تعددت أنماط القتال خلال أحداث عملية طوفان الأقصى "حرب غزة" الجارية حالياً وجمعت الكثير من إستراتيجيات الحرب بحسب الموقف الميداني وتخطيط قيادات المقاومة , فتارة تسير العمليات بأسلوب حرب العصابات وإستخدام الانفاق والخنادق وأحياناً أخرى بأسلوب الحرب الهجينة
وهي في مجملها حرب غير متكافئة بالنظر الى ميزان القوى بين الطرفين والذي يميل للطرف المحتل ومع ذلك أستخدمت فيها وسائط وأسلحة حديثة وتداخلت فيها البيئات ما بين أنفاق وبحر وجو وصحراء لتجتمع في هجين عملياتي تغلب عليه سمة ما يعرف بالحرب الحضرية حيث تدور الإشتباكات داخل شوارع وأحياء قطاع غزة المكتظ بالسكان والذي يتعرض لضربات جوية وقصف مدفعي منذ ما يقارب الثمانون يوماً ،كل تلك الأنماط القتالية فرضت تحديات كبيرة على الطرفين من حيث التعامل مع هذا الخليط المعقد المتشكل من أنماط القتال إذ ليس من السهل تحقيق نصر حاسم لأي طرف من خلاله ومن أكبر مشكلات الجيوش المعاصرة الدخول في حرب حضرية غير مضمونة النتائج وما جرى في ستالينغراد إلى غروزني إلى مقديشو إلى الفلوجة لايزال شاهداً تاريخيا على سوء التخطيط للمعارك الحضرية، فالحرب الحضرية تخدم المدافع وتسمح له بتشكيل موقع المعركة بمرونة شديدة، فيفرض قواعده عليها وليس العكس فما بالك بحرب اجتمعت فيها استراتيجيات وخيارات عدة تساهم في تمكُّن المقاومة من التخفي وبناء كمائن معقدة متعددة وكان ذلك واضحاً في التغير الكبير لطرق وأساليب وتكتيكات المقاومة خلال أحداث حرب غزة التي كان لمبدأ المفاجأة فيها دور كبير حققت من خلاله نجاح ضربتها الأولى وما تبعها من هجمات تجاوزت من خلالها إجراءات أمنية وإستخبارية لم يخطر ببال أحد أن تكون هشة لهذا الحد , وهذا ما جعل العدو يفقد إتزانه بشكل واضح وكان ذلك واضحا من تخبطه الظاهر والملاحظ من تكثيف عمليات القصف لأحياء سكانية والتهديد بإخلاء المستشفيات وحملات النزوح للسكان المدنيين ومع الإقرار بتفوقه في العدة والعتاد إلا أنه لقن فيها درسا سيذكره طويلاً ولن ينساه.
أستخدمت المقاومة خلال عملية عاصفة الأقصى عدداً من الأسلحة الجديدة والتي غلب عليها طابع التصنيع والتطوير المحلي بأيدي وعقول فلسطينية كان لها تأثير كبير سير العمليات القتالية وكان من أبرز تلك الأسلحة "عبوات شواظ " وهي عبوات مدمرة نجحت المقاومة في تصنيعها وتطويرها وتمكنت من خلالها باصطياد دبابات العدو وآلياته بعد بدء العملية البرية لإجتياح قطاع غزة وتدميرها بشكل حاسم أفقده صوابه.
بدأت صناعة العبوات الناسفة ضمن مشاريع التسليح المحلية الصنع التي يقوم بها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في غزة، وشهدت الإنتفاظة الثانية دخولاً عمليا لسلاح العبوّات الناسفة، حيث استخدمته أجنحة المقاومة في نصب الكمائن كما حدث في عملية "عمانوئيل الأولى"، وفي الاشتباكات والتصدي لجنود الاحتلال ومدرّعاته خلال عمليات الاجتياح التي يقوم بها داخل مدن القطاع من خلال العبوّات التي تُزرع وسط وجانبي الطريق على جوانب الطُرق المُقدر مرور قوات الاحتلال عليها.
وبعد نجاحها تطورت صناعة العبوّات لتظهر نماذج متعددة من العبوّات الناسفة خلال وقتٍ قصير من بدء الانتفاضة، وكان لسهولة إعدادها وتجهيزها وبساطة استخدامها أثر كبير في نجاحها فهي تتميّز بخفّة الوزن وبالتالي سهولة النقل، إضافةً إلى فاعليتها وقدرتها التفجيرية الكبيرة، كانت أوّلى تلك النماذج عبوة "شواظ 1" الكبيرة الحجم التي تحتوي على 40 كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار، ونماذج "شواظ 2" و"شواظ 3" الأكثر فعالية، وهكذا ومع التطور المتواصل لها ظهرت شواظ 7 الخفيفة الوزن والأكثر فعالية والتي وصل فيها وزن العبوة إلى حوالي 3.5 كغم من المواد المتفجرة شديدة الانفجار، ويمكنها اختراق حديد صلب بسمك 38 سم، ويتم تفجيرها من خلال صاعق كهربائي، وتوضع عادة فوق سطح الأرض، ليكون تأثيرها بأكبر قدرة على الدبابات الإسرائيلية.
إستهدفت العبوات بشكل كبير دبابات ميركافا التي تعتبر فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية وهي دبابة متطورة للغاية يصفها الاحتلال الإسرائيلي بـ"الأسطورة التي لا تقهر" لمواصفاتها التي تجعلها من الدروع الأقوى والأكثر تحصينا بالعالم حيث أنها مزودة بنظام تروفي للحماية النشطة وهذا النظام الحديث يوفر للدبابة حماية عالية من مهتلف الجهات لضمان حماية طاقِمها وكان استهدافها وتدميرها إنجازاً عظيماً له شأن.
