الطريق إلى دمشق

في مستهل هذه السلسلة التي أسميناها الطريق إلى دمشق وهو عنوان يحمل الكثير من الدلالات التي من خلالها يترقب المواطن العربي المسلم وينظر إلى ما يتطور من أحداث داخل التراب السوري المبارك،

لا يسعني إلا أن أحيي قراء أعزاء أتحفوني بملاحظاتهم واستنتاجاتهم ومن خلال هذه الحوارات المتواصلة مع القراء استفدت الكثير منهم وأحث غيرهم من القراء أن يطالعوا المجلة عموما وهذه السلسة خصوصا لان الأمر ليس منوط بكاتب معين فهي ليست رواية أو قصة خيالية بل هي من صلب حياة المجتمع المسلم الذي يهتم بشؤونه في أي منطقة كانت ، ولا أقصد في هذه المقدمة سرد الملاحظات التي ولا شك استفدت منها كثيرا ولكن أذكر جميلهم علي في إسداء النصيحة وإبداء طرح جديد لأفكار هادفة فلهم مني جزيل الشكر .
إن للأحداث على الأرض وقع خاص لأي متتبع وخاصة أمام هذه المجموعة الهائلة من وكالات الأنباء والقنوات بمراسليها ومحلليها ومع تزاحم هذه الأحداث وتلاحقها تظهر أخبار المجازر الكارثية والتي بدورها تسيطر على بعض قنوات الإعلام ومن بين هذه الكوارث ما حدث في الغوطة الدمشقية يوم الأربعاء 21 أغسطس من قصف عنيف على الغوطة سقط منذ بداية تداول الخبر العشرات من القتلى والمصابين وفي نهاية اليوم أعلن رئيس أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس إن عدد من سقط جراء الغازات السامة 1400 إضافة إلى المئات من
لجرحى غالبيتهم إصابته خطيرة وقد اتهمت المعارضة بجميع مكوناتها نظام الأسد باستخدام الغاز السام ضد المدنيين، وبدوره نفى الأخير هذه الاتهامات معتبرا أن العملية برمتها تشويه لسمعته واستعطاف للرأي العام العالمي بحسب رأيه ، وهذه المجزرة المروعة التي سقط فيها الأطفال والنساء والشيوخ وقعت بعد عدة انفجارات بلغت 15 إنفجارا ناجما عن إطلاق عدة صواريخ محشوة بغاز السارين السام بالغوطة الشرقية وما حولها في الريف الدمشقي، ومع تبادل الاتهامات خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما مشددا على ضرورة إيقاف آلة القتل الجماعي في سوريا كما لوح باستخدام القوة وضرب مراكزها عند نظام الأسد وقد وضح في كلمته تلك في صبيحة 11 سبتمبر بأنه سيطلب من الكونجرس الأمريكي الموافقة على قرار استخدام القوة وقد اعتبرها الكثير من المحللين بمثابة إعلان حرب ضد نظام بشار الأسد كما ساند بعض الزعماء في الدول العربية والغربية الموقف الأمريكي وهذه الدول منها فرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر وقد حثت تركيا الجامعة العربية ومجلس الأمن بالسعي لاستصدار قرار دولي يجرم مرتكبي مجزرة ريف دمشق، ومن جهة أخرى فقد أدان مسؤولون في نظام الأسد الدول الغربية ووصفوها بمحاولة التدخل العسكري في سوريا بحجة استخدام السلاح الكيماوي ويذكر فيصل مقداد نائب وزير الخارجية السوري بأنه لا أدلة تظهر استخدام الكيماوي وقد اتهم المعارضة باستخدام تلك الأسلحة بتشجيع من الدول الغربية ، ومع ذلك فإن نظام الأسد شعر بجدية التصريحات من المسؤولين الغربيين وأقدم على خطوات احترازية لمواجهة محتملة لأي ضربات عسكرية تقوم بها الدول الغربية ، ومن بين هذه الخطوات ما ذكرته رويترز بأن الحكومة السورية ممثلة في نظام الأسد قامت بإجلاء معظم الأفراد من الأركان العامة في مركز العاصمة دمشق وكذلك بعض الأفراد من القيادة الجوية وقيادة القوات الأمنية بالقرب من المدينة ، وفي ذات السياق أعلن مفتشوا الأمم المتحدة حول استخدام السلاح الكيماوي في سوريا عزمهم دخول منطقة ريف دمشق وخصوصا مدينة معظمية الشام وذلك لأخذ عينات من الضحايا في مسجد الروضة في المدينة المذكورة ، وقد استهدفت إحدى سيارات الفريق الدولي عند دخولها المنطقة كما ذكر ذلك المتحدث باسم الفريق ، وهذه العينات تم نقلها إلى ثلاثة مراكز متخصصة في أوروبا كما أن سويسرا أبدت استعدادها للمساعدة في تحقيقات الأمم المتحدة بشأن الكيماوي ، جاء ذلك على لسان وزير خارجيتها وإن مختبر سبييز هو واحد من 21 مختبر مختص في تحليل المواد الكيماوية التي تعتمدها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في العالم ، كما ينظم بانتظام دورات تدريب لمفتشي هذه المنظمة، وفي سياق رد الفعل الغربي فقد نشرت وسائل إعلامه أبرز السيناريوهات المتوقعة في حال تمت مهاجمة سوريا وذلك بعد استعداد أمريكي بريطاني لتوجيه ضربة عسكرية محدودة يمكن أن تنفذ من خلال استخدام سلاح يتم التحكم به عن بعد وستقوم طائرات بدون طيار بجولات في سماء سوريا وخصوصا حول بنك الأهداف المحددة، كما أن العملية ستكون محدودة لا تتجاوز 48 ساعة .
