لم يعد احد يجهل مخاطر التلوث الكيماوي والإشعاعي والجرثومي وما يحدثه من كوارث بيئية سواء عند استخدامه فى الحروب أو أثناء تسربه من المنشآت المدنية الصناعية , والخطر الأعظم فيما لو استخدمته المنظمات الإرهابية في مناطق مكتظة بالسكان الأمنيين واللذين يفتقرون لوسائل الوقاية والحماية منه ,
ويجهلون كيفية استعمالها مع خطر المفاجأة عند استخدامه , والخطورة أعظم عند تسربه من المنشآت الصناعية الكبرى المقامة بالمدن الأهلة بالسكان وخاصة محطات إنتاج الطاقة الكهربائية المعتمدة على المفاعلات النووية أو مصانع البتر وكيماويات أوعند نقل النفايات ورميها بالبحار أو لدى الدول الفقيرة نظير رشاوى تعطى لحكامها الخونة .
ويوما بعد يوم ونحن نسمع ونرى ونلمس تعاظم دور الأسلحة الكيماوية وتزايد أخطارها، وللأسف تنافس الدول على امتلاكها وتطويرها بالرغم من محاولات عقلاء وحكماء العالم وساسته لتحريمها وتجريم استخدامها عبر المنظمات العالمية المسئولة والمنظمات الحقوقية والإنسانية، إلا أن الاختراقات لتلك المعاهدات والقوانين لا زالت سائرة محدثه إصابات بليغة ببني البشر ولأراضيه ومحاصيله الزراعية ولثروته الحيوانية .ولو استعرضنا بلغة الأرقام النتائج المذهلة لاستخدام الأسلحة الكيماوية والنووية والجرثومية تاريخيا من خلال الحروب التي قامت بين الدول قبل تحريرها لوجدنا على سبيل المثال ما يأتي:
أولا:الخسائر البشرية جراء استخدام الأسلحة الكيماوية:
تسببت المركبات السامة البسيطة والغير متطورة في الحرب العالمية الأولى فى حصد أرواح ما يفوق المليون إنسان حيث بدأها الفرنسيون باستخدام الغازات المسيلة للدموع لإيقاف زحف القوات الألمانية1914م بداية الحرب العالمية الأولى، فأتخدها الألمان ذريعة للرد على القوات الفرنسية ومفاجأتها باستخدام غاز الكلور فى مقاطعة (أيبر) البلجيكية سنة 1915 .. وذلك بإطلاق ما يزيد على 500 اسطوانة تحوى160طنا من غاز الكلور السام أودى بحياة حوالي 15000 ألف جندي خلافا لما تسببه من ذعر وخوف و فوضى في صفوف الجنود الفرنسيين، وهذه الحادثة أعدها المؤرخون كأول استخدام فعلى للمواد السامة أو ما يعرف بالسلاح الكيماوي،تلاها استخدام غاز الفوسيجين من القوات الألمانية ضد القوات الانجليزية من نفس العام، وكان هذا الغاز يخترق الأقنعة الواقية أنا ذاك متسببا في حصد أرواح عديدة إلى أن تمكن الحلفاء من اختراع أقنعة تقي منه، وفى سنة 1916 أستعمل الروس غاز كلور البكرين الذي يضطر مرتدي الأقنعة إلى خلعها لأنها تخترق تلك الأقنعة ليلقوا مصرعهم بغاز اشد سمية.في سنـة 1917 استعمل الألمـان لأول مرة غاز الخردل وبـاغتوا به قوات الحلفاء وكانت نتيجته سقوط ألاف الضحايا وصلت إلى نحو 40000 إصابة، وقد نشرت إحدى الإحصائيات إصابة القوات خلال الحرب العالمية الأولى بين الدول المتحاربة و كانت كالتالي1. 275000 إصابة بين القوات الروسية.2. 190000 إصابة بين القوات الفرنسية3. 181000 إصابة بين القوات الانجليزية.4. 78000 إصابة بين القوات الألمانية.5. 10000 إصابة بين القوات الأمريكية.
وهذه النتائج المذهلة هي التي اضطرت ساسة العالم وحكمائه إلى الاجتماع ومناقشة فضائع و كوارث استخدام الأسلحة الكيماوية في الحروب والى ضرورة تحريمها عبر قوانين ومعاهدات دولية ..ابتدأت باتفاقية جينيف سنة 1925 و مؤتمر نزع السلاح سنة 1931، وصولا إلى إنشاء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (( organization for the prohibition of chemical weapons )) والتي يرمز لها بي OPCW، التي تعنى بنزع السلاح الكيماوي والحيلولة دون استخدامه من كل دول العالم، ولو لم يقرر الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية عدم استخدام الأسلحة الكيماوية إلا في حالات الرد على قوات المحور لكانت النتائج رهيبة ولفاقت نتائج الحرب العالمية الأولى نظرا للتطور العلمي في صناعتها وما تتميز به من.
