من خلال تتبع الأحداث في المنطقة العربية وخاصة الأراضي المحتلة يلاحظ المتتبع كثرة التدريبات والاستعدادات الكبيرة للكيان الصهيوني، وهو ما يشير دون أدنى شك إلى خوف أكيد من تداعيات الربيع العربي. يتبين ما سبقت الإشارة إليه من خلال التدريبات المكثفة التي جرت في هضبة الجولان المحتلة من قبل لواء الناحال والتي صادفت ذكرى تأسيسه الثلاثين منذ عام 1982 إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان،
وكانت هذه التدريبات تحاكي سيناريوهات حرب محتملة، وقد شاركت في هذا التمرين بالإضافة إلى لواء الناحال وحدات من سلاح الدبابات وسلاح الجو، وقد أكد قائد هذا اللواء العقيد يهودا فوكس الذي أمضى 20 عاماً في قوات الناحال للإعلام الصهيوني أن الجيش مستمر في الاستعداد لمواجهة السيناريوهات المحتملة والاستجابة لها بحزم؛ لذا تجرى تمارين لجميع وحداته للتأكد من جاهزيتها للدفاع عن أمن إسرائيل.
هذا في الجولان، أما المنطقة البحرية الشمالية وتحديداً مدينة حيفا ووفقاً لما نشرته صحيفة معاريف العبرية فإن قيادة الجبهة الداخلية داخل الجيش الإسرائيلي تقوم بتدريب شامل يحاكي سقوط عدد كبير من الصواريخ على مدينة حيفا، ويشمل التدريب إخلاء عدد كبير من المصابين، وقد استخدم الجيش الصهيوني طائرات بدون طيار في هذا التمرين، أما اللواء جفعاتي (الأرجواني) فقد خاض جنوده تدريبات شاقة، كما أشارت معاريف إلى أن هذه التدريبات التي أُجريت قد اشتملت على تنفيذ عمليات معقدة استمرت لأسبوع كامل، ما يؤكد الاعتقاد بأنه يجري إعداد هذه القوات لعملية عسكرية قريبة جداً، وقد ذكر قائد وحدة لواء جفعاتي عوفر ليفي أن هذه العملية المطولة تهدف إلى مواجهة أي سيناريو طارئ، وبحسب الصحيفة فإن قائد الفرقة المدرعة رقم(36) في هضبة الجولان العميد تامير هايمان يقول: إن قواته المرابطة على امتداد الحدود السورية تلائم نشاطاتها مع التطوات في سوريا، وهي تستعد لمواجهة أسوأ الاحتمالات، ومن جهة أخرى فإن مؤسسة الجيش الإسرائيلي تعمل على تحديث لواء كامل من دبابات (ميركافا 4) في اللواء 107، وتزويده بنظام الحماية تروفي (السترة الواقية) بحسب بيان عسكري صادرعن قيادة الجيش الصهيوني، علماً بأن هذا النظام المحدّث من قبل شركة (رافاييل للأنظمة الدفاعية المتقدمة) يعمل على حماية بزاوية 360 درجة ضد الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وقذائف الـ(آر.بي.جي) وقذائف الدبابات الفتاكة، وهو يزن800 كلغ، ويحتوي على رادار من إنتاج شركة (الصناعات الجوية الإسرائيلية)، وهو موصول بأربعة مستشعرات مثبتة على مقدمة ومؤخرة وجوانب سطح الدبابة حيث يستطيع الرادار اكتشاف التهديدات وتتبعها أيضاً، ويجري العمل داخل الجيش الصهيوني على استخدام هذا النظام في دبابات (ميركافا 3) المستخدمة فعلياً في العمليات الحربية، وقد لمح قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي إلى إمكانية إقامة منطقة عازلة في الحدود ونشر قوة دولية في المنطقة، وعلى الرغم من هذا كله فالكيان الإسرائيلي متوجس حتى مع المنطقة العازلة؛ وذلك ليقينه الجازم بأن مخزون الصواريخ من نوع سكود والرؤوس الكيماوية ستصبح في يدٍ لا تتعامل مع إسرائيل بانفتاح، وربما قاد ذلك إلى مواجهة تخشى إسرائيل أن تفقدها وداعتها الكاذبة وتسبب في نشوب حرب في المنطقة، وقد أعلنت إسرائيل استهدافها موقعاً عسكرياً سورياً داخل الجولان