يقدم هذا البحث شرحاً مبسطاً لمفهوم الإدارة الحديثة ومكوناتها، ويركز على أحد أهم هذه المكونات وهو التخطيط الاستراتيجي، من خلال إيضاح ضرورة استخدام هذا المفهوم في سياسة المؤسسة العسكرية مستقبلاً، كما يقدم تصوراً لاستحداث إدارة للتخطيط الاستراتيجي بهيكل المؤسسة يناط بها وضع خطة إستراتيجية متكاملة بعيدة المدى وخطط تنفيذية لكافة الأركانات والوحدات بحيث تحقق هذه الخطط الأهداف التي تقود إلى تحقيق الرؤية العامة للمؤسسة العسكرية.
تولي الدول المتقدمة اهتماماً كبيراً بالتخطيط الاستراتيجي كأهم الأدوات الإدارية بمؤسساتها، لضمان تحقيق أهدافها ومن ثم الوصول إلى تحقيق الرؤية المستقبلية لتلك المؤسسات. فهذه الدول تدرك جيداً أن السبيل الأمثل لتحقيق غاياتها هو العمل وفق الأسس والنظم الإدارية الحديثة، وتسخير الوسائل التقنية والإمكانات البشرية والمادية مجتمعةً لتصب في طريق تحقيق تلك الأهداف، ولكي تتمكن مؤسساتنا المدنية والعسكرية من مواكبة التطور العلمي والتقني لابد لها من إتباع أساليب الإدارة الحديثة، ومن بينها التخطيط الاستراتيجي والعمل على تأصيل هذا المفهوم داخل النظام الإداري بالمؤسسة العسكرية، ووضع الآليات اللازمة لتطبيقه في المستقبل، حتى نتحول بهذه المؤسسة إلى مؤسسة فعالة قادرة على أداء واجباتها ومهامها المنوطة بها، من حماية حدود الوطن وفق العقيدة العسكرية الصحيحة والتي لابد أن يكون الولاء فيها للوطن لا للأشخاص، وكذلك المساهمة في بسط الأمن في الداخل، والمشاركة الفعالة في النهوض بالاقتصاد الوطني من خلال الاستثمارات الواجب استحداثها بالمؤسسة مستقبلاً. وسنتطرق لمفهومي الإدارة الحديثة والتخطيط الاستراتيجي في هذا البحث.مفهوم الإدارة الحديثة:
نجاح العمل المؤسساتي يعتمد أساساً على الإدارة، فأي مؤسسة لا تستطيع تحقيق أهدافها إلا من خلال إدارة مؤهلة تتمتع بالخبرة في تخصصها، وبالتالي فإن مفهوم الإدارة يختلف من منظور إلى آخر، ولقد وضع هنري فايول تعريفاً دقيقاً للإدارة، حيث عرفها على أنها " التنبؤ والتخطيط والتنظيم وإصدار الأوامر والتنسيق والرقابة". وتحدد المكونات والركائز الأساسية للإدارة الحديثة الآن لدى الكثيرين من الخبراء والمهتمين بهذا المجال في:
- التخطيط (Planning)، باعتباره يمثل التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له كما سيأتي شرحه لاحقاً.
- التنظيم (Organization)، وهو تنسيق الجهود لتحقيق الهدف.
- التوجيه (Guiding)، وهو تحديد المهام والواجبات.
- الرقابة (Controlling)، وهي متابعة تقييم الأداء ومراجعة المهام المنجزة، ما تم انجازه مع ما خطط له.
من هذا التعريف للإدارة، نلاحظ أن التخطيط الاستراتيجي يأتي في المرتبة الأولى، وهو الأداة الإدارية ذات التأثير الأكبر في نجاح النظام الإداري لأي مؤسسة. ومن هنا سنلقي الضوء على هذا المفهوم نشئ من التفصيل.
مفهوم التخطيط الاستراتيجي:
هو عملية اختيار أهداف المؤسسة وتحديد السياسات والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق الأهداف وتحديد الأساليب الضرورية لضمان تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الموضوعة, ويمثل العملية التخطيطية طويلة المدى التي يتم إعدادها بصور رسمية لتحقيق أهداف المؤسسة.
أ. فوائد التخطيط الاستراتيجي:
للتخطيط الاستراتيجي عدة فوائد عامة، منها:
- وضوح الرؤية وتحقيق الأهداف.
- الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات.
- تحقيق التكامل والتنسيق بين مكونات المؤسسة.
- السيطرة على مشاكل التنفيذ.
- تحديد الأولويات وترتيبها.
- تخفيض المخاطر سواء كانت خارجية أو داخلية.
وكذلك يمكننا استخدام مفهوم التخطيط الاستراتيجي في المؤسسة العسكرية بوضعها الحالي من:
- تحديد العدد الفعلي المطلوب للمؤسسة العسكرية من الكوادر البشرية من أفراد وضباط صف وضباط ومتعاونين، وبيان مؤهلاتهم ومدى الجدوى من خبراتهم من عدمه.
