يقصد بالأدبيات كل تلك السلوكيات التي تظهر الإحترام المتبادل بين العسكريين والدالة على مدى الجدية والإنضباط في تعاملهم فيما بينهم وهي تعتبر بمثابة قواعد السوك العامة المتبعة بين العسكريين في جميع أنحاء العالم يتعلمها العسكري في
المدارس والأكاديميات العسكرية وتصبح جزءاً من حياته اليومية بها تتحدد معالم العلاقة بينه وبين قادته وبينه وبين زملائه ضمن إطار منظم لايختلف عليها أحد في مظهرها بل إنها تعد من سيمات العسكرية الناجحة ومقياس لمدى الإلتزام بالأعراف العسكرية التي تقود في النهاية لجيش منضبط مدرب يستطيع أن يخوض معارك الشرف والكرامة دفاعاً عن الوطن والأمة.
الزي العسكري .
الزي العسكري يعبر عن الانضباط وتعزيز الطاعة والتميز ويخلق نوعاً من الترابط، ويشيع روح المودة والزمالة والتضامن بين مرتديه ومن أهم الملامح التي تميز الشخص العسكري وتبدو ظاهرة للعيان ارتداؤه للزى الموحد المعروف عالمياً والذي يمثل دلالة كبيرة لمنتسبي المؤسسة العسكرية في مختلف أنحاء العالم باعتباره أحد المقومات الحيوية لقوة الجيش وفعاليته؛ إذ إنه يدفع إلى الإحساس بالفخر للانتماء إلى مؤسسة منظمة تعمل بشكل فعال لحماية الآخرين ومنحهم الأمن والأمان، وهو استعراض للقوة في شكل مميز؛ فالزي العسكري يعبر عن الانضباط وتعزيز الطاعة والتميز، ويخلق نوعاً من الترابط، ويشيع روح المودة والزمالة والتضامن بين مرتديه، فالاعتناء بحسن المظهر والقيافة والهندام من أساسيات الالتزام بمبدأ الضبط والربط العسكري الذي يعد من المباديء الأساسية في تنظيم الجيوش، وهو شكل من الملبس ذو دلالة خاصة تعكس تاريخ الجيش وسمعته، وتعكس مدى النظام والانضباط؛ إذ إنه يحث على التبعية باستخدام علامات وألوان دالة على ذلك، ويحث على الاحترام والرهبة، فهو شكل من أشكال استعراض القوة يرمز إلى السلطة والانضباط، كما أنه يساعد على خلق هوية تقوم على تماثل المظهر وتعزيز روح الانتماء للجماعة كوحدة واحدة.
تكمن جمالية الزي العسكري الكامل في توحده، فهو يعد علامة فارقة تمكننا من معرفة مرتديه ومدى جديتهم وانضباطهم، وكذلك تضاعف من معنويات العسكري الذي تحققت له مشروعية ارتداء هذا الزي بشرف انتمائه لهذه المؤسسة، فهي تبعث فيه الاعتزاز بالوطن والولاء له، وتزيد من قيم التضحية والإيثار لديه، وتبرز سمة التميز والتفرد لدى الجنود. غالباً ما يختلف الزي العسكري في ألوانه، ولكنه يبقى متماثلاً، وتوضح الإشارات والرموز والعلامات المكملة تبعية مرتديه، وأصبح ذلك متعارفاً عليه عالمياً، فالزي الذي تستعمله القوات البحرية يكون عادة أبيض اللون، بينما تستخدم القوات الجوية أزياء زرقاء اللون، ويكون زي القوات البرية أخضر أو كاكي اللون،
ويختلف كذلك تصنيف الزي العسكري بحسب المناخ (الشتوي والصيفي)، وكذلك بما يتعلق والمهام المؤداة، فهناك زي مخصص لممارسة الأعمال المكتبية، وآخر للدراسة، وزي مخصص لميادين القتال، ولكنها جميعاً تخضع لمواصفات قياسية لضمان جودتها وجمالية مظهرها.
