ما من أحد يجادل في أهمية الإقتصاد بكونه المكون الرئيس لقوة الدولة، لأنه يمثل أساس عناصر مكوناتها، ومن خلال الاقتصاد و قوته تتجسد قوة الدولة السياسية والعسكرية، فالاقتصاد يؤمنللسلطة السياسية الإمكانيات لبناء القوة العسكرية و تطوير المجتمع، وبكلمة اخرى بناء الدولة القوية القادرة على الدفاع عن نفسها و القيام بدور فعال،
و بالتالي إعداد الإقتصاد العسكري يتطلب رعاية خاصة من الدولة لأهميته في سياسة التسلح الخاصة بالقوات المسلحة لأي دولة.ومن المسلم به أيضا أن هناك علاقة وطيدة وشديدة الارتباط بين الاقتصاد والإستراتيجية العسكرية، هذه العلاقة محورها يشمل كل مجال عمل الإستراتيجية العسكرية فالاقتصاد غالبا مايحدد حسب حالته و درجة تطوره من حيث القوى البشرية و التقنية ليس فقط محتوى المذهب العسكري بل و الاستراتيجية العسكرية فالإقتصاد يقدم لنا المصدر الأول و الأساسي للمقومات المادية التي تؤدي الى الإعداد الأمثل للسياسة المرسومة لغرض التسلح .
وإن القوات المسلحة ضرورة حتمية لكل دولة ومن هنا ولكي تبني على أسس علمية وقواعد متينة لابد من سياسة مرسومة في تكوين وقوام هذه القوات والسياسة التي تتبع في تسلحها، والتي تنطلق أساساً من استراتيجية الدولة ومذهبها العسكري.
فمن أجل التجاوب مع متطلبات التسلح بشكل أفضل لا بد للدولة من امتلاك اقتصاد متطور، أي بكلمة أخرى أن تكون فروع الاقتصاد المختلفة طاقات و إمكانات كبيرة قابلة للزيادة، و خاصة في زمن وأوقات الحرب أي بمعني مرنة، بحيث تتأقلم مع الاوضاع و الحالة التي تواجهها.
الاقتصاد و الإستراتيجية العسكرية:
الإستراتيجية العسكرية للدولة تتوقف تماما على الإقتصاد أي على إمكانات الدولة الاقتصادية وعلى مستوى وحجم الإنتاج، و بالرغم ان لتطور الاقتصاد نظريات و قوانين خاصة به، إلا أن اتجاهه يبقى محكوما بمتطلبات الإستراتيجية العسكرية من الاقتصاد، و تزداد هذه العلاقة زمن الحرب حيث ينطلق الاقتصاد بشكل أساسي من احتياجات القوات المسلحة ويعمل على تلبيتها بشكل حتمي وعند تخطيط الاقتصاد الوطني للآجال الطويلة والمتوسطة تؤخد بالحسبان في خطط تطوير الإقتصاد احتياجات القوات المسلحة بصفة عامة وسياسة تسليحها بصورة خاصة، والتي تؤمن بواسطة الصناعة وفروعها او بالإستيراد من الدول المصنعة.
و تبرز العلاقة مابين الاقتصاد والاستراتيجية العسكرية للدولة وارتباطهما ببعض في اتجاهين:
الإتجاه الاول:
يتجسد في تأثير وضع و حالة الإقتصاد الوطني في مرحلة معينة على بناء القوات المسلحة وطرق وأسلوب تسليحها، وطريقة خوض الحرب، وذلك انطلاقا ممايستطيع أن يقدمه الاقتصاد للقوات المسلحة من أسلحة، كماً ونوعاً، ومن مواد واحتياطات ضرورية للتحضير للحرب ولخوضها لفترة مفترضة. حيث أن حجم ونوعية الأسلحة سوف يؤثر على تكتيك المعركة وأسلوب خوض الصراع إضافة إلى ذلك فان حجم القوات يتوقف على إمكانية تأمين الأسلحة والمستلزمات الأخرى لها، والتي يقدمها الإقتصاد وبالتالي فإن حجم القوات يحدد الإمكانات التي يستند إليها في تحديد الأهداف.