ومن جهة أخرى فقد استهدف الثوار مبنى الاستخبارات الجوية شرق دمشق بقذائف الهاون بعد ما أمطر النظام حي جوبر والقدم بصواريخ أرض أرض إضافة إلى قصف داريا والمعظمية وحرستا وعربين في ظل القصف المتواصل للمدن والقرى وبشكل يومي.
وبسبب احتمالية الضربة العسكرية ارتفعت الأسعار للمواد الغذائية ثلاثة أضعاف بعد مخاوف من الأهالي من تفاقم الأوضاع للأسوأ وخاصة أن نظام الأسد لا يتحكم في هذه الأسواق فهي خارجة عن سيطرته حتى في العاصمة دمشق .
في حين صدر تقرير للمحققين الدوليين حول استخدام الكيماوي في سوريا يبين
وعية السلاح المستخدم وهي قذائف مدفعية من طراز إم 14، وقد أكدت البيئة في تلك المناطق المستهدفة في ريف دمشق استخدام غاز السارين وقد عرض التقرير صورا للصواريخ التي استخدمت في القصف الكيماوي على غوطة دمشق. وأكد التقرير أنه قد تم إجراء 50 مقابلة مع ناجين وعاملين في فرق طبية، كما تم فحص عينات من الدم والبول للمصابين تؤكد التعرض لغاز "السارين" بنسبة كبيرة. وقد اتهمت المعارضة النظام السوري بنقل ترسانته من السلاح الكيماوي إلى مستودعات جديدة كما اتهمته بأنه يسرب هذه الأسلحة إلى العراق ولبنان ، ومن جهته أبدى حسن نيته بالانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وسلم قوائم بالمستودعات التي تحوي السلاح الكيماوي لهذه المنظمة، وقد عاد فريق المحققين الدوليين إلى سوريا بعد أن خرج منها حاملا العينات المستخرجة من ريف دمشق وكانت نتائج أبحاثه وتحقيقاته خلصت بأن السلاح الكيماوي استخدم أكثر من مرة في سوريا ومن خلال عودة الفريق الأممي هذا سيتم التحقيق في احتمالية استخدام السلاح الكيماوي نحو 14 حالة منذ بدء الثورة في سوريا وإن هذه الزيارة الجديدة جاءت بعد موافقة نظام الأسد على اتفاق روسي أمريكي يقضي بالتخلص من الترسانة الكيماوية.
ومن جهة أخرى وفي تسلسل للأحداث اليومية من معارك ومواجهات وقصف شبه يومي بداية بخلو المخافر الحدودية مع العراق من أي قوات على طول الحدود العراقية- السورية من فش خابور شمالا، حتى منفذ الوليد في الأنبار جنوبًا حيث انسحب منها الجيش النظامي ،وفي تركيز شديد على الغارات التي تشكل خطرا كبيرا فهي تتيح للطائرات استمرارية القصف والمزيد من الدمار فقد بدأت عملية اقتحام مطار كويرس في حلب من جهة مساكن الضباط التي يسيطر عليها الجيش الحر تمهيدا لدخول المطار وقد التهمت النيران جزءا كبيرا من هذه المساكن المحاذية للمطار جراء المواجهات المحتدمة بين المعارضة والنظام السوري، وأيضا تم إغلاق مطار حميميم بريف جبلة إغلاقا تاما وإطفاء الإضاءة فيه وإلغاء كافة الرحلات من والى هذا المطار ، كما هزت انفجارات عنيفة مطار التيفور بحمص، كما حدث بعد ذلك اقتحام جزئي لمطار كويرس بحلب وتدمير بعض الأبنية فيه بعد قصفها بصواريخ الغراد ومحاصرة عناصر من الكلية الجوية بالمطار المذكور وإعطائهم مهلة يوم لإخلاء المباني وقد تمكن الجيش السوري الحر من بسط سيطرته الكاملة على 11 قرية ممتدة على طول طريق الإمداد بين مطار حلب ومعامل الدفاع بريف حلب الجنوبي في معركة أسماها معركة العاديات ضبحاً، وقد شهد مطار المزة العسكري انفجارا كبيرا هز المنطقة المحيطة بالمطار أيضا، وقد قام الجيش الحر بتحرير المخفر الحدودي رقم 64 على الحدود الأردنية السورية والحصول على عدد كبير من الأسلحة والذخائر وبسط سيطرته كذلك على بلدة كرناز بريف حماة بشكل كامل بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام، أما بريف دمشق وتحديدا الغوطة الغربية تم اقتحام اللواء 88 في منطقة ركيس وكذلك أغلب الحواجز هناك والحصول على عدد كبير من الأسلحة واستسلام أفراد من الجيش النظامي، واستهدفت السفارة الروسية في دمشق بقذيفة هاون والسفارة الصينية كذلك.
