النزاعات والحروب صفة بارزة في العلاقات الدولية ، فلقد أثبتت الإحصائيات أن هناك13 سنة من الحرب مقابل كل سنة من السلام وقد أهتم المفكرون طيلة الستين سنة الماضية وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية ،
بدراسة الحروب والنزاعات و أسباب إندلاعها وإنتشارها إلى هذه الدرجة المفزعة والرهيبة،سواءٌ كانــت حروبـاً طويلـة أو حروبـاً خاطـفة لا تدوم إلاَّ أيامـاً أو أسابيـع معـدودة وهناك من يعتقد أن الحروب ضرورية لحل النزاعات وهناك من يرى العكس ولكن الشئ الأكيد الذي يتفق عليه الجميع هو أن النزاعات والحروب ما هي إلاَّ كـوارث إنسانيـة مروعـة ، وكـما هو معـروف إن أســـباب إندلاعـها متنوعــة ومتجـددة ولكـن إذا نظرنـا إلـى الحـرب مـن زواياهــا المتعددة سـواء كانـت إجتماعيــة أو أخلاقيـة أو سياسيـة أو عسكريـة أو تاريخية فأنها جميعاً تعطي نفس الإستنتاج وتصل دائماً إلى نفس المحطة وهي المآسي والالآم والكوارث ، ومن هذا المنطلق شرعنا منذ العدد الأول من مجلة المسلح في إبراز الأحداث الدامية التي سببتها الحروب والنزاعات خلال القرن العشرين حتى يتعرف القارئ الكريم وبصورة مبسطة ومختصرة على أهم الأحداث الحربية خلال القرن الماضي ، وفي هذا العدد نتناول أحداث أخرى وهي الحروب الهندية الباكستانية سنوات (1947 - 1965 - 1971 ) ونأمل أن نكون موفقين في عرضها وتحليلها .
الحـــروب الهنديــة الباكستانيـة
منـذ تقيـم الهنـد في عام 1947 والمواجهة العسكرية بين الهند وباكستان مستمرة وتتجدد من حين لأخر وتسبب هذا الصراع الأسيوي في تكبد الجانبين الكثير من الخسائر ، ولم تتغير مواقف وقناعات البلدين رغم التدخلات الكثيرة التي حاولت تقريب وجـهات النـظر، ومـا زال الخـلاف حـول العديد من المواضيع عالقاً بينهما .
لقد خاضت الهند والباكستان ثلاث حروب شاملة، أنتهت الأولى بتقسيم كشمير عام 1949، ولم تستطيع الحرب الثانية عام 1965 تغيير الوضع القائم ، ولكن الحرب الثالثة عام 1971 تسببت في تقسيم الباكستان نفسها إلى دولتين بعد إنفصال الباكستان الشرقية وتأسيس جمهورية بنغلاديش.
الحرب الأولى 1947/ 1948
أندلعت الحرب الهندية الباكستانية الأولى عامي 1947 و 1948 والسبب الرئيسي لإندلاعها هي قضية كشمير لأن كل من الطرفين رغب في بسط سيطرته على هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة ، وعند نهاية الحرب الأولى بين الدولتين كانت كشمير مقسمة جزءٌ في الهند وهو ما بات يعرف بولاية جامو وكشمير ، وجزءٌ في الباكستان والذي أصبح يعرف بآزاد كشمير أي "كشمير الحرة"أندلعت الحرب في 17 من شهر يونيو 1947 حينما أصدر البرلمان البريطاني القانون الخاص بإستقلال وتقسيم الهند ومنح الإمارات والولايات الحق في الانضمام إما إلى الهند أو إلى باكستان، وبهذا أنضمت معظم الولايات إلى أحد الجانبين إلا ثلاث ولايات كان من بينها ولاية جامو وكشمير إذ تردد حاكمها هاري سينغ في تنفيذ القانون البريطاني، الأمر الذي دفع الكشميريين المسلمين في مقاطعة "بونش" الواقعة في الجزء الأوسط الغربي للقيام بثورة مسلحة ساعدتمهم فيها الباكستان، وأعلن الثوار إقامة أول حكومة لـ "آزاد كشميــــر" أو كشمير الحرة ، وفي في شهر أغسطس رد الهندوس المتعصبون بأعمال عدوانية ضد السكان المسلمين في جامو والتي كان أغلب سكانها من المسلمين قبل أن تتحول إلى أقلية بعد المذابح الجماعية التي وقعت لهم وقد أستشهد في هذه المدابح حوالي 200 ألف مسلم وفرالكثير منهم إلى منطقة "آزاد كشمير". وفي 23 من شهر أكتوبر دخل إلى كشمير مجاهدون من قبائل الباتان الواقعة شمال غرب الباكستان للدفاع عن إخوانهم المسلمين الذين يتعرضون للمدابح من قبل الهندوس.
