ظاهرة الإرهاب باتت في أيامنا هذه تشكل موضوع الساعة، إذ لا يكاد يمر يوم من دون أن يسمع المرء حديثا يدور حول الإرهاب، ولا تكاد تمضي ساعة من دون أن تتناول وسائل الإعلام أنباء تتمحور حول هذه الآفة المدمّرة. ظاهرة الإرهاب بلغت حدّا من الخطورة والإنتشار أصبحت معه الشغل الشاغل للرأي العام سواء في الأوساط الشعبية أو على مستوى مختلف الأوساط السياسية والعسكرية والإستراتيجية.
أنحاء عديدة من العالم تتعرض بشكل أو بآخر إلى أعمال إرهابية، وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الشمال الأفريقي اللتين أصبحتا مسرحا للعديد من الأعمال الإرهابية. ولا يفوت في هذا المقام أن نذكر أن الإرهاب بجميع صوره هو ممارسات مشينة تستهدف في الغالب الأبرياء العزل وهو عمل غادر يتنافى مع الشرائع السماوية ويتعارض مع أدنى المبادئ الإنسانية والضوابط الأخلاقية.. وإجمالا فإن قضية الإرهاب بشكل عام باتت تُحْدث جدلا متزايدا من حيث التشخيص والتعريف، ومن حيث جوهرها العميق كآفة تهدّد الأمن والأمان، فالتعريفات متباينة والتحليلات عديدة.. فما هو الإرهاب وصوره وخلفياته التاريخية ومن يقف وراءه؟ وما هي أبعاده الحقيقية وما ينطوي عليه من غايات وتداعيات. من أجل تسليط الضوء على هذه المسألة اختارت مجلة المسلح للقارئ مقتطفات مقتبسة من الموسوعة السياسية والعسكرية للدكتور فراس البيطار لعل القارئ يجد في تجلياتها إجابات عن الكثير من التساؤلات التي تدور في ذهنه حول مسألة الإرهاب.
ظاهرة أصبحت حديثاً محور اهتمام المنظمات الدولية والدول والأفراد، وحينما أشاعت القوى الإستعمارية والعنصرية والصهيونية وقوى أخرى مصطلح (الإرهاب الدولي) أو تحدثت عنه في سياساتها ومواقفها خلطت فيه الإرهاب الإجرامي بنضال الشعوب في سبيل تقرير مصيرها وكفاح الجماعات ضد الظلم الاجتماعي وقد أحدث هذا الخلط المقصود تشويشاً في منهجية معالجة شؤون الإرهاب الدولي بتعاريفه و مفاهيمه و منظماته و عملياته والأسباب الكامنة وراء التدابير لمكافحته.لا تعريف للإرهاب الدولي متفقاً عليه سواء في القانون الدولي أو في تعامل المنظمات الدولية، وثمة أكثر من دولة أو جهة صاغت تعريفاً يعبر عن وجهة نظرها، حتى أن بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية تتبنى أكثر من تعريف واحد في الوقت نفسه خدمة لأغراضها السياسية. غير أن سمات وأوصافاً وسمت بها الأعمال الإرهابية وأفكارا أحاطت بمفهوم الإرهاب الدولي يمكن انطلاقاً منها تلمس بعض الملامح المميزة لمصطلح الإرهاب الدولي.حينما بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحث موضوع الإرهاب الدولي بوساطة (اللجنة المخصصة المعنية بالإرهاب الدولي) اصطدمت بخلافات عميقة بشأن تعريف الإرهاب الدولي، ثم اقتنعت بأنه لا يمكن الاتفاق على تعريف يوفق بين مختلف وجهات النظر الكثيرة، والعلة في ذلك أنه وراء هذه الظاهرة ظاهرة الإرهاب الدولي. تكمن مفاهيم سياسية واجتماعية وقانونية وأيدولوجية متضاربة.
وفي أثناء مناقشات اللجنة عرضت بعض الدول تعريفا للإرهاب الدولي فذكرت أنه مجموعة من الأعمال التي تدينها جميع الدول أياً كانت مشاعرها تجاه القضية التي يدعي مرتكبو هذه الأعمال أنهم يناصرونها. واستنادا إلى هذا التعريف طلبت هذه الدول من حركات التحرير الوطني أن تعدل سلوكها حتي لا تقرن بالجماعات الإجرامية أو الإرهابية التي تسعي إلى ربط نفسها بهذه الحركات بوجه ما بغية تحسين صورتها .وعرفت دول أخرى الإرهاب الدولي بأنه أي عمل من أعمال العنف يهدد الأرواح البشرية البريئة بالخطر. أو تقضي عليها أو يتهدد بالخطر حرياتها الأساسية. ويؤثر في غير دولة واحدة بوصفه وسيلة من وسائل الضغط إلى تحقيق غاية محددة أو أيدولوجية أساساً.وثمة خلاف جوهري حول مفهوم الإرهاب الدولي، يكمن في جانبه السياسي فكثيرا ما يكون للعمل الواحد تفسيران على الأقل، فهو بحسب أحد التفسيرين حالة من حالات الإرهاب تجب إدانته ومكافحته على أنه جريمة.وهو في الوقت نفسه، وبحسب التفسير الآخر، شكل من أشكال المعارضة الإقتصادية للشعوب والأفراد. أو حق تقرير المصير، حتي أصبح دارجا القول أن من هو إرهابي في نظر أحدهم هو مناضل من أجل الحرية في نظر الآخرين.وعلى هذا فإن التعاون الدولي لقمع الإرهاب لا يمكن أن تترسخ أسسه إلا إذا توافقت الدول على تعريف الإرهاب الدولي وتحديد مفهومه ورصد الأسباب والدوافع إليه، ومعالجتها وإزالتها، وهذا هو الجانب السياسي من الإرهاب الدولي، وهو جانب يؤلف محور الخلاف الذي يصعب تجاوزه أو التغاضي عنه في إطار النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي العالمي الراهن.
