القدرة الاقتصادية للدولة هي العمود الفقري الذي يتوقف عليه إعدادها لمواجهة أي عدوان على أراضيها لذلك لابد من التفكير منذ السلم لإعداد الاقتصاد الوطني للحرب وهي عملية تحويل النظام الاقتصادي للدولة من اقتصاد سلم إلى اقتصاد حرب عن طريق وضع الخطط والبرامج الدقيقة و الشاملة بما يضمن تلبية الاحتياجات الضرورية للدفاع عن الدولة مع استمرار تأمين مطالب الحياة الطبيعية وقت الحرب وهو ما يعرف بخطة التعبئة الاقتصادية .
عل أهم عناصر خطة التعبئة الاقتصادية لموارد الدولة لوضع جميع أو معظم مواردها الإنتاجية في خدمة المجهود الحربي هي التعبئة الزراعية والصناعية وتعبئة وسائل النقل.
لقد أدى تزايد استخدام الأسلحة و المعدات القتالية في الحرب الحديثة إلى زيادة معدلات الإستهلاك من المواد الخام الطبيعية الداخلة في صناعة الأسلحة والذخائر ، والوقود المستعمل في تشغيلها مما يتطلب بالضرورة إعدادا مسبقا لمواجهة هذا المعدل العالي المتوقع من الإستهلاك، لانه من غير الممكن التوسع فجأة في النواحي الاقتصادية لتلبية مطالب الحرب دون إعداد مسبق.
إعداد الاقتصاد الوطني يجب أن يبني على أساسين الأول حجم وطبيعة المتطلبات المتوقعة للصراع المحتمل بكافة أبعاده، والثاني القدرة على البقاء والإستمرار في الحرب تحت ظروف المعدلات العالية للاستهلاك.
ولان مشتملات إعداد الاقتصاد الوطني كثيرة ، إلا انه هناك جوانب لها تأثير على اقتصاد الدولة أكثر من غيرها وهي الزراعة والصناعة يضاف إليهما النقل وسنتناولهما بشيء من التفصيل بعد تناول الجانب المهم في تنظيم الإعداد للحرب هو التخطيط الاقتصادي .
التخطيـط الاقتصادي :-
تظهر أهمية التخطيط الاقتصادي بصورة واضحة جدا في وقت الحرب، أو في فترة الإعداد لمواجهة أي تهديد للدولة، لأن أي دولة يفرض عليها الدخول في الصراع تجد نفسها مضطرة لزيادة الإنفاق بشكل كبير جداً لتلبية احتياجات الاستعداد للحرب، ودخولها والاستمرار فيها ومن هنا وجب التخطيط الجيد المسبق لمواجهة متطلبات الدفاع وصد العدوان كأحد أهم الأولويات التي لاتقبل الإهمال او التأجيل حتي لاتتأثر الدولة بالحصار الذي يسبق إعلان الحرب أو بنقص متطلبات الحياة اليومية والإمدادات الحربية بعد اندلاعها.
للوصول إلى انسب الخطط الاقتصادية لابد من دراسة جيدة لمتطلبات الشعب المادية وأولوياتها واختيار النظام الاقتصادي السليم الذي يفي بمطالب الحرب حتى لا يثقل كاهل الدولة والمواطنين بأعباء أثناء الحرب وما بعدها .
كذلك يجب أن يشمل التخطيط الإقتصادي تنويع مصادر السلاح والمنتجات الإستراتيجية (التي لا تنتجها الدولة) وعدم الإعتماد على مصدر واحد وأن يكون التخطيط على درجة عالية من الوعي في تحديد مصادر السلاح والتوقيت المناسب
للحصول عليه حتى لا تواجه الدولة مواقف صعبة في حالة نشوب الصراع دون إعداد مسبق له و في نفس الوقت لا يجب إستيراد الأسلحة والمعدات الإستراتيجية دفعة واحدة وتخزينها لمدة طويلة حتى لا ينتهي عمرها الإفتراضي قبل إستخدامها بل يجب إستيرادها على شكل دفعات خلال سنوات متوالية ضمانا لإستمرار صلاحيتها وأيضا لضمان تحديثها أولا بأول.
من كل ما سبق نجد أن الإقتصاد الوطني من أهم العناصر المؤثرة بدرجة عالية في إعداد الدولة للدفاع عن سيادتها وأمنها وأيضا إعدادها لمواجهة أي حرب تفرض عليها. وأن التخطيط الإقتصادي يعتبر الضرورة من أهم عوامل نجاح الإقتصاد الوطني في مواجهة متطلبات إعداد الدولة واستعدادها للدفاع في الوقت المناسب وبأنسب أسلوب وبأقل تضحيات إقتصادية .