بصاروخ من نوع تموز، وبرر الجيش الإسرائيلي العملية بأنها رد على إطلاق نار تعرضت له سيارة جيب عسكرية إسرائيلية، كما تعرضت دورية إسرائيلية لإطلاق نار عشوائي من داخل الأراضي السورية، وقد قرر الجيش الإسرائيلي رفع حالة الإستنفار في صفوفه إلى أعلى مستوى، وقد أوقف أعمال بناء الجدار الأمني الذي تقيمه إسرائيل في الجولان على إثر تبادل إطلاق النار، ويؤكد الوزير الجديد للجيش الإسرائيلي موشيه يعالون في بيان له على خلفية تبادل إطلاق النار قوله: (إن أي انتهاك للسيادة الإسرائيلية - بزعمه - سيتم الرد عليه فوراً من خلال إسكات مصدر النيران)، ومن المفارقة أن بيني غانتس يخرج للإسرائيليين ويرغبهم في التنزه في الجولان، ويدعي سيطرته الكاملة على مصادر النيران، ويؤكد أنه لا خوف من حدوث مشاكل، ما يعطينا يقيناً راسخاً بأن اليهود الإسرائيليين بدأت عندهم ظاهرة تخوف من حدوث مشاكل ليس في الجولان فقط، بل حتى في تل أبيب؛ فالاعلام يركز كثيراً على الهجرة الوافدة، فقد نشرت معاريف العبرية مؤخراً في موقعها الإلكتروني أن عدد المجندين والخاضعين للتدريب من المهاجرين الجدد بلغ بداية هذا العام 2013 حوالي 2700 مجند، وقد أنهوا دورتهم في اللغة العبرية، وذكرت الصحيفة أن هؤلاء قدموا من عدة بلدان من حول العالم، وذكرت بالاسم خمساً وعشرين دولة، وهم يتدربون في قاعدة في شمال فلسطين المحتلة، كما نشرت في ذات السياق مقالاً عنونته الصحيفة المذكورة بـ(هدفنا مليون مهاجر خلال 20 عاماً) ذكرت فيه أخبار المنظمات اليهودية حول العالم وسعيها للترويج لفكرة الهجرة إلى إسرائيل من خلال الندوات والمعارض واللقاءات التي يحضرها مئات اليهود، كل ذلك وغيره يظهر للعيان مدى خوف الإسرائيليين من الحرب، وقد احتاط الصهاينة لذلك على كل الأصعدة، في الحرب الإلكترونية، فالجيش الإسرائيلي يسعى إلى تطوير القدرات اللإلكترونية مما جعل قيادة نظم الاستخبار(C4I) تشرع في إعداد مقرر تدريبي للقادة الميدانيين عنوانه (الحرب الإلكترونية وتأثيراتها على عمليات الحرب البرية القادمة)، فالقوات البرية تتولى قيادة وحدة الحرب الإلكترونية التي تم استحداثها في الجيش مؤخراً، وتقع تحت مسؤوليتها حماية شبكات حواسيب الجيش وصد أية هجمات إلكترونية، كما يتخوف المسؤولون العسكريون الصهاينة من احتمال اختراق برنامج (تسياد) الرقمي للاتصالات الخاص بهم والذي تستخدمه وحدات سلاح المشاة والمدرعات، والذي تتواصل من خلاله عبر المواقع الصديقة أو المعادية، كما يتم بها التقاط الصور التي ترسل إليها من جميع المحطات سواء الأرضية أو الجوية كالطائرات بدون طيار، وتسعى السلطة العسكرية الصهيونية حثيثاً في تطوير أنظمة تساعد في حماية الشبكات الحاسوبية وغيرها من الشبكات المعلوماتية التي تتسم عادة بالسرية والخطورة، فقد نشرت شركة (ألبت سيستمز) أنباء انتهائها من تطوير نظام يمكن استخدامه لتدريب القوات العسكرية والطواقم الحكومية على حماية البنية التحتية المعلوماتية وشبكات الحواسيب الحساسة ضد أي حرب إلكترونية، ووفقاً لموقع (والا) العبري فإن هذا النظام يحمل اسم الدرع الإلكتروني (NCDS)، وهو يستطيع مساعدة المؤسسات في تحديد مناعة أنظمتها أمام احتمال استهدافها من قبل أي قرصنة إلكترونية محتملة وتطوير إجراءات مضادة للتعامل معها، وقد روج السياسيون والعسكريون أيضاً لهذا النظام ولغيره سعياً منهم أن يكونوا في مرتبة متقدمة في الحرب