ويمكن تحديد سمات العمل الإرهابي بأنه عمل عنيف يعرض الأرواح والممتلكات للخطر أو يهدد بتعريضها له، وهو موجه إلى أفراد أو مؤسسات أو مصالح تابعة لدولة ما ويقوم به أفراد (أو جماعات) مستقلون أو مدعومون من دولة ما، وقصده تحقيق أهداف سياسية.وتؤلف السمة الخيرة أي الهدف المشكلة المحورية لمفهوم العمل الإرهابي، ذلك أن تحديد شرعية العمل الإرهابي أو عدم شرعيته، أي كونه حقاً أو باطلا، يرتبط بكون الهدف السياسي نفسه مشروعاً أو غير مشروع، فإن كان مشروعاً سقطت صفة الإرهاب بمعناها الإجرامي عن العمليات العنيفة التي تقوم بها الجماعات الممارسة لها، مثل حركات التحرير الوطني أو الجماعات المناضلة ضد الاستعمار والاحتلال والسيطرة والعنصرية والصهيونية والظلم الاجتماعي.لقد أصبح الإرهاب عامة ظاهرة من ظواهر الاضطراب السياسي في العصر الحديث مع أنه عرف أكبر أشكاله قديماً في المدة بين عامي 1966 و1974، علي يد عصابة يهودية في فلسطين عرفت باسم (السيكاري) وهو بوصفه تعبيرا وممارسة قد ظهر بصورة أوضح من ذي قبل منذ نحو قرنين، حين برز فكرا وواقعاً في عام 1793م، ففي العهد الذي يُطلق عليه في فرنسا(عهد الرهبة) أي في أثناء الثورة الفرنسية مارس زعماء ذلك العهد العنف السياسي على أوسع نطاق، وفي القرن التاسع عشر ظهرت حركات ومنظمات سياسية في أوروبا استخدمت الإرهاب وسيلة لبلوغ أهدافها السياسية .
إن كلمة الإرهاب أصبحت مصطلحاً متداولاً في الخطاب السياسي المعاصر وكانت أوروبا هي الموقع الذي أحيا هذه الكلمة وأعطاها معاني متعددة استمدها من الفلسفات التي سوغت استخدام الإرهاب وسيلة، ومن الحركات والمنظمات والجماعات التي استخدمت هذه الوسيلة سواء في أوروبا أو أمريكا، وعلى هذا فالمصطلح في الأصل ذو جذور أوروبية- أمريكية.
ولقد تطور استعمال مصطلح الإرهاب الدولي فيما بعد الحرب العالمية الثانية. وخاصة في أثر وراثة الولايات المتحدة الإمبراطوريات الاستعمارية المنهارة، ونشوء ظاهرة الاستعمار الجديد، ومحاولة الولايات المتحدة مد سيطرتها ونفوذها على أكبر مساحة من العالم بوساطة الأحلاف والتكتلات العسكرية والاقتصادية. ولقد نمت مجموعة كبيرة من الدول نحو الاستقلال عن هذه الأحلاف والتكتلات مبتعدة عن الحرب الباردة ومشكلاتها وقد أدى الصراع السياسي بين العالم الرأسمالي والدول التي تريد أن تكون تنميتها إلى لجوء العالم الرأسمالي إلى إجراءات مختلفة كان في جملة ما نجم عنها معاناة هذه الدول من مشكلات سياسية واقتصادية، ومن هنا انطلقت تهمة الإرهاب الدولي لتلصق الدول الخارجية عن إرادة الدول الرأسمالية، وبحركات التحرير الوطني التي تناضل لاستقلال بلدانها والتخلص من الاحتلال والعنصرية ولاستعمار الاستيطاني ومن هنا جاء هذا الخلط المقصود وحق تقرير المصيرللشعوب، أو الكفاح المسلح من أجل التحرير الوطني وهو خلط عملت أجهزة الثقافة والإعلام الأوروبية والأمريكية على تثبيته وتعميقه وتعقيده.ومن المؤكد أنه لا يوجد في العالم كله ما يماثل الكيان الصهيوني في ممارسته الإرهاب. وكان الإرهاب على مدى أكثر من ستة عقود من الزمن أحد المقومات الفكرية الأساسية للحركة الصهيونية، لذا فقد اقترن إنشاء الكيان الصهيوني بأبشع أشكال الإرهاب وأفظع أنواعه، ومارس الكيان الصهيوني الإرهاب فكراً وأسلوباً ضد الشعب العربي الفلسطيني والدول العربية المجاورة.وحتى يستقيم أمر مكافحة (الإرهاب الدولي) لابد من مراجعة المصطلح نفسه والتمعن في تعريفه بدقة وروح علمية وموضوعية ورسم حدوده بوضوح ووضعه في سياقه الصحيح ووضع مقاييس أخلاقية وسياسية وقانونية لتمييز الإرهاب من كفاح الشعوب من أجل تحريرها واستقلالها، ومن ثم دراسة الأسباب التي تولد الإرهاب وحالاته ومعالجتها بإزالتها، لأن القضاء على تلك الأسباب هو أساس التدابير لمكافحة الإرهاب.