تحتل بلادنا ليبيا مركزاً إستراتيجياُ ممتازاً يعرفه ويشعر بأهميته كل من درس التاريخ القديم والحديث، وتشكل ليبيا قوة اقتصادية وقوة إستراتيجية لا يستهان بها في السياسة العالمية سواء أكان ذلك في زمن السلم أم زمن الحرب بنوعيتها الباردة والساخنة،
وتتمثل هذه القوة وتبلغ ذروتها في وحدة أراضيها وتلاحم قبائلها من الشرق إلي الغرب ومن الشمال إلي الجنوب؛ لأن هذه الوحدة قادرة على خلق قوة فكرية واقتصادية هائلة متكاملة تفرض وجودها على الصعيد العربي والإفريقي والعالمي في سبيل السلم والاستقرار وتحقيق التقدم ورفاهية الشعوب.
ولقد تجاهل النظام المنهار هذه الحقيقة، وتجاهل قوة الشعب الليبي، وركز كل تلك المقومات من أجل طموحات فردية لتحقيق الشهرة، وضيع فترة تزيد عن 40 سنة كان بالإمكان خلالها خلق دولة علمية حضارية متطورة تنافس الدول الكبرى في الاقتصاد والسياسة والعلم، ويكون لها دور بارز في الحياة السياسية ورسم سياسة العالم وفرض وجودها في ظل دولة حضارية حديثة تقوم على مبادئ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات، وتحظى باحترام العالم أجمع.
لقد شهدت ليبيا أروع صورة خلال تاريخها شهد لها العالم جميعاً حيث عبر الشعب الليبي عن حضارته وثقافته وأصالته التاريخية التي استمدها من ديننا الإسلامي الحنيف، وهي النجاح المميز لانتخابات المؤتمر الوطني العام حيث كان تعاطي المواطن الليبي مع حدث الانتخابات في أرقى صوره وخاصة أن المواطن الليبي غيب طيلة اثنين وأربعين عاماً عن مثل هذه الممارسات الديمقراطية وعن ممارسة أي حق للتعبير؛ ولذا كان الحرص كبيراً جداً لأجل إنجاح الانتخابات، فنجاح الانتخابات بالنسبة للمواطن الليبي هو أكبر دليل على نجاح الثورة وبداية السير في الطريق الصحيح إلى قيام الدولة.
أما فيما يتعلق بدور الجيش فكلنا نعلم أن الجيش كان مهمشاً بصورة ممنهجة، وتم الزج به في مغامرات بعيدة عن المنطق وبعيدة عن التخطيط الجيد والمدروس، فقد تم استبداله بقوات أمنية صغيرة لا تمت للشعب الليبي بصلة، همها الأول والأخير هو حماية القذافي وأسرته، ولم يعمل القذافي على تهميش الجيش فقط، بل عمل على تدميره لخوفه من ذلك الجيش الأبي طيلة فترة حكمه خوفاً من الانقلابات، وخوفاً من قيام ثورات داخل الجيش، وقد كانت هناك محاولات عديدة كتب لها الفشل بفعل المؤامرات والدسائس والخونة والمندسين والأجهزة الأمنية الكبيرة التي كانت تعمل داخل مؤسسة الجيش، وباءت كل المحاولات بالفشل، وقام النظام بإعدام كل من قام بمحاولة أو دخل في تنظيم معادى له، وكانت العقوبات قاسية جداً، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث قام باحتقار الجيش، وعمل على إيقاع الخسائر الكثيرة به من خلال المغامرات غير المدروسة وحروبه السيئة والظالمة التي خطط لها بغباء، ونسب ذلك إلى الجيش علماً أن الجيش في ذلك الوقت منه براء.
إن الأزمة التي مرت بها بلادنا قبل قيام الدولة والتي ما زلنا نعاني منها تتمثل في تحطم منشآت الدولة وحالة الفوضى العارمة في كل مكان وانتشار المليشيات المسلحة، وتردي الأوضاع حيث لا فضيلة ولا منهج أخلاقي وحيث تسود السلبية المطلقة.
