إنه اليوم الأحد 1981/6/7 كان يوما هادئا لبعض الطيارين أما الأخرون فكانوا على العكس من ذلك تماما . حيث قضى الجميع ليلة غير مريحة واستيقضوا قبل الساعة السادسة صباحا فتناولوا وجبة الإفطار والتي تم إحضارها إلى مقر الإقامة .
كل فرد كان خائفا في تفكيره من الخطر الوشيك المحدق بهم جميعا،هذه الطلعه لم تكن كسابقاتها ، الطيران فوق الأجواء اللبنانية على ارتفاع عالي وبدون وجود وسائل دفاع جوي فعالة كان ميسورا أما الان فالموضوع مختلف تماما ، كانت هناك أشياء كثيرة مجهولة ومن الصعب التكهن بالمجهول ألقادم.
لم يبق الكثير من الوقت على تنفيذ الطلعه ولكن ما يزال هناك قليل من الساعات حتى موعد الإقلاع في فترة ما بعد الظهيرة.
الطلعات القتالية في إسرائيل تحدث بسرعة وبدون التفكير فيها أما هذه الطلعة فغير ذلك تماما ،كل الطلعات مبرمجه على إقلاع فوري لا يتجاوز ثلاث دقائق والأصابع على زناد الرمي في أي لحظة ،فمرة إقلاع للقيام بمظلة جوية وأخرى لإعتراض طائرات الميج السورية وأخرى اعتراض لهدف مشتبه فيه مار بالأجواء الدولية ........إلخ .
هذه المهمة كانت جديدة على السلاح الجوي الصهيوني بالإضافة إلى الضغط المتواصل لتحقيق النجاح العام ، فلن تكون هناك فرصة ثانية لأن المفاجأة تحدث مرة واجدة فقط .
حتى الساعة (11) صباحا كان الطيارين يشربون الشاي والقهوة ويأكلون بعض الفواكه والأرغفة ويراجعون برامجهم ويفحصون تقارير الأستخبارات حتى وإن كانوا يحفضونها عن ظهر قلب. كان لدى الجميع شعور حقيقي بأن هذه الطلعه ستنفذ اليوم ولن تؤجل .
قام كل الطيارون بوضع الخرائط و المعلومات في جيوب بدلات الضغط الخاصة بكل واحد منهم حتى يستطيعوا مقارنتها بما سيرونه أثناء تنفيذ الطلعة وكان يوجد بها أيضا الإشارات والرموز التي تستخدم أثناء الطيران.
(لاحظ أن راديو الاتصال لن يتم استعماله بين الطائرات أثناء الذهاب و ألاقتراب من ألمفاعل ،أي إن جميع الطائرات ستكون في صمت تام تفاديا للتنصت) .
على الرغم من أن الجميع لم يكونوا جائعين فقد تناولوا وجبة الغداء باكرا ،لأنهم سيحتاجون إلى طاقه خلال السبع ساعات القادمة وكل فرد يعرف بأن هذه الوجبة قد تكون آخر وجبة له ويعرفون أيضا بأن بعضا منهم لن يعود . ولتلطيف الجو العام فإن جوزيف (يوسف) المتفائل دائما قال لصديقه أموس :
أنا أراهن على إننا سنعود جميعا !
رد آموسي بسخرية ومالذي ستقدمه مقابل رهانك هذا... ؟
فقال جوزيف : الرابح سيقوم بدعوة المجموعة كلها للعشاء على حسابه الخاص في مطعم الهمبرة تل الربيع .رد آموسي ..... اتفقنا ....!
بعد الغذاء توجه الجميع إلى حجرة المحاضرات لحضور لقاء التلقين BRIEFING الإجراءات الأمنية كانت مشدده حتى في داخل القاعدة المحمية أصلا دخل الطيارون وفوجئ الجميع بوجود رئيس أركان ألجيش الجنرال رفائيل إيتان جالسا في حجرة التلقين ، كانت عيونه محمرة ووجهه غير حليق ولكن زيه ألعسكري كان نضيفا ومكويا .
