الإمداد والتموين جملة متداولة كثيرا،ً وتزداد أهميتها ويتعاظم دورها في كل زمان ومكان، ويتجلى مضمونها مع التطور التكنولوجي السريع في الأسلحة والمعدات وتعقد المنظومة العسكرية واتساع مسرح العمليات والتباعد بين الوحدات العسكرية.
المقاتلة وقواعد الإمداد الرئيسية مع الزيادة الكبيرة في حجم احتياجات القوات المسلحة وتنوعها وتعقيدها، كما تقتضي هذه الحالة اتباع أسلوب إمداد خاص وتجهيز خاص، لأن الجيش العصري الذي يعرف بالجيش الذكي الصغير يستلزم تعبئة كل الطاقات البشرية والاقتصادية والمعنوية لخدمة هذا الجيش الذي يرتكز أساساً على القيمة النوعية لأفراد الجيش من قادة ومرؤوسيـن، والقيمة النوعية للأسلحة والمعدات المستخدمة، إن التطورات المتلاحقة والسريعة على شكل الجيوش الحديثة يكون لها بالغ الأثر في أنظمة الإمداد والتموين وعلى أسلوب القادة الإداريين وعلى الخطط الإستراتيجية والإدارية.
إن كل دولة تضع لنفسها خططاً إستراتيجية وإدارية تتماشى مع ظروفها السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن ذلك تتضح الأساسات التي تبني عليها عقيدتها العسكرية على مختلف المستويات، ويلعب التطور التقني دوراً في تطوير العقيدة العسكرية وتحديثها، وتنعكس الإستراتيجية العسكرية للدولة بشكل مباشر على بناء وتطوير وتجهيز القوات المسلحة، ومن ثم تؤسس الدولة عقيدتها العسكرية بما ينسجم مع أهدافها الإستراتيجية وإمكانياتهـا الاقتصادية والبشرية والجغرافية.
الإمـداد والتمـوين وأثـره علـى الإستـراتيجيـة: تعرف الإستراتيجية بأنها: التوجيه الشامل للقوات المسلحة لتحقيق الأهداف أوالأغراض العامة للدولة على المدى البعيد، وتعرف أيضاً بأنها: فن تعبئة وتوجيه موارد الأمة بما فيها القوات المسلحة لدعم وحماية مصالحها من أعدائها الفعليين أو المحتملين، وعرفها ليدل هارت بأنها(فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق أهداف السياسة).
ويعرف الإمداد والتموين بأنه: عملية تخطيط و تنفيذ وتأمين القوات المسلحة في القواعد الرئيسية وفي مسرح العمليات بكافة الاحتياجات المادية في المكان و الزمان المحددين، وتشمل عمليات الإمداد أيضاً التنظيم والتطوير والتجهيز والتوزيع والإخلاء والصيانة والخدمات الطبية، ومن مهامه أيضاً إمداد مصانع القوات المسلحة بكل احتياجاتها الإنتاجية وإنشاء وتجهيز مستودعات التخزين، وتتكون علاقة وثيقة بين الإمداد والإستراتيجية نتيجة لأن الموقف الاقتصادي للدولة يمثل جزءاً كبيراً ومهماً من الإستراتيجية العامة، وللعوامل الاقتصادية تأثير مباشر على الأهداف الإستراتيجية، وبذلك يحدث تداخلاً كبيراً بين الإمداد والتموين والاقتصاد الوطني والإستراتيجية، إذاً الإستراتيجية تتناول تحديد الأهداف والإجراءات والطرق التي تمكن من تحقيقها، ويقوم الإمداد والتمويــن والتجهيز بإنشاء القوات المسلحة وتجهيزها وتوفير الاحتياجات المادية من النقـل والصيانة والتأمين الطبي المستمر لها، ولا يتأتى ذلك إلا باقتصاد قوي.
مبادئ الإمداد والتموين:
إن المبادئ هي الأساس الذي يرتكز عليه كل عمل أو فكر، وقد تتغير أو تتطور هذه المبـادئ خاصة في الجانب العسكري حسب تطور الجيوش، ومبادئ الإمداد والتموين تكون عادة متناسبة ومنسجمة مع مبادئ الجيوش الحديثة، ومن أهم مبادئ الإمداد والتموين ما يلي:
التنبؤ: وهو البحث والدراسة في كل ما يمكن أن يستجد وبشكل طارئ وأحياناً غير متوقع، ويترتب على ذلك تقدير متطلبات الإمداد والتموين وتأمينها في الوقت المناسب، وفي الغالب تكون التوقعات غير دقيقة، ولكن يجب أن توضع هذه التقديرات وفق دراسة علمية وافية وأقرب ما تكون إلي الواقع.
