من خلال قراءة بسيطة في مقاصد وميثاق الأمم المتحدة يدرك المرء أن المهام الأساسية لهذه الهيئة ولمجلس الأمن في الأصل هو العمل على حفظ الأمن والسلم الدوليين وإحلال السلام بشكل عام في العالم. لذلك فقد كان من المفترض على المنظومة الدولية أن تتبنّى سياسة عادلة ومتوازنة من أجل الدفع الحقيقي باتجاه التعامل بحزم مع الأسباب التي تحول دون تحقيق المهام الأساسية الآنفة الذكر.
فلا يختلف اثنان عاقلان في أن تطلّعات البشرية إلى عالم آمن ومستقر لا يمكن أن تتحقق في ظل بقاء عديد المعضلات قائمة دون حل جذري بدءا بانتشار الأسلحة الفتّاكة وخاصة النووية منها لدى العديد من دول العالم ومرورا بقضية فلسطين ناهيك عن ظاهرة الإرهاب والمشاكل الأخرى..
فالأسلحة النووية كشريحة من وسائل الدمار الشامل تُعتبر الأداة الأشدّ خطورة على سلامة البشرية والأكثر تهديدا لكوكب الأرض، إذ لا يمكن للمرء أن ينسى الدمار الفائق الذي حل بمدينتي هيروشيما وناجازاكي على خلفية قيام الإدارة الأمريكية بمهاجمتهما ذرّيا في شهر أغسطس من سنة 1945 وذلك قبيل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، كما لا يمكن أبدا نسيان الإبادة الجماعية التي تعرض لها بسبب ذلك سكان المدينتين المنكوبتين، هذا علاوة على الأضرار اللاحقة جرّاء تأثير الإشعاع على الأهالي والمحيط البيئي..
وإذا كان القصف النووي لهيروشيما وناجازاكي قد تمّ بقنبلتين اثنتين فقط ذات عيار متوسط وصغير وخلّف هكذا دمار، فما عسانا أن نقول إزاء عشرات الآلاف من الرؤوس النووية التكتيكية والإستراتيجية التي تنتشر في العالم اليوم، وهو ما يضع البشرية أمام تهديد فائق بسبب احتمال اندلاع حرب نووية بطريقة أو بأخرى في وقت من الأوقات، فحينئذ سيحوّل المشهد لا محالة إلى وضع كارثي مفرط الخطورة في المعمورة بأسرها.
تُعدّ اتفاقية عدم الإنتشار الأسلحة النووية (NPT) التي صدرت في سنة 1968، بمثابة جهاز التحكم في السلاح النووي والرقابة على الأنشطة الإشعاعية، وهي ترتكز على عدم استعمال الأسلحة النووية وعدم القيام بتطويرها أو نقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى، مع العمل على تسخير الأنشطة الذرية لخدمة الأغراض السلمية فقط. غير أن ذلك لم يكن مُجديا، إذ على الرغم من انعقاد الكثير من المباحثات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي عدة محافل دولية أخرى، إلّا أن الدول المعنيّة لم تتخذ من التدابير الجادة ما يكفي للإلتزام بجوهر المعاهدة بل تمادت بعض الدول النووية في مواصلة برامج التطوير. ومن ناحية أخرى هناك من الأسس ما يحمل على الإعتقاد أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بإمداد دول في حلف الناتو برؤوس نووية، وهو ما يتنافى مع مبدأ عدم الإنتشار.
