قامت كوريا الشمالية بإجراء تجربتها النووية الثالثة يوم 12 من شهر فبراير، حيث سبق أن أجرت تجربتين نوويتين من قبل في 9 أكتوبر عام 2006، وفي 25 مايو 2009،
وقد أفادت التقارير الدولية أن التجربة النووية الثالثة جرت على نحو آمن وتام باستعمال قنبلة نووية أصغر حجماً وأخف وزناً، كما أكدت أيضاً على أن نتائج التجربة بما فيها قوة التفجير كانت متوافقة تماماً مع تصميمها.
وتم التفجير في موقع بونغ كيه ري الذي يقع في منطقة جبلية عالية باستخدام البلوتونيوم، ومن أجل تعزيز الانشطار النووي أجرت كوريا الشمالية أكثر من مائة تفجير، وكان من الواضح أن حجم الهزة الأرضية الصناعية التي تم رصدها زاد هذه المرة بالمقارنة مع التجربتين الأولى والثانية، ما يعني تحسن قدرة كوريا الشمالية على صنع الأسلحة النووية باستمرار.
وتقدر السلطات الكورية والأمريكية أن كوريا الشمالية قامت بتجربة أسلحة نووية تزن 4-4.7 طن بما يماثل القنبلة النووية التي تم إسقاطها على هيروشيما وناجازاكي باليابان، ولا يمكن تركيب رؤوس من هذا الحجم على صاروخ بالستي عابر القارات، بينما يقدرها آخرون بستة أو سبعة أطنان، وهو ما يعادل تفجير سبعة آلاف طن من الديناميت في آن واحد من حيث القوة، وعندما نقارنها مع حجم القنبلة النووية القديمة التي استخدمت في هيروشيما، سنجد أنه إذا تم تفجير القنبلة الكورية الشمالية من على ارتفاع خمسمائة متر فوق سطح الأرض، فسوف ينتشر لهيبها إلى حوالي ألف ومائتي متر من مكان التفجير، وسوف تدمر المباني الواقعة داخل دائرة قطرها كيلومتران، إن القنبلة النووية (ليتل بوي) التي سقطت على هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية قد أودت وحدها بحياة حوالي مائة وستين ألف شخص، ودمرت سبعين بالمائة من المباني في المدينة، وتعادل قوة قنبلة (ليتل بوي) ستة عشر طناً؛ ولهذا يمكن القول: إن قوة التجربة النووية الكورية الشمالية منخفضة كثيراً بالمقارنة مع القنبلة النووية البدائية التي سقطت فوق المدينة اليابانية.
يذكر أن الولايات المتحدة تملك رؤوساً نووية تزن 110 كيلوغرام، والصين تملك رؤوساً تزن 600 كيلوغرام، وروسيا 255 كيلوغرام، وبريطانيا 350 كيلوغرام، والهند 500 كيلوغرام.
القلق الكوري الجنوبي:
على الرغم من التقدم الاقتصادي الكبير الذي حققته كوريا الجنوبية فإنها تشعر بعدم الأمان والقلق بسبب وضعها الجيوسياسي، فهي لا تنعم بتلك الامتدادات الجبلية الشاهقة التي توفر لها قدراً كبيراً من الأمن الجيوسياسي، فهى تقع جوار أحد أكثر النظم السياسية تهوراً وهمجية، ويصعب جداً التنبؤ بسلوك مثل هذا النظام على نطاق العالم بأسره، وتعني كلمة (الجوار) هذه إمكانية أن يبصر المرء بعينه المجردة من إحدى البنايات العالية في سيؤول المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل بين شطري شبه الجزيرة الكورية، متى ما كان الطقس صافياً وخالياً من الضباب والمطر، وهذا ما يفسر الاهتمام الذي يوليه الرأي العام الكوري الجنوبي بالعلاقة مع الحليف الأمريكي والحرص على رسو حاملات الطائرات الأمريكية العملاقة على موانيها مثل (جورج واشنطن يو. إس. إس)، وكذلك حرص كوريا الجنوبية على القيام بالمناورات البحرية الأميركية- الكورية المشتركة التي هي بمثابة رسالة مطمئنة للجنوب الكوري، ومحذرة للشق الشمالي، في ذات الوقت الذي تثير فيه قلق الجار الصيني، وكأن سيؤول لا يكفيها الصداع المستمر الذي يسببه لها جارها الجنوبي، فهي فوق ذلك كله تدرك أنها تقع في تقاطع المصالح الإستراتيجية المعلنة من قبل أربع قوى كبرى إقليمية ودولية: الصين واليابان وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، وفي الوقت الحالي لا ترغب أي دولة في تغيير الوضع القائم.