الاقتصاد: هو استغلال واستخدام موارد الإمداد والتموين بطريقة تحقق الأهداف بأقل تكلفة ممكنة.
المرونة: يجب أن تكون إجراءات الإمداد والتموين مرنة وخالية من التعقيد وقادرة على الاستجابة السريعة لمتغيرات ومتطلبات المواقف العسكرية لكل قطاعات الجيش وفي كل ما يتعلق بتأمين الاحتياجات وعمليات الاستلام والتخزين والصرف والإصلاح وغيرها.
التعاون: يجب توجيه جهود كافة إدارات وفروع هيئة الإمداد والتموين وجهود الوحـدات الإدارية بالجيش إلى تحقيق أقصى استفادة من الإمكانيات المتاحة واستغلال نقاط القوة في الجهاز الإداري لتحقيق الأهداف الرئيسية للإمداد والتموين، كما يجب أن يتحقق التعاون بكل صورة بين هيئة الإمداد والتموين والجهات الموردة للاحتياجات، وبذلك يمتد التعاون إلى خارج المؤسسة العسكرية، بل وإلى خارج حدود الدولة.
التخطيط الإداري:
يتسم التخطيط الإداري بالتوسع بحيث يمكن اعتباره القاسم المشترك في جميع مناحي التخطيط العسكري العام، ولكي تصبح الخطط العسكرية ناجحة يجب أن تتشابك فيها عوامل الخطط الإدارية والخطط الإستراتيجية والخطط العملياتية، ولكي يصبح التخطيط الإستراتيجي والإداري منسجمين مع ما يستجد من حوادث و تطورات فلا بد أن يكونا متكاملين من بداية الإعداد للتخطيط إلى تمام التنفيذ، ويتطلب أسلوب التكامل إجراءات تخطيط واضحة البرامج ومرتبطة بنظام معلومات جيد، ولتحقيق النجاح في تكوين وتجهيز الوحدات العسكرية بشكلها العصري المتطور يلزم حسن التفكير والتقدير وتوجيه الأعمال الإدارية بشكل مدروس دراسة وافية لا يدخل فيها الارتجال و اللامبالاة بالنتائج، ويجب أن يتسم التخطيط الإستراتيجي أو الإداري بالمرونة الكافية التي تمكن القادة من التصرف السليم عند مجابهة المواقف المختلفة التي قد تنشأ.
أنواع التخطيط الإداري:
إذا تمكن قادة الإمداد والتموين من الإلمام بأشكال التخطيط الإداري والعوامل المؤثرة عليه ومدى ملاءمته للتطور والتغيرعند الضرورة حينها سيتمكنون من العمل بكل كفاءة وفي أي مستوى من مستويات القيادة (إستراتيجية، عملياتية، إدارية)، ولما تتميز به إجراءات التخطيط من أساليب متعددة فقد وضعت تقسيمات توضح العلاقة التي تربط أنواع التخطيط والتداخلات التي تحدث بينهـا، ومن أهمها (تخطيط المطالب والإمكانيات)، ويعتبر هذا التخطيط الخطوة الأولى في أعمال الإمداد والتموين الأساسية المتعلقة بتوفير الوسائل المادية اللازمة لتنفيذ الخطة الإستراتيجية، بعــد ذلك يأتي (تخطيط المعونة الإدارية)، وهو يمثل من الناحية العلمية الشؤون الإدارية بكل معانيهـا، ويشمل تفاصيل الإمداد والنقل والتخزين والإصلاح والتأمين الطبي، ويحدد من خلاله حجم التشكيلات العسكرية وعدد المعدات والآليات والطائرات الحربية بكل أنواعها والقطع البحرية ووزن الوسائط المادية والطاقة التخزينية وحجم وسائل النقل.
