نحن الآن في طور بناء دولة جديدة تتغير فيها المفاهيم و تتطور فيها الآليات وتصبح تنمية الإنسان من أهم الأولويات،
ومن المؤكد أن الأمم لا تتوقف عن المراجعات لسياساتها التربوية ونقد الذات و محاولة البحث والدراسة في تحسين الأداء والتطور ويجب أن ألا تكتفي الدولة بالاقتباس من الأمم الأخرى بل تبدع وتجرب في سياق وطني من شأنه أن يعكس نموها و تطورها و قدرتها على تجديد نفسها وتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، و التربية عموما أحوج ما تكون إلى المراجعة المستمرة فلا تتوقف عن العطاء الدائم وخاصةً عندما تواجه تحديات و أزمات مصيرية أو حينما يحدث انحراف في مسيرتها بسبب خلل خطير في المؤسسة التربوية وهذا الذي كان حقيقة واقعة وواضحة للجميع في جميع مؤسسات الدولة خلال السنين العجاف الماضية أثناء حكم الاستبداد والقهر و التخلف وخاصةً المؤسسة العسكرية التي انحرف فيها كل شيء عن مساره الصحيح الذي يجب أن يكون عليه.
كنا نسمع إبان النظام المنهار عن مصانع الرجال وأن الجندية هي أشرف ميدان و كثيراً ما دندنت وسائل إعلامه بهذه العبارات حين كان يقوم بتوجيه الشباب إلى الكليات العسكرية ومعسكرات التدريب ويقوم بجمعهم بالقوة ومطاردتهم وخطفهم من الشوارع والمدارس والملاعب الرياضية وغيرها وبكل وسيلة لتحقيق طموحات وأوهام شخص مريض في بناء جيش عظيم يفوق الإمكانيات البشرية للشعب الليبي مما أربك كل القطاعات الأخرى في المجتمع نتيجة العجز في الموارد البشرية ويتوهم بأن يصل لتحقيق حلمه بزعامة العالم كما وصف نفسه بالقائد الأممي ولا يتأتى ذلك إلا بجيش متخلف جاهل يوجه حيث يشاء وبشعارات ودعايات كاذبة مثل محاربة الإمبريالية وتحرير الأرض المغتصبة و توحيد الأمة بالقوة والكثير من الترهات التي دفع ثمنها جيل كامل بل أكثر من جيل وما أحدثه من خلل اجتماعي بسبب خسارة آلاف الضحايا من شهداء ومفقودين ومعاقين وهدر للإمكانيات الدولة الاقتصادية والبشرية وضياع سنين عديدة من عمر هذا الوطن و تحطيم أحلام و طموحات الأجيال الذين أجبروا بل اقتيدوا إلى هذه المصانع بواسطة الوحدات الأمنية المختلف وقد سدّ أمامهم كل سبل التعليم الأخرى وتمّ حرمانهم من الالتحاق بالجامعات والمعاهد المختلفة بالداخل و الخارج؛ ليزج بهم بعد ذلك في مغامرات جنونية في صحاري تشاد و أدغال أوغندة وما نتج عنها من خسائر بشرية كبيرة ومن كتبت له النجاة عاد محطماً الإرادة مكسور النفس وضاع منهم الكثير في مستنقع الإدمان على المخدرات بأنواعها وساءت سمعة المؤسسة العسكرية، وانقلب عليها رأس النظام نفسه عندما تمردت عليه ولم يحقق له هذا الجيش الوهم أحلامه المريضة ووصفه بأبشع الأوصاف والجميع يعرف المقال الشهير الذي نشر في إحدى الصحف بعنوان (الجيش حشيش وطيش) وأصبح هؤلاء الشباب منبوذين من المجتمع ويخجل كل عسكري أن يقول إنه ينتمي لهذه المؤسسة وأصبح الجيش عبارة عن مجموعة من الجهلة والمدمنين وفقدت الجندية سمات الرجولة والتضحية والفداء الذي يجب أن يكون من أهم صفاتها العملية التربوية:إن أساس العملية التربوية هو الإنسان وما ينطوي عليه من خصائص وإمكانيات والحالة الثقافية والاقتصادية للمجتمع عموما، فقد أصبحت العملية التربوية نظاما إنسانيا وبناء وطنياً وثقافياً وأخلاقياً، ويجب أن تعمل التربية العسكرية لبناء رجال ينهضون بمسؤوليات الوطن وحمايته وفق إستراتيجية متقدمة وسياسة مدروسة وفعالة تضعها القيادة العليا لهذه المؤسسة العسكرية وتقوم المستويات الأقل بتنفيذها بكل دقة وإصرار للوصول إلى بناء كوادر تسهم بكل إيجابية للنهوض بالمؤسسات العسكرية تسودها روح الفريق والمحبة والاحترام والرجولة التي تحمل صاحبها إلى علو الهمة والاعتزاز بالنفس والقناعة والتواضع والابتعاد عن سفاسف