مميزات أسلحة الدمار الشامل:
1. رخص تكاليف إنتاجها مقارنة بالأسلحة التقليدية.
2. إمكان استعمالها جنب إلى جنب مع أنواع الأسلحة الأخرى.
3. سهولة انتشارها وتأثيرها على كل القوات وذلك باستغلالها للهواء فى الانتشار وعلى عوامل الطقص البارد فى طول مدة البقا.4. النتائج السريعة والرهيبة التي تحدثها والتى تؤدى إلى فوضى وهلع بين صفوف المقاتلين مما يزيد من تأثيرها التدميري في الجنود والسكان والحيوانات والبيئة عموما , فلو قدر استعمال غازات الأعصاب السامة المميتة حال التعرض لها والتي نجح العلماء الألمان في اكتشافها مثل غاز التابون سن 1936، وغاز الزارين سنة 1938، وغاز الزومان سنة 1944، وهى سلسلة من غازات الأعصاب تؤدى إلى شلل في الجهاز العصبي لدى الإنسان في غضون دقائق إن لم تكن ثوان، وقد وجدت مخزونات ضخمة لدى الألمان من غازات الأعصاب عند انتهاء الحرب العالمية الثانية .ومع ذلك فقد لاحظ العالم اختراقات كثيرة لقرارات الأمم المتحدة وخرق واضح لاتفاقيات جينيف التي تحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل والتي أذهلت العالم وتسببت فى هزيمة اليابان واستسلامها في الحرب العالمية الثانية هو استخدام أميركا للقنبلة الذرية على مدينتي (هوريشيما ، وناجازاكى) سنة 1945، وما لحق بهاتين المدينتين من دمار وحرائق أتت على البنية التحتية كاملة، وحصدت أرواح بشرية هائلة، ولا زالت أثارها حتى ألان في الأجنة والمواليد حيث لحقت بهم تشوهات خلقية سواء بالإنسان أو الحيوان، ناهيك عن عدم صلاحية الاراضى للزراعة ولا للحياة عليها ولمساحات شاسعة جدا.
وهذا ما يضطرنا إلى عدم الاطمئنان الكامل للمواثيق الدولية والاعتماد عليها لعدم التعرض لأثار المواد الكيماوية والنووية والجرثومية، بل يتوجب علينا زيادة التركيز على هذا السلاح والاهتمام بدراسته للوقاية منه بسرعة اكتشافه و تطهير اثاره لحماية أنفسنا وثرواتنا الحيوانية والزراعية خاصة عند النظر الى حجم وعدد الاختراقات الدولية من بعض الدول للمعاهدات الدولية ومنها :
أهم الاختراقات الدولية لمعاهدات منـع استخدام الأسلحة الكيميائية:
1.استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للمواد السامة خاصة المعروفة تحت اسم CS^¹ ، والتي أصابت حوالي 2 مليون نسمة من الفيتناميين أثناء حربها ضد فيتنام سنوات 1965 - 1971 .
2.قصف القوات الفيتنامية بكميات زادت عن 50000 طن من مادة النابالم الحارقة لمسح مئات الآلاف من الهكتارات من الغابات التي لجأ إليها الجنود الفيتناميين.
3.قيام إسرائيل بقصف أهداف عسكرية ومدنية بمادة النبالم بحربها مع العرب سنة 1967 .
4.استخدام إسرائيل قذائف فسفورية سنة 1982 ضد اللاجئين الفلسطينيين والسكان اللبنانيين.
5. استخدام القوات العراقية للمواد السامة على سكان مدينة الحلابشة في تسعينيات القرن الماضي.
6. تهديد كوريا الشمالية للعالم باستخدام الأسلحة النووية إذاما تعرضت للهجوم عليها.
7. سعى إيران وغيرها لامتلاك السلاح النووي والضغوطات الدوليه عليها بشأن ترك مساعيها بامتلاك هذا السلاح وما يضطرنا أكثر بالاهتمام بهذا السلاح هو الخطورة من انتشاره عبر المنظمات الإرهابية وخاصة في الدول التي تمتلكه وتعاني فوضى أمنية مثل ليبيا ألان والتي بها كميات تفوق عشرة أطنان من مادة الخردل، أو كما حصل في اليابان عند استخدامه عبر الانفاق من قبل مجموعات إرهابية منذ بضع سنوات.
