ظاهرة الصراع المسلح حقيقة من الحقائق الثابتة في المجتمع الإنساني ، وتعبر عن موقف ينشأ من التناقض في المصالح، أو الدين أو القيم ، يقع بين أطراف على وعي وإدراك كامل بهذا التناقـض، وقد تزايدت وثيرة العنف الدولي مما حتم علي الحكومات توفير الحماية والأمن معتمدة علي قدراتها الدفاعية،
ولذلك أصبحت القوة العسكرية عنصراً مؤثراً في سياسة أي دولة، وحتى تتمكن القوات المسلحة للدولة من تنفيذ مهامها في الصراع المحتمل، تطلّب أن تقوم الحكومات بالإعداد البشري ، وشراء السلاح اللازم، والتدريب الجيد، والتخطيط الاستراتيجي وتجهيز مسرح العمليات لاستخدام هذه القوات، ونظرا للتعقيد الشديد لعمليات إعداد القوات فقد إستحدثت هيئة متخصصة للإشراف على التدريب والتسليح والتخطيط وإدارة العمليات، وتأكدت أهمية هذه الهيئة أثناء التعبئة للحرب البروسية 1866م ـ 1870 م ، وبدأ الاهتمام بتشكيل هيئات الأركان والقيادات المختلفة، ولتعدد المهام الموكلة لهذه القيادات، فقد تم تجهيزها بالاجهزة والحواسيب اللازمة، ونجاحها يتوقف على التدريب المستمر المتسم بالواقعية ، وله أشكال وطرق مختلفة ، والمباريات الحربية إحداها، وهي ليست بجديدة بل قديمة قدم الحرب ، إلا أنها من أرقاها وأقربها للواقعية وأقلها تكلفة، ولذا تستخدمها كل جيوش العالم تقريبا لتدريب الضباط وهيئات الأركان، وقد تطورت هذه المباريات عبر العصور حتى وصلت إلى ماهي عليه اليوم، وأصبحت أكثر واقعية وأكثر محاكاة على الإطلاق . إن المتتبع لمسيرة الجيش الليبي منذ تأسيسه في التاسع من أغسطس 1940م، يجد أن تطويره وتسليحه كان الهم الشاغل لقادته، وقد بدأ ذلك تصاعديا فأنشئت كلية للضباط في بنغازي، وجلبت المعدات التي تعتبر متطورة في وقتها، وأرسل الضباط في دورات تدريبية متقدمة في الخارج شملت جميع المجالات الفنية والقيادية، وتم الاستعانة بمجموعة من الخبراء والمدربين الأجانب الأكفاء لتدريب القوات الليبية، وعندما جاء الانقلاب المشئوم في 1969 م بقيادة حفنة من الضباط الأصاغر القليلي الخبرة، كان آنذاك على رأس الجيش الليبي ضباط كبار أكفاء ذوو خبرة عالية، تخرجوا من أعرق الكليات العسكرية في العالم ، فبنوا قواعد عسكرية متينة للجيش الليبي، لو تم الاستمرار على نهجها، لكنا الآن نملك جيشا قويا، لكن النظام المنهار أزاح كل اؤلئك الضباط وزج ببعضهم في السجون ووضع على رأس الجيش ضباطاً صغاراً، ممن اشتركوا في الإنقلاب، فأفسد هؤلاء مابنى أولائك، وبدأت مسيرة الانهيار للجيش منذ ذلك الوقت، فلم تكن المباريات الحربية واستخدام المحاكيات والمشبهات من اهتماماتهم، بل لم تكن هناك أي نية لتطوير وسائل التدريب أصلا، وكأن هناك عداءاً مستفحلاً بين استخدام التقنية الحديثة وبين النظام السابق، حتى كلية القيادة والأركان والتي أُعيد افتتاحها منذ سنوات تفتقر الى مركز للمباريات الحربية ، ومازالت تقوم بإجراء المباريات الحربية سنويا في الخارج.
تعـــاريف:
1. المباراة الحربية: هي محاكاة يدوية أو إلكترونية لعملية عسكرية تحتوي على قوتين أو أكثر، باستخدام قواعد وبيانات، واجراءات مصممة لتصوير وضع فعلي أو مفترض لتدريب القادة وهيئات القيادة أو لإختبار صلاحية خطة أو نظرية معينة.
2. المباريات الحربية: هي اسلوب من اساليب التحليل والاسترشاد وطريقة من طرقه الأساسية، تساعد القائد وهيئة أركانه من تحليل الصراع المحتمل، وتعرّفه بالبدائل والاستراتيجيات، التي يتخذ من خلالها قراره وفق حجم الإمكانات والمعلومات المتاحة.