الأمور والطمع والانغماس في مستنقع الرشوة والمحسوبية والجري وراء المصالح الشخصية الضيقة هذه الأمور من أهم الأخطار التي سببت في انهيار الكثير من المؤسسات العسكرية في العالم، إذا تمكنت هذه المؤسسة من خلق قادة يتصفون بالرجولة والنزاهة والوطنية والكفاءة حينها يكون من السهل بناء جيش قوي و ذكي يحمي الوطن والمواطن ويمكن التغلب على أي مصاعب أو معوقات أخرى قد تواجه العملية التربوية العسكرية ومن هذه المصاعب مشكلة دمج أفراد مدنيين في الحياة العسكرية حيث تشكل الخدمة العسكرية أشبه ما يكون بالصدمة النفسية بالنسبة للمجند الجديد إن أول عناصر التربية العسكرية هو غرس روح الانضباط و طاعة الأوامر والنظام واحترام الوقت و كل هذه الأمور هي جديدة وغريبة على المجند ونجاح المؤسسة العسكرية هو اجتياز هذه المرحلة و بدون آثار نفسية على المجندين حتى يتعودوا على الحياة العسكرية ويحبونها ويزداد اقتناعهم بها، إذ التربية العسكرية هي اللبنة الأولى في بناء الجيش، ثم يأتي التعليم والتدريب ورفع الكفاءة القتالية والإدارية والفنية، إن التربية العسكرية المنشودة هي التي تحقق أهداف وغايات المجتمع عموماً والمؤسسة العسكرية خصوصاً، وترسخ العقيدة والقيم المثلى في النفوس وتستثمر قدرات وإبداعات أفراد الجيش قادة ومرؤوسين وتفتح لهم سبل الإبداع والعطاء والنجاح للوصول لأرقى درجات الكفاءة وأعلى مستويات الثقة في النفس ورفع الروح المعنوية لجميع منتسبي المؤسسة العسكرية.أهداف التربية العسكرية:تهدف التربية العسكريه عموما إلى تحويل وحدة عسكرية أو تشكيل أو جيش ميداني إلى كتلة بشرية موحدة ومتواصلة متراصة و خلق روح الجماعة بينهم ولاؤهم لله ثم الوطن وهدفها الرئيسي هو الدفاع عن الدين والوطن ولتحقيق هذه الأهداف بكل دقة يجب اتّباع النقاط الآتية:
1. دراسة الأساليب الحديثة والمثالية التي تؤدي إلى اكتساب المجندين الجدد سلوكيات ومفاهيم تجعل من الجندي مثالاً للأخلاق الراقية والقيم الرفيعة معتزاً بدينة ووطنه قادراً على تحمل أشد الصعاب وبذل الدماء في سبيلهما وبكل طيب نفس.
2. تهيئة أنسب وأحسن الظروف لتقبل واستيعاب البرامج التدريبية المعتمدة لجميع القطاعات العسكرية ومتابعتها بكل دقة، والإسراع في تذليل الصعاب وإزالة العوائق التي قد تطرأ في أي وقت.
3. فحص ودراسة كل مجند على حيدة والعمل على فهم قدراته العلمية والبدنية والنفسية ومستوى ذكائه ويتم من خلال ذلك تحديد مدى ملاءمته للخدمة العسكرية وتحديد المجال أو السلاح المناسب لهذه القدرات، ويتم تأهيله بناء على ذلك.
4. الاستفادة قدر الإمكان من علم النفس العسكري وعلم الاجتماع العسكري في اختيار أنسب الوسائل للتربية والتعليم والتدريب في جميع المجالات العسكرية وإعداد الخطط والبرامج لاستقبال المجندين الجدد للإسهام في تحولهم إلى عسكريين محترفين ومنضبطين دون أي آثار سلبية من آثار الصدمة بعد ارتدائهم البدلة العسكرية لأول مرة.
5. تنمية روح التضحية والفداء والشجاعة والإقدام والانتماء للوطن وغرس مبادئ النزاهة والوطنية والالتزام بأداء الواجب واحترام القوانين واللوائح المعمول بها .
6. تنمية الو اعز الديني والأخلاقي والمساهمة في نشر فضائل وقيم الدين الإسلامي بين أفراد الجيش وتكثيف الدروس الدينية على جميع المستويات بحيث تصبح من الثوابت أثناء التدريب وبعده أو ما يعرف بالأوامر المستديمة.
7. تنمية الوعي الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لجميع أفراد الجيش وتنمية روح الفريق بينهم.
8. الثقافة هي أداة التربية وأداة الإصلاح و يجب أن تعمل المؤسسة العسكرية على أن تثري الثقافة العامة بين أفراد المؤسسة التي تعود عليهم بفوائد كبيرة و تساعد العسكريين على مقاومة الإحباط و التحفيز إلى النجاح.
