إن العمل ضمن قوات حفظ السلام في مناطق النزاعات المسلحة من أكثر الواجبات التي تجعل المرء يشعر بالفخر لأن العمل على تخفيف معانات المدنيين في تلك المناطق يجعله يبذل كل ما لديه من جهد دون كلل ولا ملل ولو بالعيش معهم في نفس الظروف الصعبة التي يعيشونها لفترة من الزمن.
ولأن العمل في هذا المجال من أسمى واجبات العسكريين بالرغم من إن ذلك في الغالب يكون على حساب حياتهم الخاصة وصحتهم وأحياناً كثيرة يكلفهم ذلك حياتهم إلا إني عندما بدأت حياتي العسكرية كنت حريصاً على أن أخوض هذه التجربة ولو لمرة واحدة في حياتي و لم أكن أعرف من أين أبدأ وكيف ولكني لم أنتظر طويلاً ، ففي عام 1999 عندما كنت تابعاً لإدارة القوات الخاصة تم تكليف وحدتنا بمهمة لجنة حفظ السلام بمنطقة البحيرات الكبرى بإشراف منظمة الوحدة الإفريقية في ذلك الوقت ، وتم اختياري عضواً في هذه اللجنة ، وانا أمتن لرؤسائي في وحدتي السابقة لثقتهم ومنحي فرصة خوض شرف هذه المهمة ، وبالتالي كانت هذه هي مهمتي الأولى في هذا المجال
بعد هدوء الوضع في منطقة البحيرات الكبرى بسنوات ظهرت مشكلة دارفور ، وتدخل الاتحاد الإفريقي ووسطاء آخرون وتم التوصل إلى أتفاق بين الحكومة السودانية وحركة جيش تحرير السودان جناح مناوي وبناء عليه وقعت اتفاقية ( أبوجا ) بينهما ، وأرسل الاتحاد الافريقي مراقبين عسكريين وشرطة مدنية وقوات حماية افريقية وشاركت ليبيا بعدد تسعة ضباط كانوا أول مراقبين عسكريين ليبيين يشاركون بصورة فعلية بعملية لحفظ السلام بمنطقة نزاع مسلح من ضمن قوة دولية ، وهذا العدد قليل جداً مقارنة بإعداد المراقبين من الدول الأخرى بالرغم من دور ليبيا في حل هذه المشكلة وبالرغم من ارتياح وتجاوب السكان المحليين للمراقبين الليبيين أكثر من غيرهم
في بداية عام 2005 تم ترشيحي من قبل وحدتي إدارة الهندسة العسكرية لدورة مراقبين دوليين بإدارة العمليات وبعد مرور تسعة أشهر من الدورة كان قد مر عام على عمل المجموعة الاولى من المراقبين العسكريين الليبيين بإقليم دارفور المضطرب وتم اختياري من ضمن تسعة ضباط آخرين لنكون المجموعة الثانية من المراقبين الليبيين ، وبذلك تكون هذه هي مهمتي الثانية في مجال حفظ السلام .
غادرنا مطار طرابلس يوم الأحد 3 . 9 . 2006 عند الساعة الحادية عشر ليلاً متجهين إلى أثيوبيا مروراً بالقاهرة وكان في توديعنا بمطار طرابلس مدير إدارة العمليات الذي أبى إلا أن يكون قريباً منا حتى أخر لحظة ، كان على أي مراقب عسكري يكلف من بلده بالعمل في هذه المهمة الذهاب إلي مقر مفوضية الاتحاد الافريقي باديس ابابا ، عند وصولنا كان في انتظارنا منذوب من المفوضية والقنصل الليبي هناك ، في اليوم التالي تم تعريفنا على طبيعة المهمة وتسليمنا الشارات الخاصة بها ومبلغ مالي لتغطية مصروفات الرحلة إلى ارض المهمة . يوم الخميس 7 . 9 . 2006 الساعة الحادية عشر غادرنا أديس أبابا متجهين إلى الخرطوم التي وصلناه بعد ساعتين ، وبعد الراحة لبضع ساعات ذهبنا إلى مقر الاتحاد الإفريقي هناك للتسجيل لديهم وبذلك يكون يوم الجمعة 8 . 9 . 2006 بالنسبة للمجموعة الثانية من المراقبين الليبيين هو تاريخ أول يوم في المهمة.
