منذ أن عرفت البشرية الحروب، كان هدف تجريد الخصم من الروح المعنوية وإرادة القتال ماثلاً في كل صراع ، كما أنه اعتبر اقصر طريق لإيقاع الهزيمة به و فرض الإرادة عليه.
وهذا ما نسميه في عصرنا الحاضر باسم( الحروب النفسية) حيث كان تأثيرها في الحربين العالميتين تأثيراً رهيباً إلى حد أنه كانت تقرر مصير بعض المعارك.
وتعتبر الحرب النفسية اليوم من الأركان الأساسية للعمل السياسي والعسكري في جميع الدول المتقدمة ، وتعود سعة انتشارها في الواقع إلى التقدم الكبير الذي أحرزته العلوم النفسية والاجتماعية والسياسية في معرفة العوامل التي تؤثر على السلوك الإنساني سواء أكان الإنسان وحده أو منتظماً ضمن جماعة.
وتعتمد القوى الامبريالية على الحرب النفسية في إخضاع الشعوب اعتمادا كبيرا ،ولاشك إن أمريكا قد سبقت العالم كله في هذا المجال، إذ جندت مئات الألوف من الأشخاص المدربين على أعمال التخريب و الحرب النفسية لبسط نفوذها بواسطة ما تسمى بوكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ، فمن تجسس ومقاومة تجسس،وعملاء،وأجهزة إليكترونية جبارة وأقمار صناعية تجسسية .. كل هذه الوسائل هي من مستلزمات الحرب النفسية التي يشهدها عصرنا اليوم في الحملة المستمرة التي تشنها أمريكا،هذه الحملة الجديدة التي تضرب على وتر ( النظام العالمي الجديد )في محاولة منها للسيطرة على العالم،بعد أنخلت لها الساحة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وعدونا الإسرائيلي اليوم ،وهو العدو الذي جاء من الغرب ،حاملا معه ثقافته وعلمه وسيطرته، يخوض حربه معنا بالنار والحرب النفسية جنباً إلى جنب . فلقد اعتمد على الحرب النفسية كمنهج أساسي من مناهج عمله لتقويض معنويات الأمة العربية وشل مقاومتها لفرض الوجود الصهيوني .
تعريف الحرب النفسية :
تنظر الدوائر الأمريكية إلى الحرب النفسية على أنها صراع إرادات، يديره القادة وفقاً لخطة إستراتيجية في الميادين الإعلامية والسياسية والعسكرية ، يتم تنفيذها على أسس نفسية مدروسة .
فهي في رأيها سلاح فعال يهدف إلى تحطيم إرادة الخصم والتعجيل بهزيمته .
ويعرف العالم الأمريكي (شفارتز) الحرب النفسية بأنها ((استخدام الصنوف المختلفة للحجج الحقيقية والمزورة والتي تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية لسكان الخصم وجيشه ،وتخريب سمعة قياداته ونزع الثقة بإمكاناتهم .وهذا يعني في نهاية المطاف الضغط والتأثير على الرأي الاجتماعي عامة وآراء الناس المستقلين خاصة لتحقيق هذه الأهداف أو تلك)). كذلك فان الحرب النفسية هي استخدام الدعاية ضد عدو ما ، مع مساعدة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية لاستكمال الدعاية ،وهى الاستخدام المخطط للتخاطب الذي يهدف إلى التأثير في عقول ومشاعر فئة معينة من الناس ، وهى تطبيق أجزاء من علم النفس لتدعيم جهود العمليات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، وهي أيضاً حرب تغيير السلوك، وميدان الحرب النفسية هو الشخصية، وهي استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة دول في وقت الحرب أو وقت السلام لإجراءات إعلامية بقصد التأثير في آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات أجنبية معادية أو محايدة أو صديقة بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة .
وعلى العموم فإن الحرب النفسية هي حرب باردة ،وهي حرب أفكار تهدف للسيطرة على عقول الرجال وإذلال إرادتهم، وهي حرب أيديولوجية عقائدية،وهي أيضاً حرب أعصاب وحرب سياسة ودعاية وكلمات وإشاعات وهي حرب تزلزل العقول وتغير السلوك .
نظرية الحرب النفسية :
القوات المسلحة لها مصدران للقوة . مصدر معنوي ومصدر مادي ، والمصدر المعنوي للقوة أهم بكثير من المصدر المادي، حتى يتم إحراز النصر يجب توجيه ضربات نفسية قوية إلى معنويات العدو باعتبارها مصدر القوة لديه،إن أفضل سلاح لتوجيه الضربات للعدو هو الحرب النفسية ، وأن أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال ، واستهداف عقل وتفكير المقاتل بغرض تحطيم معنوياته والقضاء على رغبته وقدرته على القتال .
إذاً الشخصية هي ميدان الحرب النفسية، إن الأسلحة المادية ليست العامل الوحيد ولا الأخير في كسب الحرب، وليست الحرب مجرد سلاح ضد سلاح وإنما إرادة ضد إرادة .