أسس التربية العسكرية:
تسعى المؤسسة العسكرية من وراء ما تبذلها من جهود تربوية إلى أن تنشئ جيش منظم تحكمه القيم الدينية والأخلاق الإيجابية وتطهير المؤسسة العسكرية من كل التقاليد و العادات الموروثة التي لا ترتكز على أي معايير علمية و لا تنسجم أصلا مع أية قيم أو أخلاق و تختلط فيها الحدود بين بناء الشخصية العسكرية المنضبطة و الملتزمة بالقوانين و الأوامر و كسر شخصية الإنسان و تحطيمه و تحويلهم إلى أداوت توجه وفق رغبات الآخرين إن من المؤكد أن أفضل وسيلة لبناء شخصية الجندي المثالي ترتكز أساسا على حضور و فعالية قيم الأخلاق الإسلامية في كل تفاصيل الحياة العسكرية و على جميع المستويات و لا يتأتى ذلك إلا باتّباع خطوات مدروسة بكل دقة و خبرة و حرفية و من أهمها ما يلي:
التربية الإسلامية:
تعتمد أساسا على غرس حب الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله علية و سلم في نفوس جميع منتسبى المؤسسة العسكرية وتنشئتهم على الخصائص العامة للدين الإسلامي في جوانب الحياة العسكرية و تعزيز روح الانتماء للأمة الإسلامية والتأكيد على أن المسلم مطالب بمجاهدة النفس كي تطابق أفعالة وأقوالة معتقداته يجب أن تترسخ القيم الإيمانية في النفوس بصفتها قناعات عقلية وأحاسيس بمراقبة الله سبحانه وتعالى في كل شيء والخضوع له والتوكل على الله في الشدائد والمحن، وبهذا يمكن للعسكري التصدي لكل أنواع التهديد والمخاطر التي تتربص بالدين والوطن والمواطن وهو في كل أحواله راحة في نفسه واطمئنان ومعنويات مرتفعة وتتولد هذه الأحاسيس والمشاعر بطريق واحد هي أداء الفرائض واجتناب المعاصي ويجب أن توضع برامج تربوية جيدة تلتزم بالقيم الإسلامية؛ لأنها تشكل الأساس العميق الذي يقوم عليه البناء التربوي العسكري.
تبدأ هذه البرامج من أول يوم يلتحق فيه المجند بمعسكر التدريب وتستمر معه طيلة مدة خدمته العسكرية واعتماد مناهج إسلامية تدرس في جميع المؤسسات التدريبية العسكرية، كما تخصص محاضرات بشكل دوري أثناء الخدمة يحضرها جميع العسكريين قادة ومرؤوسين، تخصيص أوقات للصلاة ضمن الخطة التدريبية السنوية المعتمدة لجميع قطاعات الجيش.
التربية الأخلاقية:
ليصل الجندي الإنسان إلى حسن الخلق يجب أن تغرس في نفسه القدرة على التغلب على الغرائز القبيحة الملازمة للطبائع البشرية إن أفضل ما يتحلى به الجندي المثالي هو الخلق الكريم، بالأخلاق الحسنة يكسب الرجال الرجال و بالأخلاق الفاضلة يقود القائد جنوده في ميادين الوغى، و يقتحم بهم المخاطر و الصعاب دون تذمّر أو ملل و بالأخلاق يحمي الجنود قائدهم بأنفسهم ولا يعصون له أمراً إن الأخلاق هي الداعم الأساسي لحفظ كيان الأمة لذلك كانت رسالة أنبياء الله تحث على الأخلاق الفاضلة وجاء القران الكريم مشددا على التمسك بها لأنها تحقق الفوز في الدنيا والآخرة .
التربية الوطنية:
من أهم القيم التي يجب يتصف بها أي جيش هي القيم الوطنية هذه القيم التي تدفع الرجال إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل الوطن والمواطن وصيانة حدوده والحفاظ على وحدته والدفاع على مقدساته، الوطنية هي حب الوطن والعمل من أجل تقدمة ويتبلور الشعور بالوطنية عندما يتعرض الوطن للتهديد والتحديات من الخارج أو من الداخل هذا الشعور هو الذي يجمع الأفراد ويوحد بينهم ويقوي جبهتهم ضد أي تهديد إن القيم الوطنية يتم زرعها في الأجيال الجديدة بداية من الأسرة والمدرسة والمسجد وعن طريق وسائل الإعلام وغيرها وتأخذ الوطنية بعدها الشامل أثناء الخدمة العسكرية وخاصة عند حروب الدفاع عن الوطن حيث تتأصل روح الوطنية بين المقاتلين أفرادا وجماعات حين تتضح لهم أهمية الوطن والأمة في صيانة حضارتهم ومستقبلهم، ويولد الشعور القوي الثابت بحب الوطن والارتباط به والإخلاص له والتضحية من أجله، والتغلب على أشد الظروف قساوةً؛ حتى يبقى الوطن شامخاً حراً عزيزاً مستقلاً ينعم بالأمان والازدهار والتقدم .
{facebookpopup}