- وضع الخطط المناسبة لاحتواء الثوار بالمؤسسة وفق برامج مدروسة.
- وضع خطط للتدريب التقني والتخصصي للأفراد، وفق احتياجات المؤسسة وما تقتضيه المرحلة.
- تحديد الميزانيات اللازمة لعمليات إعادة إعمار المعسكرات والمنشآت وفق خطط مدروسة، والحد من استنزاف المال العام.
- وضع الخطط والبرامج لعمل استثمارات مادية بالمؤسسة العسكرية، والاستفادة من هذه الاستثمارات في تشغيل أكبر عدد من الشباب من أبناء العاملين بالمؤسسة وكذلك الضباط وضباط الصف المتقاعدين.
ب. معوقات التخطيط الاستراتيجي:
بعض المعارضين لاستخدام التخطيط الاستراتيجي يعللون قولهم بأن بعض المؤسسات قد فشلت في تحقيق أهدافها بالرغم من إتباعها لخطط إستراتيجية، ولكن الحقيقة غير ذلك، فقد تبين من الدراسات العديدة أن الفشل لا يرجع لاستخدام التخطيط في حد ذاته، بل يرجع في الغالب لأحد الأسباب التالية:
- الإعداد السيئ للخطة وعدم دراسة الواقع بشكل جيد.
- عدم إلمام الإفراد بالخطة العامة للمؤسسة.
- عدم اتخاذ القرارات وفق الخطة الإستراتيجية.
- فقدان التركيز والبعد عن الخطة الإستراتيجية.
نماذج التخطيط الاستراتيجي:
عُرف العديد من نماذج التخطيط الاستراتيجي، من أشهرها:
- - نموذج فايفر Pfeiffer، وهو الأكثر شمولية.
- - نموذج السيناريو، وهو وضع خطط وتصورات بناءاً على سيناريوهات قابلة الحدوث، وتستخدمه وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية.
- - نموذج (SWOT)، وهو تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات للواقع.
- - نموذج (PMSP)، وهو نموذج يستخدم في البيئات الغير مستقرة مثل البورصة.
التصور الفعلي لإدارة التخطيط الاستراتيجي بهيكل المؤسسة العسكرية:
حيث أن الرؤية العامة للمؤسسة العسكرية تحددها المستويات العليا متمثلةً في المجلس الأعلى للدفاع والذي يتكون غالباً من رئيس الدولة ورؤساء الوزارات السيادية ورئيس الأركان العامة للجيش، فإنه يستلزم أن يكون ارتباط وتبعية إدارة التخطيط الاستراتيجي لرئاسة الأركان العامة مباشرةً، بحيث تكون في أقرب موقع من سلطة اتخاذ القرار، وبالتالي يمكنها تحديد الأهداف العامة التي تحقق الرؤية العليا، ويسهل على فريق التخطيط مراجعة كل ما يتعلق بهذه الرؤية والبحث فيها حتى تتضح الصورة بشكل تام فيتمكن من وضع الخطة الإستراتيجية والخطط البديلة التي تقود إلى تحقيق الرؤية العامة للمؤسسة العسكرية. والشكل رقم (1) يبين موقع الإدارة بالهيكل التنظيمي للمؤسسة.
الشكل العام لإدارة التخطيط الاستراتيجي:
وفق الأسس العلمية الحديثة، وحسب ما يقتضيه الوضع الحالي للمؤسسة العسكرية، فإن إدارة التخطيط الاستراتيجي ستتكون من عدد من المكاتب الرئيسية، وهي: مكتب الجودة - مكتب تخطيط الموارد البشرية - مكتب تخطيط الميزانية - مكتب الدراسات والعلوم العسكرية - مكتب نظم المعلومات - مكتب المتابعة وتقييم الأداء.
و يتشكل من رؤساء هذه المكاتب فريق التخطيط الاستراتيجي، ويحدد لكل مكتب مهامه وواجباته واحتياجاته من الكوادر البشرية لأداء مهامه، كما يمكن الاستعانة ببعض الخبرات من خارج المؤسسة في بعض الأحيان حسب ما تقتضيه الخطة. والشكل رقم (2) يبين مكونات إدارة التخطيط الاستراتيجي
مهام إدارة التخطيط الاستراتيجي:
يمكن تلخيص أهم الواجبات والمهام المنوطة بإدارة التخطيط الاستراتيجي في الآتي:
- صياغة الرؤية وتحديد الأهداف للمؤسسة العسكرية. " دراسة الواقع وتحديد الاحتياجات للوصول إلى الرؤية.
- تحديد الأولويات وعرضها على القيادة.
- وضع الخطة الإستراتيجية وعرضها على القيادة خطوة بخطوة.
- متابعة تنفيذ مراحل الخطة الإستراتيجية وفق الجدول الزمني المعد وتقييم الأداء وإمكانية التعديل حسب المتغيرات.