إن الغرض من القتال ليس دائماً تدمير قوات العدو، ويمكن تحقيق الغرض دون أن يجري قتال على الإطلاق،إن في مقدور الجيوش أن تنتصر بواسطة الحرب النفسية بأقل عدد وعلى أرض غير مناسبة إذا مهد لها علم النفس الطريق بإضعاف معنويات العدو وبتقوية القوات الضاربة والجبهة الداخلية .
أهداف الحرب النفسية:
يوجز (دفيسون) ، أحد الخبراء الأمريكيين في هذا المجال ، أهداف الحرب النفسية قائلا : "تهدف هذه الحرب الى التأثير على عواطف الجمهور لدى الخصم ، وتسميم أفكاره ، وزعزعة مواقفه ، إلى تبديل سلوكه حسب الاتجاه الذي يساعد على تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية
و مصلحتها عالميا"
وتقسم أهداف الحرب النفسية برأي الخبراء إلى قسمين:-
أ- الأهداف الإستراتيجية :
وهى أهداف كبرى رئيسية و حيوية بعيدة المدى، ترمى إلى تحقيق أغراض مخططة, يستغرق تحقيقها مدة زمنية طويلة قد تمتد إلى عشرات السنين .
ب- الأهداف التكتيكية :
وهى أهداف مؤقتة ، يتم وضعها بشكل تنسجم فيه مع أهداف الخطط و العمليات المرحلية المراد تنفيذها من قبل جهة ما ، كما و أنها تعد في الغالب مرافقة للأعمال الحربية ، وهذا ما يجعلها ذات طابع تأثيري مباشر . ومن أمثلتها المحاولات التي تبذل في ميدان المعركة لنشر اليأس و تهديم الروح المعنوية في صفوف القوات المسلحة المعادية بغية التعجيل بهزيمتها.
يمكن تلخيص أهداف الحرب النفسية عامة فيما يلي:
- بث اليأس من النصر في نفوس القوات المعادية ، وذلك عن طريق : المبالغة في وصف القوة و في وصف الانتصارات و المبالغة في وصف الهزائم حتى يشعر العدو أنه أمام قوة لا يمكن أن تقهر ، وتوضيح أن كل مجهودات النهوض و التقدم في صفوف العدو ضائعة سدى، واستخدام مبدأ الحشد في عدد الطائرات و الدبابات ، والصواريخ، و التلويح بالتفوق العلمي والتكنولوجي.
- تشجيع القوات المعادية على الاستسلام وذلك عن طريق :توجيه نداءات إلى القوات المحاربة للعدو بواسطة مكبرات الصوت _ قبل أن يبدأ الهجوم _ تدعوهم إلى الإستسلام و عدم المقاومة و توزيع منشورات تحتوى على حيل مختلفة لتشجيع الإستسلام.
- زعزعة إيمان العدو بمبادئه وأهدافه ذلك عن طريق: إثبات استحالة تحقيق هذه المبادئ و الأهداف و تصوير المبادئ والأهداف على غير حقيقتها ،وتضخم الأخطاء التي تقع عند محاولة تحقيق هذه المبادئ و الأهداف .
- إضعاف الجبهة الداخلية للعدو و إحداث ثغرات داخلها ، وذلك عن طريق: إظهار عجز النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عن تحقيق آمال الجماهير والضغط الاقتصادي على حكومة العدو حتى ينهار النظام الاقتصادي . وتشجيع بعض الطوائف على مقاومة الأهداف القومية والوطنية . تشكيك الجماهير في ثقتها بقيادتها السياسية وتشكيكها في قدرة قواتها المسلحة لمواجهة عدوها المشترك. وإيجاد التفرقة بين القوات المسلحة وباقي قطاعات الشعب المدنية في الجبهة الداخلية . والدس و الوقيعة بين طوائف الشعب المختلفة .
- تفتيت وحدة الجبهة القومية المعادية وذلك عن طريق : التشكيك في أهداف التعاون بين أعضاء هذه الجبهة وإثارة مخاوف أعضاء الجبهة من بعضها البعض.
الحرب النفسية وتوجيهها :
توجه الحرب النفسية لشل معنويات العدو وتثبيط عزيمته على القتال وإلقاء الرعب في قلبه، ودفعه إلى الاستسلام ، والحرب النفسية حرب شاملة توجه إلى القوات المسلحة وتمتد إلى الجبهة الداخلية، إلى الشعب كله عسكريين ومدنيين، وهى حرب متصلة في زمن الحرب والسلم على السواء إنها تشن قبل الحرب الفعلية لتحطيم معنويات العدو وتغلغل الحرب النفسية في جميع نواحي الحياة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنواحي التربوية و تقوم الحرب النفسية على الهجوم و الدفاع في وقت واحد وهي تستخدم على أوسع النطاق في الحرب الخاطفة .
{facebookpopup}