يُعرف في العادة أن العقيدة العسكرية لاي دولة تحدد ملامحها في الغالب امور مختلفة وعوامل متعددة منها النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسة العامة للدولة ومواقفها من المسائل الجذرية المتعلقة بالحرب والسلم والمنهاج والايديولوجيا والفكر السائد في الحياة اليومية لهذه المجتمعات.
واذا ما اقتربنا من اساس العقيدة والمذهب الحربي الامريكي وتفحصنا ابجدياته والمنبع الذي تستمد منه فكرها وموروثها العقائدي سنخلص الى امر واحد وهو مبداء فكرة الهيمنة العالمية . والتي اصبحت تنادي بها بشكل علني منذ اوائل القرن العشرين وبالتحديد في عام 1945 م حيث اكد الرئيس (ترومان) في رسالة الى الكونغرس (ان النصر الذي احرزناه قد وضع الشعب الامريكي امام ضرورة دائمة وملحة وهي قيادة العالم ) ونلاحظ بعد ذلك في مراحل متعددة بعد الحرب العالمية الثانية ان روساء الولايات المتحدة الامريكية جميعهم تبنوا نفس الخطاب تقريبا وذات المفاهيم وهذا في الواقع ما يعكسه المذهب الامريكي المعمول به حاليا وهو نتاج لتلك الافكار التي وضع اسسها (ترومان) والتى تمت الموافقة عليها ومصادقتها من قبل مجلس الامن القومي في الولايات المتحدة شهر اغسطس عام 1948 م والتي تختص بوضع استراتجية المواجهة تجاه الاتحاد السوفيتي سابقا والتي تعرف (بالتوجيه رقم 20\1 ) وقد جاء فيه (ان اهدافنا الاساسية هي تغير نظرية ممارسة العلاقات الدولية التى تعمل بها الحكومة الحالية في روسيا وتغييرها جذريا وتخفيض نفوذ موسكو الى الحدود التى لا يحتمل فيها فيما بعد أي خطر على السلام والاستقرار في العلاقات الدولية وعلى هذا الاساس يجب على الولايات المتحدة ان تكون مستعدة لشن حرب ذرية وجرثومية ضد روسيا مدعومة بقوات بحرية وجوية جبارة عالية الميكنة واللوجيستية وقادرة على الاستيلاء على مناطق استراتيجية اساسية والاحتفاظ بها.ويجب ان تكون حرب شاملة واكثر رعبا من أي حرب سابقة ولهذا يجب على الدوام ابتكار الاسلحة الهجومية والدفاعية الفتاكة سواء بسواء). ونجد فيما بعد توجيها رئاسيا سنة 1980م (رقم59 لسنة 1980م) والذي صاغ هدف الولايات المتحدة بشكل اكثر صراحة وهي القضاءعلى الاشتراكية كنظام اجتماعي وسياسي وان تكون البداية في الحرب امريكية والتفوق فيها و انهائها بشروط امريكية.حيث جاء ذلك على لسان (ريغان) وهو على حد قوله ( شطب الشيوعيه بوصفها فصلا مؤسفا وغير طبيعي في تاريخ البشرية) ثم بدات الولايات المتحدة ادخال مفهوم الضربة النووية في مذهبها وعقيدتها العسكرية من خلال استخدام مصطلحات اكثر وضوحا مثل الانتقام المكثف ورد الفعل المرن والترهيب الواقعي .الخ وبدات الاوساط العسكرية اتخاذ مجموعه من التدابير والاجراات السياسية والاقتصادية والايديولوجية وبطبيعة الحال الاجراات العسكرية والمتمثلة في استخدام القوة المسلحة بشكل سافر وفض ضد الدول التى ترى فيها الولايات المتحدة انها تشكل خطرا على مصالحها الحيوية واصبح المذهب العسكري اكثر عدوانية يستخدم المواجهة المباشرة كأستراتجية لبلوغ الاهداف المعلنة والخفية ونرى ذلك واضحا من خلال تصريح وزير الدفاع (واينبرغر) الذي يقول (ان استراتيجية المواجهة المباشرة ترمي الى بلوغ تفوق الولايات المتحدة في الميدان العسكري بصورة تامة لا شك فيها والى بعث دور امريكا الزعامي في العالم) .ونلاحظ هنا ان العقيدة العسكرية اصبح من الواضح والملموس ان المذهب الهجومي بدأ يأخذ طابعه الرسمي والعلني في وثيقة (البنتقون) بشان بناء القوات الامريكية والذي انعكس على البرنامج المعمول به فى عقدي الثمانينات والتسعينات والذي تم تنفيذه لتحديث البنية الاساسية للقوات المسلحة وزيادة حركيتها الاستراتيجية والتكتيكية واستعدادها القتالي وقدرتها القتالية لخوض عمليات طويلة ومتعددة مما يترتب عليه زيادة في احتياطيات الوسائل المادية وتوسيع قاعدة الصناعه العسكرية فما لبثت في مطلع الثمانينات عن التوقف حتى زادت من تعداد القوات وتزويدها بالمعدات اللازمة حتى تفوقت على قوات (الناتو) الاوروبية الاساسية مشتملة .ومن الناحية التنظيمية شملت التحديثات الجذرية القوات البرية والبحرية والجوية وقسمت بدورها الى قوات نظامية واخرى احتياطية واعطيت صلاحيات من قبل (الكونغرس ) في حالة اعلان الحرب تخؤل رئيس الولايات المتحدة ( بصفته قائدا اعلى) صلاحيات غير محدودة في حالة الطواري بحيث يستطيع اصدار الاوامر دون الاذن التمهيدي من (الكونغرس) مثلما حدث في( قرينادا) عام 1983 م وقصف سفن الاسطول للاراضي اللبنانية من نفس العام .