كان علينا إعلام المكتب الشعبي هناك بوجودنا في السودان وعلينا أن نسجل في مكتب التسفير بالاتحاد الافريقي للسفر إلى الفاشر ولم يكن ذلك ممكناً في نفس اليوم وان نقوم بوزن مهماتنا لأنه لايسمح بنقل أكثر من 50 كجم والوزن الزائد يرسل لاحقاً وعلينا تفقد النواقص وتأمينها قبل السفر إلى هناك واستغرق ذلك يومين حيث سافرنا إلى الفاشر يوم الاثنين 11 . 9 . 2006 واستغرقت الرحلة حوالي ساعتين ونصف على متن طائرة صغيرة مخصصة للركاب ، كانت تلك الساعات بالنسبة لي كمن يحلق إلى المجهول ، عندما أقلعت الطائرة بان واضحاً اثار فيضان نهر النيل فقد غطت المياه أجزاء كبيرة من أطراف الخرطوم تم دخلنا الصحراء وبعدها جبال ووديان تم أصبح لون الأرض يتغير إلى الأخضر ويزداد إخضراراً كلما تقدمنا أكثر باتجاه الغرب وذلك لأان موسم الأمطار في الأقليم يبدأ في نهاية أغسطس وينتهي في نهاية شهر أكتوبر ، وخلال هذا الموسم بعض الوديان تستمر في الجريان طيلة شهر كامل وتنمو الأعشاب وترتوي الاشجار وبعدها تتحول الارض إلى اللون الاصفر وبسرعة بسبب درجة الحرارة العالية والعواصف الرملية .
وعند وصولنا مطار الفاشر كان المطر متوقفاً ولكن الجو مازال مغيماً ووجدنا في انتظارنا اثنين من المراقبين السابقين وكان ذلك من كرم أخلاقهم إذ فعلوا فقد ترك ذلك انطباعاً جميلاً وكان له الأثر الرائع على معنويات كل الضباط ثم التقينا لاحقاً بباقي المجموعة الأولى حيث كانوا يقومون بالإجراءات النهائية لانفكاكهم من المهمة .
تعتبر الفاشر مدينة قياساً بمستوى التنمية في السودان وهي عاصمة دارفور إلا إني اكتشفت لاحقاً أن مدينة ( نيالا ) بجنوب الإقليم أكبر منها بكثير من حيث المساحة وعدد السكان ومستوى الخدمات ، تقع الفاشر في شمال دارفور وهي تقع تحت سيطرة الحكومة وبها مطار يستخدم للرحلات الداخلية إلى المدن الرئيسية ويستخدم كقاعدة جوية للسلاح الجوي السوداني وتتمركز بها بعض وحدات الجيش السوداني بالاضافة للشرطة المدنية ومستشفى سعودي وأخر حكومي وجامعة ومقر ولاية شمال دارفور وبها سوق شعبي ومحلات تجارية توفر معظم الخدمات إلا ان الاسعار مرتفعة مقارنة بالخرطوم وتزداد كلما توغلت في الاقليم .
كانت الفاشر تعتبر من المدن الآمنة في الأقليم ولم تسجل بها أحداث ذات أهمية تذكر ولكن بعد التغير في تكتيكات بعض الحركات المتمردة وذلك بنقل المعركة إلى مناطق الحكومة ومن بعد الهجوم على المدينة عام 2003 أصبح فيها الأمن مهدداً وحدثت فيها بعض الاشتباكات القبلية بسوق الماشية خلال وجودنا في المهمة ، كما تم قتل ضابط مصري في منزله وضابط أخر من غانا في الشارع والاستيلاء على سيارته وغيرها من الأحداث ، أما بالنسبة للشعب السوداني بصفة عامة في الشمال والجنوب ودارفور يتصف بالطيبة والتدين والاخلاق ويقدرون كثيراً دور ليبيا في حل أزمة دارفور ويحترمون الرابط المشترك بين الشعبين وهما الدين واللغة .
يوجد بالفاشر مقر المهمة الإفريقية في دارفور وهو لا يبعد عن المطار سوى 1كم ، ذهبنا هناك لإنهاء الإجراءات الإدارية الروتينية ( إملاء نماذج خاصة بالبيانات الشخصية / التصوير لاستخراج تعريف و رخصة قيادة خاصتين بالمهمة / تسليم جوازات السفر من أجل الإقامة / شراء واصلات الوجبات حيث أن كل وجبة يتناولها المراقب تكلفه 4 دولارات أمريكية / استلام بطانية من الحجم الصغير وهي الشئ الوحيد الذي يتم تقديمه في ارض المهمة ) بعد ذلك تم إعلامنا بأنه ستعقد لنا دورة لمدة عشرة أيام بداية من يوم الغد وتم تخصيص سيارة وسائق لنقلنا يومياً من وإلى المقر ، ذهبنا إلى معسكر زمزم الذي يبعد 5كم عن المقر وهو عبارة عن معسكر مجموعة عمل زمزم ويوجد به عدد ثلاث خيام كبيرة جداً خاصة بأعضاء المهمة العاملين بالقطاعات الأخرى الذين قد يتواجدون لأي سبب في الفاشر كالذهاب أو الرجوع من الإجازات أو في حالة القدوم إلى أرض المهمة لأول مرة كما هو الحال بالنسبة لنا ، وكان علينا حسب التعليمات أن نقيم في تلك الخيام حتى يتم توزيعنا ، لكن احد ضباط المجموعة الأولى الذي كان يعمل بنفس المعسكر استطاع أن يؤمن لنا ثلاث خيام فردية لنتقاسمها ولهذا أيضا أثر إيجابي على معنوياتنا بالرغم من صغر حجم الخيمة بالنسبة لثلاثة أشخاص وأمتعتهم .