وهنا طلب هندوس كشمير المساعدة من الهند وبالفعل أستجابت الهند لمطلبهم ولكن بشرط أن تنظم الولاية إلى الدولة الهندية .
أعلنت الهند إنضمام جامو وكشمير إليها في 27 من شهر أكتوبر وأمرت قواتها النظامية بالتدخل المباشر في هذا النزاع.
فـي نـفس اليـوم رد الحاكـم الـعام لباكستان محمـد عـلي جنـاح على التدخـل الهنـدي بإصدار أوامره إلى الجنرال "جراسي" القائد البريطاني المؤقت للقوات الباكستانية لإرسال قوات باكستانية إلى كشمير، خلال شهر نوفمبر ، أجتمع الحاكم العام للهند اللورد "مونباتن" بعد أعتذار رئيس الوزراء الهندي نهرو بسبب مرض ألـم بـه ، مـع محـمد علـي جنـاح في أول مباحثات هندية باكستانية بشأن كشمير وقدمت الباكستان في هذا الإجتماع إقتراحاً يدعو إلى وقف إطلاق النار وسحب القوات الهندية ورجال القبائل الباكستانيين في وقت واحد من أراضي ولاية جامو وكشمير على أن تتولـى الهنـد والباكسـتان إدارة الولايـة ويجرى إستفتاء تحت إشراف البلدين .
رفضـت الهنـد هـذه المقترحـات، وأستمـر القتال بين الطرفين طوال فصلي الشتاء والربيع من عام 1948 ، وفي أواخر شهر مارس دخلت القوات النظامية الباكستانية رسمياً في القتال.
في شهر أكانون الثاني تقدمت الهند بإحتجاج رسمي للأمم المتحدة على ما أسمته بالاعتداء الباكستاني على أراض أنضمت إلى الهند .
في شهر مايو تمكنت القوات الباكستانية من تحقيق بعض الإنتصارات العسكرية وكان دفاعها بطولياً على قطاع "مظفر آباد" مما أضطر القوات الهندية للتوقف وبذلك أصبح القتال متقطعاً وغلب على النزاع تحرك النشاط الدبلوماسي للدولتين في أروقة الأمم المتحدة.
توقف إطلاق النار بين الدولتين بعد وساطة الأمم المتحدة، وأصبح وقف إطلاق النار ساري المفعول في الأول من شهر يناير من عام 1949، وبفعل هذه الأحداث أنقسمت كشمير إلى شطرين الأول خاضع للسيادة الهندية ويسمى جامو وكشمير وعاصمته سرينغار، والثاني تسيطر عليه باكستان وعاصمته مظفر آباد.
وهدأت الأوضاع نسبياً على الحدود ولكن هذا الهدوء هو ما يطلق عليه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، كما يقولون .
الحرب الثانية 1965
خـلال عامـي 1963 و1964 سـاد التوتـر و أزداد إضطراب الوضع بين البلدين بصورة خطيرة بعد أحداث دامية بين الهندوس والمسلمين في كشمير، إلى أن وصلت الأزمة إلى حافة الحرب الشاملة في شهر ديسمبر من عام 1964 بعد إعلان الهند إغلاق باب التسوية السياسية مما كان له الأثر ، في تفجر الأوضاع التي أدت إلى الحرب عام 1965.
كان النزاع على منطقة "ران كوتش" هو بداية شرارة الحرب الثانية بين الهند والباكستان كان ذلك في الأول من شهر يناير 1965 وران كوتش تعني في اللغة الهندية أرض المستنقعات، وهي منطقة ليس لها قيمة إستراتيجية أو إقتصادية، ولكن أشتد النزاع عليها من باب فرض السيطرة وتأكيد السيادة ، وتكررت المناوشات في مناطق أخرى ساهمت في إندلاع الحرب ويمكن تلخيص سير الأحداث على النحو التالي:
[] يوم 4 ، 5 من شهر أبريل أتسع الهجوم الهندي من منطقة ران كوتش إلى مواقع باكستانية في أقصى الشمال الغربي لكشمير، وتكرر الهجوم مرتين ، ولكن القوات الباكستانية تمكنت من صد الهجومين.
[] يوم 9 تغير موقف القوات الباكستانية من الدور الدفاعي إلى الهجوم، فقامت بهجوم على بلدة "سردار بوست" بجوار قلعة "كنجاركوت" ونجحت في الاستيلاء على المواقع ، مما أجبر القوات الهندية على التراجع تاركة بعضاً من عتادها.
