الموقف العام هذه المرة قد تغير كثيراً عن سيناريوهات الحروب المعتادة، فقد أعلنت حالة الحرب، وبدأت العمليات الفعلية بحملة إعلامية موجهة، وانطلقت الأقلام المقاتلة لتنفيذ مهامها
ما يدل على أن العمليات تغيرت جذرياً عما عرفناه سابقاً، ولم تعد فقط عمليات تقوم بها وحدات مقاتلة، وتغيرت بذلك وسائل الحرب وأدوات تنفيذها لتأخذ شكلاً ونمطاً جديداً كلياً بتغير الزمان وتطور الإنسان واكتشافه لوسائل جديدة يدير بها حروبه ويسجل فيها انتصاراته إذ تكون خفية أحياناً ومعلنة وقوية في أحيان كثيرة لدرجة أن العدو يخسر فيها الكثير ويبذل أقصى ما يستطيع لاستعادة مواقعه ولكن بلا جدوى؛ لأن الكلمة أصبحت أسرع من الرصاصة، ومداها غير محدود، وفعالية تأثيرها أصبحت لا تقدر بمسافة وزمن، فهي تتجاوز حدود الوطن والإقليم لتشمل عالماً بأكمله تشكله وتصوره كيفما أراد المخططون لها بقوة مفرداتها وإرادة من يكتبها
إنها حرب الإعلام الجديدة التي يتشابه فيها كثيراً الإعلامي مع الجندي، فكلاهما في استعداد دائم لخوض المعركة: الأول متسلحاً بقلمه أو آلته والثاني متسلحاً ببندقيته وما في حكمها من سلاح، وكلاهما يضع الوطن نصب عينيه ولا يغفل عنه أبداً، عين على عدوه والأخرى على وطنه، وإخلاص الاثنين لوطنهما لا يقدر بثمن، فالكلمة توضح وتساند وترفع المعنويات، وهي بذلك تكون العون والسند، وبدونها يكون السلاح ضعيفاً وغير فاعل حتى لو كان قوياً وحديثاً.
يعتبر الإعلام بفلسفته الواسعة وبوسائله المتطورة أقوى أدوات الاتصال العصرية، بل إن الإعلام في ظل ثورة الاتصال والمعلومات حمل معه تقنيات واسعة أدت إلى إحداث تطورات ضخمة في تكنولوجيا الاتصال، والإعلام الحربي يعد أحد الفروع المتخصصة للإعلام الشامل، بل إنه أصبح يمثل ركيزة مهمة من ركائز بناء الأمن الوطني للدولة والوسيلة الرئيسية لإيصال نشاط ودور القوات المسلحة إلى الرأي العام، وهو دور يقوم على أساس التفاعل مع التحديات والتهديدات الموجهة للأمن الوطني من أجل تأكيد إستراتيجية الدولة في مواجهة هذه التحديات، وذلك من خلال الإسهام في مناقشة هذه القضايا وإيجاد الحلول المناسبة لها، كما أن له رسالة مهمة في مواجهة الغزو الفكري والثقافي المعادي الذي يستهدف النيل من وحدة الوطن.
غايات الإعلام العسكري:
1. غرس مبادئ العقيدة العسكرية وتأكيد قيم التضحية والبذل والعطاء في سبيل العقيدة والوطن، والتهيئة النفسية والمعنوية لتعمل على تكوين الكيان العسكري للدولة.
2. غرس روح الانتماء لهذا الوطن والحفاظ عليه، وفرض إرادة الشعب على من سواه، وتأكيد الولاء لله والوطن.
3. التصدي إعلامياً لأية هجمة إعلامية لحرب نفسية قد يكون من شأنها التأثير على الروح المعنوية وأداء القوات المسلحة والمواطنين بشكل عام.
4. التعريف بالموقف السياسي للدولة وتطوراته من خلال شرح أبعاد الرأي العام الداخلي والخارجي وموقف القوى المختلفة سواء المؤيدة والمساندة لموقف الدولة أو المتحالفة والمؤيدة لأعدائها.
5. التوعية الوطنية من حيث إبراز التاريخ العسكري للوطن وتاريخ معارك الجهاد الليبي لتأكيد مفاهيم الحرية والهوية والانتماء للوطن وواجب الدفاع عنه.
6. التنسيق والإسهام مع أجهزة الإعلام الوطنية في تنشيط دور الجيش وتفعيله لخلق جيش ذي حس وطني واعٍ ومثقف يعرف حقوقه ويؤدي واجباته، ويكون مدافعاً عن وطنه وشعبه وسانداً للشرعية ومحققاً لها، والتأكيد على تقدير واحترام أبناء الشعب لمهام قواتهم المسلحة.
