تعد إدارة الشؤون المعنوية المركز التنويري والمعرفي والتثقيفي والتوعوي الذي ينهل منه منتسبو المؤسسة العسكرية الجنود وضباط صف والضباط، كل في مجال تخصصه وبحسب نوع المهام المناطة به.
فهي الجهة المعنية ببناء الفكر العسكري بناءً وطنيًا صحيحاً وفق بنود وطنية محضة، أساسها الولاء لله أولاً ثم الوطن والثورة والوحدة، ومادتها الثوابت الوطنية التي حددها الدستور والقانون، فلا خروج عنها باعتبارها خطًا أحمر.
وإدارة الشؤون المعنوية هي من تضبط بوصلة نهج القوات المسلحة، وتحدد سبل سيرها من خلال إعلامها المسؤول والواعي والهادف عبر الوسائل الإعلامية العسكرية المرئية والمسموعة والمقروءة، وعبر مواقعها الإلكترونية أو وسائلها الأخرى التي تعنى ببناء الفكر العسكري وتنمي الولاء الوطني وتغرس حب الوطن في عقول وقلوب أبناء المؤسسة العسكرية .
ولن يتسنى لهذه الدائرة التنويرية القيام المناط بها ما لم تكن ليبيا أولاً وقبل كل شيء نصب أعين القائمين عليها قيادة وبدورهاضباطاً وضباط صف وجنوداً، ويتجلى ذلك من خلال تنفيذ مهامها الوطنية بحذر شديد؛ لأنها تعنى ببناء فكر المقاتل البطل والمدافع الجسور عن حياض الوطن الغالي على قلوبنا جميعاً.
وقبل كل هذا وذاك نشير إلى أن إدارة الشؤون المعنوية هي قلب القوات المسلحة النابض، فإذا صلحت وأصلحت مسارها صلح حال المؤسسة العسكرية، وغدت السياج المنيع للوطن، وإذا فسدت فسد حال قواتنا المسلحة، وباتت سبب تمزق الوطن وخرابه لا قدر الله.
لذا كان لزاماً علينا أن نتطرق إلى هذا الموضوع خصوصاً أن إدارة الشؤون المعنوية تمر حالياً بلحظات مصيرية بعد قيام ثورة الـ 17 من فبراير 2011م وتفكيك إدارة التوجيه الثوري سابقاً على خلفية توجيه وسائل الإعلام العسكري في إدارة التوجيه الثوري- - في اتجاه مغاير لاتجاهها الذي أعدت لأجله والمناط بها، فقد زج بها في معمعة الفكر الأخضر ومهاترات النظام السابق، هذا هو النهج الخاطئ الذي سلكته الإدارة السابقة. ونأمل خلال الفترة الحالية وخلال الأيام القليلة القادمة أن نلمس نهج الدائرة الإعلامي قد عاد بالأمور إلى نصابها، وعمل وفق الأطر والمهام المحددة له باعتباره إعلاماً عسكرياً هادفاً ومحايداً دون انحياز أو محاباة أو مجاملة لفئة أو شخص، وأن ينظر من خلاله لكافة فئات وشرائح الشعب من منظور واحد، نأمل أن نرى ذلك حقيقة مجسدة على أرض الواقع ليس في نهج الإعلام العسكري في الشؤون المعنوية فقط ولكن في سلوك القوات المسلحة بشكل عام على امتداد ليبيا الحبيبة.
بما أن دور إدارة الشؤون المعنوية دور تنويري وتوعوي في أوساط أبناء المؤسسة العسكرية فإنه يأتي ضمن مهامها أيضاً تحصين أبناء القوات المسلحة ضد كل من يحاول الزج بهم فيما ليس ضمن نطاق مهام القوات المسلحة القيام بها وحتى لا تكون المؤسسة العسكرية عصا غليظة بيد (س) أو (ص) من القائمين على سدة الحكم حالياً أو مستقبلاً أو من يديرون دفة البلد؛ حتى لا يتسنى لهم استخدامها لأغراض شخصية دنيئة حسب أهوائهم أو فكرهم أو انتمائهم السياسي.