وفاة إبنه الطيار يورام قبل ثلاثة أيام كانت مأساة بالنسبة له .
التقاليد اليهودية بعد الوفاة كانت تستلزم أن يستمر الحداد طيلة سبعة أيام متواصلة وفي عزلة تامه عن ألناس ، لا عمل ولا إختلاط وها هو ألان موجود هنا يريد أن يكون مع رجاله.
كانت فترة حساسة وتأثروا جميعا بوجوده بينهم ، فإذا كانت الطلعة مهمة لدرجة جعلته يحضر حصة التلقين هذه فإنهم الآن بشعرون بأهميتها أكثر .
حضر حصة التلقين الأشخاص الذين كانوا مشتركين في المهمة بصورة رسمية فقط وقد إقتصرت على كل من :-
- عدد (8) طياري F-16 وهم : دوف ، دان ، صمويل ، جوزيف ، آموسي ، إسحاق ، جبرآئيل ، و أودى
- بالإضافة إلى عدد (2)طيارين إحتياط لأي طارئ قد يحدث لأياي من أفراد التشكيل الرئيسي على الأرض وهما إيزرو بن .
- وكذلك عدد (8) طياري F-15 تابعين للسرب 133 و ألمتخصصين في عمليات القتال الجوي وهم : إبراهام ، إيتشان(إسحاق) ، يعقوب ، ديفيد ، ليفي ، وموشي .
- بالإضافة إلى عدد (2) طيار ستكون مهمتهم التحليق عاليا في الأراضي السعودية ويكونان بمثابة محطة إعادة إرسال للمكالمات (ستكون ألفاظ مشفرة) بين القيادة والطائرات المهاجمة حتى يتسنى للقيادة معرفة أماكن تواجد الطائرات في موقع المفاعل أولا بأول وهو ما يعرف بعملية RELAY وعلى هذا فإن مجموع عدد الطيارين كان 18 طيار .
مــــــــــلاحظة :
إن إشراك طائرات F-15 في العملية كان له ما يبرره فهم يعلمون أن طائرة F-16 وهي محملة بخزانات وحمولات إضافية من القنابل ستكون غير قادرة على المناورة في حالة ما تم إعتراضها ومعنى ذلك إنها ستلقي بحمولاتها وتدخل في قتال جوي لا جدوى منه مع الطائرات العراقية مما يؤدي إلى فشل المهمة المناطه بها وهي تدمير المفاعل و على هذا فإن الواجب يحتم على طائرات F-16 الإستمرارفي الهجوم وترك مهمة القتال الجوي لطائرات F-15 بالإضافة إلى عمل مظلة جوية فوق بغداد على ارتفاع عالي لمراقبة المنطقة والأستعداد لإعتراض أي طائرة عراقية قد تقلع من أحد المطارات المحيطة بالمفاعل و التعامل معها.
كما حضرفي حجرة التلقين كل من :
- آمر السلاح الجوي اللواء ديفيد إيفري .
- أربعة من أفراد الأستخبارات بمن فيهم رئيس الإستخبارات العسكرية الجنرال الوف بوشواساجي .
التلقين للطلعة بدأت عملية ألتلقين بحالة الجو :-
كان الجو صحوا والسماء صافية بإسثناء وجود بعض ألسحب ألعالية على ألمناطق ألجبلية وحرارة ألصحراء قد تسبب في بعض ألمطبات ألهوائية على ارتفاع منخفض .
حاول المحاضر أن يبث نوع من البهجة على مزاج الطيارين بتعبيراته و إبتساماته من آن لأخر ولكن الجو إستمر متوترا ومشحونا بجو ألعمل ، من المتوقع أن يظهر خط أبيض وراء الطائرات بسبب تكاثف بخار الماء الخارجي مع الغاز العادم للطائرات CONTRAIL على ارتفاع حوالي 30000 قدم ويوجد كذلك تيار هوائي قوي JET STREAM على ارتفاع 40000 قدم متجه نحو ألشرق .