3. المباراة الحربية: هي محاكاة للواقع، وتمثل للحقيقة بجميع أبعادها بالنسبة لأطراف الصراع، من خلال أحداث متغيرات مؤثرة ومستمرة على طرفي الصراع في إطار البعد الزمني. نشأت المباريات الحربية عام 500 قبل الميلاد حين تخيل ( صن تزو) المفكر العسكري الصيني الشهير، المعركة التي ستدور بين قواته والقوات المعادية، وصورها على الأرض بأشكال مصغرة، وبدأ في تحريكها طبقاً لاحتمالات تطور أعمال القتال، وتمكن من استنتاج أنسب الأساليب التي تمكنه من مجابهة الأعمال القتالية المعادية، ولهذا كان (صن تزو ) أول من أنشأ، بحاسته العسكرية، نموذجاً لمواقف كثر فعالية في مواجهة الأعمال العدائية، ومنذ ذلك الزمن أصبح هذا الأسلوب من الوسائل المتبعة لاختبار الأعمال والأعمال المضادة، و أصبح هذا الأسلوب أكثر تغيرا وأكثر تطورا مع التقدم العلمي، حتى وصل الى ما يعرف بالمباريات الحربية اليوم، والتي تستخدم الحواسيب الآلية، وأصبحت المباريات الحربية إحدى الوسائل العلمية والعملية، التي تمثل العمليات الحربية حيث تحتوي على قوات متضادة ، قد تكون من قوتين أو أكثر، ولها أهدافها المتعارضة، التي تسعى لتحقيقها في صورة صراع مسلح ، تظهر خلاله المشكلات والمواقف المختلفة، التي تستلزم إيجاد الحلول المناسبة لها، وهو ما يسمى بموقف إدارة المعركة، وبهذا تكتسب القيادة المتدرب الخبرة اللازمة دون التعرض للخسائر والتي قد تنتج من الحروب الفعلية، وتحد أيضاً من التكاليف المرتفعة عند تنفيذ التمارين التعبوية والمناورات، كما يتم التغلب على مشكلة تواجهها كثير من دول العالم وهي عدم توافر مناطق تدريب مناسبة.
التطور التاريخي للمباريات الحربية:
جاءت فكرة المباريات الحربية في لعبة الشطرنج التي ظهرت في الهند مطلع القرن السابع عشر، وكانت لعبةً للأمراء والملوك، وفي منتصف القرن أي عام 1744م عُدلت قواعد اللعبة لتتوافق مع أساليب القتال، فأضيفت قطع عسكرية إلى اللعبة، وسميت بالشطرنج الحربي، وفي مطلع عام 1780م استحدثت لعبة تدريبية استخدم فيها رقعة شطرنج مكونة من عدة مربعات يتجاوز عددها ألف مربع، وصُممت لتمثيل طبيعة الأرض بما تحتويه من مدن وقرى وأنهار وطرق وغيرها، واستخدمت القطع لتمثيل القوات العسكرية المتضادة مثل المشاة والفرسان والمدفعية، ووضعت القواعد المنظمة لهذه اللعبة، وعين حكم يراقب سير المباراة بين الطرفين، وبنهاية القرن الثامن عشر قدم الدانمركي (جورج فنتوربيتس) طريقته الجديدة للمباراة بتفصيل أكثر، وسميت بالمباراة الحربية الجديدة NEW WAR GAME، كانت تدار على رقعة شطرنج مكونة من 3600 مربع ، قواعد هذه المباريات تحتاج إلى دراسات مختلفة لفهمها لشدة تعقيدها.
- أما الشكل الحديث للمباراة الحربية فإنه يرجع الى المواطن البروسي"ريزوارتز" طور لوحة الشطرنج لتمثل نموذجاً مجسماً رملياً يماثل طبيعة الأرض التي يراد التدريب عليها تماماً، عندها تحررت المباراة الحربية من قيود الشطرنج، ولم يتقيد استخدام القوات بمربعات لوحة الشطرنج ، وفي العام 1824م تم نقل المباراة إلى خريطة عليها جميع المعالم الطبيعية والصناعية، وتم إصدار نظم وقوانين تمثيل المناورات العسكرية، وكان هذا هو بداية التطور الحقيقي، وأصبحت المباراة الحربية الأسلوب التدريبي المنظم للضباط والقادة، نفذه بعد ذلك الإمبراطور ( وليم الأول) في الجيش البروسي.