لذا يجب أن تقوم إدارة الشؤون المعنوية بدورها المنوط بها حتى يتأكد لنا- حينها- أن أبناء القوات المسلحة سيعون ماهو دورهم الحقيقي وسيعون أيضاً متى يأتي هذا الدور ومتى يضربون بيد من حديد ضد كل من أراد بليبيا سوءاً سواء من الداخل أم الخارج.
فمتى ما قامت إدارة الشؤون المعنوية بدورها الحقيقي سيدرك أبناء القوات المسلحة أن مؤسستهم العسكرية هي حزب الوطن .. كل الوطن، وسيتأكد لكل فردٍ منهم أن أبناء الشعب كلهم سواسية ينظرون لهم من منظور واحد، ويتحملون في الوقت نفسه كامل المسؤولية في الحفاظ على أمنهم واستقرارهم ومقدراتهم.وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يجب على القائمين على إدارة الشؤون المعنوية بل وعلى كل منتسبي الإدارة - خاصة في ظل القيادة الجديدة- أن يتحملوا المسؤولية وأن يكونوا عند مستوى الثقة الملقاة على عاتقهم، وعند مستوى المهمة المناطة بهم لكونهم لا يقودون أو يعملون في نطاق إدارة الشؤون المعنوية فقط، ولكنهم يتحملون على عواتقهم مهمة أكبر من ذلك وأسمى؛ ذلك لأن مهمتهم تتجاوز أسوار إدارة الشؤون المعنوية، وتتخطى نطاق المنطقة العسكرية المركزية، وتتعداها لتشمل كل المناطق العسكرية بكل دوائرها وألويتها ومعسكراتها ووحداتها وثكناتها ونقاطها، بل إنها تشمل كل منتسبي القوات المسلحة.
ولذا يجب أن تكون إدارة الشؤون المعنوية هي النبع الصافي النقي الذي ينهل منه كل منتسبي المؤسسة العسكرية، فإذا كانت كذلك فإنهم سينهلون فكراً نقياً وتثقيفاً هادفاً وتوعية جادة صادقة وإعلاماً محايداً غير منحاز، وتوجيهاً فكرياً مسؤولاً، منبعه الولاء لله أولاً ثم الوطن والثورة والوحدة؛ لأننا إذا أردنا أن نرتقي بوعي أبناء القوات المسلحة وإذا أردنا أن ننمي مداركهم ونوسع معارفهم فذلك يحتم علينا أن نرتقي بخطط إدارة الشؤون المعنوية إلى أرقى مستوياتها من خلال رفع سقف هذه الخطط التثقيفية والتوعوية إلى أعلى المستويات، وكذلك يجب العمل على إخراج برامج إرشادية مركزة وهادفة لنصل إلى الغاية التي ننشدها وينشدها كل الشعب الليبي بأن يروا أبناءهم وإخوانهم في المؤسسة العسكرية يتحلون بالروح الوطنية والعقلية الواعية المثقفة المتزنة والسلوك المحايد؛ لأنهم يؤمنون إيماناً راسخاً لا يتزعزع بأن الولاء لله أولاً ثم الوطن والثورة، فحين نلمس ونلحظ ذلك المستوى الفكري الثقافي المتزن الوسطي والسلوك المحايد-ولو في ابسط صوره- لدى منتسبي القوات المسلحة من خلال النأي بالمؤسسة العسكرية عن الخوض في متاهات وخلافات وصراعات الأحزاب السياسية حينها سنؤمن بأن القوات المسلحة هي صمام أمان الوطن، وهي سياج ليبيا المنيع.
ولكن نعود ونقول مرة ثانية وثالثة: لن يتحقق هذا الحلم الذي يراودنا جميعاً إلاَّ عندما توضع خطط وبرامج مدروسة بعناية وحذر هدفها الأول والأخير هو الحفاظ على ليبيا من خلال الحفاظ على المؤسسة العسكرية وتوعية منتسبيها وتنمية معارفهم وغرس وتثبيت الولاء الوطني. كما يجب إشراك المؤسسة العسكرية في عملية البناء والتنمية وإزالة الحواجز بين الجيش والشعب حتى لا ينظر كل منهم للآخر بعين الخائف الحذر المترقب، فمثلاً: لماذا لا نستفيد من عملية إعادة الإعمار لما خلفته أحداث الأزمة السياسية في العام المنصرم ونشرك أبناء القوات المسلحة في عملية البناء والتعمير حتى تزول كل حواجز الخوف والكره والبغض التي جاءت حصيلة أحداث الأزمة السياسية في العام المنصرم، فكان نتاجها وجود هذا التمزق الذي حدث بين الشعب وبعض وحدات الجيش هنا أو هناك حسب الآراء السياسية، وهنا يجب النظر لهذه المسألة بعين الاعتبار وإيجاد حلول لهذه المشكلة التي ليست هينة.