يقع معسكر زمزم في الأطراف الغربية لمدينة الفاشر في أرض مفتوحة على الطريق المؤدية إلى نيالا وشاعرية ويوجد أمام المعسكر مقهى على اليمين وأخر على اليسار كانا المتنفس الوحيد لنا في أوقات الفراغ لأنه يوفر بعض الإحتياجات كما أن مظلات المقهى توفر الظل اللازم الذي كنا في أمس الحاجة إليه ، فكان هذا والمسجد المغطى بالزنك هو الملاذ الوحيد لنا من ارتفاع درجة حرارة الجو في النهار حيث يستحيل معها البقاء داخل الخيمة بعد العاشرة صباحا وبعد الغروب لابد أن تكون كل الأطراف مغطأة وعند النوم يجب استخدام شبكة ضد الناموس الناقل للأمراض الخطيرة كالملاريا و أن لا تنسي الموعد الأسبوعي لتناول العلاج المضاد للملا ريا وان تعرف مواعيد فتح المياه بالحمامات وهي من الخامسة إلى التاسعة صباحاً ومن الخامسة إلى التاسعة مساءاً وان تشرب فقط من المياه المخصصة لذلك نظراً لتلوث المياه وإنتشار مرض الكوليرا وان لا تتأخر عن مواعيد الوجبات ولا تسال عن مكوناتها ولا يسمح بالطبخ داخل الخيام وان تنظف الخيمة وكل مهماتك من الحشرات يوميا قبل أن تنام وعندما تسنيقظ وان لا تتأخرعن العمل ، وكان هذا هو الوضع السائد بصفة عامة في كل المعسكرات ولكن بشكل نسبي لأن بعض المعسكرات التي تقع في مناطق تتوفر فيها المياه مثلاً كانوا يحصلون على كمية أكبر من المياه .
يوم الثلاثاء 12 . 9 . 2006 صباحاً ذهبنا إلى المقر حيث سيكون مكان إنعقاد الدورة في غمرة العمليات وعند وصولنا بدأنا أول محاضرة وكان نظام المحاضرات من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثانية عشرة ظهراً ومن الساعة الثانية بعد الظهر إلى الساعة الخامسة مساءاً بينهما راحة الغذاء لمدة ساعة جميع أيام الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت ، وكانت الدورة للتعريف بالقوانين الخاصة بالعمل في مناطق النزاع المسلح وإعطاء صورة للوضع العام للمهمة وأخر تطورات الاحداث في المنطقة ودورة في الإسعافات الأولية وقيادة السيارات الصحراوية وكيفية إتباع التسلسل العسكري لاسيما في طلب الإجازات حيث يجب كتابة الطلب قبل موعد الإجازة بشهر ويتم إرسال الموافقة قبل موعد بداية الإجازة بأسبوع وتشمل أيضاً فكرة عن واجبات المراقب العسكري والشرطة المدنية وقوات الحماية وغيرها من الأمور المتعلقة بطبيعة العمل في هذه المهمة .
في اليوم التالي ومن غرائب الصدف التقيت أحد العسكريين الأفارقة الذين تدربوا في ليبيا سنة 2000 وكان حينها برتبة عريف وكنت آمر فصيله وبرتبة ملازم أول ، كان ذلك قبل ستة سنوات أما الآن فهو ضابط برتبة نقيب تابع إلى جناح العمليات بمقر المهمة ، في الحقيقة لقد رحب بنا كثيراً وعرفنا على بعض الضباط هناك وكان يعرفني على أني آمره ومعلمه بطريقة تجعلني أفتخر بانني ليبي واخدم بلدي في هذا المجال بالذات .
