إن التكنولوجيا أصبحت تحظي باهتمام جميع الدول في عصرنا على اختلاف درجات نموها، وعلى الرغم من اختلاف مرامي تلك الدول، فإنها تبدو متفقة على أن العلم والتكنولوجيا .
هما الأداتان الأكثر فعالية لتحقيق أهدافها؛ ذلك أن معظم الدول المتقدمة صناعياً تسخر القسم الأكبر من اهتمامها في المضمار التكنولوجي للسيطرة على منابع المعرفة ولتوسيع الهوة بينها وبين الدول النامية.... في حين تركز الدول النامية جل اهتمامها على تحديد كيفية ونوعية العلوم والتكنولوجيا التي يمكن أن تسهم إسهاماً أكثر فعالـية في نـجاح عملية نقل التقنية وتضييق تلك الهوة.
أصبحت التكنولوجيا هي الأداة المحركة للتقدم، وأصبح مستوى التكنولوجيا هو المقياس والمؤشر على ذلك، ولا تستطيع أية مؤسسة مهما كانت أن تحقق النجاح دون أن تمتلك وتطور تلك الأداة محلياً.
الخطوة الأولى للنجاح في نقل التكنولوجيا هي امتلاك المعرفة الأساسية (العلم الذي يتم تحصيله خلال العملية التعليمية) التي تجعلنا قادرين على جلب واستيعاب منتوجات تلك التكنولوجيا من معدات وآلات، وما يتبع ذلك كخطوة ثانية من قدرة على الاستخدام الأمثل لتلك المنتوجات، والقيام بالصيانات والإصلاحات كخطوة ثالثة، ويعرف الخبراء الخطوات الثلاثة السابقة بنقل التقنية، أما نقل التكنولوجيا فيحتاج إلى خطوتين إضافيتين هما: التجميع والتطوير للمنتج.
ـ مدخل حول مفهوم التكنولوجيا:
التكنولوجيا ذات أهمية بالغة بسبب إسهامها في نشر المعرفة الفنية وبما تعود به من مكاسب للجهة التي تحوزها أو الدولة التي تنتمي لها.
وانطلاقاً من أهمية التكنولوجيا فقد تعددت وتنوعت التعريفات التي تحدد هذا المصطلح؛ إذ ليس هناك من مصطلح في الوسط العلمي حظي بما حظيت به التكنولوجيا من شيوع، ومع ذلك مازال الغموض يشوبه إلى حد كبير، فالكثير يستخدمونه دون العناية بتحديد معناه أو مضمونه.
التكنولوجيا مركب قوامه المعدات والمعرفة، وتشمل جميع أنواع العدد والآلات والمباني، أما المعرفة فتشمل جميع المبادئ والمناهج والعلوم والمهارات، وبذلك يمكن القول بأن التكنولوجيا هي:
مجموعة المعارف والخبرات والمهارات والأدوات التي يستخدمها الإنسان للسيطرة على البيئة المحيطة به وتسخير تلك المعارف والأدوات للإنتاج والتطوير.
أنواع التكنولوجيا:
ـ تكنولوجيا مجسدة (Embodied): تتجسد إما في الأفراد أو المعدات والآلات والتجهيزات.
ـ تكنولوجيا غير مجسدة (Disembodied): وتتمثل في المعرفة وتحويل خلاصة البحوث العلمية المبتكرة إلى تطبيقات علمية وعملية.
مدخل حول نقل التكنولوجيا:
يقصد بنقل التكنولوجيا استعارة الأساليب الفنية المطبقة في البلاد المتقدمة لتوظيفها بما يخدم النمو والتقدم لدينا، ويجب ألا ينصرف مفهوم عملية نقل التكنولوجيا إلى نقل الجانب المادي فحسب، وإنما يجب أن ينظر إليه على أنه عبارة عن نقل المعرفة والخطط والإجراءات المتعلقة بها، إذاً فالتكنولوجيا يمكن أن ننقلها في شكل مادي أو في شكل معرفي ومعلوماتي.
ويقودنا هذا إلى القول بأن نقل التكنولوجيا لا يعني نقل الآلات والمعدات فقط، وإنما يجب أن نتجاوزه إلى امتلاك المعرفة والقدرة على التطوير .