وقد دخل الجيش الحر أيضا مدينة صوران وحررها بشكل كامل في ريف حماة الشمالي حسب تصريحات المسئولين في الجيش الحر.
ومن خلال هذا الكم من التطورات في الأحداث يدخل على الساحة السورية ما يسمى بدولة العراق والشام الإسلامية وقد تداول السوريون في مواقعهم وتصريحاتهم باصطلاح تسميتها بـ(داعش) وكانت المواجهات بينها ليس مع الجيش النظامي بل مع الجيش الحر وخاصة وأنها تحمل أيدلوجية القاعدة وتتبنى أفكارها ، وكانت بداية المواجهة حسب إفادة مسئولين في داعش أن مجموعة يرافقها مصور ألماني أراد أن يصور مقرات داعش فأرادوا القبض عليه فحصلت مواجهة سقط فيها اثنين ولاذ الألماني بالفرار ومن جهة الجيش الحر فإن عناصر من داعش اقتحمت مشفى وأرادت القبض على دكتور ألماني فرفض مسلحون في المشفى تسليمه وحصلت مواجهة ومنها نشب الصراع وتمكن عناصر من داعش بسط سيطرتهم على أعزاز التي من أول المناطق التي حررها الجيش الحر في منتصف 2012 ، مما جعل الأخير يتراجع ليواجه قوات داعش ويطردها من إعزاز حيث طلب لواء عاصفة الشمال من لواء التوحيد تنفيذ هذه المهمة فبدأها بعد طلب الإمدادات وإعلان مقتل قيادي في داعش الذي نفى الجيش الحر مسؤوليته عن مقتله وقد أثارت موجة من الخلافات وخاصة بين التنظيمات الجهادية عقب مقتل القيادي في داعش وقد وقع لواء عاصفة الشمال التابع للجيش الحر اتفاق هدنة مع تنظيم داعش في أعزاز كان أهم بنوده وقف لإطلاق النيران وإطلاق المعتقلين من الطرفين . وبدأت في حلب معركة تحرير حاجز ملعب الحمدانية وأطلق على هذه العملية اسم " الواقعة " حيث يسعى الجيش الحر إلى السيطرة على الحواجز وخاصة الإستراتيجية منها مثل هذا الحاجز ، وكانت عدة فصائل تبرأت من الائتلاف الوطني وأعلنت أنه لا يمثلها معلنة امتعاضها من القيادات في الائتلاف وتجاهلهم للثوار على الأرض وخاصة أن هذه التشكيلات تتهم المعارضة في الخارج السوري بإثارة المصالح الشخصية وعدم مراعاة المعاناة الشديدة وقلة الاحتياجات فيما اشتكى البعض من هذه التنظيمات تجاهل قيادة إلائتلاف للإسلاميين وإنكار دورهم في المعركة مع بشار الأسد .
في نفس السياق طالب الجيش الحر من كل المقاتلين غير السوريين والمتواجدين في سوريا سرعة مغادرتها وذلك حفاظا على الثورة السورية من دخول أطماع تنظيمات وتشكيلات ليس هدفها صالح سوريا وشعبها وإنما تحقق مشروعا خاصا لا يمت للثورة السورية ولا هو من متطلباتها بحسب الجيش الحر .
وقد أعلن مجلس الأمن تبنيه قرار نزع السلاح الكيماوي من سوريا مع أن الآلية لم تتضح بعد، عبر عنه قيادات في الجيش الحر أنه يحل مشكلة الكيماوي فقط ، ولكن بعد التقارب الروسي الأمريكي ونجاح باهر للدبلوماسية بين البلدين وإقناع الأسد الدخول في منظمة حظر السلاح الكيماوي وإعطائه قوائم الأسلحة تنذر بأن مسألة الكيماوي قابلة للحل في الأيام المقبلة ، لكن ما ينتظره الجيش الحر من الدعم بالسلاح فلا بوادر له في الأفق وإن مطالبة الأسد وقف دعم المعارضة هي ما يجد الأذن الصاغية من قبل الغرب وان دعمت دول الخليج بشكل فردي وبسيط.
وعموما فإن مسار الأحداث في الطريق إلى دمشق لازال شائكا وخاصة مع توارد دخول عناصر جديدة على اللعبة العسكرية وحتى السياسية في سوريا وتعقد الوضع الراهن ونجاح الدبلوماسية الروسية تتيح للقارئ الكريم تقويم الوضع وتحليله من جهته هو فهذه لمحة عرضنا لكم فيها مجمل الأحداث البارزة على الساحة السورية