كشفت عمليات الإستهداف المتعددة نقاط ضعف الدبابة ما جعل مصممي العبوات يبدعون في تطوير أجيال جديدة من عبوات "شواظ" خاصة بعد أن أتت تلك العمليات بنتائج مرضية لحركة المقاومة وهكذا جاءت عبوات "شواظ 2" و"شواظ 3" بأحجام وقدرات تدميرية مختلفة.
مثلت تلك الخطوة تقدمًا مهمًا في تقنيات تصنيع السلاح للمقاومة بشكل عكس تفوقها العسكري والتكنولوجي في ظل الظروف الأمنية المتغيرة، إذ أصبح بإمكان المقاومة الفلسطينية مهاجمة مستوطنات العدو الإسرائيلي ومواجهة انتهاكات الاحتلال وتدمير آلياته ودباباته ، وتحقيق تأثير كبير من خلال تكتيكاتها الدفاعية.
شواظ 7 :
هي أحدث نوع من عبوات شواظ , أعلنت عنها كتائب القسام في يوليو الماضي وهي عبوة ناسفة مضادة للدبابات والعربات العسكرية والأفراد,وتعد "شواظ-7" الأكثر تطورا في عائلة عبوات شواظ ولها قدرةٌ تدميرية عالية قياساً بالنماذج التي سبقتها, وهي تحتوي على 3.5 كيلوغرامات من المواد شديدة الانفجار، تمكنها من إختراق درعاً بسمك 38 سنتيمترا من الحديد الصلب من مسافة 3-5 أمتار , ويتكون جهازها المتفجر من علبة تحتوي على مادة متفجرة ومغطاة ببطانة بشكل مخروطي، ويتم تفجُيرها كهربائياً.
تنتمي عبوات "الشواظ" الى فئة المقذوفات الخارقة المشكلة انفجاريا EFPs ويحتوي الرأس الحربي للذخيرة EFP-S على "شحنة طبقية"، وتأثير قوي خلف الدروع، ومدى طويل يتم استخدامه ضد المركبات المدرعة الخفيفة (المدافع ذاتية الدفع، ومركبات المشاة القتالية، وناقلات الجنود المدرعة)، والتي تكون محمية بواسطة دروع ومعدات مضادة للطائرات بدون طيار.
تتكون من قمع نحاسي ومادة شديدة الانفجار وهيكل العبوة والصاعق , عند انفجار المادة يتحول القمع النحاسي الى مقذوف ملتهب ينطلق نحو الهدف بسرعة عالية جدا تتراوح بين 1500-3000 متر/ثانية من مسافة قريبة ما يؤدي الى اختراق الهدف وتدميره نتيجة ديناميكيات موجة الصدمة , ومن أهم ميزاتها خفة وزنها وسهولة نقلها وخاصة النماذج الأحدث إلى جانب قدرتها التدميرية الكبيرة وقلة الاضرار الجانبية التي تسببها , كما ان قدرة اختراقها لا تتأثر بوجود الدروع القفصية والتفاعلية , وهي تصلح لاستهداف كافة انواع العربات العسكرية., وايضا يصعب كشفها كونها تزرع بعيدا عن الطرق , والاهم سهولة تصنيعها وإنخفاض تكلفتها وقلة الوقت الذي تحتاجه.
تتشابه عبوات شواظ في الشكل والتصميم ونظرية العمل مع ذخيرة أوكرانية خارقة للدروع من طراز EFP-S تسمى عائلة Shock Wave Dynamics (SWD) إلا أن الأخيرة ذات مظهر جيد وذلك لإختلاف أدوات التنفيذ وورش العمل , إستخدمت القوات المسلحة الأوكرانية هذا النوع من الذخائر مؤخراً ضد مواقع الجيش الروسي وتقوم بتحميلها على طائرات بدون طيار من نوع FPV وقد أثبتت فعالية عالية في التصدى للمدرعات الروسية في محتلف مواقع القتال.
عبوة العمل الفدائي :
كشفت عنها كتائب القسام في معركة "طوفان الأقصى" وهي قنبلة يدوية صنعت وصممت من طرف كتائب القسام تنتمي عبوات شواظ 7 إلى فئة العبوات المضادة للأفراد والعربات العسكرية والدبابات , تزن العبوة 3.2 كيلوغرامات ويبلغ طولها 57.3سم وقطرها 105ملم وتمتاز بقدرة إحتراق تصل إلى 60 سنتيمتراً في الحديد الصلب وتُشبه آلية عملها القنابل اللاصقة.
كان ظهور عبوة العمل الفدائي لافتاً خلال أحداث حرب غزة كمنتج حربي محلي له فعالية عالية في التصدي للجيل الرابع من ميركافا وخاصة بعد ظهور أبطال المقاومة وهم يستهدفونها من المسافة صفر وهذه الجرأة في التنفيذ تميز بها مقاتلوا حماس ولفتت الأنظار إليهم في زمن صارت فيه الأعمال القتالية تتم عن بعد كالألعاب الإلكترونية وكانت صورة واضحة أظهرت مدى شجاعة مقاتلي حماس بشكل علني حيث أنتشرت مقاطع مصورة تظهر مشاهد التصدي للدباب الإسرائيلية في عمليات تتصف بالجرأة والبسالة.