بالخيوط المذهبة من القياس الكبير مضافاً إليها شعار القوى، ولمارشال روسيا الاتحادية نجمة مكللة من القياس الكبير مضافاً إليها شعار الدولة.
وتجدر الإشارة إلى أن للقوى البحرية في العالم شارات مميزة بتفردها بينما شارات ورتب القوات البرية تتشابه مع رتب وشارات القوات الجوية.
تجذر الإشارة إلى الأسماء التي تدل على الرتب العسكرية العربية بعضها عربي وبعضها لاتينية وفيما يلي معاني أسماء الرتب العسكرية بالترتيب حسب السياق المعمول به في أغلب الجيوش العربية.
الملازم:
ورد في المعاجم اللغوية في معنى (لزم) لزم الشيء بالكسرة لزوماً ولزاماً أي ثبت ودام ولزمت به ولازمته، واللزام والملازم: من يظل يلزم الشيء ولا يفارقه .
وقد أطلق على الضابط في هذه الفئة من الرتب العسكرية ملازماً لكونه يلازم فصيله ويداوم عليه وعند الترقية يصير ملازم أول ومن الثابت تاريخيا أن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أوجد ما يعادل رتبة الملازم وهي (الخليفة) الذي يقوم بالإشراف على نحو خمسين مجنداً ويلازمهم وقد ظلت رتبة (الخليفة) متداولة في الجيوش الإسلامية لعدة قرون خلال العصرين الأموي والعباسي .
النقيب:
ويسمى في اللغة العربية نقيباً لأنه "شاهد القوم وضمينهم والمنقب في أحوالهم والجمع منه (نقباء) وقد عرفت رتبة النقيب قديماً في الجيوش الإسلامية منذ صدر الإسلام وكان لحاملها صلاحيات ومسؤوليات قيادة عشرة عرفاء وبالاحتكاك الغربي مع الجيوش الإسلامية نقلت هذه الرتبة بواجباتها ومسؤولياتها وصلاحياتها وكذلك مسماها للجيوش الغربية وسميت (Nacebus) وفي اللاتينية centurialis أي قائد المئة ويقود وحدة المئة.
الرائد:
الرائد هو من يتقدم القوم ويبصر لهم والجمع منه رواد وثبت تاريخياً أنه كان هناك مجموعة خاصة من قوات الاستطلاع في الجيوش الإسلامية مهمتها الرئيسية التقدم لاختبار واختيار منطقة المعسكر ومن ثم رسم حدودها ونصب الخيام بها وكان على رأس هذه المجموعة التي اشتهرت باسم (المجموعة الرائدة) فارساً يلقب بـ الرائد أو قائد المجموعة.
المقدم:
المقدم هو الآمر الذي يتقدم الطليعة من الجيش وهي رتبة عسكرية كانت معروفة في العصر العباسي باسم (مقدم المعسكر) وفي عصر المماليك في مصرعرفت ب (مقدم ألف) لكون حاملها في مقدمة ألف من المقاتلين.
العقيد:
زعيم القوم عقيدهم وقد عرفت هذه الرتبة قديماً باسم (الجوربجي) أو (رئيس الأورطة) بكباشي وهو يعادل في بعض جيوش الغرب رتبة كولونيل (Colonel) الذي يتولى أمور القيادة لعدة سرايا تخضع لتشكيل كان يعرف باسم (الرتل) أو الطابور (Columnومنها جاءت كلمة (كولونيل).
العميد:
عميد القوم سيدهم وعَمُودُهم الذي يعتمد عليه في ضبط وتنظيم الأمور وإذا حَزَبهم بهم أَمرٌ فزِعوا إليه وقد عرفت هذه الرتبة وهي من الرتب العسكرية المتقدمة، وكان لصاحبها ممارسات وصلاحيات واسعة في إدارة العمليات وتقابل رتبة العميد لقب (سكبان باشا) في عهد الانكشاريين وعرفت قديماً خلال فترة الدولة العثمانية بإسم (زعيم).
اللواء:
وهو يقابل في العصور الإسلامية الأولى (أمير الجيش) الذي يقود عشرة آلاف مقاتل وقد عرفت رتبة اللواء عند السلاجقة اسم (أتابك العسكر) وعند العثمانيين (الأغا) .
الفريق:
الفريق هو الرئيس القائم على الفرقة المركبة من عدة ألوية وأصله (ميرفريق) أي أمير الفرقة المركبة وعند الترقية ترفع رتبة الفريق إلى (فريق أول).
المشير:
وهي أعلى الرتب العسكرية في الجيوش الحديثة والمشير في لغة العرب هو الحكيم الناصح الذي يهتدى برأيه، ولم تكن هذه الكلمة شائعة كلقب أو رتبة في الجيوش الإسلامية، بقدر شيوعها في الحياة المدنية بين بعض رجال السياسة المتميزين.