في الإطار الذي يتطلبه الجيش الوطني للبناء على أسس تستند على العلمية وترتبط بنظرية بناء القوات المسلحة وكيفية تطبيقها على أرض الواقع في المناحي المختلفة.
ونحن لهذا سوف نتطرق في هذا المقال الى المسائل التنظيمية في بناء الجيش والتي تعد من المسائل الملحّة في هذة المرحلة وقد نتطرق للمسائل الاخرى في مقالات لاحقة حتى يتسنى لنا بناءه على أسس علمية صحيحة.
نظرية بناء القوات المسلحة هي أحد العلوم النظرية العسكرية التي تدرس في الأكاديميات العسكرية العليا والتي تعرف بأنها منظومة من التدابير والمعارف والمبادي السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية والايدولوجية والاجتماعية والقانونية والتنظيمية لبناء القوة العسكرية، وتحديد الاتجاهات الرئيسية لتطوير القوات المسلحة و تحديد شكلها وقوامها المطلوب وإعدادها وتجهيزها للدفاع عن الدولة بشكل يؤمن التعامل مع العدائيات الداخلية والخارجية المحتملة.
وتثأترنظرية بناء القوات المسلحة بعوامل عدة أهمها الهدف السياسي الاستراتيجي من بناء الجيش والتهديدات المحتملة؛ والاوضاع الاقتصادية للدولة والموارد البشرية. وخصائصها تقافة الامة ومدى التقدم وتوفر الكوادر الفنية المؤهلة وطبيعة الصراع المتوقع وحدود وطبيعة المسرح العملياتي فكل هده المؤاثرات تؤخد في الاعتبار لبناء اي جيش في العالم.
وبالرغم من اهتمام نظرية بناء الجيش بمسائل عدة مثل التوازن العسكري والتسلح وتحديد الأهداف الرئيسية، وطبيعة العقيدة العسكرية، والوضع العسكري والسياسي العام، والحالة الاقتصادية والعسكرية، والوضع السكاني، والجيوبولتيك وتطوير العلوم العسكرية، وطبيعة الحرب والنزاعات المحتملة وتقيمها بشكل صحيح لاتخاذ القرار العقلاني في مسائلة بناء الجيش، وإعداد البلاد للدفاع، وإدارة البنية التحتية، وأنظمة النقل، والدفاع المدني، والتدريب العسكري للسكان وغيرها من المسائل الاخرى.
وبالتالي سوف نتطرق في هدا المقال لأهم المسائل التنظيمية في عملية البناء وهي:
أولاً:البناء التنظيمي:
قبل إنشاء أو تصميم أي مؤسسة عسكرية أو مدنية يتم وضع الأسس التنظيمية والإجرائية وتحديد المهام والواجبات والمسئوليات قبل البدء في العمل، فالبناء التنظيمي والذي يشتمل على:
- تحديد أنواع الصنوف والهيئات والإدارات والقوام الأمثل في زمن السلم والحرب لكل صنف والقوام العام للجيش عموما.
- إعداد البنية التنظيمية للصنوف البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوى والوحدات والتشكيلات والادارات والهيئات ووضع الواجبات والمهام والمسئوليات للمناصب المختلفة في كل مستوى.
- تحديد نظام سير الخدمة في كل صنف.
1. تحديد أنواع الصنوف وقوامها.
تحدد أنواع الصنوف وفقا للمهام الملقاة على عاتق كل صنف وحجم الاعمال وعلى القوات المسلحة عموماً، ووفقا لطبيعة المسرح وحجمه وكدلك الامكانيات الاقتصادية والتحديات التي تواجه كل دولة، كما تحدد النسبة والتناسب بين الصنوف للأسباب سالفة الدكر بحيث يجب أن يتناسب القوام مع البنية التنظيمية المرتكزة على أسس تنظيمية سليمة ووفق مهام الحماية والتأمين للوطن وسحق التهديدات وتحقيق الكفاية الدفاعية.