أما في الجانب السلمي :
فأن المنشات المدنية الصناعية التي تدخل المواد الكيماوية في صناعاتها مثل مصانع البتروكيماويات و التي منها مجمع أبو كماش و مصانع الميثانول بالبريقة، ومصانع الصابون و مصانع البلاستيك والمصافي النفطية وغيرها، رغم وجود إجراءات السلامة بها إلا أنها لا تكفي للحيلولة دون انتشار المواد السامة عند تسربها أو تعرضها للتدمير أو الحرائق والخطورة الأكبر فيما لو أقيمت محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية بالاعتماد علي المفعلات النووية وخير مثال لنا هو تسرب الإشعاع النووي من محطة تشرنوبيل بالاتحاد السوفيتي سابقا سنة 1986 م والخسائر البشرية والحيوانية والزراعية التي لحقت بالمدن المجاورة من خلال تنقل المواد الإشعاعية بواسطة الرياح و عوامل الطقس رغم الجهود التي بذلت لمنع انتشار الإشعاعات ولا زالت الآثار في مشتقات الألبان وبعض الفواكه التي تنتج بدولة أوكرانيا وروسيا وبعض الدول المجاورة، وأخيرا ما حدث باليابان سنة 2011 عندما تعرضت اليابان لزلازل قوية وفيضانات تسببت في حدوث إضرار بمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية و مدى الخوف و الهلع من تسرب المواد المشعة والتي على أثرها بادرت العديد من الدول في التفكير بقفل تلك المحطات والبحث عن بدائل لإنتاج الطاقة الكهربائية بدل إنتاجها بمفاعلات نووية مثل استغلال الطاقة الشمسية لما سبق ذكره من الكوارث البيئية والخسائر البشرية من جراء استخدام أسلحة التدمير الشامل في الحروب أو من خلال تسربها من المنشات الصناعية المدنية والعسكرية فأنه يتوجب علينا وخاصة على المختصين أو بالأحرى على صنف الوقاية الكيماوية بالجيش الليبي هو:
1. التركيز على دراسة هذا السلاح وعلى أثاره التدميرية.
2. التدريب الجيد علي وسائل الحماية والوقاية الفردية والجماعية وعلى طرق اكتشافه و تطهيره وإزالة أثاره.
3.الحصول علي أحدث الأنظمة والأجهزة والمعدات من الدول المتقدمة مثل بريطانيا وألمانيا و أمريكا في مجال الكشف المبكر للمواد السامة والمشعة , وكذلك الحصول على وسائل الوقاية و محاليل و معدات التطهير وبشكل محدد ولمواكبة التطور باستمرار دون تكديس المعدات وإهدار المال العام .
4. ربط الصلة جيدا مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وحضور المؤتمرات والندوات والمشاركة في الدورات التي تعقد بهذا المجال.
5. إرسال الضباط والمراتب في دورات تدريبية إلى الدول المتقدمة في مجال أسلحة التدمير الشامل مع محاولة المشاركة فى تمرينات عمليه معهم لا كتساب الخبرة.
6. الاهتمام بمراكز التدريب العملى وعلى كيفية كشف المواد السامة وعلى كيفية الوقاية منها وتطهير المعدات والإغراض والأراضي من المواد السامة والمشعة.
7. زيارة المعارض الدولية التي تقام بالدول المتقدمة للوقوف على أحدث الأنظمة والأجهزة والمعدات في مجال الكشف والتطهير و الوقاية من استخدام المواد السامة والمشعة أو عند تسربها من المنشات الصناعية.وكل هذه الإجراءات يسبقها تنظيم إداري محكم تتاح فيه الفرصة لكل وطني غيور علي مصلحة بلاده ووضع الفرد المناسب في المكان المناسب والاهتمام بالنـواحي المعنوية للأفراد وتحقيق العدل والمساواة فيما بينهم وحثهم علي روح الفداء والتضـحية والعمل بكل وطنية ورعاية من المستويات الأعلى للجيش الليبي حتى تتحقق مهامنا، وواجباتنا في تـوفيـر الحمايـة والوقايـة من أخـطـر أنـواع الأسلـحة القتالية والأشـد فتكا سواء في الحرب أو في السلم من خلال المنشات الصناعية بعد حصرها وزيارتها والتنسيق معها ومع إدارات السلامة بها ومع إدارة الأزمات والطوارئ لتحديد الواجبات والأسـاليـب للتعامل مع أى أزمة أو كارثة طبيعية أو صناعية ينتج عنها تسرب للمواد الكيـماويـة وذلك بتجهيز و إعداد الخطط مسبقا للتعامل مع أي أزمة .
حفظ الله ليبيا .. ودامت حرة أبية
{facebookpopup}