ولرفع فاعلية الادارة العملياتية انشئت سبعة قيادات متحدة وثلاث قيادات مختصة ولكل منها منطقة مسؤلية عملياتية خاصة خارج حدود الولايات المتحدة وفقا لمفهوم الخطوط الامامية الاستراتيجية في مختلف مناطق العالم فقسم العالم الى قيادة منطقة المحيط الاطلسي وقيادة المحيط الهادي ومنطقة امريكا الوسطى والجنوبية ومنطقة اوروبا والقيادةالمركزية المتحدة (سنتكوم) والتى تشمل منطقة قطاع مسؤليتها اراضي (19)تسعة عشر دوله في كلا من اسياء وشمال افريقيا مع المياه الاقليمية المتاخمة لها .وانشئت القيادة الفضائية وفقا لمبادرة الدفاع الاستراتيجي والتى تختص بما اصطلح تسميته لاحقا (حرب النجوم )ومن ثم انشئت القيادة المتحدة للعمليات الخاصه والتى تهتم بنشاط التخريب والاستطلاع والنشاط الهدام في زمن الحرب والسلم .ولتامين السيطرة على هذة القيادات مجتمعه في شتى انحاء العالم تم بناء مركز عالمي يحتوي على (130) هيئة حكومية وعسكرية عليا بما فيها جهاز الاستخبارات المركزية وهيئة ادارة القيادات المتحدة والقيادة الجوية الاستراتيجية ومجلس هيئة رؤساء الاركان ومجلس الامن الوطني .وجهاز الرئيس بصفته القائد الاعلى للقوات لادارة اكثر من (1600) قاعدة ومنشاة حربية في اكثر من (34) دولة يتواجد فيها اكثر من (500000) يتم استخدامهم لتهديد الدول التي تشكل خطر على امنها بالقوة وممارسة الضغط المباشر على هذة البلدان لتركيعها وابقائها في مجرى السياسة الموالية لها وكذلك تقديم المساعدة الكاملة للانظمة العميلة في المنطقة بالاضافة لحماية مصالحها بطبيعة الحال .ومن اجل انجاز هذا كله فان الامر يتطلب كثير من الانفاق فنجد ان حجم الانفاق بلغ خلال خمس سنوات وفي الفترة من عام 1988 الى عام 1992ف (180) مليار دولار منها مبلغ (53) مليار تم تخصيصها لوكالة ناسا لعلوم الفضاء من اجل القيام بالبحث والتطوير وفقا لقرار برنامج حرب النجوم ومبادرة الدفاع الاستراتيجي .والبقية اى حوالي (127) مليار تم الدفع بها الى اكبر مجمع صناعي في العالم والذي اكتسب قوته من خلال اتحاد وتشابك المصالح والاحتكارات الصناعية بين جهاز الدولة والجهاز العسكري والذي يعرف بمؤسساته الصناعية العملاقة في الانتاج الحربي مثل مؤسسة(ماكدونيال دوغلاس.وروكيل انترنشيونال .ولوكهيد.وجنرال دايناميكس)..وبدا التصعيد في بناء القوات بشكل متزايد وخطير حتى اخل بميزان القوى العالمي وعاظم من حجم خطر الحروب على العالم واصبح فيه الامن العالمي في مازق حرج خاصة بعد انهيار الحلف الذي كان يمثل دفة الميزان الاخرى مما دعا الى تفرد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم فتولد عن ذلك خللا واضحا في مبدأ الامن المتكافي والتوازن الاستراتيجي،و مع استمرار الولايات المتحدة في مذهبها العقائيدي الاستراتيحي رغم المخزون و الاحتياطي من وسائل الدمار الشامل والذي هو كفيل بتدمير كوكب الارض لعشرات المرات. والاستمرار بمبدأ الترويع والكبح والاحتواء والذي لم يترك لاي دولة فرص النجاح في الدفاع عن نفسها بالوسائل التقنية التقليدية. ناهيك عن الوسائل الغير تقليدية ..ان الامن والدفاع عن المصالح الحيوية لايبنى على الارهاب او الخوف من العقاب بل على الحوار والتفاهم واحترام خصوصية وثقافة الآخر .والامن مسؤلية شعوب الارض جميعها تتبادلها لبناء السلام الذي هو الضمان للحيلولة دون وقوع الكوارث والحروب والتخلص من الامبريالية والهيمنة على مقدرات شعوب الارض ..ويبقى حق الدفاع عن النفس والعيش فوق الارض وتحت الشمس بكرامة حق مكفول لكل شعوب الارض ترعاه القوانين الارضية والسماوية ودافعه اقوىواجدى من الرغبة في التوسع والهيمنة والدفاع عن المصالح الحيوية.