تشكل قوات الجيش كمنظومة موحدة ومترابطة تؤمن المرونة التنظيمية بحيث تؤمن استقلالية عمل الواحدات والتشكيلات والقطاعات والاستجابة لردود الأفعال السريعة والتحول السريع للاستعداد الكامل مع مراعاة للقدرة الاقتصادية وحساب التكاليف المادية لتنفيد المهام بأقل حجم ممكن للموارد المادية والبشرية .
ويحدد القوام الامثل للجيش وفقا لضمان تنفيد المهام المسندة في زمن السلم والحرب، وتجدر الاشارة هنا بأنه لاتوجد علاقة بين عدد القوات المسلحة ونسبة السكان أو مساحة الأرض كما يظن البعض كما ان التناسب بين أنواع الصنوف يتحدد وفق الامكانيات الاقتصادية والموقع الجيوستراتيجي والمهام الملقاة على عاتق الصنوف .
2. تصميم الهياكل التنظيمية تصميم الهياكل التنظيمية للرئاسات و للهيئات والقطاعات والوحدات الرئيسية والفرعية لتحديد التسلسل الهرمي للسلطة والمسئولية التي تربط بين المكونات المختلفة وتحديد المهام والتنسيق بين المكّونات المختلفة والذي يوضح الإدارات والأفرع والأقسام واختصاصات كل مستوى وتوضيح خطوط الاتصال والسلطة.
يجب أن تتمتع الهياكل التنظيمية بالتنسيق الجيّد بين مكونات التنظيم وعدم التعارض في الأعمال وسهولة الرقابة وبالمرونة لمواكبة التغيّرات والمستجدات في البيئة المحيطة .
كما يجب أن تكون البنية التنظيمية متناسبة مع طبيعة المهام والحرب المحتملة ومع مضمون المهام وظروف تنفيذها، كذلك يجب أن تؤمن البنية التنظيمية أكبر استقلالية ممكنة للوحدات والتشكيلات والقطعات أثناء تنفيد المهام القتالية وتامين الاستخدام الفعّال للاسلحة والمعدات بأقل حجم ممكن من الخسائر والعناصر وباستهلاك أقل حجم من الوسائط المادية وتنفيد الاعمال الناجحة في كل الظروف و تحقيق القيادة والسيطرة المستمرة في جميع أنواع النشاط القتالي بحيث تصل الأوامر بأقصر طريق ممكن لخطوط السلطة على الوحدات وأن تكون البنية التنظيمية قابلة للتغير والتعديل وفق الخبرة العملية والتدريبية، كذلك يجب أن تتوافق البنية التنظيمية مع البنية التنظيمية لأجهزة القيادة والسلطة الحكومية للدولة لتحقيق مبدأ مركزية القيادة مع تطبيق مبدأ الإستقلالية والمبادرة في اختيار أساليب تنفيد المهام المسندة ضمن إطار الفكرة العامة .
بعد الإكتمال من تصميم الهياكل التنظيمية تحدد الواجبات والمسئوليات لكل منصب في البنيان الهيكلي وتحديدالمهام الرئيسية والفرعية والنشاطات والمهارات المطلوبة لكل منصب ووظيفة المؤهلات والخبرات والقدرات المطلوبة لشاغل المنصب والشروط اللازمة لشغل هذا المنصب أي بمعنى آخر وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفق الشروط والمعايير المطلوبة وبالتالي تحديد الملاك الفعلي للوحدة دون زيادة أونقص، الأمر الذي يساعد في كفاءة الأداء وفاعلية تنظيمية وخلق يبئة تنطمية ناجحة.
3. تنظيم سير الخدمة العسكرية .
تنظيم سير الخدمة يتمثل في تحديد العلاقات القانونية والإجرائية بين العسكرين وقواعد النظام العمل الداخلي للوحدات وتنظيم الخدمة والحراسة والخفارة القتالية .