ويرى محللون إستراتيجيون من كوريا الجنوبية أن خطر العدوان الذي تمثله بيونج يانج لأمن سيؤول أواحتمالات الانهيار لنظامها السياسي الحاكم يرغمان الدول الأربع المتنافسة يما بينها على كعكة سيؤول على التفاوض فيما بينها الآن أكثر من ذي قبل، وإن هذا يقودنا إلى الحقيقة المباشرة القائلة: إن مستقبل كوريا الجنوبية الجيوسياسي- والاقتصادي بالنتيجة- يعتمد بدرجة أكبر الآن على أفعال وسلوكيات القوى والدول الأكبر منها حجماً ووزناً وتأثيراً من اعتماده على ازدهارها الاقتصادي.
ولكن المعضلة أن ثلاثاً من القوى المذكورة آنفاً تبدي قلقاً واضحاً من العواقب المحتملة لتنامي النفوذ الإقليمي الصيني، وغير الصين هناك في منطقة شرقي آسيا من يخشى كثيراً من أن يمتد وجود (اليانكي) العسكري لعقد أو عقدين آخرين من الزمان، أو أن يرفض جنود العم سام العودة إلى بلادهم.
وقد أثار قيام كوريا الشمالية بتطوير أسلحة نووية نداءات تدعو إلى قيام كوريا الجنوبية أيضاً باقتناء أسلحة نووية والحصول على مثل هذه الأسلحة عن طريق الولايات المتحدة، وهو ما يثير جدلاً وسط الكثيرين حيث تتعالى أصوات بأن على كوريا الجنوبية التفكير فيما أسموه إعادة استحداث امتلاك أسلحة نووية تكتيكية، وهي الأسلحة التي يمكن استعمالها في حرب محلية محدودة، ولها قدرات محدودة جداً على الانفجار على خلافا لأسلحة والصواريخ الباليستية العابرة للقارات المجهزة بشحنات ورؤوس نووية والتي يصل مداها إلى عدة آلاف من الكيلومترات والتي تعتبر أسلحة نووية إستراتيجية، القنابل النووية التي لا يتجاوز نطاقها بضع عشرات من الكيلومترات والتي يمكن إطلاقها بمدفعية ميدانية عادية هي مثال ونموذج للأسلحة النووية التكتيكية، الأسلحة النووية الإستراتجية تمثل تهديداً رئيسياً لكن تهديدها الحقيقي هو محدود مقارنة مع الأسلحة التكتيكية؛ لأن الاستعمال العملي للأسلحة الإستراتجية صعب ومقيّد عكس الأسلحة النووية التكتيكية التي هي سهلة وعملية الاستعمال في أي معركة حربية، وهذه الدعوة لإعادة أستحداث أسلحة نووية تعني إعادة استعمال الأسلحة النووية التكتيكية التي سبق أن استعملتها الولايات المتحدة والقوات الأمريكية العاملة في كوريا الجنوبية في السابق.
يرى البعض أن مثل هذه الدعوة قد تكون طريقة واقعية لتفادي العديد من المشكلات التي تصاحب في العادة استعمال الأسلحة النووية.