الإتجاه الثاني:
يتجلى في تأثير الإستراتيجية على الإقتصاد.
فالإستراتيجية تحدد اتجاه ومحتوى إنشاء الأساس التقني العسكري لخوض الحرب و تدخل الاحتياجات التي تحددها الإستراتيجية لصالح القوات المسلحة في خطط الدولة الاقتصادية، وتصبح جزءا مهما منها، وفي هذه الحالة يصبح الاقتصاد مكلفا بتزويد القوات بكل مايلزمها من احتياجات للإعداد للحرب، والمحافظة على الجاهزية العالية زمن السلم، ومكلفا بتامين وتعويض خسائر القوات واستكمال ما يستهلك من الوسائط المادية زمن الحرب.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أيضا يتجلى الاتجاه الثاني في متطلبات الإستراتيجية العسكرية من حيث القوى البشرية المؤهلة اللازمة للقوات المسلحة وضرورة تحضيرها من الناحية العلمية والتقنية وتدريبها، ومن ثم توزيعها بشكل علمي ومتوازن لتأمين حاجات القوات المسلحة، وحاجات فروع الاقتصاد الحيوية وتزداد أهمية هذا التوزيع زمن الحرب، فمن الضروري أن يلي التوزيع للحاجات فروع الاقتصاد التي تحولت لانتاج مستلزمات المجهود الحربي وفق خطط تعبئة الاقتصاد الوطني والقوى البشرية زمن الحرب، إضافة إلى تلبية احتياجات القوات المسلحة من الافراد المؤهلين التي تتعاظم بشكل حاد زمن الحرب، بسبب تعبئة القوات الاحتياطية والخسائر الناجمة عن ذلك.
كذلك تفرض الإستراتيجية متطلباتها على الاقتصاد في مجال تمركز وتوزيع الأغراض الاقتصادية على أرض الدولة وذلك عند إقامتها لأن القطر يتحول زمن الحرب إلى ميدان حرب واحد، تسيطر عليه متطلبات الإستراتيجية العليا وأن النجاحات الإستراتيجية في الحرب منذ بدايتها وانتزاع المبادرة الإستراتيجية وتقليص الخسائر يخلق ظرفا مناسبا لعمل الاقتصاد بكفاءة.
إن التأثير الغير مباشر للإقتصاد على الإستراتيجية عن طريق وسائط خوض الصراع هو الغالب على العلاقة بينهما، أما العلاقة المباشرة بينهما فيمكن أن تكون في أنه من الضروري تخصيص الوسائط اللازمة لحماية الأغراض الاقتصادية التي جرى توزيعها على أراضي البلاد استنادا للمتطلبات الإستراتيجية وأن إنشاء منظومة مناسبة لتغطية هذه الأغراض يعتبر إحدى مهام الإستراتيجية.
سياسة التسلح:
يكاد يتفق أغلب المفكرين على أن سياسة التسلح هي عبارة عن منظومة الآراء والتدابير التي تحدد تطور وسائط الصراع المسلح والأسلحة اللازمة بهدف حماية البلاد من أي اعتداء خارجي.
هذا التعريف يعني تحديد اتجاهات ملموسة لتطوير الأسلحة والمعدات القتالية لجميع القوات المسلحة وصنوف الأسلحة، وتحقيق كافة الخطط الموضوعة للإنتاج المسلسل للأسلحة واستيرادها ولتأمين جاهيزيتها الفنية القتالية العالية واستخدامها القتالي الفعال في الحرب.