وخلال الدورة أبدى ضابط العمليات رغبته في بقاء أحدنا للعمل معه في مكتب التدريب على أن يكون برتبة نقيب فتم إختياري وفي اليوم التالي إستدعاني ضابط الإستخبارات وأخبرني أيضاً برغبته في العمل معه كضابط أمن بالمقر لعدم ثقته في بعض مصادره كما قال وايضاً لأهمية اللغة العربية كمصدر للحصول على المعلومات وأكد لي موافقة نائب آمر القوات لأنه في ذلك الوقت لم يكن آمر القوات موجوداً ، وكان وجود أحدنا في المقر هو مطلب كل المجموعة في محاولة لتلافي المشاكل التي مر بها ضباط المجموعة الأولى .
يوم السبت 23 . 9 . 2006 كان أول أيام شهر رمضان المبارك بالنسبة للسودان وفي ظل الظروف الصعبة سالفة الذكر كان أيضاً شهراً اسثنائياً ويوم الثلاثاء 26 . 9 . 2006 ثم إبلاغنا بصدور قرار توزيعنا جميعاً على القطاعات وكان الأقليم حسب تنظيم الإتحاد الإفريقي مقسم إلى ثمانية قطاعات وكل قطاع به لا يقل عن ثلاث مجموعات عمل ( معسكر ) فتم توزيعنا حسب الأقدمية بحيث سيذهب ضابط إلى كل قطاع وإثنان للقطاع الثاني أما أنا فتم تنسيبي للقطاع الثامن الذي كان في ذلك الوقت الأكثر إضطراباً ومن شأن ذلك أن يدخل إلى النفس شئ من التشاؤم ، لاحقاً أعتذر ضابط العمليات والإستخبارات عن عدم قدرتهم تنفيذ ما قالوا ولم يقدموا تفسيراً لأنهم كما قالوا لم يفهموا ما حدث ، وأستطعنا لاحقاً أن نعرف أن هناك من يرى مصلحته في إستبعادنا عن المقر والاستعانة بضباط من جنسيات أخرى ، وفي اليوم التالي انهى ضباط المجموعة الأولى إجراءات انفكاكهم وسافروا إلى الخرطوم في طريق العودة إلى ارض الوطن .
كان السفر إلى المواقع يتطلب التسجيل في قائمة الرحلات قبل السفر بيوم واحد على الأقل والمروحيات هي الوسيلة وبالرغم من ان ذهابنا إلى قطاعاتنا ومواقعنا سيفرقنا عن بعضنا ونعرف أنه قد لانلتقي إلا بعد نهاية المهمة أو إلى الأبد إلا إننا كنا متلهفين للوصول إلى معسكراتنا وبداية العمل لأنه يعني الاستقرار مهما كانت الظروف المحيطة ،
بقينا لفترة من الزمن في انتظار الرحلات الجوية التي توقفت لأيام بسبب النقص في الوقود تم أستؤنفت من جديد وأصبحنا في كل مرة يودعنا احد الزملاء ويسافر ليبدأ حياته الفعلية في المهمة التي جاء من أجلها حتى جاء دور رحلتي وكنت الشخص ماقبل الاخير من المجموعة الذي غادر الفاشر حيث يوم الأربعاء 4 . 10 . 2006 ركبت المروحية المتجهة إلى منطقة الضعين حيث يتواجد مقر رئاسة القطاع الثامن واستغرقت الرحلة حوالي الساعة والنصف ، عند وصولي تبين من ضابط الإمداد بانه لا توجد خيمة شاغرة الآن فاستقبلني احد المراقبين المصريين معه في خيمته إلى حين يتم توزيعي ، وفي اليوم التالي صباحاً حضرت الاجتماع اليومي الذي ترأسه آمر مجموعة الضعين لعدم وجود الآمر الاصلي ، تم تعريفي على مجموعة المراقبين كما عرفت عن نفسي وقدموا لي فكرة عن الوضع السائد باختصار حيث تبين لي أنه في الأيام القليلة الفائتة حدتث معارك في منطقة مهاجرية وكل القرى المجاورة والتابعة لها وبناء على ذلك تم إيقاف الدوريات إلى حين إشعار أخر ، والوضع الآن آمن بتلك المناطق في انتظار التعليمات باستئناف الدوريات كما أكد لي الآمر بانه علي الانتظار إلى حين عودة الآمر الأصلي من الإجازة ليتم توزيعك على أحد المجموعات وانتهى الاجتماع ، ولكن بعد الإفطار جاءني الضابط الإداري وقال لي بأنه تم توزيعي إلى معسكر مهاجرية ثم أكد لي صديقي المصري ذلك وقد عمل سابقاً هناك لمدة ستة أشهر فحاولت أن أكون فكرة ولو بسيطة عن طريق المعلومات التي قدمها لي عن تلك المنطقة ومجموعة العمل هناك ، وقال لي أيضا بأنه تقرر استئناف الدوريات بأول دورية إلى مهاجرية غداً الجمعة ، وانه باستطاعتي البقاء ايام اخر اذا اردت ولكني ابلغتهم برغبتي للذهاب والالتحاق بمجموعتي ، وفي صباح اليوم التالي الموافق 6 . 