ويرى اصحاب وجهة النظر هذه أن بقاء كوريا الجنوبية تحت المظلة النووية الأمريكية لا يمثل أمراً كافياً لحمايتها من أي تهديد كوري شمالي محتمل، إلا أن كوريا الجنوبية هي دولة سبق لها أن أعلنت التزامها بكل القيود التي تحظر التسلح النووي، ولا تملك أي أسلحة أو برامج نووية، لكن الولايات المتحدة تشكل بالنسبة لها مظلة ردع نووي توفر لها الحماية من التهديد الكوري الشمالي، والواقع أن الدعوة لاستعمال أسلحة نووية تكتيكية هي تعبيرعن عدم اقتناع البعض بأن المظلة النووية الأمريكية تمثل رادعاً كافياً، وكانت القوات الأمريكية العاملة في كوريا الجنوبية تمتلك في الماضي صواريخ وقنابل نووية قصيرة المدى منصوبة في الأراضي الكورية الجنوبية لكن تم سحبها جميعاً منذ عام 1991، وهو ما حدا بالبعض إلى الدعوة لأن تسعى سيؤول لامتلاك أسلحة نووية تكتيكية، ويبدو أن إدارة حكومة كوريا الجنوبية تحت قيادة الرئيسة الجديدة بارك كن هيه تؤيد المواقف المعارضة لهذه الدعوات، وتدعو إلى مزيد من التحالف مع الولايات المتحدة، وآخرها المناورات العسكرية الكورية الأمريكية في شهر فبراير من أجل الدفاع عن المياه الإقليمية الكورية ضد الهجمات التي تشنها غواصات الأعداء.
واستهدفت المناورات الكورية الأمريكية تنمية قدرات الدفاع ضد الغواصات وإظهار التحالف الكوري الأمريكي القوي أمام كوريا الشمالية التي تسعى إلى تصعيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية من خلال إجراء تجربة نووية، هذا مع العمل على تعزيز الدفاع الجوي والصاروخي الجنوبي المتكامل ضد كوريا الشمالية، فقد تعهدت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية بتسريع بناء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل وتأمين القدرة الصاروخية لضرب كافة الأجزاء في كوريا الشمالية لمواجهة التهديدات من كوريا الشمالية التي تقوم ببناء ترسانتها النووية، وقد ظلت سيؤول تبذل الجهود لتحسين قدرتها الصاروخية في أعقاب مراجعة المواجهات المتعلقة بالصواريخ في أكتوبر عام 2012 ، إلا أن الدعوات لتحسين الإجراءات الأمنية زادت بعد إطلاق بيونغ يانغ صاروخاً طويل المدى وإجرائها تجربة ذرية ثالثة على الرغم من الإدانة الدولية الجماعية، ووفقاً لمسؤولين فإن البحرية الكورية الجنوبية قامت بتركيب صواريخ كروز التي تطلق من السفن للأرض، ويبلغ مداها من 500-1.000 كلم في سفنها الحربية ومدمراتها البحرية، وكان قائد البحرية الكورية الجنوبية قد أعلن في وقت سابق أن نشر هذه الصواريخ سوف يكتمل في السنوات القليلة القادمة لتكون قادرة على ضرب الترسانات النووية والصاروخية.
وسوف يقوم الجيش أيضاً بتسريع عملية تطوير نظام اعتراض صاروخي متقدم يسمى (سلسلة القتل)، ويهدف إلى اكتشاف وتدمير الصواريخ المستهدفة، ويستخدم النظام أقمار التجسس وطائرات المراقبة علاوة على طائرات مقاتلة وصواريخ للكشف عن الأهداف الواردة وتدميرها في الجو.
وبالإضافة إلى ذلك: فإن الجيش الجنوبي يسعى إلى تبني قمر تجسس عسكري في عام 2021 للقيام بالمراقبة اللصيقة للدولة الشيوعية، ويتكامل مع برنامجها الخاص للدرع الصاروخي الذي يسمى الدفاع الجوي والصاروخي الكوري (KAMD)، لكن من الضروري المشاركة مع المخابرات الأمريكية بشأن الأنشطة الصاروخية لكوريا الشمالية، فكوريا الجنوبية تفتقر إلى قدرة المراقبة الجوية التي تمكنها من الرد على الهجمات الكورية الشمالية بسرعة، وفي الوقت الحاضر يحتاج نظام (KAMD) للمساعدة من المخابرات الأمريكية، لكن هذا لا علاقة له ببرنامج الدفاع الصاروخي الذي تقوده الولايات المتحدة، فكوريا الجنوبية لا تزال ثابتة على موقفها في بناء نظام الدفاع الخاص بها المصمم وفق الوضع الأمني الفريد في شبه الجزيرة الكورية.
