من الصعب تحديد بداية ظهور بحوث العمليات إذ أنها ربما ظهرت تحت مسميات مختلفة مثل الطرق الرياضية واستخدامها في حل المشاكل أو ما يعرف بالإدارة العلمية على يد رواد حركة الإدارة العلمية أمثال فريدريك تايلور وهنري فايول وجلبرت.
حيث تركزت الأفكار العلمية لهؤلاء الرواد في استخدام الطرق العلمية في الإنتاج وتطبيق مبدأ التخصص وظهور الدراسات الخاصة بالوقت والحركة وتعتبر هذه الدراسات اليوم من أساسيات بحوث العمليات . عزز هذه الدراسات ما قام به ايرلانج A.K.Erlang عام 1909 ف من دراسات تتعلق بمشكلة الازدحام في حركة تلقي المكالمات الهاتفية ، ففي خلال الفترات التي تكثر فيها المكالمات يتعرض طالبوا المكالمات إلى شيء من التأخير لعدم قدرة العاملين في المقسمات الهاتفية على مواجهة الطلبات بالسرعة المطلوبة والمشكلة الأصلية التي عالجها ايرلانج Erlang كانت عبارة عن حساب هذا التأخير بالنسبة لعاملة واحدة وفي عام 1917ف استخدمت النتائج لتشمل عدداً من العاملات وقد أعطت هذه الدراسة دفعة الى الرياضيين لحل الكثير من المشكلات الاقتصادية والعسكرية. وعند نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 نشر لانكستر Lanchester أبحاثاً خاصة بالعلاقة النظرية بين تحقيق النصر للحلفاء على الألمان باستخدام ظاهرة التفوق العددي في الجنود وقوة النيران .
كما عهد إلى توماس أديسون بإيجاد طريقة علمية لتقليل الخسائر في السفن التجارية التى تتعرضها غواصات الألمان بحيث تكون الخسارة أقل ما يمكن ، وبحلول الحرب العالمية الثانية عهد إلى مجموعة من العلماء البريطانيين بدراسة وإيجاد الحلول لبعض المشكلات العسكرية بغرض تطوير أجهزة الرادار وتحديد المواقع المثلى لهذه الأجهزة والربط بينها وبين المدفعية المضادة للطائرات والأنوار الكاشفة والطائرات الاعتراضية وغير ذلك من عناصر الدفاع الجوي ولم تقتصر هذه الدراسات على السلاح الجوي بل امتدت إلى البحرية البريطانية حيث أجريت دراسات تتعلق بمكافحة الغواصات تعرضت لدراسة حجم وترتيب قوافل السفن التجارية ونوع وعدد السفن الحربية المرافقة كما شملت الدراسة تحديد أفضل الطرق لاستخدام قنابل الأعماق في مهاجمة هذه الغواصات .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية أقرت وزارة الحربية مع مطلع ابريل 1942 ضرورة استخدام الأساليب العلمية لحل المشاكل الحربية بهدف تقليل الخسائر الحربية إلى أدنى حد ممكن حيث سميت هذه الدراسات باسم بحوث العمليات وتقييم العمليات.
Operations Research and operations Evaluation والملاحظ أن بحوث العمليات لم تأخذ دورها الحقيقي في الولايات المتحدة إلا بعد ظهور الطرق والبرامج الرياضية وبالأخص عندما قام العالم الأمريكي جورج دانتزج G.Dantzig بإعداد طريقة لحل مشاكل البرمجة الخطية عرفت بطريقة السمبلكس simplex method ، وتستخدم طرق البرمجة الخطية حالياً لحل المشاكل الخاصة بالاستخدام الأمثل للموارد في كافة المجالات المدنية والعسكرية ومع ظهور الحاسب الآلي وتطوره زاد انتشار وتطور بحوث العمليات إذا أمكن حل مشاكل الوقاية الذرية عام 1950ف والتي أطلق عليها اسم طريقة مونت كارلو ومما ساعد على انتشار بحوث العمليات ظهور أساليب جديدة خلال الفترة 1950-1957 ف تمثلت في صياغة مشكلة البرمجة الديناميكية (التي يلعب الزمن فيها دوراً فعالاً ) وفي حل مشاكل البرمجة اللاخطية والبرمجة التربيعية والبرمجة الصحيحة هذا إضافة إلى أنه قد ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية نظام معلومات يقوم على أساس استخدام الرموز الشبكية والحاسبات الآلية حيث تم إعداد أول نوع من هذه النظم عام 1957ف عرف بالمسار الحرج كما ظهر أسلوب تقويم ومراجعة البرامج كما استطاع مزيد من العلماء التعرف على بعض المشاكل مثل مشاكل النقل والمخزون والاستخدام الأمثل للموارد والجدولة ثم التعرف على أساليب حل هذه المشاكل .