مدخل حول التكنولوجيا الملائمة:
لا توجد تكنولوجيا محددة يمكن أن نسميها تكنولوجيا ملائمة نابعة من بيئة تكنولوجية معينة جاهزة للاستخدام الفوري في بيئة تكنولوجية أخرى، ولكن هناك عوامل داخلية وخارجية حصيلة تفاعلها يؤدي إلى الاختيار الأفضل للتكنولوجيا المناسبة.
ـ العوامل الداخلية:
- ضرورة وجود خطط وإستراتيجيات واضحة تحدد نوع التكنولوجيا المطلوب نقلها.
- الاهتمام بالتعليم وربطه بخطط نقل التكنولوجيا.
- التعاون مع الجامعات ومراكز الدراسات لتقديم المقترحات وتذليل الصعوبات.
- إعطاء عناية خاصة للتدريب مع الاهتمام بصفة خاصة بالتدريب على تقنيات الحاسوب واللغات الأجنبية.
ـ العوامل الخارجية:
- صعوبة اختيار التكنولوجيا الملائمة من قبل الدول النامية نظراً لأن الدول المتقدمة في الغالب هي التي تحدد نوع التكنولوجيا.
- صعوبة الوصول إلى بعض أنواع التكنولوجيا نظراً لطابع السرية الذي تفرضه الدول المتقدمة إضافة إلى الاعتبارات السياسية.
تعتبر التكنولوجيا ملائمة عندما تعمل على تلبية الحاجات الأساسية مع امتلاكنا للمعارف والمهارات القادرة على تطوير تلك التكنولوجيا.
وبشكل عام يمكن أن نحدد خصائص التكنولوجيا الملائمة في النقاط التالية:
- إمكانية تكييفها وفقاً لحاجاتنا.
- أن تنمي الاعتماد على الذات.
- يراعى فيها التكاليف المنخفضة.
- إمكانية تطويرها وتصنيع بعض الأجزاء منها محلياً.
- أن تكون غير معقدة ومرنة حتى يمكن فهمها والتحكم بها وصيانتها.
مشكلات نقل التكنولوجيا:
عملية نقل التكنولوجيا في الدول النامية لا تتم بسهولة نظراً لوجود مشاكل وصعوبات عديدة: منها ما هو مرتبط بمالك التكنولوجيا، ومنها ما هو مرتبط بالمتلقي.
المشكلات المرتبطة بمالك التكنولوجيا:
- بسبب أهمية التكنولوجيا عمدت الدول المتقدمة إلى فرض قيود على نقل التكنولوجيا لمنع الدول الأخرى من استخدامها.
- رفع أثمان نقل التكنولوجيا.
- الشروط المجحفة التي تفرضها الدول المتقدمة على نقل التكنولوجيا تجعل المتلقي يقف حائراً ما بين تحقيق نقل التكنولوجيا وفقدان سيادته واستقلاله الاقتصادي.
- إلزام مالك التكنولوجيا المتلقي بشراء التكنولوجيا ضمن حزمة كاملة من المواد والآلات غير ذات الصلة بالتكنولوجيا المطلوبة، وهذا له آثار سلبية تنعكس في صورة زيادة التكاليف.
- عدم تقديم مالك التكنولوجيا معلومات كاملة عن التكنولوجيا المنقولة؛ وذلك لضعف الموقف التفاوضي للمتلقي.
المشكلات المرتبطة بمتلقي التكنولوجيا:
- عدم قدرة متلقي التكنولوجيا على تحديد التكنولوجيا المطلوب الحصول عليها لافتقاره إلى المعلومات الخاصة بمصادر التكنولوجيا وأساليب استخدامها، والوسائل الضرورية لتحديد التكنولوجيا الملائمة.
- انعدام التخطيط المركزي لنقل وتوطين التكنولوجيا.
- الافتقار إلى الخبرة والمهارة في مجال الهندسة والإدارة.
- ندرة المهارات والكوادر المحلية القادرة على تشغيل التكنولوجيا.
- ضعف الموقف التفاوضي لمتلقي التكنولوجيا.
