قد لا يختلف كثيراً إعداد وتأهيل الكوادر البشرية وتنمية مهاراتها الفكرية والنفسية والبدنية فى المجالين العسكري والمدني ولكن إتقان هذه العناصر المؤهلة للدور المعدة له وقدرتها على اكتساب الخبرة العملية يختلف بين الجانبين إذ يمكن للمدني من خلال التعليم النظري والعملي والممارسة الفعلية.
أن يصبح على جانب كبير من المهارة والحرفية فى جميع التخصصات إلا أن اكتساب عسكري مقاتل محترف دائماً تنقصه الخبرة طالما لم تتح لـه فرصة المشاركة فى حرب فعلية ومهما أخضع هذا العسكري إلى برامج تدريبه مكثفة ومتطورة وشارك فى المشاريع التعبوية المختلفة لآن شكل هذا الصراع المميت المسمي بالحرب لا يمكن دراسته وتعلمه بالمحاضرات ولا فى ساحات التدريب والدروس المستفادة والعبر ، والخبرة تكتسب من خوض غمار هذا الصراع الرهيب وأن يعيش العسكري المقاتل أصعب لحظاته وأن يستمع إلى دوي المدافع وأزيز الطائرات وأصوات الإنفجارات وأن يشاهد صور الدماء والدموع وأن يحسن التصرف والخروج من أكثر المواقف تعقيداً . ورغم ذلك فلا بديل عن التعليم والتدريب والتأهيل لجميع العسكريين لآن هذا هو المتاح والحرب لا يمكن صناعتها أو إحداثها لتصبح خبرة فعلية للمقاتلين و التركيز على رفع المستويات الثقافية والفكرية والفنية والنفسية لجميع العسكريين ويجب أن تكون المؤسسة العسكرية فى زمـن السلم مؤسسة تربوية ضخمة تتركز فيها معظم العلوم التطبيقية والإنسانية لتنشئة وتطويــــر الكوادر العسكرية من قادة ومرؤوسين حتى يكونوا جاهزين لخوض حرب هجومية أو دفاعية قد تفرضها الظروف وقادرين على تحمل تبعاتها ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تربية عسكرية تهـدف إلى خلق شخصية عسكرية ملائمة للحياة العسكرية وتعليم عسكري يهدف إلى اكتساب المعلومات فى جميع المعارف الفكرية والتقنية وتدريب عسكري يهدف إلى تنمية القدرات القتالية والتكتيكية والإدارية .
التربية العسكرية :-
بما أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون مؤسسة تربوية تهتم فى المقام الأول بتكييـف منتسبيها وخاصة المجندين الجدد للحياة العسكرية حيث يواجه المجند الجديد فى الكليات والثانويات العسكرية ومراكز التدريب صعوبات نفسية واجتماعية كبيرة من آثار نقله من محيطه العائلي والمدرسي الذي تربى فيه سنين طويلة وتطبع بعادات وسلوك هذا المحيط ، ليجد نفسه بشكل مفاجئ فى مجتمع غريب عليه ورفاق فرض عليه العيش بينهم وعـــــادات وتقاليد جديـدة تتسم بالانضباط والقيود فى كل شيء من مواعيد النهوض فى الصباح إلـى مواعيد النوم ومواعيد الأكل وحتى نوعية هذا الآكل وشكل اللباس الذي يرتديه. وتحكمه الأوامر والتعليمات فى كل تحركاته وبهـذا تكون الخدمة العسكرية بمثابة الصدمة النفسية وهنا يأتي دور المؤسسة العسكرية التربوية فى العمل على خروج هذا المجند منها بسلام وبدون أي آثار نفسية وغرس الانضبـاط العسكري والروح العسكرية النزيهة فى نفوس العسكريين الجدد حتى تصبح عادة محببـة . وفى المقام الثاني يجب أن تكون الحياة العسكرية و الانضباط العسكري يسودها مناخ الاحترام والإخلاص المتبادل بين القادة والمرؤوسين وأن لا يكون الانضباط ناتج عن تحطيــم إرادة المرؤوسين وإذابة شخصيتهم وأن لا يكون استلام القادة لمناصبهم أرضاء لمصالحهـم الخاصة وتحقيقاً لرغباتهم وأن لا توظف السلطات الممنوحة لهم فى استغلال مرؤوسيهـم كخدم لهم ولذويهم ومن أهم أسس الانضباط العسكـري هو خضوعه للقوانين والأنظمة لآن العسكري عندما يطيع آمره هو لا يطيع شخصاً بعينه بل يطيع نداء الواجب وخدمة الوطن وأي شخص يحاول أن يلعب بهذه القاعدة لأي سبب كان لا يجب أن يطاع . ويجب أن تغــرس التربية العسكرية روح الانضباط الحـــازم والعادل وأن يتوخي الآمر احترام كرامة مرؤوسيه لأنه لا يتعامل مع الآت بل هم الزملاء والرفاق وأخوة السلاح وأن تساهم هذه التربية فى رفع الروح المعنوية للمقاتلين وأن يشعروا بأنهم مجموعة متلاحمة لخدمة هدف نبيل وتقديم التضحيات الكبرى فى أي صــراع قادم .