صحيح أن كوريا الجنوبية لديها قيود في تشغيل نظام مراقبة خاص بها؛ لذلك فإن سيؤول عليها أن تتعاون بشكل وثيق مع واشنطن للاستفادة من الاستخبارات الأمريكية لتشغيل نظام (KAMD) بسلاسة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يتم دفع سيؤول للمشاركة في نظام الدفاع الصاروخي الذي تقوده الولايات المتحدة، فالسلطات العسكرية الكورية الجنوبية قد أوضحت هذا بالفعل من جانبها، تقول وزارة الدفاع الكورية: إنها تعتزم تعزيز القدرات الصاروخية بشكل كبير، وإنشاء نظام قادر على كشف وتحديد وضرب مصادر الهجوم على الفور، لكن بعض الخبراء يطالبون الجيش الكوري الجنوبي بتغيير إستراتيجياته وتكتيكاته في أعقاب التعديلات الأخيرة.
كما اتفقت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة على تعديل الموجهات الثنائية التي تحكم تطوير الصواريخ الكورية الجنوبية، وذلك للمرة الأولى منذ 11 عاماً، وينص التعديل على زيادة المدى الأقصى للصواريخ الباليستية لكوريا الجنوبية من 300 كيلومتر إلى 800 كيلومتر مع الإبقاء على حمولة الصواريخ دون تغيير عند مستوى 500 كيلوجرام، الاتفاق الجديد يتيح أيضاً للطائرات الكورية الجنوبية بدون طيار نقل أحمال تصل إلى طنين ونصف، وهو ما يمثل زيادة بخمسة أضعاف، وبناء على الاتفاق أصبحت كل الأراضي الكورية الشمالية في مرمى الصواريخ الكورية الجنوبية، فمنذ توقيع الاتفاق الصاروخي الأول عام 1979 أجرت كوريا الشمالية تجارب نووية ثلاث مرات، وقامت بتطوير صواريخ يفترض أن مداها يبلغ أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، وبذلك توصلت كوريا الجنوبية إلى أن مدى صواريخها ليس كافياً للتعامل مع التهديدات الصاروخية المتصاعدة من جانب كوريا الشمالية، وكان ذلك هو خلفية إعادة النظر في موجهات الصواريخ بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في المرحلة الأولى من مفاوضات الصواريخ في العام 2012، ومع ذلك تشير بعض التقارير إلى أن سيؤول طالبت بتوسيع نطاق الصواريخ إلى ألف كيلومتر على الأقل وزيادة وزن الحمولة إلى ألف كيلوجرام؛ ولذلك فإن البعض ينتقد التعديلات الأخيرة؛ لأنها لم ترتق إلى مستوى التوقعات، لكن بعض الخبراء يقولون إنه ليس هناك مشكلة من حيث الردع ضد كوريا الشمالية.
إن وزن الرؤوس الحربية مهم بطبيعة الحال؛ لأنه يضمن قوة تدمير فعالة فقط عندما يصل وزنها إلى مستوى معين فبتطبيق ما يسمى بقاعدة (المفاضلة) تسمح الموجهات المنقحة لكوريا الجنوبية بزيادة وزن الرؤوس الحربية في تناسب عكسي مع مدى الصواريخ، وهذا من شأنه أن يمكن الصواريخ الكورية الجنوبية التي يبلغ مداها 550 كيلومتراً من تحميل رؤوس تفجيرية يصل وزنها إلى طن واحد، هذه الصواريخ يمكنها ضرب أي هدف داخل كوريا الشمالية التي تقع تحت مرمى 550- كيلومتراً من المناطق المركزية في كوريا الجنوبية، ويمكن لمجموعة الصواريخ الحالية التي يبلغ مداها 300 كيلومتر حمل رؤوس أثقل تبلغ طنين بحيث تساعد في الردع العسكري ضد كوريا الشمالية.