تعريف بحوث العمليات:
نظراً لاتساع المجالات التي تطبق فيها بحوث العمليات تعددت تعار يفه ، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر تعريف جمعية بحوث العمليات البريطانية ،الجمعية الأم لبحوث العمليات إذ تعرفه بأنه عملية استخدام الأساليب العلمية في حل المشكلات المعقدة التي تنطوي على توظيف أعداد كبيرة من الأفراد والمعدات والمواد في المصانع والمؤسسات وفي القوات المسلحة. أما جمعية بحوث العمليات الأمريكية فقد عرفت بحوث العمليات بأنه العلم الذي يهتم باتخاذ القرارات العلمية حول الكيفية التي يتم فيها تصميم وعمل أنظمة معدات العمل والأفراد في ظل الموارد المحدودة .
منهج بحوث العمليات في اتخاذ القرارات :
تمرعملية اتخاذ القرار باستخدام بحوث العمليات بمجموعة من المراحل أو الخطوات :-
1-مرحلة الاستخبار: وتعتبر هذه المرحلة من مراحل عملية اتخاذ القرار حيث يتم فيها تحديد المشكلة بدقة وجمع البيانات والحقائق منها .
2-مرحلة التصميم : يتم في هذه المرحلة بناء النموذج، فالنموذج هو تمثيل أو محاكاة لنظام حقيقي يعمل في الحياة الحقيقية يراد دراسته .
ويكون النموذج في شكل مادي كتمثيل المعركة على المنظدة الرملية حيث تمثل عناصر المعركة (الجنود والمعدات العسكرية ) على شكل نماذج مصغرة وقد يكون النموذج في شكل غير مادي مثل النماذج الرياضية ، وهناك غرضان أساسيان من وراء بناء النماذج أولها تحليل سلوك النظام من أجل تحسين أدائه وثانيها تحديد الشكل الأمثل للنظام مستقبلاً بمعنى ما الذي يجب أن يكون عليه النظام .
3-مرحلة اختبار النموذج : في هذه المرحلة يتم الكشف عن مدى صحة النموذج من حيث تمثيله للنظام الحقيقي المدروس وذلك من خلال مقارنة أداء النموذج مع أداء النظام الحقيقي في الماضي، فالنموذج يكون صحيحاً إذا كان وتحت ظروف مشابهة يعطي نفس الأداء السابق للنظام الحقيقي .
4-مرحلة حل النموذج : في هذه المرحلة يتم استخدام أسلوب أو تقنية مناسبة لحل هذا النموذج مثل طريقة السمبلكس (إحدى تقنيات حل البرمجة الخطية ) أو تقنية النقل ... الخ وفي هذه المرحلة يجب على باحث العمليات أن يكون مستعداً للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالتغيرات التي سوف تحصل على الحل وذلك فيما لو تغيرت بعض مكونات المشكلة المدروسة وهو ما يعرف بتحليل الحساسية .
5-مرحلة تطبيق الحل : وهذا هو الإجراء الأخير في عملية اتخاذ القرار وفيه يتم وضع النتائج المتحصل عليها من حل النموذج موضع التنفيذ وذلك في شكل برنامج عمل أو خطة معينة يتم تحديدها بمعرفة كل من فريق بحوث العمليات والقائمين على عملية تنفيذ هذه الحلول .
أساليب بحوث العمليات واستخداماتها العسكرية
نذكر من هذه الأساليب الآتي :-
أولاً: البرامج الرياضية :
وتنقسم البرامج الرياضية إلى :
أ-البرمجة الخطية : -
وتستخدم في حل مشاكل التوزيع والنقل والتخصيص وبمعنى آخر تستخدم في حل مشاكل الاستخدام الأمثل للموارد المحددة والنادرة إذا كانت دالة الهدف (تعظيم / تقليل والقيود (معادلات أو متباينات )في شكل خطي .
ب-البرمجة اللاخطية :-
ويعالج هذا الأسلوب المشاكل التي تكون فيها دالة الهدف والقيود في شكل لاخطي .