ففي هذه الحالة يجب التعامل مع الأوضاع الحالية بمنطق القوة والإرادة لقيام الدولة حتى نبعث من جديد؛ لذلك لا بد من الاحتياج إلى المواطن الصالح والرجل الشريف؛ حتى يتغلب على الاستبداد والظلم وإبعاد عقلية الرجل العظيم وحتى تصبح غير فاعلة في الدولة وتبقى هناك فضيلة واحدة ضرورية تلك هي فضيلة المواطن الصالح والرجل الشريف، وتزول حالة الطبيعة لتحل محلها حالة العقل، وتسود الإرادة العامة بفضل وساطة الدولة، وفي هذه الحالة يكون للجيش الدور الكبير والبارز في تحقيق قيام الدولة من خلال واجباته ووظائفه واستعداده الدائم من أجل ليبيا ومستقبلها والإسهام في بناء الدولة التى نطمح لها جميعاً وهذا يتطلب العمل الدؤوب والصبر معاً.
وأن نحافظ دائماً على أن تكون همتنا عالية، ومسؤليتنا تحتم علينا أن تكون أصابعنا على الزناد وأن نكون مستعدين ومتيقظين دائماً للمواجهة ولكل من تسول له نفسه أن يعبث بأمن ليبيا واستقرارها ومستقبلها، ويذكرني قول الشاعر:
كم تظامون ولستم تشتكون، وكم تستغضبون فلا يبد لكم غضب؛ لذلك لا بد من وضع دستور ينظم العلاقة المتبادلة بين أجهزة الحكم فيها، ويحدد مجال الاختصاص الوظيفي المسند إلى كل واحدة من سلطاتها العامة، ومن هنا فإن الدستور أو ما يطلق عليه أحياناً القانون الأساسي هو الذي يرسي دعائم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين في إطار من الشرعية القانونية التي تحاسب كل الدول ذات الأنظمة الديمقراطية عليها.
وكما يقول أساتذة النظم السياسية فإن الهدف الأصلي لأي دستور حكم هو المساعدة على توفير نظام متكامل من الضوابط القانونية التي بإمكانها أن توقف أي مظهر من مظاهر الممارسة الاستبدادية أو التحكمية للسلطة، وتكون وسيلته إلى ذلك تحديد الإجراءات والتدابير القانونية والسياسية التي يمكن بواسطتها معاقبة أي انتهاك للمعاني الأساسية التي يحرص الدستور على تأكيدها ودفع الجميع حاكمين ومحكومين إلى احترامها والتقيد بها.
إن الإعداد الجيد للدساتير يقتضي توافر العديد من المتطلبات الأساسية التي يمكن إيجازها في الآتي:
1. يجب أن يكون الدستور محدداً في نصوصه وأحكامه، كما أن صياغة هذه النصوص والأحكام يجب أن تكون على أعلى درجة ممكنة من الوضوح تجنباً للتضارب في تفسيرها.
2. يجب أن يتصف الدستور بالشمول، بمعنى أنه يجب أن يغطي دائرة المسؤولية الحكومية بأكملها من تنظيم وعلاقات متبادلة ....إلخ.
كما أن الدستور يجب أن يتضمن تحديداً واضحاً للمبادئ التي ترتكز عليها ممارسة السلطة السياسية في الدولة.
ولكن ليس معنى الشمول أن الدستور يتناول سرد التفاصيل، بل يجب أن يقتصد فيها إلى أبعد حد ممكن؛ لأن التفاصيل الكثيرة هي متاهات تضيع في زحمتها المعاني الكبيرة التي يحاول الدستور تأكيدها.
3. إن الدستور الجيد هو الذي يحاول أن يحمي الحقوق والحريات السياسية في المجتمع في إطار نظام متكامل من الضوابط والضمانات، وهذه الحقيقة تعتبر من أقوى الأسباب التي تجعل الشعوب تدافع عن دساتيرها وتتمسك بها في أي محاولة للعبث بها أو الإساءة إليها.
4. إن الدستور الجيد هو الذي يحدد -بكل حسم- الإجراءات التي تتبع في تعديله؛ حتى لا يؤدي غموض هذا الجانب بالحكام إلى التلاعب بالدستور في الاتجاه الذي يلتقي مع أهوائهم بغض النظر عما تستوجبه ضرورات الصالح العام.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو:
هل تنجح الديمقراطية في العالم النامي؟
يعتقد الكثيرون أن الديمقراطية هي الرد على مشاكل العالم المتخلف، وأن الحكومة الديمقراطية هي أفضل أنواع الحكم في العالم إلا أن الديمقراطية ليس الدواء السحري الذي يشفي من هذه الأمراض في لمحة بصر، فكثير من بلاد العالم المتخلف ومن ضمنها بلادنا قبع تحت الظلم والاستبداد، وكانت نتيجتها التخلف وعدم المعرفة أو الإلمام بالتقاليد السياسية الضرورية لنجاح الديمقراطية حيث عاشت البلاد في تلك الحقبة التاريخية وكانت مخلفاتها الكراهية العرقية والانقسامات وحتى الخصومات القبلية التي تسبب الإحباط لأكثر دعاة الديمقراطية حماسة.
