يقصد بالأدبيات كل تلك السلوكيات التي تظهر الإحترام المتبادل بين العسكريين والدالة على مدى الجدية والإنضباط في تعاملهم فيما بينهم وهي تعتبر بمثابة قواعد السوك العامة المتبعة بين العسكريين في جميع أنحاء العالم يتعلمها العسكري في المدارس
والأكاديميات العسكرية وتصبح جزءاً من حياته اليومية بها تتحدد معالم العلاقة بينه وبين قادته وبينه وبين زملائه ضمن إطار منظم لايختلف عليه أحد في مظهرا بل إنها تعد من سيمات العسكرية الناجحة ومقياس لمدى الإلتزام بالأعراف العسكرية التي تقود في النهاية لجيش منضبط مدرب يستطيع أن يخوض معارك الشرف والكرامة دفاعاً عن الوطن والأمة .
من الأدبيات والتقاليد العسكرية القديمة المنتشرة التي تطبق بشكل واسع ومتعارف عليه في جيوش العالم أجمع التحية العسكرية ، وهي عرف عسكري متواتر منذ القدم تلتزم به جميع جيوش العالم في عاداتها و ثقافتها العسكرية بشكل ظاهر وتعد العنوان الأبرز لمدى الجدية والإنضباط لدى أي جيش .
في قواعد السلوك العسكري تعتبرالتحية العادية أوالمصافحة باليد أمراً منافياً للضبط والربط العسكري المفترض توافره بين العسكريين , وقد تأتي المصافحة باليد بعد أداء التحبية زيادة في التقدير والاحترام فالإلتزام بالضبط والربط العسكري عنصر أساسي في نجاح الجيوش وتقدمها، ولذلك فأداء التحية العسكرية تعتبر دلالة على الاحترام الواجب من الجندي لمرؤسيه الأعلى منه رتبة، كلما التقى بهم أو تقابل معهم، وهي تعبير على الانضباط والطاعة وتعتبر بمثابة تحية متبادلة بينهم إذ يرد عليها الأقدم بنفس الكيفية.
تنوعت أشكال التحية العسكرية عند الكثير من شعوب العالم في مختلف العصور التاريخية ويرجع تاريخ هذا التقليد حسب رواية بعض المؤرخين إلى العصور الرومانية حيث كانت الاغتيالات والجرائم كثيرة في ذلك العصر وكان على المواطن الذي يود أن يتقدم إلى ضابط أو أي رتبة عسكرية كان عليه أن يتقدم ويده اليمنى مرفوعة ليثبت انه لا يحمل سلاحاً وبالتالي كانت دليلاً على إعطاء الأمان أولاً ثم الإحترام ، كما كان الفرسان الأوروبيين يرفعون خوذاتهم عند مقابلة الأعلى رتبة ثم تطورت هذه الحركة حتى أصبحت طريقة لإبداء الاحترام بالإيماء بالرأس فيما بعد ولا زالت هذه الطريقة معروفة ومألوفة حتى يومنا هذا وتكثر في طبقة النبلاء والأمراء عند الغرب وفي كثير من شعوب العالم.
هناك من يرى أن أصل التحية العسكرية يعود إلى عهود قديمة حيث كان المسافرون عند لقائهم على الطرقات يشير الواحد منهم للآخر برفع يده اليمنى مفتوحة، تأكيدا على أنه أعزل لا يحمل سلاح، وليعلن أنه مسالم وليس عدوا محتملا ويرى آخرون أن أصلها يعود إلى أيام الفروسية، عندما كان الفرسان يلبسون الخوذات الحديدية التي كانت تتميز بحجاب حديدي واق للوجه، يرفع إلى أعلى لكشف الوجه، ويعاد لحمايته دون إزالة الخوذة وكان الجنود يرفعونه باليد اليمنى لتحية الضباط ولإثبات هويتهم ، وكانت في زمن آخر تقدم بالإنحناء ، وفي حالات أخرى كانت تؤدى بالركوع أو حركات مختلفة باليد و الذراع أو بطريقة رفع القبعات حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث كان الضباط الأدنى رتبة يحيون الضباط الأعلى رتبة وهذا التقليد على الأرجح يعود إلى الأيام التي كان يرفع فيها الفارس مقدمة خوذته أو يكشف رأسه أمام الملك دلالة على تقديره وولائه ، ثم تطورت هذه الحركة عند نهاية القرن الثامن عشر إلى لمس القبعة ومن ثم أصبحت تؤدى التحية العسكرية برفع اليد اليمنى حتى مستوى الجبين مع إبقاء اليد مفتوحة في وضع الوقوف وبقيت معروفة بهذا الشكل حتى يومنا هذا.
يروى أن التحول من نزع القبعة إلى مجرد رفع اليد في التحية حدث لسبب عملي فعندما كان الجنود يحشون بنادقهم بالبارود كانت البودرة السوداء تشوه أيديهم و تجعلها وسخة جدا, وكان يتوجب عليهم بعد ذلك استخدام أياديهم المتسخة لنزع قبعاتهم للتحية وبالتالي ستتلف القبعة وستكون مشوهة ووسخة بشكل لا يليق بنظافة الجندي وإهتمامه بمظهره وقيافته , لذا حصل الانتقال إلى تحية اليد وصارت شكلاً متعارفاً عليه وكان الضابط أو الجندي الذي يحمل سيفا على الكتف, سواء أكان راكبا أو مرتجلا يؤدي التحية بجلب المقبض إلى فمه ثم يمد السلاح إلى اليمين و الأسفل وهذا الشكل من التحية يعود إلى العصور الوسطى حين كان الفرسان يقبلون مقابض سيوفهم كرمز لصليب المسيح كإشارة دينية واضحة وكان آنذاك شكل من أشكال أداء القسم وللأسف ظلت هذه التحية تؤدى بهذا الشكل إلى الآن في كثير من جيوش العالم حتى العربية والإسلامية منها.
تؤدى التحية العسكرية عادة إحتراما وواجباً للضباط والأعلى رتبة والقادة العسكريين ورؤساء الدول والملوك والأمراء حتى وإن لم يكونوا يحملون رتباً عسكرية وأيضاً عند تحية العلم والنشيد الوطني للدولة وهي من علامات اللياقة وحسن الأدب عند جميع الشعوب وفي مختلف الحضارات.
وتؤدى التحية العسكرية باليد اليمنى وبالشكل المتعارف عليه عالمياً مع إختلافها البسيط في الوضعية بحسب السلاح فتحية القوات البحرية في عموم العالم تختلف في شكلها غن باقي افرع الأسلحة , كما أنها تختلف عندما يكون العسكري بكامل قيافته العسكرية وعندما يكون العسكري مرتدياً زياً مدنياً أو يكون نازعاً لغطاء الرأس فأنها تؤدى بأن يقف العسكري بوضع الإستعداد ويرفع كامل جسمه للأعلى على مشط رجليه برهة ثم يعود لوضع الإستعداد ثانية ، وعندما يكون الضابط آمراً لحرس الشرف فأنه يستل سيفه للأعلى ثم يقبله ويطرحه للأرض بإتجاه اليمين في حركة سريعة رشيقة ، ثم يضع يده في وضع موازي لوسطه ويثبت السيف أمام وجهه.
كما تؤدي التحية العسكرية بالسلاح وذلك في حالة كون العسكري حاملاً لبندقيته إعتزازا بسلاحه وتقديرا لقادته والأقدم منه.