الحياة مليئة بالتجارب التي غالبا ما تترك آثارا عميقة في دنيا الشعوب، إذ ليس غريبا أن تمر الدول في مسيرتها عبر الزمن بظروف وأحداث إستثنائية تجبرها على معايشة واقع غير إعتيادي.. ولعلّ الإنخراط في خضم التجارب هو السبيل للتمييز بين الصح والخطأ والأداة التي تتحّسس بها الأمم الطريق إلى ما هو أفضل للخروج من الأزمات والمحن
ومن المسلّم به أن الظروف العصيبة التي مرت بها ليبيا ليست إستثناءً من تصاريف الحياة، وهناك حاجة لاقتفاء أثر الشعوب المتميّزة والواعية التي استطاعت أن تحوّل الأزمات إلى نقطة انطلاق للوصول إلى مبتغاها، بعد أن اتّعظت من الدروس واستثمرت التجارب واغتنمت الفرص السانحة، وجعلت مفتاح النجاح بين أيديها.
لا مناص من القول بأن ظروفا محدّدة ألقت بظلال قاتمة على المؤسسة العسكرية، مع أنه لا خلاف في كون هذه المؤسسة أحرزت في عقود سابقة قدرًا لا يُستهان به من الكفاءة وبناء القدرات والتسليح.. غير أن التجارب والأوضاع اللاحقة التي وجدت فيها نفسها عبر مسيرتها وسط تلك العقود السابقة، قد أدّت بها إلى العديد من المتغيّرات وحالة من عدم التوازن.. ومع ذلك فمن المتاح تجاوز التأثير التراكمي، والتحلّي بفضيلة الإخلاص مع الإرادة وتكاتف الجهود، من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة التي يتطلع إليها عامة الشعب في توطيد أركان جيش وطني حقيقي قائم على أسس من الكفاءة والإقتدار والإنضباط العسكري، ويخضع لسلطة الدولة.
من نافلة القول أن الجيش هو حامي حِمى الوطن، وقد تجسّد ذلك في الجيش الليبي الذي تأسس قبل 82 عاماً، وقد اتخذ لنفسه راية مستقلّة في ديسمبر 1940، وشارك في قتال قوات المحور على امتداد الساحل الليبي وفي الصحراء، وقد لعب دورأ جوهريًّا في مجريات المعارك التي خاضها آنذاك على مدى ثلاث سنوات، قدم أثناءها جموعا من الشهداء.. ولا شك أن أداء الجيش الليبي حينذاك وإسهامه في هزيمة قوات المحور، التي من بينها جحافل الإحتلال الإيطالي، قد جسّد آمال الليبيين في تحرير بلادهم والتمهيد لإحراز الإستقلال.
في هذا السياق من الأجدر الإستئناس بالماضي المجيد للجيش الليبي العريق، وتكريس العمل بروح وطنية صادقة من أجل حماية الوطن والدفاع عن ترابه. وخلاصة القول فمن الأهمية بمكان التّامّل في الصفحات المُشرقة من تاريخ أمّتنا الليبية، عسى أن يتمّ الخروج منها بخلاصات ومواعظ، فالتاريخ قد يُعطي عبرا ثمينة ربّما يتعذّر تحصيلها بوسائل أخرى.