ج- البرمجة الديناميكية : -
ويستخدم هذا الأسلوب في حل المشاكل التي تتعرض لتغيرات في هيكلها من فترة لأخرى بحيث يمكن الوصول إلى الحل الأمثل عن طريق مجموعة من المراحل .
وعلى سبيل المثال يمكن استخدام البرامج الرياضية في حل المشاكل العسكرية الآتية :
1- تحديد عدد الأسراب وعدد الطائرات في كل سرب وعدد الطلعات اللازمة لقصف مواقع محددة باستخدام أنواع محددة (من حيث الكم والنوع ) من الذخائر أو الصواريخ بحيث تكون القوة التدميرية (العائد) أعلى ما يمكن ( دالة الهدف أعظمية )
2-مشاكل توزيع القطع البحرية أو الطائرات العسكرية المراد إصلاحها على ترسانات وورش الإصلاح والعمرة .
3-مشاكل ربط منظومات الدفاع الجوي مع طائرات سلاح الجو والرادارات أو تحديد المواقع المثلى لهذه الرادارات.
4-توزيع مدافع محددة على مواقع معينة بحيث يكون مردودها الكلي أعظمياً (أعلى ما يكون ) مهما كان توزيع دبابات العدو المهاجمة .
5-تطوير القواعد الجوية أو البحرية وتحديد المواقع المثلى لها عند الشروع في انشائها .
ثانياً: نماذج الانتظار :
ومن هذه النماذج نظرية صفوف الانتظار التي تعالج المشاكل الخدمية والانتاجية حيث تكون طاقة الخدمة أقل من عدد الطلبات المراد خدمتها فتحدث عملية الاختناق في تقديم الخدمة كما يصبح العدد المنتظر للخدمة كبيراً وتعالج نظرية صفوف الانتظار الطاقة المثلى التي تجعل فترة الانتظار أقل ما يمكن وبحيث تكون تكلفة الخدمة مناسبة ، ويحتاج تطبيق هذه النظرية إلى معرفة مسبقة بنظرية الاحتمالات ويمكن أن تستخدم هذه النظرية في بعض التطبيقات العسكرية نذكر منها على سبيل المثال الآتي :
1-توزيع وتحديد أزمنة إقلاع وهبوط المقاتلات في المطارات الحربية أو على ظهور حاملات الطائرات .
2-تحديد العدد الأمثل لمهابط الطائرات في حالة انشاء مطار أو قاعدة عسكرية جديدة أو عند تطويرها .
3-تحديد العدد الأمثل لمحطات تزويد الوقود الثابتة والمتنقلة للوحدات والقطاعات العسكرية
ثالثاً: نماذج النقل والتخصيص:
حيث تقوم فكرة نماذج النقل على أساس النقل الاقتصادي للوحدات المتجانسة من مصادر التجهيز أو الانتاج إلى مواقع الطلب والاستهلاك بهدف تخفيض تكاليف النقل إلى أقل ما يمكن ومن أهم التطبيقات العسكرية لهذه النماذج :
1-نقل المؤن والعتاد والذخائر والوقود من مراكز الامداد إلى القطاعات والجبهات العسكرية بأقل كلفة ممكنة أو لتقليل الزمن أو المسافات إلى أقل ما يمكن (دالة الهدف تدنيه ).
2-تحديد القوة الصاروخية أو المدفعية اللازمة لتدمير أهداف عسكرية معادية .
3- تخصيص عدد من الأفراد أو الوحدات العسكرية لعدد من الجبهات العسكرية المحددة من أجل تحقيق أعلى عائد ممكن متمثلاً في تحقيق أعلى قوة تدميرية ممكنة أو لتقليل زمن تنفيذ المهام إلى أقل مايمكن .
رابعاً : أسلوب تقويم ومراجعة البرامجبرت pert
Program Evaluation and Review Technique يقوم هذا الأسلوب على منطق تقسيم المشروع إلى عدد من الأنشطة المستقلة تتم في تتابع معين إلى أن يتم تنفيذ المشروع ككل وهناك نوعان لأسلوب برت أحدهما يهتم أساساً بدراسة الزمن ويسمى pert/time الآخر يهتم بدراسة التكلفة ويسمى pert/cost هذا بالإضافة إلى طريقة المسار الحرج التي تهدف إلى تحسين طريقة التخطيط الزمني للبرامج والتعرف على فرق التكلفة نظير تنفيذ المشروع في فترة أقل مما هو مخطط لها .