تتألف سياسة تسليح القوات المسلحة من المنطلقات العلمية والإمكانات الاقتصادية للدولة واستيعاب القوات المسلحة لهذه الأسلحة وهي تقوم على الأسس التالية:
- تأمين تطوير من الدرجة الأولي لوسائط الصراع المسلح التي تتوقف عليها قوة القوات المسلحة وقدرتها على إيجاد الحلول للمهام الإستراتيجية و المهام العملياتية و التكتيكية.
- تحديد أفضل قوام عقلاني للقوات المسلحة ولكل نوع من أنواع القوات المسلحة و صنوف القوات على أسس علمية مع تأمين تعاونها الوثيق في العمليات و الأعمال القتالية .
- يجب أن يكون التصميم الجديد مبني على قاعدة صلبة من أحدث المبتكرات العلمية بحيث يمكن تامين مستواها التكتيكي التكنولوجي الرفيع ودورة حياتية طويلة لهذه الأسلحة و الاعتدة .
- عند ايجاد الحلول للمسائل التكنولوجية لتصميم الأسلحة يجب رسم طرق الحلول المثلى للمشكلات العسكرية.
- التكنولوجية و تامين تنفيذ البحوث الاساسية الإستكشافية والموجهة لكشف وسائط مستقلة لخوض الصراع المسلح .
- يجب التوصل إلى تكنولوجية عالية في صنع الاسلحة وتوحيدها بحيث يستهلك إنتاجها المتسلسل الحد الأدنى من العمل البشري والمواد .
- تحسين المناهج الموجودة ووضع مناهج جديدة لوسائط قيادة القوات المسلحة ومن أهمها منظومات القيادة والسيطرة على أسس التقنية الاكترونية الحديثة .
- الاتجاه نحو تحديث الأسلحة والأعتدة القتالية الموجودة، هذه الطريقة لزيادة الإمكانيات القتالية للأسلحة، أثبتت صحتها من خبرات السنين الماضية والمنافع الاقتصادية المتولدة عنها .
دور النظام الإقتصادي في سياسة التسلح
وتتوقف فاعلية التأمين الإقتصادي للقدرة الدفاعية للدولة إلى حد كبير على إيجاد الحلول للمشاكل الرئيسية التالية:
الإستخدام الأمثل لجميع الموارد المتاحة البشرية و المادية و المواد الأولية و مضاعفة العائد النقدي وتحسين نوعية المواد المنتجة وزيادة فعالية توظيف المنشآت العامة وإعادة تجهيزها فنيا فهي لا تكلف ثلث ما يكلفه إقامة منشآت جديدة وتعزيز فعالية الصناعة عن طريق الإقلال من الإستهلاك، وكذلك يجب أن يكون المكون الاقتصادي للدولة متجاوبا مع متطلبات تقوية القدرة الدفاعية للدولة والقدرة القتالية والجاهزية القتالية للقوات المسلحة على المستوى المطلوب.
الخـــاتمة:
على هذا الأساس فمحدودية القدرة الاقتصادية للدولة يجب أن تصرف الأموال المخصصة للتامين الدفاعي عن الدولة بشكل عقلاني وبالفاعلية القصوى وبالشكل الأكثر نفعا للقوات المسلحة، إن أفضل اتجاهات العمل في حقل الاقتصاد بالموارد هو في توحيد التسليح وتنظيمه إن ذلك يرفع من نوعية التسليح و قدرته و يخفض عدد أنواع الأسلحة ويخفض تكاليف التسليح و يسهل أعمال استيعابه و يضاعف إمكانياته التعبوية.
إن احتياطات اقتصادية كبيرة يمكن توفيرها لو خضعت عملية التسلح إلى خطة مدروسة و منهج مخطط له مسبقا، على سبيل المثال و ليس الحصر لو تم الاتجاه نحو تحديث الأسلحة، وليس بالضرورة تصميم و صناعة أو حتى استيراد أسلحة جديدة، فإن هناك احتياطات ضخمة يمكن توفيرها، لانه وبباسطة عملية التحديث أقل كلفة بكثير من امتلاك أسلحة جديدة وأسرع تنفيذاً .