وتتحدد القواعدالمنظمة للخدمة وفق النظام العسكري المعتمد والذي يراعي خصوصية كل صنف والذي تحدد فيه جميع المسائل المتعلقة بالخدمة ونظم النشاط اليومي ونظام الصيانة والإدامة وغيرها من النشاطات المختلفة ومايقوم به أفراد الوحدات من واجبات وأعمال ونشاطاتهم اليومية والأسبوعية وتحديد معيار محدد لإنجاز المهام والأعمال المختلفة وتنظيم لوحات التوزيع للاعمال القتالية واليومية أثناء تنفيذ المهام المختلفة والتي تحدد وفق خصوصية كل صنف ؛ ندكر منها لاللحصر لوحة التوزيع أثناءالايقاظ الحربي لدرجة الإستعداد المختلفة ؛ لوحة التوزيع أثناء تسليم وإستلام الذخائر، لوحة التوزيع اثناءالتشغيل والصيانة اليومية للأسلحة والمعدات وتحديد نظام وروتين العمل اليومي الذي يشتمل على الخطوات التفصيلية والاجراءات والقيام بالاعمال اليومية والنشاطات مثل الرياضة الصباحية والجمع الصياحى ورفع العلم والقيام بأعمال النظافة العامة والشخصية وتناول الواجبات اليومية، التفتيشات، العطلات، نظام الخدمة، وتحديد الخفارات وانواعها وفق خصوصية كل وحدة وكل صنف، وإجراءالتدريبات والقيام بالصيانات. وتحديد عدد ساعات الدوام، بشكل متجانس يجنب الارتجالية في العمل ووضع الضوابط والوائح والتشريعات القانونية واللوائح التنظيمية للخدمة الداخلية بالجيش الوطني.
وكذلك وضع دليل للخدمة القتالية والذي تحدد فيه نوعية وصنوف القوات والوسائل ونظام التشكيلات والوحدات ونظام العمل بالأركانات وتوحيد الوثائق العملياتية وتحديد محتواها ووثائق إسناد المهام، ونظام التعاون والتامين والسيطرة، وآلية أعداد الوتائق القتالية ومحتوياتها وتداولها ونظام ودرجات الجاهيزية، ونظم الدفاع والحماية، وتحديد المسؤوليات للأفراد في جميع الظروف المختلفة .
ووضع الوتائق القتالية والسجلات ونظام البلاغات والدليل الدي يتضمن المعلومات والارشادات والاجراءات واساليب العمل تتضمن الحقوق والواجبات في الظروف والحالات والنشاطات المختلقة.
ثانيا: تحديد نظام التربية والتعليم
وهوالمنهاج في بناء وتنشئة العسكرين، وهو نظام من المعارف العلمية، والبيانات النظرية التي تعكس الخبرة و أنماط التدريب والتعليم وتشتمل على الأسس النظرية وأحكام و مناهج التربية العسكرية، وتطوير الأساليب العلمية في التدريب والتعليم، والإعداد العملياتي والتكتيكي للوحدات على أسس الخبرة السابقة وطبيعة الحروب المقبلة والسيناريوهات المحتملة لاستخدام القوات المسلحة.
ترتكز فلسفة التربية والتعليم العسكري في المنطلقات والأسس الفكرية، والوطنية، والقومي والإنسانية، والاجتماعية، وما يتصل بها من عادات وتقاليد عسكرية وإجتماعية لصقل العسكرين مع الفلسفة والعقيدة العامة للمجتمع وبما يتوافق مع العقيدة العسكرية.
وتهدف التربية العسكرية في تشكيل الصفات الأخلاقية العالية والنفسية وتشكيل الصفات المعنوية والقتالية مثل الثبات والانضباط العسكري والشجاعة، وغرس روح المحارب، والتضحية ونكران الذات وروح الفريق والتضحية والإدراك بالمسؤولية والولاء للوطن والشعب والاستعداد للقتال واحترام القوانين واللوائح العسكرية والقدرة على التحمل والتمكن من المعرفة العسكرية المهنية والقتالية وعموما يجب أن توجه جهود التربية العسكرية لتامين الجمع بين التدريب العسكري المهني والأسس المعنوية والأخلاقية والنفسية لإكساب المهارة العسكرية.