7. تنمية إرادة القتال ورفع الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة للدفاع عن الوطن.
8. تغطية العمليات العسكرية في الحرب ونقل الصورة الصحيحة لتطور الصراع المسلح والأعمال القتالية عند نشوب المعارك والأزمات بحيث تتصف بالموضوعية والصراحة.
الجهات المستهدفة من الإعلام العسكري:
تحدد القيادة العسكرية سياستها الإعلامية في عدد من الأهداف يسعى الإعلام العسكري إلى تحقيقها بالتنسيق مع كافة أجهزة الإعلام بالدولة، ولتحقيق هذا الهدف يتم تحديد الجهات المستهدفة التي يوجه لها الإعلام العسكري رسالته، وهي:
1. أبناء الشعب في الداخل والخارج.
2. منتسبو الجيش والعاملون فيه.
3.الأجهزة المدنية التي تتعاون مع الجهات العسكرية.
4.الأجهزة والمنظمات العسكرية في الدول العربية والأجنبية.
خصائص الإعلام العسكري:
يجب أن يتميز الإعلام العسكري بكافة وسائله المقروءة والمرئية والمسموعة بما يلي:
أ. الموضوعية: يجب أن يتناسب دور الإعلام العسكري مع واجب وحدات الجيش في مختلف المهام المنوطة بها مع تقدير مستوى الحالة الأمنية التي يجب أن يتعامل بها مع الأخبار والأحداث العسكرية بحيث ينقل الأحداث بموضوعية تامة دون اللجوء إلى الإثارة وتضخيم مجريات الأحداث بما يؤثر سلباً على الحالة العامة للدولة.
ب. دقة المعلومات: هي أحدى النقاط المهمة التي تؤثر في مصداقية الإعلام العسكري؛ لذلك يجب أن تصل تلك المعلومة إلى المتلقي بالاسم والوصف والاستخدام والتوقيت الصحيح بما يجعله متفاعلاً وواثقاً من تلك المعلومة.
ج. السرعة في إيصال المعلومة: هي إحدى أهم مزايا الإعلام العسكري المهمة، وأحد عوامل نجاحه، وتأتي أهميتها من حيث مواكبة الإعلام العالمي في نقل وتتبع الأحداث وكذلك من أجل احترام المشاهد وإيصال المعلومة إليه وقت حدوثها ومن مصدرها الحقيقي وبكل حقائقها قبل أن تشوه من خلال وسائل الإعلام المضادة.
ح. المرونة: ويستطيع الإعلام العسكري من خلالها مجابهة المتغيرات التي تحدث سواء على المستوى الوطني أو العربي أو العالمي.
خ. التكامل: وذلك من خلال التنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة بما يحقق له دوره الوطني في إطار منظومة العمل الإعلامي للدولة.
د. التطور: بحيث يستطيع مجاراة الأحداث داخل حدود الدولة، ويتسم بالتفاعل الدائم واقتناء الوسائل المتطورة واستخدام النظم والأجهزة الحديثة لتحسين جودة المنتج الإعلامي.
هـ . التنوع: بحيث يؤدي رسالته من خلال برامج متنوعة تغطي الأبعاد التالية: الدينية، العلمية، الاجتماعية، الثقافية، الوطنية، الترفيهية، الرياضية.و. الأمن والوقاية: بحيث يخضع لرقابة شديدة في مراحل التخطيط والإعداد والتنفيذ، كما يخضع لتحليل المضمون وقياسات الرأي العام في كثير من الأحيان؛ وذلك لحساسية المضمون باعتباره يمس أمن الوطن والمواطن، ويمثل في كثير من الأحيان وجهة نظر المؤسسة العسكرية في الدولة تجاه القضايا والأمور والمتغيرات الوطنية والدولية.
أهداف الإستراتيجية الإعلامية:
ينبغي وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمختلف فروع الإعلام في الدولة والتأكيد من خلالها على دور الإعلام العسكري وتحديد أهداف وغايات ضمن مستويات عدة في سبيل الوصول إلى خطاب إعلامي متميز حر يسعى نحو الأفضل والعمل من خلال ذلك على الآتــــي:
1. تأكيد وحدة وتكامل العمل الإعلامي بكافة وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية على مستوى الدولة، والقيام بعملية ترويج واسعة للمنتج لإيجاد قاعدة انتشار وطنية وإقليمية وعالمية للوصول إلى أكبر عدد من المتابعين والمهتمين.