ولا يوجد أهم من التربية الإسلامية فى بناء الشخصية العسكرية القوية والناجحة والمسلحة بالعقيدة والإيمان والأخلاق الكريمة وهى الدافع الرئيسي للتضحية والفداء والإقدام للدفاع عن الدين والوطن . وفى مكارم الأخلاق يقـــول الله سبحانه وتعالي فى رسوله (( وإنك لعلى خلق عظيم )) ويقول جل شأنه ((ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم فى الأمر (( ويقـــول الرسول الكريم ( من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته ) صدق رسول الله إن حسن الخلق والعدل والصدق والرحمة هى الصفات والفضائل التى يجب أن يتصف بها القائد والمربي والمعلم فى ساحات التدريب أو ميادين القتال وبها يكسب القائد حب واحترام جنوده ويصبح مثلهم الأعلى ولا يعصون له أمراً .
التعليم العسكري :-
التعليم من الناحية العسكرية ينقسم إلى نوعين أساسيين النوع الأول عادة يحقق الفائدة المباشرة من المعلومات العسكرية وغير العسكريه الضرورية التى تمكن العسكري من تنفيــذ المهام المكلف بها كدراسة طبيعة الأرض وقراءة الخريطة وتحميل المواقف التعبوية عليها وإتقانه تشغيل جهاز الرادار وأجهزة المخابرة والرماية بجميع أنواع الأسلحة وغيرها .
أما النوع الثاني من لتعليم هو الذي يحقق الفائدة من معلومات معينة ولكن فائدة غير مباشرة وهى التى تدفع العسكري والقائد خصوصاً إلى التفكير والاستنتاج وتنمية العقل وهذا يتأتى بثقافة عامة توسع حقل المدارك وتنمي المواهب الفكرية .
أن قادة المستقبل بحاجة إلى ثقافـة واسعة تستند على برامج تعليمية متطورة وإلى البحث والدراسة فى مختلف العلوم ومن المواضيع المهمة والمفيد دراستها ( التاريخ العسكري) لما له من بالغ الأثر على النشاط الفكري للقادة وصقل مواهبهم .
أن الإحداث الكبرى والمعارك الحربية عبر التاريخ هى خبرات وتجارب قادة سابقين ومعطيات ودروس مستفادة تثري الثقافة العسكرية لقادة المستقبل ويقول المارشال فوش (( لكي تغذي دماغ جيش من الجيوش فى أيام السلم وتجعلـه يتجه نحو الحرب فليس هناك كتاب أخصب من كتاب التاريخ )) ومن العلوم المهمة أيضا علم الاجتماع العسكري ودوره فى دراسة ظاهرة الحرب ونتائجها وتأثيرها على الفرد والجماعـــة والمجتمع ودوره فى التعبئة العسكرية ودفع الأفراد للخدمة العسكرية كما تعالج الخدمة الاجتماعية مشاكل ما بعد الحرب من إعادة تأهيل المقاتلين ورعاية المعاقين وأسرى الحـرب ورعاية أسر الشهداء والمفقودين .