[] يوم 24 توسعت القوات الباكستانية في هجماتها على المواقع الهندية وبخاصة بين بلدة "شدبت" وبلدة "بياربت" مستخدمة بعض الأسلحة الأميركية والدبابات للمرة الأولى ، و حاولت الهند إستعادة هذه الأماكن التي استولت عليها القوات الباكستانية لكنها لم تستطع.
[] يوم 8 من شهر مايو حشدت الهند قواتها في البنجاب ودعمتها بالمدرعات وأتخذت أوضاعا هجومية، وعلى أثر ذلك تقدمت الباكستان بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن.
[] في 30 من شهر يونيو نجحت وساطة دولية قام بها رئيس وزراء بريطانيا هارولد ولسن في تخفيف حدة التوتر والتوصل إلى إتفاق نص على وقف إطلاق النار في ران كوتش وإنسحاب الحشود العسكرية في البنجاب إلى الخلف والعودة إلى حالة ما قبل الحرب.
[] في الأول شهر سبتمبر شنت القوات الباكستانية هجوماً قوياً في منطقة "شامب" جنوب غرب كشمير أستخدمت فيه المدرعات ، وأستطاع هذا الهجوم دفع القوات الهنديـة إلـى الخلـف ، وتمكنـت القـوات الباكستانية من الإستيلاء على مدينة "أخانور" التي تبعد مسافة حوالي 20 ميلاً داخل الأراضي الهندية.
[] في الثالث من شهر أتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً دعا فيه الهند وباكستان إلى وقف الحرب فوراً وأحترام خط وقف إطلاق النار والإنسحاب الكامل والتعاون مع المراقبين العسكريين للأمم المتحدة في الهند والباكستان للإشراف على مراقبة وقف إطلاق النار.
[] في اليوم السادس لشهر سبتمبر، خرقت الهند القرار الأممي وشنت هجوماً واسع النطاق على الجبهة الغربية بأكملها وبخاصة في منطقة البنجاب ومدينتي لاهور وسيالكوت.
[] في 9 من الشهر نفسه قام السكرتير العام للأمم المتحدة بزيارة للهند والباكستان محاولاً دعم القرار الأممي وإقناع الأطراف المتحاربة إلى وقف الحرب بين ولكنه فشل في هذه المحاولة ، وعاد من الهند وباكستان دون أن تسفر جهوده عن شيء.
وفي غضون ذلك وجهت الصين إنذارا شديدا إلى الهند وهددتها بالاشتراك الفعلي في الحرب إذا لم تستجب لنداءات المجتمع الدولي بوقف الحرب، لكن الولايات المتحدة رفضت هـذا الإنـذار قائلـة "إن الصيـن لا يمكنـها أن تهاجم الهند دون أن تتعرض للردع الأميركي".
[] في اليوم العشرين من الشهر نفسه عاد مجلس الأمن وأصدر قراراً جديداً بوقف إطلاق النار ودعى لإنسحاب قوات البلدين إلى ما قبل الخامس من شهر أغسطس ، وقبلت الدولتان هذا القرار والذي أصبح سارياً أعتباراً من يوم 23 من شهر سبتمبر1965.
نتائج الحرب
توقفت الحرب بين البلدين بعد مباحثات سـلام تمـت برعايـة الاتـحاد السوفياتــي (السابق) في العاصمة الأوزبكية طشقند في شهر يناير من عام 1966 والتي أسفرت عن التوقيع على "اتفاقية طشقند".
ومـن هـذه الأحــداث يستنتـج أن أي معاهــــدة سـلام بيـن البلديـن تعتبـر معاهـدة هــشة ولا يمكن التعويل عليها ، وما دامت قضية كشمير لم تحل يمكن أن تستدرج الدولتين إلى حرب شاملة في أي وقت ، مالم تحل كل القضايا العالقة بينهما ، وهذا الذي حصل عام 1971 فإن نفس المشكلة هي التي فجرت الأوضاع مرة أخرى .
الحرب الثالثة 1971
الحـرب الهنديـة الباكستانيـة الثالثة 1971 أو ما يطلق عليها الحرب الخاطفة إذ أنها لم تستمر إلاَّ إسبوعين ومن نتائجها فصل باكستان الشرقية عن الغربية وقيام ما يعرف اليوم بجمهورية بنجلاديش.
في الثالث والعشرين من شهر نوفمبـر مـن عـام 1971 أعلـن الرئيـس الباكستاني يحيى خان حالة الطوارئ عقب هجوم هندي على حدود بلاده .