إن الاستعداد لتقبل حلول الوسط وكذلك قبول الهزيمة في الانتخابات ليس من طبائع البشر في كل مكان، وكثيرمن وجوه السياسة البارزين ما زالوا يؤمنون بمقولة ماو إتسي تونغ: (إن السلطة السياسية تأتي من فوهة البنادق)؛ لذلك أحذر المؤسسة العسكرية من الخوض في السياسة أو الانحياز لأي من السياسيين أو الأحزاب السياسية أو القيام بأي عمل من شأنه الإساءة إلى جيشنا الوطني، وعليه الوقوف على مسافة واحدة من جميع الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية أو الاقتصادية والامتثال لأوامر قيادته العسكرية فقط والتي بدورها تستمد التوجيهات والتعليمات من القيادة السياسية، ويكون دور جيشنا البطل هو الدفاع عن تراب الوطن وحدوده وكذلك الدفاع عن الشرعية المتمثلة في الدولة الليبية ونوع الحكم الذي ارتضاه شعبنا من خلال استفتائه وانتخاباته ومن خلال الدستور الذي تم وضعه من لجان متخصصة، وتم الاستفتاء عليه من كل الشعب.
ولكي يكون للجيش الوطني دور بارز في حماية الديمقراطية الحقيقية والمكاسب التي تحققت بفعل ثورة 17 فبراير ولغرض حماية الدستور الذي يحمي حقوق الشعب ضد أي اعتداء قد يقع عليه من جانب الحاكم؛ لذلك لا بد من تحقيق استقلالية الجيش بصورة عملية مرضية، وذلك بتوفير الإمكانيات والمتطلبات التي يلزم توفيرها؛ حتى يتحرر من كافة الضغوط والمؤثرات السالبة التي يمكن أن تعوقه عن أداء مهامه وواجباته على أكمل وجه.
ومن هنا يصبح مبدأ استقلال الجيش من أهم المبادئ التي تحرص الدول الديمقراطية على توفيرها، وتهيئ له الضمانات الفعالة ما يجعله حقيقة واقعة فارضاً وجوده على جميع المستويات وفي كل الحالات، وليس مجرد شعار كما هو الحال حالياً، وحتى يتحقق استقلال الجيش الوطني هناك عدة اعتبارات مهمة يجب مراعاتها، وهي:
1. اختيار أسلم الطرق في اختيار قادته وآمريه.
2. ضرورة أن تكون المرتبات التي تمنحها الدولة للجيش كافية للرفع من معنوياته.
3. تجهيز وإعداد الجيش تجهيزاً حديثاً وتدريبه تدريباً راقياً؛ لكي يكون جيشاً عصرياً متقدماً لديه التجهيزات والإمكانيات اللازمة.
4. تنظيم الجيش تنظيماً جيداً وفق هيكلية مبنية على الأقدمية والخبرة والكفاءة.
5. إخضاع الثوار المنضمين للجيش لتدريب جيد ومتكامل وفعال مبني على الضبط والربط وطاعة الأوامر العسكرية.
6. تفعيل الجيش وتجهيز المباني العسكرية وخاصة المقرات وساحات التدريب وميادين الرماية، وإقامة الدورات التخصصية الداخلية والخارجية.
7. الاهتمام بالمؤسسات التعليمية بإنشاء كليات ومدارس عسكرية وإمدادها بطواقم تدريب متخصصة ذات كفاءة والاستعانة بالخبرات الأجنبية الصديقة لتنفيذ ذلك؛ حتى يتسنى لنا بناء جيش عصري قوي لديه التجهيزات والإمكانيات، ويكون ولاؤه لله أولاً ثم الوطن.
لا بد من وضع خطط أمنية دفاعية لمواجهة كل التحديات التي تحدق بنا تقوم على نظام صارم وتخطيط إستراتيجي كامل، وهذا لا يتأتي إلا باختيار عناصر ذات كفاءة عالية ومؤهلة وخبرة طويلة في التخطيط والقيادة والسيطرة تتوفر فيها الثقة والإيمان.