2. الإسهام في تحقيق الحوار بين أجهزة الدولة وفئات الشعب بما يحقق الإبداع والتواصل، وبذلك يحقق التآخي والترابط بين أبناء الشعب من أجل إنجاز الأهداف الوطنية عن اقتناع وبصورة مشرفة.
3. تعميق وعي المواطن وإثراء شخصيته وإقناعه بالقضايا المثارة التي تهدف أولاً وأخيراً إلى تحقيق أمنه والأمن الوطني للدولة ككل، والواقع أن تحقيق ذلك لن يأتي من فراغ، ولكن من خلال تعاون كامل بين أجهزة الدولة المختلفة.
4. تقديم الرسالة الإعلامية بصورة تحصن المواطن ضد الغزو الفكري والإعلامي الأجنبي، وترسيخ الشخصية الوطنية، وتحقيق الأمن الثقافي والإعلامي الوطني في مواجهة التيارات الإعلامية الوافدة التي تهدد العادات والسلوك.
5. صياغة نظام إعلامي يكون قادراً في إبداعه وعطائه على أن يأخذ مكانه في هذا الزمن ويضمن له القدرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي يمكن أن تواجه الدولة في المستقبل، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية وعدم إدماجها في تيار الفكر والثقافة الأجنبية.
الإعلام العسكري الليبي:
في ليبيا اليوم تبرز مجلة المسلح لتتصدر المشهد الإعلامي العسكري الليبي، وتسعى جاهدة بأقلام محرريها للإحاطة بكل جديد في عالم تقنيات الدفاع والأمن الوطني إلى جانب التعريف بالمؤسسة العسكرية الليبية محلياً وعالمياً، وذلك بالمشاركة في الملتقيات والمؤتمرات والمعارض المحلية والعالمية، وتقف إلى جانبها مجلة الأفق ودورية التدريب، وهما من أبرز وسائل الإعلام المقرءة، هذا وقد انطلق مؤخراً برنامج إذاعي مسموع باسم (نسور الجو) برعاية القوات الجوية الليبية في تجربة إعلامية جديدة على الشارع الليبي ليساند الجهود المبذولة في هذا الإطار للتعريف بأنشطة وحدات الجيش وصياغتها بأسلوب جديد وممتع ونشرها محلياً، وفي وسائل الإعلام الإلكتروني هناك موقع وزارة الدفاع الليبية، ومجلة المسلح علي شبكة الإنترنت، والصفحات الرسمية لرئاسات أركان الجيش الليبي على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعبر عن وجهة نظر القيادة العسكرية الليبية في مجريات الأحداث، وتبرز أهم الأخبار والمناشط لوحداتها المختلفة، وذلك بهدف تزويد الشعب والجيش بالمعلومات الصحيحة وإحباط نوايا الحملات المضادة التي تهدف إلى إضعاف الروح المعنويةأو التأثير على التلاحم بين الشعب والجيش مع التأكيد على الولاء لله ثم الانتماء للوطن.
كما تهدف أيضاً إلى نشر الأخبار والمعلومات الدقيقة عن الجيش التي ترتكز على الصدق مع تأكيد الموضوعية في مخاطبة الشعب والارتقاء بمستوى الطرح من أجل تكوين رأي صائب لدى الجماهير عن مدى كفاءة وقدرات وحدات الجيش، وفي الوقت نفسه مواجهة الإعلام المعادي.
يواجه الإعلام تحديات الاحترافية والمهنية والتخطيط الإستراتيجي والدراسات والبحوث، وهذا يعني أنه يجب التركيز على التكوين الفعال والمنهجي وكذلك التعليم المستمر والتحاور والالتقاء بين مختلف الإعلاميين، والتنسيق ما بين جهات التكوين والتدريب والمنظمات والمؤسسات المختلفة سواء أكانت مدنية أم عسكرية لخدمة الوطن والمواطن.
المراجع:
1.أطروحة الدكتور مهند العزاوي، الإعلام والإستراتيجية العسكرية الأمريكية، نوقشت عام 2008 في جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام، وحازت على تقدير جيد جداً.
من مركز صقر للدراسات الإستراتيجية http://www.saqrcenter.net/?p =2373 يوم 25.11.2012 2.الإعلام العسكري ( كتابات)، الكاتب: المقدم الركن/ عبده مجلي،
http://www.aviadef.com/article.aspx?magid=43&artid=12 مجلة الطيران والدفاع اليمنية بتاريخ 20/ 11/ 2012 م.
{facebookpopup}