وفي الأول من شهر ديسمبر قطعت الهند وبمساعدة مـن " الموكيتـي باهييني" (أي محاربوا بنجلاديش) خطوط السكك الحديدية بين العاصمة داكا وخولنا وشيتا كونغ الميناءين الرئيسيين على خليج
البنغال وكوميلا قرب الحدود الشرقية، وفي اليوم الثاني شنت القوات الجوية الهندية ضربـات مركـزة أستهـدفت مـطارات باكستانية ، وأستمر القصف طوال يومين حتى دُمرت معظم الطائرات الباكستانية وفرضت الهند سيطرتها الجوية في سماء باكستان الشرقية.
فـي اليـوم الخامـس مـن شـهر ديسمبر أغرقت القوات البحريـة الهنديـة المدمرخيبر والمدمرة شاه جيهان وأغرقت أيضاً غواصة باكستانية على متنها ثمانون بحاراً في خليج البنغال وفي اليوم التالي ضربت بلدة "جيسور" تمهيداً لكي تكون جاهزة لإستقبال حكومة بنجلاديش بعد عودتها من منفاها بكلكتا وبهذا أنقسم إقليم شيتـا كونـغ إلـى شطريـن ، كما تمكنـت القـوات البحريـة الهنديـة من أسر السفينتين الباكستانيتين "مينيلوف" و"مينيليدي".
ومع هذه الإنكسارات المتكررة للقوات الباكستانية أمر الجنرال نيازي قائد القوات الباكستانية الشرقية قواته بالانسحاب العام وفي هذا الوقت حاول مجلس الأمن الدولي فـي اليـوم نفـسه وللمـرة الثانيـة خلال 24 ساعة إستصدار قرار يدعو الهند وباكستان إلى وقف إطلاق النار وإنسحاب قوات البلدين من أراضي الطرف الآخر، لكن الاتحاد السوفياتي ( السابق ) حال دون ذلك بإستعماله حق النقض "الفيتو".
وكـان هـذا "الفيتـو" بعـدما رفـض المجـلس مشروع قرار سوفياتي يتضمن دعوة باكستان لوقف أعمال العنف في باكستان الشرقية.
أحيلت القضية برمتها إلى الجمعية العامة للأمـم المتحـدة فـي يـوم 8 من نفس الشهرحيث لا تتمتع أي من الدول بحق النقض، وأصدرت الجمعية العامة للأمـم المتحـدة قراراً بعد 24 ساعة يفرض على الهند وباكستان وقف إطلاق النار الفوري وسحب القوات العسكرية من الأراضي التي أحتلتها كل منهما ، ولكن هذا القرار ظـل دون تنفيـذ وسـارت الحـرب حتى نهايتها، ما إن أتخذت القوات الباكستانية المنسحبة مواقعها حول داكا حتى بادرتها القوات الجوية الهندية بقصف شديد في 10 من شهر ديسمبر مما أدى إلى إستسلام حوالي ألفي جندي وضابط باكستاني.
مع وصول طلائع الأسطول السابع الأميركي إلى خليج البنغال تتقدمها حاملة الطائرات الذرية "إنتر برايز" قادمة عبر مضيق ملقا يوم 14 من نفس الشهر في مسعى لوضع حد لهذه الحرب ، ولكن رئيسة وزراء الهند إنديرا غاندي أستبقت الأحداث بأعلانها أن "داكا مدينة حرة في وطـن حـر"، ونظـراً للتـفوق الواضـح فـي ميـزان القـوة أنـذاك وعـدم مـقدرة الجيـش الباكستاني عـلى تحـمل المزيد من الخسائر
قبلت الباكستان على مضض وقف العمليات الحربية ، وعلى أثر ذلك وقع قائد القوات الباكستانية الجنرال نيازي في 16 من شهر ديسمبر وثائق الاستسلام في داكا وتسلمها منه قائد القوات الهندية الجنرال أورورا.
نتائج الحرب
انتهت الحرب بعد أن فقدت باكستان جزأها الشرقي ولم يستطع الرئيس يحيى خان مواجهة الغضب الشعبي فقدم استقالته في العشرين من نفس الشهر ليخلفه الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو.
وقد تكبدت الباكستان في هذه الحرب خسائر فادحة كان أهمها إنفصال شطرها الشرقي كدولة جديدة عرفت باسم جمهورية بنغلاديش.
ومازال فتيل الحرب جاهزاً للإشتعال بين البلدين ذلك لأن الأسباب التي أدت للحروب السابقة مازلت موجودة ولم يتغير الوضع بل زاد الأمر سوءً بعد أن أصبحت الدولتان ( الهند والباكستان ) أعضاء في النادي النووي .