- تقديم الاستشارات والدراسات للقيادة عند الطلب.
- نشر ثقافة العمل بأسلوب التخطيط الاستراتيجي في المؤسسة العسكرية لتحسين الأداء وسرعة تحقيق الأهداف.
- تطوير الإدارة بالمؤسسة العسكرية والتحول تدريجياً للإدارة الالكترونية.
متطلبات إدارة التخطيط التخطيط الإستراتيجي:
لتتمكن إدارة التخطيط من أداء مهامها، فإنها تحتاج للمتطلبات التالية:-
- استصدار قرار بتشكيل إدارة التخطيط الاستراتيجي، واعتماد صلاحياتها.
- تأهيل وتدريب فريق التخطيط على أساليب التخطيط الاستراتيجي، بدورات مكثفة وسريعة تشمل (التخطيط الإستراتيجي-إدارة الموارد البشرية-الإدارة المالية- إدارة المؤسسات - الجودة الشاملة وتقييم الأداء).
- منح صلاحيات لفريق التخطيط تمكنه من جمع المعلومات و البيانات لوضع الخطة،وتسهيل عملية الاتصال بكافة الوحدات.
- توفير الإمكانيات المادية اللازمة لأعضاء فريق التخطيط للقيام بمهامهم.
مراحل إعداد الخطة:
هناك الكثير من أساليب إعداد الخطط الإستراتيجية . و من أشهر الأساليب المستخدمة في بناء وإعداد الاستراتيجيات ما يلي:
- أسلوب تحليل الأسئلة الحرجة.
- أسلوب تحليل جوانب القوة والضعف والفرص والمخاطر.
- أسلوب تحليل مجالات العمل.
- أسلوب استخدام السيناريوهات.
- أسلوب الطوارئ أو الموقف.
- أسلوب فايفر.
وسنوضح هنا مراحل إعداد الخطة باستخدام نموذج فيفر للتخطيط وهو النموذج الذي تلجأ لاستخدامه الكثير من المؤسسات و الشركات العالمية الكبرى حديثاً. ويتكون من المراحل الآتية:-
أ. التخطيط للتخطيط:
ويعني أن تخطط قبل البدء في عملية التخطيط نفسها ووضع الشروط الأزمة للتخطيط ومنها:-
- تحديد أعضاء فريق التخطيط و عددهم و درجة تفرغهم.
- تحديد المؤثرين و المتأثرين بعملية التخطيط من أفراد وجهات.
- اعتماد نموذج التخطيط لوضع الخطة.
- تحديد نوع وطريقة جمع المعلومات اللازمة لإعداد الخطة.
- تحديد مدة الخطة و المدة الزمنية اللازمة لعملية التخطيط.
- تحديد نوع الدعم اللازم من الجهات العليا.
- تهيئة المؤسسة لعملية التخطيط الاستراتيجي.
ب. استعراض القيم:
ويتم في هذه الخطوة استعراض الأشياء التي تمثل قيم عالية للمؤسسة العسكرية مثل (الفرد- الأمن- العقيدة العسكرية-الأمانة- التميز- روح الفريق)، واعتمادها.
ج. الــــرؤية:
وهي صورة أو شكل المؤسسة العسكرية بعد عدد من السنين، وتكون الرؤية وفق القيم التي اعتمدتها المؤسسة، فتتصف بالشمولية والوضوح والطموح، وتكون غالباً مختصرة في عدد من الكلمات حتى يسهل حفظها من الجميع، وتعلق في الأماكن البارزة بوحدات المؤسسة.
د. الــــرسالة:
وهي نوع المهمة التي تقدمها المؤسسة العسكرية، والمستهدفون بهذه المهمة.
هـ. نموذج العمل الاستراتيجي:
يعني مجالات العمل الرئيسية، ومنها:
- مجالات العمل وغاياتها.
- مؤشرات النجاح.
- وحدات التنفيذ ( الهيكل التنظيمي).
و. تقييم الأداء (دراسة الواقع):
وهو تحليل نقاط القوة والضعف والفرص المتاحة وكذلك المخاطر المتوقعة لكل وحدة ومؤشر باستخدام تحليل سوات (SWOT) لتقييم الأداء.
ز. تحليل الفجوات:
وهو سد الفجوات والعيوب التي قد تظهر في التخطيط، بمقارنة الوضع الحالي لكل وحدة ولكل مؤشر مع الوضع المطلوب في الخطة الإستراتيجية.
ويبين الشكل رقم (3)، المراحل السابقة ( هـ، و، ز) من الخطة.
ورقة بحثية نشرت في المؤتمر العلمي الأول للجيش الليبي, كتبها: رائد مهندس فرج محمد الشمام, مقدم مهندس محمد علي الريشي, مقدم مهندس عاشور رحيمة سالم, مقدم مهندس لؤي بشير مالك, مقدم دكتور مهندس هشام محمود الهتكي