معوقات الإمداد الناجح:
إن تطور وتعدد أنواع وأشكال المعدات العسكرية يتطلب جهازاً إدارياً مدرباً ومؤهلاً وقادراً على الإمداد والتموين لجيش حديث في حاجة دائمة إلى كميات ضخمة من جميع أنواع الوسائط المادية وبشكل مستمر، ويترتب على ذلك زيادة كبيرة في حجم المخصصات المالية لتغطية هذه المتطلبات، وهذا قد يوقع الإمداد والتموين في بعض المشاكل، ومن أهم أسباب ذلك ما يلي:
1. فشل التخطيط الإداري:
إن فشل القادة الإداريين في وضع تخطيط ناجح أو القصور في أي جانب من جوانب التخطيط من أهم أسباب التضخم الإداري، وفشل التخطيط عادة يأتي من حالتين: إما من تخطيط غير واف أو تخطيط مبالغ فيه، وفي الأغلب يحدث التخطيط المبالغ فيه على إثر التخطيط غير الوافي، وذلك عند حدوث قصور في التخطيط لأي عملية عسكرية يترتب عليه مشاكل في الشؤون الإدارية يكون لها بالغ التأثير في سير العمليات العسكرية، ولحل هذه المشاكل يجب وضع تخطيط يتسم بالمبالغة والتبذير، وبذلك فإن التخطيط غير الوافي يؤدي إلي تخطيط مبالغ فيه.
2. الافتقار إلى الكفاءة الإدارية:
توجد ثقافة سائدة عند بعض القادة العسكريين تميل إلى تكليف أفراد من ذوي الخبرة المحدودة للعمل في الوحدات الإدارية وعدم وضع برامج تدريبية فعالة ومتقدمة ترفع من كفاءة العسكريين العاملين في الجهاز الإداري مما يجعل هذه الوحدات غير قادرة على تنفيذ مهامها بالشكل المطلوب، وهذا ما يؤدي إلى تدني مستوى التخطيط الإداري، ويجبر المسؤولين عن الإمداد والتموين على طلب أعداد إضافية من الأفراد لتغطية العجز الناتج عن تدني مستوى الأداء، أضف إلى ذلك أن الأعداد الزائدة من الأفـراد تتطلب موارد إضافية تسهم في خلق التضخم الإداري.
3. الافتقار إلى الضبط والربط الإداري:
الضبط والربط الإداري لا يعتبر موضوعاً مستقلاً عن الضبط والربط الذي من المفروض أن يتصف به جميع العسكريين على جميع المستويات، والمقصود هنا هو الضبط والربط على الأوجه الإدارية من قبل القادة الإداريين ومرؤوسيهم في السلم والحرب، والافتقار إلي هذه السمات الأساسية في الجهاز الإداري يؤدي إلى إنهيار كل مقومات التخطيط والتنظيم والسيطرة، وتفشي الفساد بكل أنواعه من إهمال واختلاس ورشوة ومحسوبية، والشواهد من التاريخ العسكري على ذلك كثيرة.
مسؤولية الإمداد والتموين:
إن عملية الإمداد والتموين تفرض نفسها باعتبارها واقعاً معقداً يتطلب الاهتمام والمتابعة والدعـم المتواصل ليرتقي بمستوى الإمداد والتموين ليواكب التطور التقني والفني والإداري في الجيش العصري الذكي، ويتم ذلك من خلال هيئة متخصصة، وهي هيئة الإمداد والتموين بحيث تضم قـادة وأفراداً إداريين وفنيين متخصصين تقع على عاتقهم كافة مستلزمات الإمداد والتموين، كما تشمل أعمال التنظيم والتطوير والتجهيز والتدبير والنقل والتخزين والصيانة والخدمات الطبية، وتقع مسؤولية الإمداد بشكل أساسي على النحو التالي:
1. القائد الإداري: تعتبر القيادة الإدارية نموذجاً في أسلوب العمل والتصرف في البيانات والمعلومات والقرارات بشكل موفق، والقائد الإداري هو المسؤول الأول عن تجهيز وإمداد جميع وحدات القوات المسلحة بالاحتياجات المادية، والإشراف على جميع العاملين بالجهاز الإداري، ووضع برامج التدريب الإداري التخصصي للرفع من كفاءة الضباط وضباط الصف والجنود، والمتابعة المستمرة لسيرعملية الإمداد والتموين وتذليل الصعاب.
إن صناعة القرار من الأمور الجوهرية والأساسية، وهي بذلك الأساس الذي يتوقف عليه تنفيذ الخطط الإدارية ودعمها، كما يجب أن يكون لهذا القائد النفوذ والقوة التي تمكنه من تنفيذ قراراته الجريئة، وأن يتمتع بالقدرة على إقناع المترددين والخائفين، والإصرار على التجديد والتحديث والتطوير.