ولهذا العلم " علم الاجتماع " دور بالغ الأثر على القدرات العسكرية ومضاعفة البذل والعطاء للمقاتلين وتعميق درجة الرابط والتفاعل بين الجنود والقادة . وأيضاً دراسة علم أخر لا يقل أهمية وهو علم النفس فى المجال العسكري ودوره فى حل الكثير من المعضلات فى المؤسسة العسكرية والإعداد النفسي للمجندين الجدد للحياة العسكرية والتكيف معها والتحضير النفسي لجو المعركة دوره فى رفع الروح المعنوية للمقاتلين.
ودون التقليل من أهمية باقي العلوم كالعلوم السياسية والاقتصادية والقانونيـــة والحاسوب وتحليل النظم وغيرها .
التدريب العسكري :-
إن التدريب العسكري العام والأساسي هو ركيزة وقاعدة التدريب لأن الجندي مهما كان تخصصه أو السلاح المنتسب إليه لابد أن يخضع إلى بناء اللياقة البدنية والتدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة وصيانتها واستخدام الأرض وتشغيل أجهزة المخابرة وبعد ذلك يأتي التدريب التخصصي على المستوي المتوسط والمتقدم وكلما ارتفعت مستوياته وإتقانه كلمـا حقق أهدافه المرجوة . والتدريب العسكري حالة مستمرة لا يتوقف وفق برامج مدروسة من إدارة التدريب العسكرية وتقع المسئولية على القادة فى وضع خطط ذات أهداف محددة وأن يكون التدريب شاملاً للمواضيع التكتيكية والفنية والإدارية ويهدف إلى رفع الكفاءة القتالية لجميع الوحدات العسكرية وذلك عبر أربع مراحل :-
1- تخطيط التدريب : ويتم من خلال خطة تدريبية تشمل أنواع التدريب القتالي والإداري والفني على جميع المستويات وفق مناهج تدريبيه متطورة ومتجددة وبرنامج زمني محدد .
2- التحضير : ويشمل تنفيذ وتجهيز مؤسسات تدريب تخصصية وتأمين متطلبات التدريب من قاعات الدراسة وساحات التدريب ووسائل الإيضاح ومساعدات التدريب ثم إعداد واختيار المدربين المؤهلين وذوي الخبرة وإنشاء المكتبات وتوفير المراجع العلمية .
3- التنفيذ : تنفذ الخطة التدريبية على جميع المستويات حسب برنامج التدريب السنوي ويبدأ بالتدريب الفردي بهدف رفع كفاءة الجندي المقاتل والارتقاء بمهاراته ثم يتدرج التدريب على مستوي المجموعة حتى يصل إلى أعلى تشكيل فى الجيش ويشمل التدريب القتالي كافة أنواع التدريب التعبوي والإداري والفني . ويتوج التدريب باشتراك كافة الأسلحـة البرية والجوية والبحرية فى تدريب جماعي يبلغ ذروته فى المشاريع التعبوية الميدانية . بالإضافة إلى برامج تدريب القادة بهدف رفع مستوي مداركهم وقدراتهم وتنمية الصفات القيادية لديهم من خلال تنفيذ دورات متقدمة بالمدارس العسكرية التخصصية تبدأ بقادة الوحدات الصغيرة وترتقي إلى قادة أعلي التشكيلات ودورات القادة والأركان ثم دورات الأركان العليا .
4- التقويم : تقوم عملية تقييم وتقويم التدريب القتالي على قياس مدي نجاح وفاعلية الخطــة التدريبية المعتمدة ومدي تحقيقها لأهدافها والوقوف على نقاط القوة والضعف فى الخطة التدريبية واتخاذ التدابير اللازمة لتصويب الأخطاء وتقوية نقاط الضعف والعمل على تذليل الصعاب وإمكانيات التطوير .
{facebookpopup}