تُعرّف لعبة الحرب (السجال) بأنها أسلوب يستخدمه صانعو القرارات السياسية لسبر أغوار المسائل المتعلّقة بالشؤون العسكرية والعلاقات الخارجية، وامتحان الإستراتيجيات، والتنبّؤ بالتطوّرات السياسية والعسكرية المقبلة، ووسيلة للإعداد للحرب
أو لإيجاد حلول للأزمات.
تنفذ لعبة الحرب بإجراء سيناريو بين محموعتية قياديتين أو أكثر (سياسية أو عسكرية أو مشتركة) داخل صالات مغلقة، تتوافر فيها الوسائل الضرورية (مخطّطات- خرائط- مناضد رمل- بيانات الخ..) من أجل تقويم مرفقين متعارضين أو أكثر.
ويُشير السيناريو إلى فرضية تحاكي فريقين كأنّهم في صراع حقيقي، ويتخلّل هذا السيناريو طرح المواقف والمواقف المضادة المتناسبة وتبدّل المعطيات، بغية تحديد التدابير التي يمكن اتخاذها من قبل العدو على المستوى السياسي أو الإقتصادي أو العسكري، والتدابير المضادة الواجب اتخاذها لإبطال مفعول تدابيره، وقد تستعمل في لعبة الحرب أحدث الوسائل التقنية المتطوّرة (حاسبات معقّدة متطوّرة).
يشير التاريخ إلى أن لعبة الحرب تم ابتكارها في القرن الثالث قبل الميلاد من قبل الصينيين الذين وأطلقوا عليها إسم (وي هاي) وتعني التطويق وكانت هذه اللعبة قد حافظت على قواعدها بفعل ممارسة الهواة اليابانيين لها حتى يومنا هذا باسم (غوا)، وتدور على رقعة خريطة وبحجارة ملوّنة مختلفة ، أما اللاعب الرابح فهو من يتمكن من تطويق خصمه أولاً وهذا جوهر تعاليم المفكر الصيني ( صن تزو) وكبار القادة عبر العصور.
تطوّرت لعبة الحرب الإستراتيجية في ألمانيا على يد الضابط في سلاح المدفعية (رايزفتز)، وظهرت له عدة نماذج سرعان ما انتشرت في روسيا وتركيا، ولقد استعملت في هذه النماذج لأول مرة الخريطة البارزة التي تمثل تضاريس الأرض. واستعملت فيها القطع متناسبة مع مقياس رسم الخريطة لتمثل صنوف الأسلحة. واستُعمل اللونان الأحمر والأزرق لأول مرة لتمثيل القوات الصديقة والمعادية، وهي طريقة مازالت مستمرة حتى الآن. وكان يُستخدم فيها النرد ليمثل عاملي الصُّدفة والمفاجأة في الحرب، وعُمّمت على الجيش الألماني كنموذج تدريب حقيقي وشُكلت جمعيات للعبة الحرب وكان في الكلية وحدها سبع جمعيات وخلال الحرب التي خاضتها بروسيا ضد النمسا وبعد ذلك ضد فرنسا تم تطوير اللعبة وأُلغي النّرد وظهرت لعبتان للحرب الأولى (إستراتيجية) وهي لعبة الحرب الحرة وتُعتبر قمة الألعاب الحربية، والثانية (تعبوية) وهي لعبة الحرب الصارمة وتعتمد قواعدها التفصيلية على التعبية.
وعمت الألعاب بعد ذلك على الجيوش الأوروبية، وهي توفّر للاعبين الحربيين امتحان مدى معرفتهم بالإستراتيجية والتكتيك، وأن الفارق الوحيد بين الحرب الحقيقية ولعبة الحرب هو غياب عوامل الخوف والإرهاق والمسؤولية والإحتكاك الفعلي على الأرض. ونظرا لاستحالة قياس هذه العوامل فقد افترض أنها تتوزّع على الطرفين بالتساوي.
ولم يكن الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية شديدي الإقبال على استخدام لعبة الحرب، واستخدموا بدلا عنها وسائل أكثر دقة، وفي العام 1939 طُلب إلى مجموعة من العلماء البريطانيين، لدى قيادة سلاح الجو البريطاني، أن يقوموا ببعض الدراسات العملياتية مثل حل المشكلات الإحصائية المتعلقة بحوادث الطيران، وتطورت هذه البداية حتى أصبحت نشاطا يُعرف باسم (البحث العملياتي) والذي اعتمد على الرياضيات في حل مسائل التسلّح والتكتيك والإستراتيجية، انبثق عنها مجموعة أساليب في التحليل العسكري تُعتبر لعبة الحرب واحدة منها.
وشمل البحث العملياتي أغلب أمور الحرب وامتدّ أثره ليشمل كافة الأمور العسكرية ممّا أدّى إلى توسّع مجال لعبة الحرب ويمكن إدراج مختلف أنواع لعبة الحرب التي نشأت عن الحرب الباردة في أربعة أقسام رئيسية :
- لعبة الحرب الخاضعة للتحكم.. وتطورت هذه اللعبة عن لعبة الحرب الحرة القديمة ولا تخضع لقوانين وهي على نوعين (لعبة الحرب المفتوحة وهي تجري في قاعة واحدة، ولعبة الحرب المغلقة وهي تجري بعزل الطرفين في قاعتين منفصلتين)، وتُعتبر لعبة الحرب السياسية العسكرية من أهم الأشكال الخاضعة للتحكيم.
- لعبة الحرب اليدوية الصارمة.. وهي تطوّرت عن لعبة الحرب الألمانية الأصل. وتخضع لقوانين مفصّلة وهي أكثر لعبات الحرب شيوعاً في حل المشاكل التعبوية الميدانية الجديدة وتقويمها، وتستعمل كافة لعبات الحرب ضمن هذه اللعبة وكافة صفحات المعارك.
- لعبة الحرب الآلية.. وتعتمد على العقول الألكترونية (كمبيوتر- إنفورماتيك)، واحتلّت أهمية كبيرة في الإستراتيجية والحرب النووية لصعوبة إجرائها في مناورة حقيقية، إضافة إلى سرعة معالجة المواقف وبكمية كبيرة من المعلومات، ويمكن إجراء لعبة الحرب بين الإنسان والآلة أو بواسطة الحاسوب فقط.
- لعبة الحرب الآلية.. وهي التي يمكن تحليلها بواسطة لعبة الحرب الإستراتيجية، وهذا النوع ليس حربيا بمعنى الكلمة، بل تمثيل بسيط لصراع بين طرفين. يتمتع فيه كل طرف عادة بطريقتين للعمل وتلعب النظرية دورها في طرح الطريق الذي يمكن اتباعه بغض النظر عن الطريق الذي سيسلكه الطرف الآخر.
ومازالت هذه التقسيمات الأربعة هي الأساس الذي تقوم عليه لعبة الحرب المعروفة حاليا، والتي تبلغ من الإتساع والتنوع حيّزا كبيراً. وبكل تأكيد أن التطور العلمي سيعطيها دفعاً قويّاً في المستقبل ولاسيما بعد أن أصبح التخطيط العلمي قاعدة أساسية للنشاطات البشرية كلها.