2.معاون القائد: هو الشخص المكلف والمسؤول عن تنفيذ مجموعة من العمليات الإدارية التي تتطلبها إجراءات الإمداد والتموين، وتتم بتشكيل فريق عمل أو أكثر يقوم بهذه العمليات تحت إشرافه، وهو أيضاً يجب أن يكون شخصية قوية ويتمتع بكفاءة ونفوذ تمكنه من تذليل الصعاب وتوفير متطلبات الإمداد.
3.الأفراد الإداريون: هو فريق العمل المشكل لتنفيذ مهام محددة، ويتكون عادة من عدة إداريين وفنيين مؤهلين يتولون إعادة تصميم العملية الإدارية وتطبيقها على الواقع، وعند القيام بأكثر من عمليـة داخل الوحدة يجب تشكيل أكثر من فريق عمل، وقد تحتاج هذه العمليات إلى وقت طويل من الجهـد والبذل والمثابرة.
تدريب وتأهيل عناصر الإمداد:
إن الأهداف الأساسية لأي عملية تدريبية هو وصول جميع منتسبي أية وحدة إلى أعلى مستويات الكفاءة القتالية والإدارية والفنية، (ويعرف التدريب بأنه: عملية مبنية على تنظيم دقيق يتم من خلاله نقل الخرات والمعارف والمعلومات إلى المستهدفين بالتدريب)، ويتوقف نجاح عمليات الإمداد والتموين في السلم والحرب على المجهودات المبذولة من القادة الإداريين ومرؤوسيهم و كفاءتهم الإدارية ومدى فاعلية الخطة التدريبية الموضوعة، ويرتكز التدريب على عدة نقاط، من أهمها ما يلي:
*رفع الكفاءة القتالية والإدارية والفنية لجميع القادة الإداريين في هيئة الإمداد والتموين والوحدات والتشكيلات في جميع الأسلحة برية وجوية وبحرية من قادة ومرؤوسين، والعمل على زيادة قدراتهم وتطوير مهاراتهم بما يمكنهم من التعامل بشكل جيد مع جيش عصري ذكي والاستخدام السليم للأسلحة المتطورة والمعقدة وتقنية المعلومات والاتصالات والحاسوب وغيرها.
*توسيع مدارك ومفاهيم القادة بصفتهم المسؤولين مسؤولية مباشرة على التدريب الإداري والقتالي بشكل مستمر من خلال التعليم والتدريب والتطوير والبحث والدراسة في كل ما يستجد في مجال العلوم والتقنية العسكرية الحديثة.
* غرس روح الفريق بين أفراد الوحدة العسكرية وتعزيز رابطة أخوة السلاح وتنمية روح الزمالة والصداقة والاحترام بين الأفراد وقادتهم وأن تولد فيهم الرغبة دائماً للعمل كفريق متكامل ومتعاون وأن يشعر الأفراد بأنهم أسرة واحدة يربطهم رابط قوي من الأخوة والمحبة.
الخـاتمة:
مما سبق تبين أن المبدأ العام هو أن الإمكانيات الاقتصادية تحد من قدرات التأمين المادي للوحدات العسكرية، كما تحد الإمكانيات الإدارية في نفس الوقت من استخدام هذه القوات العسكرية في النواحي الدفاعية والأمنية مع ملاحظة أن أعمال الإمداد والتموين وعلم الشؤون الإدارية خصوصاً على أهميته لم تحظ بما يستحق من البحث والدراسة الوافية رغم أن الشؤون الإدارية تمثل الرابط الأساسي بين تنظيم الوحدات العسكرية واستخدام هذه الوحدات بكفاءة.
إن الزيادة الكبيرة في أنواع المعدات العسكرية الحديثة واستخداماتها المعقدة وإجراءات الصيانة تتطلب زيادة كبيرة في وحدات المعونة الإدارية المؤهلة، والتصور السائد الذي يميل إلى تكليف قادة وأفراد من ذوي الكفاءة المحدودة للعمل في الجهاز الإداري واعتبار هذا تخصصاً ثانـوياً يمكن لأي شخص القيام به أثبتت التجارب العملية أنه تصور خاطئ أدى إلى الكثير من المشاكل والخسائر؛ لذا يجب أن تتغير هذه المفاهيم، ويجب أن يكون القائمون بالأعمال القيادية في الإمداد والتموين من الضباط المتخصصين والمؤهلين والملمين بقدر كبير من العلم والخبـرة والقدرة على تحديد الأهداف وتحقيقها كما يجب.