9 . 2006 استقليت وأمتعتي سيارة آمر الدورية وتحركنا باتجاه منطقة اسمها ( انجابو ) وهي أحد نقاط الالتقاء بباقي الدوريات من كل المعسكرات التابعة للقطاع الثامن حيث سنلتقي بدورية أخرى قادمة من مهاجرية تم تعود كل دورية إلى المعسكر الذي انطلقت منه ، وكانت عبارة عن منطقة صغيرة جداً بها بعض البيوت المبنية بالصفيح وأخرى بالمواد المحلية المتوفرة وبعض الدكاكين وبئر للامداد بالمياه وتبعد حوالي 52 كم غرب الضعين و54 كم شرق مهاجرية وتقع تحت سيطرة حركة جيش تحرير السودان جناح مناوي ويقيمون أول بوابة لهم من هذا الاتجاه في هذه المنطقة ، لم نجد بها إلا القليل من السكان الذين بدأو في العودة إليها بعد الهجوم الأخيروبعض أفراد الحركة المسلحين وشيخ المنطقة الذي أبلغنا شكواه عن توقف مضخة البئر وكان علينا ان نكاتب احد المنظمات الانسانية الموجودة بالمنطقة للاهتمام بذلك ، وبعد نصف ساعة من الإنتظار وصلت دورية مهاجرية وكان آمر الدورية رائد طبيب من زامبيا وبعد ان انهى عمله مع آمر الدورية الأخرى ونقلت أمتعتي لسيارته تحركت الدورية لوجهتها ولم نذهب بعيدا حتى اتصل آمر الدورية الاخرى ليبلغنا باننا تركنا احد ممثلي حركة جيش تحرير السودان بالاتحاد الإفريقي وهو الآن في الطريق اليكم ، كان ذلك الشخص برتبة مقدم وهو ينتمي لهذه المنطقة ولكنه يرسل الى هنا لاول مرة ، ويالمناسبة كل ممثلي حركة تحرير السودان في الاتحاد الافريقي برتبة مقدم إعتقاداً منهم ان ذلك سيمنحهم قدماً أو صلاحيات دون الممثلين الاقل رتبة من الحركات الاخرى او الحكومة ، عندما نزل من السيارة كان غاضباً وفي يده سيجارة واحتج على آمر الدورية بقوله له لماذا لم تنتظرني فرد عليه بهدؤ : وإذا استمريت في تضييع الوقت سأتركك مرة أخرى ، فركب معنا وجلس بجانبي وهو يشتم ويدخن ، ونظر لي نظرة حادة فبادلته مثلها ، سألني عن جنسيتي فقلت له إنني ليبي ، فقال هذا جيد ( كويس ) وبانت عليه علامات الارتياح وحين طلبت منه ان يفتح النافذة لأنني صائم رمى بسيجارته ولم أتكلم معه مرة أخرى ، قد يقول قائل ماالحاجة لذكر مثل هذه القصص ولكن الأحداث القادمة تتكون من مجموعة من المواقف والاحداث التي يصنعها الأشخاص وهذا الشخص الذي تم توزيعه لأول مرة أيضا في نفس المعسكر سيكون لي معه قصص أخرى ، ولتوضيح الأمر فان من ضمن اتفاقية نشر القوات في الاقليم ان يكون هناك ممثلين للاطراف الموقعة على اتفاقية السلام للعمل مع قوات الاتحاد الافريقي لغرض تدليل الصعاب عند العمل في المناطق التي يسيطرون عليها ، فقد كانوا يعيشون معنا داخل المعسكرات ويخرجون معنا في الدوريات ويحضرون اجتماعاتنا ويقراون تقاريرنا وكان ذلك في تقديري من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها قادة الاتحاد الافريقي ومن الاسباب التي ساهمت في فشل مهمة الاتحاد الافريقي في هذا الاقليم وبعد إسناد المهمة لقوات مشتركة بين الامم المتحدة والاتحاد الافريقي ( قوات الهجين ) تم استبعاد جميع الممثلين من المهمة متهمين اياهم بالتجسس لصالح جهاتهم .لقد وصلنا لليوم الثالث والثلاثين ومازلنا في بداية سنة مثيرة وللحديث بقية..