وهنا يأتي أيضاً دور إدارة الشؤون المعنوية لكونها لسان حال القوات المسلحة، فيجب أن نزيل هذا الحاجز أو العائق الذي نتج عن الأزمة السياسية طوال العام المنصرم، وقد تحتاج إدارة الشؤون المعنوية وقتاً حتى تقوم بذلك، ولكن نحن على ثقة تامة بأن القيادة الجديدة على قدر المسؤولية ومعها كل منتسبي إدارة الشؤون المعنوية، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، ولن يكون ذلك إلا من خلال دراسة الوضع دراسة مستفيضة والخروج بحلول سريعة تربأ الصدع بين الجيش والشعب لتعود عملية بناء وتنمية ليبيا.إذاً المهمة الملقاة على عاتق منتسبي إدارة الشؤون المعنوية قيادة وضباطاً وأفراداً مهمة كبيرة، وقد تكون صعبة .. لكن بما أن الهدف هو الحفاظ على ليبيا وثوابتها الوطنية يجب أن نكون عند مستوى المسؤولية والعمل بروح الفريق الواحد، فهناك مهام عظيمة تنتظر إدارة الشؤون المعنوية بالإضافة إلى مهامها المعتادة مع مضاعفة جهدها الإعلامي (المحايد) وكذلك عبر إرسال الفرق الإعلامية التثقيفية إلى المناطق والألوية والمعسكرات والوحدات، وإرسال الصحف والمجلات والنشرات العسكرية الهادفة إلى كل وحدة عسكرية في وقتها المحدد حسب خططها المعمول بها وحسب برنامجها الإعلامي مع التحديث في الأسلوب والأداء.فمتى ما حصل ذلك فسنجد المستوى الثقافي والمعرفي المأمول بلوغه في فكر وسلوك أبناء القوات المسلحة.ولا نغفل هنا عن دور مندوبي الإدارة في المناطق والألوية والمعسكرات، وهنا يأتي دور قيادة إدارة الشؤون المعنوية الجديدة إذ يجب عليها أن تعيد النظر في هذه المسألة .. بل يجب عليها أن تسأل نفسها ما هي هذه المهام في الألوية والمناطق والمعسكرات؟ .. وما هي مؤهلات من يقومون بها؟ .. وهل هم على قدر المسؤولية ليقوموا بهذه المهمة الوطنية؟ .. وهل يمثلون إدارة الشؤون المعنوية خير تمثيل؟ .. وقبل كل هذا كيف تم اختيارهم ؟ وهل تم ذلك وفق معايير وأفضلية ومؤهلات...إلخ.
فقيادة إدارة الشؤون المعنوية الجديدة تعي جيداً ماذا تعني الشؤون المعنوية .. وتعي أن مندوب الشؤون المعنوية هو نقطة الوصل بين إدارة الشؤون المعنوية والوحدات أو المعسكرات أو الألوية أو المناطق؛ لذلك يجب أن يمثلوا هذه الإدارة خير تمثيل، ولن يكون ذلك إلاَّ إذا أحسنت إدارة الشؤون المعنوية في اختيار مندوبيها. أما إذا استمر الوضع كما كان عليه في الوضع السابق فلن نلحظ أي تغيير في هذا المجال (وكأنك يا بو زيد ما غزيت)، وكلنا نعلم أن قيادة إدارة التوجيه الثوري السابقة لم تتحر في اختيارها لمندوبي التوجيه الثوري، والكل يعلم ذلك.لذا نأمل من القيادة الجديدة أن تتبع مواطن الخطأ فتصلحها، وتتحسس مواطن العيوب فتتلافاها؛ حتى لا يتكرر الشيء نفسه في المستقبل، وحتى لا نجد قواتنا المسلحة منقسمة مرة أخرى في أول أزمة تواجه ليبيا.
{facebookpopup}