ظهرت أول علامات الزي العسكري الموحد منذ القدم بارتداء المحاربين دروعاً جلدية وحديدية استخدمت رموزاً معينة للمقاتلين المشتركين في القتال عن غيرهم من الناس، فقد وجدت أدلة تاريخية على استخدام أزياء عسكرية موحدة منذ ما يزيد على خمسة آلاف عام خلت عثر عليها في مناطق الحضارات القديمة ذات الطابع العسكري في بلاد ما بين النهرين ومصر حيث وجدت عدة رسومات ومنحوتات تظهر أشكالاً لجنود وهم يسيرون للحرب في شكل منتظم بنمط مميز، وظهرت كذلك في جيوش إمبراطوريات الغرب القديمة، ثم ما لبثت أن اختفت الصور الأولية للزي العسكري الموحد في فترة ما بعد انهيار جيوش الرومان لتظهر جيوش لا تعتمد زياً موحداً كما حدث مع الجيوش العربية الإسلامية وجيوش إمبراطورية الروم وفارس، فخلال تلك الفترة ظهرت الرايات والأعلام، وكانت تشكل نقطة تلاق بين الجندي ورفاقه في وقت لم يكن يميز بين المقاتلين وعامة الناس إلا حملهم لراية معينة يعرفون بها بأنفسهم وبأنهم وحدة مقاتلة؛ وذلك لعدم وجود ما يميز الصديق من العدو سواها، ثم عاد الزي العسكري الموحد ثانية في نماذج الجيوش الجديدة في القرن السادس عشر في إنجلترا حيث اعتمدت العلامات المميزة التي كانت تستعملها الجيوش بزي عسكري موحد اللون في البداية.
ثم تطور الزي ليكون بتفاصيل موحدة لاحقاً وخلال القرن السابع عشر الميلادي استخدم الزي العسكري بشكل عام مع ظهور الجيوش الوطنية وانتشارها لتمييز جنود الوحدات والتشكيلات المقاتلة عن أعدائهم، وبنهاية القرن السابع عشر الميلادي لاقى مفهوم الزي العسكري الموحد قبولاً كبيراً لدى كافة الجيوش الأوروبية، وتطور الزي العسكري أكثر أثناء حروب القائد الفرنسي نابليون، فأصبحت ملامح الموضة والتألق تظهر في الزي، وأصبح الجندي يبدو أكثر استعراضاً في زيه ذي الألوان الزاهية، لكنها كانت غير عملية، ولا تؤمن له الراحة في حركته.
وفي فترات لاحقة بدأ الزي العسكري في التخلص من العديد من أوجه الزينة والكماليات، واتجه إلى أن يكون عملياً بدرجة أكبر، وخلال القرن العشرين ارتدت جميع الجيوش الوطنية في العالم أزياء عسكرية موحدة وبشكل خاص خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبالمقابل انتشر الزي العسكري غير الموحد في العالم ليصبح علامة فارقة في كل الأعمال العدائية والحروب الأهلية بشكل ملحوظ.
سنت للكثير من الجيوش لوائح ونظم خاصة بسياسة استخدام الزي العسكري الموحد من حيث اللون والنوع الذي يتكيف مع لون البيئة التي يعمل فيها الجيش ومن حيث تعاقب فصول السنة ما يلائمها من أقمشة وأزياء، وأقرت قوانين تعاقب بمقتضاها الذين لا يتقيدون بذلك أو الذين يرتدون الزي العسكري بصورة غير مشروعة، وعادة ما تكون للأعراف والتقاليد الثقافية والتاريخية العسكرية لكل دولة أثر كبير في اعتماد أزيائه العسكرية، يلاحظ ذلك في استخدام الأزياء التقليدية المعدلة كالعقال واللفافة بدلاً من غطاء الرأس التقليدي في كثير من الجيوش المتمسكة بتلك التقاليد.
تحدد معايير عسكرية شكل الزي العسكري ومدى فعاليته ووظيفته ومرونته، بل وتصل إلى تكلفة مواده، والغرض هو التميز الذي يكون مهماً جداً أثناء وقوع العمليات الحربية؛ وذلك تلبية لمطالب القانون الدولي الخاصة بأعراف الحرب الذي يضمن للعسكريين المشاركين في الحروب في حال وقوعهم في الأسر معاملة أسرى الحرب القانونية، ومما لا شك فيه أن الالتزام بهذا المبدأ يساعد على تحقيق مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين أثناء العمليات العسكرية لغرض حماية المدنيين من آثار الحرب، ولضمان حقوق العسكريين عند وقوعهم أسرى في قبضة العدو.
أسهمت التكنولوجيا الحديثة إسهاماً كبيراً في الأزياء العسكرية عندما أصبحت الجيوش أكثر اهتماماً بها باعتماد أزياء جديدة تلائم ساحات الحرب ومتطلبات القتال وظروف المناخ والبيئة وأكثر أمناً وحماية للجنود من القذائف الحرارية والإشعاعات والأسلحة البيولوجية والكيماوية، وذلك باستخدام مواد دقيقة طورت لتدمج مع نسيج الأقمشة المستعملة في الزي. تضاف علامات توضيحية للزي تزيد من جماليته وتبين الهوية الشخصية لمرتديه كعلامات الشرطة العسكرية الحمراء التي باتت تعرف في جميع أنحاء العالم، وكخيط الصافرة بألوانه المميزة لكل صنف وسلاح، وعلامات الكتف والياقة وغيرها مما يكسب الزي جمالاً وتفرداً يظهر مدى اهتمام العسكري بقيافته وهندامه .