- رغم انه من الاساسيات النظرية العسكرية تخفيف أعباء المجهود الحربي على الدولة عندما توزع مهمة الدفاع عن الوطن على كافة أبنائه القادرين على حمل السلاح وتقلل بالتالي الاستهلاك خاصة في المعدات الثقيلة إلا أن ذلك لن يعفي الدولة من القيام بالتخطيط الجيد لتهيئة الظروف أمام المقاتلين للاستمرار في الحرب في ظروف مناسبة قدر الإمكان سواء كان ذلك في مرحلة صد العدوان بالقوة الضاربة العاملة او بعد تولى كامل الجيش مهمة الدفاع عن الدولة ونتناول فيما يلي أهم جوانب الاقتصاد الوطني التي يجب التخطيط لها مسبقا لإعداد الدولة للدفاع .
الانتاج الغذائي ( الزراعة الثروة الحيوانية والسمكية ) :
يرتبط الإنتاج الغذائي عموماً ( الزراعي - الحيواني - البحري ) ارتباطا وثيقا بحياة الشعب وقواته المسلحة وبروحه المعنوية، وأي قصور في النواحي الغذائية للأفراد تنعكس انعكاسا قويا على درجة الكفاءة والقدرة على العمل.
لذلك تحاول الدول دائما ألا تقع تحت وطأة ظروف افتقارها للغذاء، وتعمل على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي على الأقل في المواد الغذائية الحيوية وتظهر هذه المشكلة بدرجة واضحة أثناء الحرب إن لم تكن الدولة قد أعدت نفسها مسبقا لمواجهة احتمالات نقص المواد الغذائية .
ولقد أظهرت خبرة الحروب السابقة خاصة الشعبية منها أهمية الانتاح الزراعي في استمرار الحرب، حيث ساهم انتاح التمور والزيت ومحاصيل الحبوب في إمداد المجاهدين بالغداء واستمرار حركة الجهاد ضد الاحتلال الإيطالي لبلادنا لأكثر من عشرين سنة وتمدنا حرب التحرير الجزائرية والحرب الفيتنامية بالأمثلة الحسنة لأهمية الإنتاج الزراعي في دعم استمرار الحرب حتى تحقيق النصر.
و بدون تخطيط مدروس منذ السلم يشمل جملة من الإجراءات تضمن توافر الإنتاج الزراعي والحيواني والبحري في السلم والحرب أهمها
- التوسع في زراعة الأراضي الصالحة للزراعة خاصة بالأشجار المثمرة المعمرة كالنخيل والزيتون و بحبوب القمح والشعير والبقوليات والمنتجات الزراعية القابلة للتخزين و البقاء لفترة طويلة ,
- إنشاء مشروعات زراعية في بعض المناطق الحيوية بما يوفر بعض مطالب القوات المسلحة العاملة من المواد الغذائية والثورة الحيوانية وقت السلم، وكذلك الحرب لما في ذلك من تأثير كبير على رفع الروح المعنوية للقوات بتوفير بعض المواد الغذائية الطازجة لها وأيضا بما له من تأثير على تخفيف العبء عن ميزانية الدولة.
- الاحتفاظ باحتياطي من المواد الغذائية وتخزينه في أماكن مناسبة محمية وموزعة على كامل مسرح العمليات وتجديده باستمرار.
الإنتاج الصناعي :-
تكمن أهمية إعداد الصناعة في دورها في بناء الدولة وقواتها المسلحة لكونها الرافد الرئيسي لإنتاج الأسلحة والمعدات والذخائر اللازمة لإدارة الصراع واستمراره ، من هنا وجب تخطيط الصناعة منذ السلم في اتجاه التحول من السلم إلى الحرب حيث يصعب وقت الحرب تعبئة الصناعة لخدمة الحرب ما لم تكن هذه العملية معدة مسبقاً .
الاستهلاك الكبير للأسلحة والذخائر في الحرب نتيجة الإستخدام المستمر والتدمير بالنيران المعادية يتسبب في نفاذ المخزون مهما كان حجمه وتواجه هذه المشكلة بزيادة الإنتاج للحاق بمعدل الاستهلاك العالي ، و في هذه الحالة يظهر عجز المصانع الحربية والغذائية عن تلبية ذلك السيل المتدفق من طلبات المؤن و الأسلحة والمعدات وأدوات الحرب، ليصبح الحل الوحيد المتاح هو تحويل جزء كبير من الصناعات المدنية إلى الإنتاج الحربي أو ما يسمى التعبئة الصناعية.
والتعبئة الصناعية ليست من الأمور التي يمكن إجراؤها بطريقة فورية وبتحول فجائي، بل لابد أن تسبقها حالات من الإستعداد الصناعي لدى المؤسسات الصناعية لمواجهة هذا التحول الحيوي،