أول مباراة حربية نظمت عمليا كانت في ألمانيا في العام 1848م بواسطة (فون تلاكنستين) مُثلت فيها معركة بين بروسيا والنمسا، هذه المباراة كان لها تأثيرها على القادة العسكريين ، بالرغم من أن قواعد هذه المباراة افتقرت إلى كثير من الأسس ، ولم تكن فيها حرية لاتخاذ القرارات التي تتطلبها المستويات المختلفة، وفي العام 1876م تم مراجعة القواعد التي أُتُبعت في هذه المباراة، وعدلت حتى توافقت مع الغرض المطلوب، وأكد الخبراء العسكريون أن نصر ألمانيا في حرب البروسية الفرنسية في العام 1871م يرجع إلى نتائج المباريات الحربية التي تم تنظيمها قبل الحرب، وقد وضعت هذه النتائج في الاعتبار عند التخطيط للمعركة الأساسية.
وتطورت المباريات الحربية في ألمانيا، خاصة بعد الحرب المذكورة ، واستمرت في المحافظة على تفوقها في إعداد قواعد المباريات الحربية، وتطوير فنونها، واستخدمها قادتها العسكريين في تطوير خططهم في كل حروبهم في مختلف المناطق، واتبعوا طرقاً متعددة مختلفة، وانتشر هذا الأسلوب بعد ذلك في بلدان العالم بعد إجراء التعديلات اللازمة بما يتوافق مع أساليب قتالها، وطبيعة أرضها ونوع قواتها وحجمها.
فوائــد المباريات الحربية:
- تساعد في تحليل الصراع المحتمل للوصول للبدائل والإستراتيجيات التي يتم من خلالها اتخاذ القرار.
- تعد من أهم الأساليب التطبيقية لبحوث العمليات؛ التي تهدف إلى اكتساب الخبرة وإدارة المعارك، وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي تجابه القوات.
- تُعدّ إحدى وسائل تدريب القيادات وهيئات الأركان.
- تعتبر وسيلة اختبارية قليلة التكاليف عند التخطيط للعمليات، أو عند إجراء العمليات البحثية المحددة لمواجهة استخدام أسلحة متطورة، أو تنظيمات جديدة.
- يتم استخدامها كأسلوب أساسي لمواجهة العديد من المشكلات، للوصول إلى أساليب قتال جديدة، ولتحقيق أفضل النتائج بأقل الخسائر طبقاً للإمكانات المتاحة.
- ترفع مستوى الثقة لدى القادة وهيئات الأركان وترسخ المعلومات لديهم.
استخدامات المباريات الحربية:
- التدريب على موضوعات معينة وردت في خطط وبرامج التدريب.
- لتأهيل القادة الضباط الأصاغر لتبوء مناصب قيادية عليا.
- المباريات الحربية تساعد على التنبؤ بالمواقف القتالية المستقبلية.
- لتوحيد المفاهيم للقادة وهيئة القيادة والأركانات إزاء موضوعات معينة في تنظيم وإدارة المعركة.
- إعداد القادة وهيئات القيادة لمشروعات مراكز القيادة والمشروعات التكتيكية بالذخيرة الحية.
- اختبار خطط ومهام العمليات.
- تجرى لحل مشاكل تكتيكية نتيجة ظهور أسلحة أو معدات جديدة.
أنواع وأشكال المباريات الحربية:
للمباريات الحربية أشكال وأنماط عديدة ، كما لها العديد من التقسيمات تختلف من دولة لإخرى، إلا أنها تتفق في تقسيمها طبقاً للغرض والمستويات المنفذة، وأسلوب الإدارة، وتعدد الأجناب، ومكان الإدارة، وطريقة تقييم النتائج .
1. التقسيم من حيث الغرض:
أ. مباراة حربية لإختبار خطوط ومهام قتالية منتظر تنفيذها، والغرض هنا هو تحديد المشكلات التي قد تواجه أعمال القتال، وتحديد أفضل الأساليب لحلها.
ب. مباراة حربية لإختبار القادة وهيئات الأركان في أساليب اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب طبقاً لظروف الموقف.
جـ. مباراة حربية تجريبية لأهداف بحثية لدراسة مشكلات تكتيكية نتجت عن ظهور أسلحة، أو تنظيمات أو قدرات معادية جديدة.
د. مباراة حربية لتدريب القادة وهيئات الأركان على تنفيذ المراحل المختلفة لتحضير وتنظيم وإدارة المعارك والعمليات.
2. التقسيم من حيث مستوى التنفيذ:
أ. مباريات حربية إستراتيجية، وهي التي تشمل عناصر قوى الدولة المختلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ب. مباريات حربية تكتيكية، تكون فيها عناصر الصراع قوات عسكرية فقط، وعادة ما تكون لعمليات منتظرة، أو يفترض موقف تكتيكي لغرض تحليله والخروج بنتائج محددة.
جـ. مباريات حربية فنية، لدراسة خصائص الأسلحة والمعدات الفنية وقدراتها لتقييم درجة كفاءتها أو لتحديد أنسب أسلوب لاستخدامها.
