مفهوم يستعمل عادة في التاريخ العسكري وفي مضمار صياغة العقائد العسكرية على وجه التحديد، لذا فإن أهل الإختصاص يعرفونه جيدا. فالدروس المستفادة تعني ببساطة دراسة الأسباب التي أدّت إلى الهزيمة أو الإنتصار في عملية ما، وذلك لمعرفة العوامل المؤثرة في حصول هذه النتيجة، وقراءة أبعادها بطريقة متأنّية.
وتكتسي معالجة التجارب السابقة أهمية كبيرة باعتبارها من العوامل الأساسية التي تساعد على تقصّي أسباب القوة والضعف في أي عمل، بهدف الأخذ بما هو إيجابي وتحاشي كل ما هو سلبي، وذلك في خطوة تمهيدية لتعديل أو تطوير الأساليب والخروج بنظريات جديدة. ويسري هذا المبدأ أيضا على شتى المجالات السياسية والإقتصادية والصناعية وفي مراجعة مختلف المشاريع، وحتى في الحياة اليومية العامة. وهو يعد بمثابة معيار تقييمي يتيح تطبيقه تكوين الخبرة واستمداد العبرة وتوظيفهما بما يدفع باتجاه تصحيح المسارات وتدارك الإختلال والأخذ بأسباب النجاح..
وفي يومنا هذا، ما أحوج الليبيين إلى الإستفادة من التجارب التي خاضوها طيلة السنوات العصيبة الماضية، والتي كانت في غضونها الوسائل غير الحميدة هي الوجه السائد في التعامل بين أبناء الوطن الواحد، وكأنّ النزعة العدائية قد حلّت محل ما يُعرف عنهم من الترابط وأواصر الوئام. نزعة مقيتة وممارسات باطلة فعلت أفاعيلها فحدث ما حدث من التناحر والتخريب وشديد الفتن، وهو ما أسفر على نتائج خاسرة، لم تخلّف للأهالي سوى العذابات والآلام الجمّة علاوة على ضروب الأسى والكثير من مشاعر القهر والإحباط.. نعم لقد أتت تلك التجارب المريرة بالشيء الكثير من العواقب الوخيمة والتداعيات السيئة، لكن مع هذا يظل الأمل هو سيد الموقف رغم المصاب الجلل، إذ لا ينبغي للمؤمن أن يستسلم لليأس، كما لا ينبغي له أن يُلذع من جحر مرتين، والحال أن تؤخذ بعين الإعتبار تلك الدروس القاسية والإستفادة منها على نحو يتيح استخلاص العبرة من نواتجها ثم المضي نحو الإصلاح، ومن أجل ذلك لا مناص إذن إلا من انتهاج منحى سويّ يؤدي إلى بر الأمان. ففي خضم هكذا أوضاع راهنة فإن الليبيين لا يعيشون إلا حالة استثنائية، لم يصل فيها بهم الأمر إلى الطريق المسدود ولا إلى نقطة اللارجوع كما يتوهّم البعض، بل إن السبل لا تزال مفتوحة على مصراعيها بما يتيح تدارك الموقف ورأب الصدع ودحر أسباب التردّي والإنفلات، وبما يُؤدّي بالتالي إلى ترميم ما أفسدته السنوات العصيبة، إذ لم يكن ذلك على الإطلاق من الإستحالة أو الإستعصاء في شيء، لأن الحل بأيادي الليبيين أنفسهم، فهم يملكون الكثير مما يمكن أن يُنجز في هذا المضمار، بفضل ما يتحلّى به معظمهم من شيم المروءة والشهامة وبما يعرف عن عقلائهم من الحكمة، حيث الخير متجذّر بشكل عام في هؤلاء كما في أرضهم الزاخرة بالخيرات والتي قد أنعم الله عليهم بها، وكان من الواجب الحفاظ على نعم الله.. لقد آن الأوان للدفع باتجاه الخير واستثمار الخصال الكريمة من أجل الوطن ومستقبل أبنائه. ومن المؤكد أن حجر الزاوية في هذا المُبتغى وكل الزخم يكمن في المراهنة بالدرجة الأولى على القيم النبيلة وعلى تسخير الموعظة الحسنة من خلال إطلاق العنان للكلمة البنّاءة وللعمل الصالح لإطفاء نار الفتنة وإصلاح ذات البين، وترك كل ما هو دون ذلك. وعلى هذا النسق يترسخ التوافق وتنتصر الأخوة، وبانتصارها تستقيم الأمور ويتعافى الوطن وتسطع شمس الأمل مبشرة بالإستقرار والهناء، في كنف دولة مدنيّة عمادها القانون والمؤسسات.