( يمكن الرجوع الى العدد رقم 40 والعدد 41 لمجلة المسلح لنفس الكاتب)
وتحدد منظومة التدريب من خلال اعداد الاحكام النظرية العامة وتحديد حجم المعارف وتحديد الطرق والاساليب التدريبية بحيث تجعل العسكرين يتحلون بمستوى عالي من المهنية واتقان المهارات العملية في استخدام الاسلحة والمعدات.
- اعداد الاحكام العامة للتدريب وتحديد المنظومة المناسبة للتدريب وتحديد حجم المعارف العلمية والعسكرية للتدريب العام والتعبوي والتخصصي.
- البحث عن الطرق الفعالة للتدريب وتطوير القاعدة المادية التدريبية.
- إعداد الكوادر التدريبية المؤهلة بالمنشئات التعليمية.
- تحديد الاساليب التدريبية القتالية وتقسم تبعا للحجم والأشكال التنظيميه الى:
* تدريب الضباط.
* تدريب ضباط الصف والأفراد.
* تدريبات الأفرع و الأقسام والخدمات بالواحدات.
* التدريب التعبوي والعملياتي.
ثالثا: البناء الاستراتيجي:
ويشتمل على وضع الخطط الاستراتيجية وهي:
* خطط التعبئة والانتشار الاستراتيجي.
* خطط الدفاع الاستراتيجية.
* الفكرة الاستراتيجية لاستخدام الجيش الوطني في السلم وفي الحرب.
* خطط الانتشار للوحدات ونظام المناوبة القتالية.
* خطط الاستطلاع والاستخبارات والاستخبارات المضادة .
* التأمين الشامل للقوات والجيش الليبي.
* خطط تنظيم القيادة والسيطرة.
* وضع عقيدة عسكرية شاملة التي تحدد الأطرالعامة و مناهج العمل العسكري للتخطيط وادارة الصراع المسلح وتحديد المهام وإدارة الحرب.
* إرساء العقيدة القتالية لجميع لصنوف.
* وضع الخطط المشاركة الإقليمية والدولية والعمل كقوه إقليمية للحفاظ على السلام الإقليمي والعالمي وفق دستور الدولة.
الخــــلاصة:
من خلال تقديم لمحة عن نظرية البناء للقوات المسلحة، نرى التاكيد على أن تتم عملية البناء الجيش الوطني على أسس ترتكز على العلمية وأن المرحلة الحالية هي المرحلة الأنسب لوضع الإطار النظري لشكل الجيش وقوامه وتحديد أنواع الصنوف ومهامها، وضرورة البدء في وضع الخطط سالفة الذكر في شكل وثائق وخطط قابلة للتنفيد في المرحلة المستقبلية ووضع الملامح للعقيدة العسكرية، ونظام التربية والتعليم والتدريب، والتوزيع المحتمل لقوات الجيش الوطني على الخارطة الوطنية، وخطط استخدام قوات الجيش الوطني على المستوى الداخلي وعلى المستوى الإقليمي من عدمه، وإجراء الإصلاحات وتقديم المقترحات في المنظومة العسكرية عموما والإستفادة من الأخطاء السابقة، فجميع هده المسائل لاتتم من خلال لجان محدودة في إطار ضيق وقد نحسن الإختيار في أعظائها أو نخطي أحيانا وإنما من خلال النقاش المفتوح وتبادل الرؤى والأفكار من خلال إقامة الندوات والمؤاتمرات وورش عمل وحلقات النقاش لمعالجة هده المسائل، فإن الزمن يمر وإن لم تقطعه قطعك .