3. التقسيم من حيث تعدد الجوانب المنفذة:
أ. المباريات الحربية ذات الجانب الواحد، تشترك فيها قيادة وهيئة أركان أو أكثر في جانب واحد،و يمثل جانب العدو مجموعة ضباط لديهم الخبرة الكاملة بأساليب قتال القوات المعادية وتكتيكاتها.
ب. المباريات الحربية ذات الجوانب المتعددة، وينفذ هذا النمط على المستويات القيادية المختلفة، سواء كانت إستراتيجية أو تعبوية أو تكتيكية.
جـ. مباريات حربية لسلاح، أو لمعدة ويهدف هذا النمط إلى تحديد العوامل المؤثرة على استخدام السلاح، وتقييم درجة كفاءته وفق ظروف المعركة المختلفة.
4. التقسيم من حيث التخصص للقوات المنفذة:
وتنفذ لإجراء التدريبات التخصصية للصنوف ( جوية، بحرية، مدفعية، حرب الإلكترونية، هندسة عسكرية، أسلحة مشتركة، دفاع جوي).
5.التقسيم من حيث مكان التنفيذ:
أ. مباريات حربية داخلية: وتنفذ داخل مراكز المباريات الحربية، لتدريب القادة على أساليب اتخاذ القرارات وتحليلها وتقييمها.
ب. مباريات حربية خارجية، وتنفذ باشتراك هيئة الأركان كاملة من خلال مراكز القيادة المختلفة.
6. التقسيم من حيث حجم المعلومات:
أ. مباريات حربية ذات معلومات كاملة عن الجوانب المتضادة : ( التنظيم والإمكانات، نوع الأسلحة، والأهداف والمهام القتالية).ب. مباريات حربية لا تتوافر فيها معلومات: ويعتمد حجم المعلومات اللازمة على، التخطيط الجيد لكل جانب، وقدرته على الحصول على المعلومات اللازمة لإدارة معركته.
7. التقسيم من حيث أسلوب التنفيذ والإدارة:
ويراد بذلك مدى التدخل في أعمال القيادة وهيئة الأركان المنفذة ، ويستمر ذلك للحفاظ على الهدف من المباراة ويمكن تقسيمه كالأتي:
أ- مباراة حربية تترك الحرية كاملة للقادة وهيئة الأركان لاتخاذ القرارات اللازمة في إطار الموقف، لغرض اختبار كفاءة القيادات وهيئة الأركان.
ب. مباراة حربية يتم التدخل فيها لغرض التأثير على قرارات القادة وهيئة الأركان المنفذة لتحقيق هدف المباراة، والذي عادة مايكون اختبار خطط معينة، أو كفاءة سلاح أو معدة.
8. التقسيم من حيث أسلوب التقييم والتحليل:
أ. مباريات تستخدم فيها الحواسيب لتحليل القرارات التي اتخذتها القيادات وهيئات الأركان، وتقييم نتائج الاشتباك بالنسبة للأسلحة المختلفة وتحديد درجة نجاحها.
ب. مباريات تستخدم فيها الأساليب اليدوية؛ وهذا الأسلوب لا يستخدم كثيرا حالياً لحاجته لأعداد كبيرة من المنفذين للتقييم، مما يتطلب وقتاً طويلاً لإجراء الحسابات.
سعت كل الدول في العالم تقريبا لاقتناء وسائل التدريب الحديثة والمتطورة لتدريب قواتها المسلحة وادخلت معظم الدول المباريات الحربية ، كأسلوباً أساسياً لتدريب القادة وهيئات الأركان في جيوشها، وعلي نطاق واسع، كذلك يتم استخدامها تلك الدول كوسيلة لاختبار مستوي التدريب لجميع المستويات بدءاً من المستويات الصغرى الحظيرة / الفصيل، وكذلك لاختبار خطط العمليات للمستويات الكبرى العملياتي / الإستراتيجي ، لكن النظام المنهار لم يعر هذه التقنية أي اهتمام ولم ينشأ حتى الآن أي مركز للمباريات الحربية، حتي في أعلى قمة الهرم، التعليم العسكري في ليبيا ، كلية القيادة والاركان، والمرحلة القادمة تحتم على القيادة الجديدة ادراج هذا الاسلوب التدريبي المتطور ضمن اهتماماتها وأن يتم الاسراع بانشاء عدة مراكز للمباريات الحربية وفي كل الصنوف الرئيسية في الجيش الليبي.
المــراجــع
-محاضرة للواء أركان حرب متقاعد محمد رمضان.(احد قادة حرب أكتوبر)
Researches of China Air force command college.
- شبكة المعلومات الدولية