أما الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلّة، وهو معروف بعد امتثاله للشرعية الدولية، فيظل متكتّما على برامجه النووية ورافضا إخضاع منشآته ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل للرقابة الدولية، وفي ذات الوقت يواصل تطوير قدراته بلا رقيب ولا حسيب بل ويحظى بكل الدعم المادي والمعنوي من حلفائه التقليديين. وقد وصل الأمر إلى الحد الذي جعل بعض الدول الغربية تعمد إلى تقويض الجهود الرامية إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، لأن ذلك لا يرضي الكيان الإسرائيلي باعتباره الوحيد الذي يمتلك أسلحة نووية في هذه المنطقة، وآخر تلك المواقف هو ما جرى في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الإنتشار النووي المنعقد بنيويورك خلال شهر مايو 2015، حيث تم إفشال الإتـفاق على تنظيم مؤتمر لمناقشة سبل جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وذلك حينما رفضت كل من أمريكا وبريطانيا وكندا جزءا من البيان الختامي فيما تضمنه من تحديد موعد نهائي لعقد هذا المؤتمر.
,
وكأنّي بلسان حال الدول المساندة للكيان الإسرائيلي يقول أنه يحق لإسرائيل أن تنفرد بحيازة أسلحة دمار شامل في منطقة الشرق الأوسط وأن تحتفظ بترسانتها النووية، لكن ذلك محرّم على من سواها في هذه المنطقة. وهذا أمر ثابت فقد كانت أمريكا في سنوات سابقة قد دمّرت العراق تدميرا ساحقا تحت ذريعة أنه يمتلك برامج ومخزونات ترتبط بأسلحة الدمار الشامل، والمفارقة أن القوات الغازية حينما اكتسحت الأراضي العراقية لم تعثر على أي شيء من تلك الأسلحة المزعومة.
إذا كانت الأوضاع في المسألة النووية تسير على هذا النحو من احتفاظ الدول النووية بترساناتها وتماديها في برامج التطوير والصيانة والعمرة إلى قيام دول بعرقلة المساعي الرامية إلى جعل أقاليم معينة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإن هكذا أوضاع بعثرت الجهود الدولية الموجّهة للتعامل مع مسألة نزع السلاح وجعلتها في مهب الريح، ولطالما الأمر كذلك فما الذي يضمن عدم ظهور تطوّرات عاجلا أو آجلا في العالم تجعل اللجوء إلى استخدام هذه الوسائل المدمّرة في يوم من الأيام أمرا واقعا؟
وحيث تتطلّع الغالبية العظمى من دول العالم إلى الهدف المنشود في كنف وضع يكون فيه العالم أكثر أمنا وسلاما، غير أن بعض القوى الدولية الكبرى ترى مصالحها الإستراتيجية في تكريس الأمر الواقع، بدءا بالتمسّك بالسلاح النووي ومرورا بمواصلة دعم الإحتلال الإسرئيلي، ناهيك عن التأسيس للإرهاب ثم توظيفه بما يخدم غاياتها. لذلك فقد ظل الإستقرار في العالم متصدّعا والأمن مفقودا بسبب تلك الممارسات السياسية الخاطئة وانعكاساتها الضارة. وفي حين أن المجتمع الدولي بوسعه التعاطي بمهنية مع القضايا العالقة وتقديم الشيء الكثير من أجل أن يتحوّل العالم إلى وضع أفضل وذلك من خلال حل المشاكل القائمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، تلك الأرض الوحيدة المحتلّة في العالم، وهو إحتلال من المعلوم أنه يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة ويشكّل انتهاكا واضحا لهذا الميثاق فيما ينص عليه من عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة. وعلى العموم فإن تسوية مجمل المشاكل الآنفة الذكر لن يتأتّى إلا إذا استقامت الأمور وتوقفت دول محدّدة عن ممارساتها المعهودة في إبطال الحق والتأثير في المحافل الدولية، فعسى هذا التوقّف أن يسمح بترسيخ مبادئ العدل والإنصاف لدى المنظومة الدولية وبالتالي الوقوف بموضوعية وحياد على نفس المسافة من جميع الأطراف، وذلك على خلاف ما هو سائد الآن من اعتماد الأساليب التقليدية في التعاطي مع القضايا المطروحة بواسطة المعايير المزدوجة والإلتفاف على القانون الدولي