اللإلكترونية، وقد خرج وزير الدفاع إيهود باراك ليبين طموحه في احتلال مواقع قيادية في هذا المجال داعياً لتعاون دولي مكثف للتصدي لحرب إلكترونية محتملة، وقد جاءت تصريحات باراك في المؤتمر الأمني بتل أبيب أواخر العام الماضي وسط اتهامات بضلوع إسرائيل في تطوير الفيروس المسمى (Flame) المصمم لأغراض تجسسية، واستهداف حواسيب شرق أوسطية وبالأخص في إيران، ويعلم الجميع أن هناك قوى عظمى وراء الكيان الصهيوني توفر له الدعم المادي المتمثل في بذل المنح والقروض الطويلة الأجل والمعنوي المتمثل في القرارات الرافضة للإدانة واستعمال الفيتو حتى أطلق على هذا الكيان الابن المدلل، وليس خافياً على من يعيشون على الكرة الأرضية من هو هذا الداعم لا أقول الوحيد بل الأكبر لهذا الكيان، ومن غير الولايات المتحدة الأمريكية داعماً لإسرائيل؟ فإنني لا أود الاستطراد تاريخياً في سرد مظاهر هذا الدعم في شتى المجالات، فإنه ليس بموضوعنا الآن، بل نستذكر كم دعمت أمريكا نظام حيتس والقبة الحديدية وما زالت تدعم، وكم استعملت حق النقض، والنثرية السنوية المقدرة بثلاثة مليارات دولار وغيرها، أما مؤخراً فقد نشرت المواقع العبرية من هارتس ومعاريف ويديعوت أخبار المناورات بين الجيشين الإسرائيلي والأمريكي والتي شارك فيها آلاف الجنود من الجيشين، ووفقاً لصحيفة معاريف فقد استخدمت مختلف المنظومات الإسرائيلية المضادة للصواريخ إلى جانب منظومات أميركية، واستخدم الجيش الإسرائيلي منظومة الصواريخ الاعتراضية (حيتس-2) فيما استخدم الجيش الأميركي منظومة الصواريخ الاعتراضية (باك-3)، وقد شارك في هذه المناورات حوالي 3000 جندي أميركي إلى جانب الآلاف من جنود الجيش الإسرائيلي بحسب الصحيفة، ونقل عن قائد القوات الجوية الأميركية في منطقة أوروبا الجنرال كرييغ فرانكلين قوله: (لقد كان الاستعداد لهذا التمرين كبيراً جداً)، ومن هذا الاستعداد استُـحداث مديرية مشتركة للجيشين تعمل على التخطيط والإعداد لهذه المناورات، أما مؤخراً فقد أجرى الجيش الصهيوني مع البحرية اليونانية والأمريكية أمام السواحل اليونانية العديد من التدريبات والمناورات، وتبع ذلك العديد من التدريبات مع عدة جيوش خصوصاً البحرية منها كالبحرية الإيطالية والكندية، فمن خلال هذه القرءاة التي تعتبر سرداً للأحداث المتتالية مؤخراً في الجيش الصهيوني وخاصة في شمال فلسطين المحتلة يبرز بوضوح تام تخوف الكيان الغاصب من الربيع العربي وبالأخص أحداث سوريا التي تحول المشهد فيها من مظاهرات سلمية إلى مظاهر مسلحة، فهذا الكيان يتخوف من أن ينفرط عقد المدافعين عنه، فقد نشرت القناة الثانية وغيرها من المواقع استدعاء نظام الأسد قواته المتواجدة بالقرب من الحدود في الجولان المحتل إلى داخل دمشق بعد أن أصبح الجيش الحر أقرب ما يكون من قصره الرئاسي، هذا ولا شك أن إسرائيل كيان لا يثق في حدود أو اتفاقيات فما فاليهود لا يفتأون يتجهزون بين الفينة والأخرى لصد هجوم من هنا أو هناك، وما ذلك إلا لوجود الهاجس الأمني والرعب من المواجهة، وللقارئ الكريم أن يرى هذه الأحداث ويتذكر ما سبق من مثيلها ليجد مما ذكرنا أن الكيان الصهيوني دولة عسكرية في ثوب مدني، وما خلافاتهم حول الخدمة العسكرية للحريديين أي المتدينين وكذلك رغبتهم في إشراك عرب الداخل أو من يسمون عندهم بعرب اسرائيل في هذه الخدمة إلا خلافات سياسية لكسب رأي عام داخل مجتمعهم.
{facebookpopup}