عقود نقل التكنولوجيا:
أصبح نقل التكنولوجيا يحتاج إلى صيغة قانونية يعتمد عليها بين الجهات المنتجة للتكنولوجيا وتلك التي تحتاجها، وهذه الصيغة تأتي في شكل عقد يوجه أطراف الاتفاق إلى ما ينبغي القيام به عند الحاجة وعند الاختلاف حول بعض البنود.
ولا يعتبر نقلاً للتكنولوجيا مجرد شراء الآلات والمعدات ما لم يكن ذلك جزءاً من عملية نقل كاملة للتكنولوجيا.
تعريف عقد نقل التكنولوجيا:
هو اتفاق يتعهد بمقتضاه مورد التكنولوجيا بأن ينقل معلومات فنية إلى مستورد التكنولوجيا لاستخدامها واستغلالها في تشغيل وتطوير الآلات والمعدات.
سمات عقد نقل التكنولوجيا:
- إن أهمية وخصوصية عقد نقل التكنولوجيا تأتي من أهمية التكنولوجيا نفسها التي يصعب من دونها إحداث أي تقدم.
- العلاقة تكون غير متكافئة بين طرفي العقد؛ لأن المتلقي يكون في الغالب طرفاً نامياً لا يملك القدر الكافي من المعارف التي تضعه على قدم المساواة مع المورد.
- مدة تنفيذ نقل التكنولوجيا تكون فترة زمنية طويلة مما يصبغ عقد نقل التقنية بصبغة عدم الأمان.
ولذلك يمكن القول: إن أهم عوامل نجاح عملية نقل التكنولوجيا هو أن تقوم على أسس سليمة وعادلة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال عقود متكافئة وتشريعات تضمن مصلحة جميع الأطراف.
الاستنتــــــاجات:
إحدى أهم الحقائق التي برزت إلى الوجود خلال العقود الماضية هي أن التكنولوجيا أصبحت تعد العامل الأساسي الذي يحدد مستوى القدرة العلمية لأمة من الأمم، ومن ثم قدرتها على ضمان أمنها الوطني.
إن نقل التكنولوجيا لا يعدو أن يكون عاملاً مساعداً لا يمكن أن يؤدي دوره إلا في ظل شروط معينة، وهذا يعني أن الاقتصار على مجرد نقل استعمال التكنولوجيا لا يمثل سوى نقل واستعمال آلات معينة، و في حين أن النقل الحقيقي للتكنولوجيا يتعدى ذلك إلى امتلاك التكنولوجيا من خلال التأثير في العناصر المكونة لها، وبعبارة أخرى: عدم الاقتصار على استقبال واستعمال التكنولوجيا وإنما محاولة التعرف على مكوناتها وأجزائها ومتطلباتها الفنية.
- التكنولوجيا ليست سلعة تباع وتشترى كأية سلعة أخرى، بل هي نتاج تطور مجتمعي، وهي مجموعة المعارف والخبرات والمهارات.
- إن عملية نقل التكنولوجيا ليست هدفاً مرحلياً ينتهي بعد استيراد القطع والمعدات والآلات والورش و... إنما هي عملية مستمرة لتطوير الإبداع وتحقيق التفاعل بين متطلباتنا في بناء دولة حديثة التقدم العلمي من حولنا.
- نقل التكنولوجيا باعتماد أسلوب (تسليم المفتاح) هو أسلوب خاطئ؛ لأنه يحرم الكوادر الوطنية من حضور مراحل التصنيع، وذلك ما يعيق قدراتها الذاتية على التطوير.
- غياب وحدات البحث العلمي والتطوير بالدولة وعدم وجود أي تعاون فيما بينها إن وجدت.
- قدم مناهج التعليم وعدم مسايرتها للتطورات العلمية والتكنولوجيا كان له انعكاس سلبي على مستوى الموفدين لتلقي المعرفة.
- تدني مستوى خريجي المؤسسات التعليمية المحلية لعدم وجود مناهج تواكب التقدم العلمي الهائل وعدم وجود كوادر من المدرسين المؤهلين.
- عدم وجود خطط إستراتيجية واضحة يمكن على ضوئها تحديد حجم ونوع التكنولوجيا الملائمة التي يجب نقلها.
* المقال هو ملخص لورقة منشورة في المؤتمر العلمي الاول للجيش الليبي LMSC 2012.
{facebookpopup}