لقد تم تطوير أسلوب pert بين عامي 1957ف -1958ف في وزارة الدفاع الأمريكية عندما كانت الجهود قائمة على صناعة وتطوير الصاروخ الباليستي Polaris missile للبحرية الأمريكية وكانت عملية التخطيط والرقابة لمشروع كبير كهذا باستخدام pert حيث اشترك أكثر من 250 متعهد أساسي وأكثر من 9000 متعهد ثانوي ووكالات عديدة ومئات الآلاف من الأفراد إلى اختصار فترة الإنجاز بمقدار عامين .
وقد قاد هذا النجاح إلى استخدام pert في مجال حرب النجوم إلى الدرجة التي أصدرت الإدارة الأمريكية على ضرورة استخدام pert في أغلب مشاريع البحث والتطوير الحكومية .
ولقد استخدم هذا الأسلوب بنجاح كبير في حرب اكتوبر 1973ف من قبل القوات المصرية في عبور القناة كما استخدم في الحرب الكورية في بداية الخمسينيات والحرب الفيتنامية من النصف الثاني من الستينيات وفي نظرية الحروب الخاطفة في السبعينيات والثمانينيات وفي حرب الخليج.
خامساً : المحاكاة ي:
عتبر أسلوب المحاكاة من الأدوات القوية المستعملة بصورة واسعة بدراسة وتحليل الأنظمة المعقدة والتي يصعب إيجاد نموذج رياضي بسيط لحلها أو الأنظمة التي يحتاج تحليلها أو إجراء التجارب عليها إلى تكاليف باهظة ونوع من المخاطرة ونقوم في مثل هذه الحالات بمحاكاة المشكلة المطروحة بعمل صورة تماثل الواقع الفعلي لهذه المشكلة دون المساس بالنظام نفسه ويأخذ هذا النموذج شكل مجموعة من الافتراضات حول عمل النظام معبراً عنه في شكل علاقات رياضية أو منطقية بين عناصر النموذج المدروس
وفي الجانب العسكري يمكن محاكاة الحروب أو المناورات العسكرية بعمل نماذج مشابهة لها تماماً من خلال الكومبيوتر واتخاذ الحلول المثلى لها قبل تطبيقها فعلياً.
سادساً: نظرية المباريات
تعالج نظرية المباريات مشاكل الصراع بين طرفين أو أكثر تتوفر لكل منهما الرغبة بالفوز و لكل منهما إستراتيجيتة التي يستخدمها بهدف تحقيق فوزه ، وعملية اتخاذ القرار في البيئة التنافسية من أكثر المواضيع شيوعاً وأهمية وتبقى المساهمة الحقيقية لنظرية المباراة في تقديم إطار تعريفي لصياغة وتحليل المشاكل بأسلوب مبسط وأنه لازالت هناك فجوة كبيرة بين ما تناولته هذه النظرية والتطبيقات العملية ولأهمية هذا الحقل من المعرفة فإن البحث لازال مستمراً مع بعض النجاحات في مجالات أكثر تعقيداً، لذا فإن هذه النظرية تستخدم لتبسيط الحالات المعقدة وتحويلها إلى نماذج مبسطة وتمثل المعارك الحربية مجالاً خصباً في تطبيق نظرية المباريات وكما هو الحال في كل مسائل المباريات فإن أهم المسائل التي يجب التركيز عليـها هو كيفيـة الحصـول على مصفوفة الدفع (مصفوفة رقمية تلخص حالة التنافس بين الطرفين) لهذا السبب فإنه في الحالات الميدانية (المعارك ) يتجه الاهتمام الأكبر للحصول على معلومات وافية عن كفاءة الأسلحة وقدراتها وتأثيرها على غيرها إضافة إلى محاولة الحصول على معلومات عن إمكانيات واستراتيجيات العدو .
وأخيراً وليس بآخر فإن التجربة التطبيقية لاستخدام بحوث العمليات في الجيوش سواء كان ذلك في الحرب العالمية الثانية أو الحروب التي تلتها كالحرب الكورية أو الفيتنامية أو حتى الحروب الأخيرة كحرب الخليج فقد أثبتت أن تحسين استخدام الأسلحة و المهمات الموجودة باستخدام أساليب بحوث العمليات يعطي نتائج أفضل في الأمد القصير مما لو كان التحسين في الأسلحة والمهمات نفسها .
لأهمية مادة بحوث العمليات تدرس ضمن مناهج معظم الكليات العسكرية بمختلف فروعها ومستوياتها للاستفادة منها في المجال العسكري وللرفع من المستوى العلمي والعملياتي للضباط .
{facebookpopup}