ثم جاء دور فرد ألإستخبارات حيث كرر ألقول بأن أليوم هو ألأحد وهو عطلة ولن يكون هناك أحد موجودا من ألخبراء ألأجانب في ألموقع .
- سأل جبرائيل : ماذا لو كانوا هناك ؟ فتدخل الجنرال رفائيل إيتان رئيس أركان الجيش الأسرائيلي بصوت قوي ولاذع وبنظرة صارمه ليرد على السؤال حيث قال ،،،
نحن لم نطلب منهم أن يتواجدوا هناك ولقد حذرناهم وحذرنا رؤساء دولهم أكثر من مرة وطلبنا منهم أن يعودوا إلى بلدانهم وإذا كانوا لا يريدون ذلك فإنهم سيكونون إلى جانب الإرهابيين وإذا حدث لهم شئ فهو بمحض إرادتهم و إختيارهم .
ثم قام الجنرال ساجي مدير المخابرات وعرض خارطة لموقع المفاعل موضحا إياها بالصور الأرضية وللموقع والقبه خاصة والتي كانت هي هدفهم الرئيسي.
وكذلك تطرق إلى المضادات الأرضية الموجودة في منطقة المفاعل وهي مكثفة و تقع خارج بغداد بحوالي 12 ميل والتي هي في مجملها :- - صواريخ سام 2 ، سام 3 ، سام 6 .
وقدم آخر ألمعلومات ألمتوفرة عن أماكن تمركز وحدات ألشيلكا وباقي وسائل م/ط عيار 14.5 و 57مم .ثم حذرهم بأنه في حالة إكتشافهم فإن صواريخ سام 6 ألفعالة على ألأرتفاعات ألمنخفضة ستكون مهلكة لهم .
إننا سنعتبر الهدف محصن جيدا لكي لا نقع في ما لا يحمد عقباه و لا جديد عن أي معلومات أو إضافات أخرى، ثم تابع قوله ،، لقد درسنا بإهتمام كل شئ رأيناه و سمعناه عن طلعات طائرات الأواكس ألسعودية و التي يقودها أطقم أمريكية رادار هذه الطائرة الضخمة يصل لمسافة 350 ميل ، إنهم يملكون أربع طائرات
أواكس ولكننا نتوقع وجود واحدة في الجو أثناء تنفيذ المهمة وعادة ما تكون دائرة بحث الأواكس بإتجاه الخليج ، وعليه فإنكم ستكونون في أمان تام من كشفهم لكم ،هذا بالإضافه إلى انكم ستكونون بعيدين جدا عن أماكن عملياتهم .إن مساركم سيكون على بعد 300 إلى 400 ميل من أماكن تواجدهم وكذلك إخترنا مسار الذهاب للهدف بعيداً عن الأراضي الأردنية وراداراتهم ولهذا فإن الأتجاه للهدف سيكون متعرجا بعض الشئ بدلا من الأتجاه مباشرة للهدف لضمان عدم الكشف ، نحن نعتقد بأن المنطقة الصحراوية من هنا حتى بغداد لن يوجد بها أى رادار من قبل أى دولة وإن صادف ووجد رادار فحاولوا أن تدققوا بأبصاركم أثناء الطيران إلى الهدف وعلى كل حال أنتم على ارتفاع منخفض فلم ولن يتم كشفكم .ثم أضاف :ليس لدينا إمكانية التشويش على راداراتهم لأننا نحتاج إلى آوآكس ترافقكم وهذا مستحيل .إستمر هذا الجزء من التلقين مدة نصف ساعة وفي النهاية قامت إحدى موظفات الأستخبارات وأسمها ( أوفير) بضم كل التقارير والقت نظرة حزينة معبرة بعينيها البنيتين الكبيرتين على الطيار أودي وضمت شفتيها وقبلته قبلة حزينة وهي تغادر غرفة التلقين .فأبتسم لها إبتسامه خفيفه ولوح لها بيده بخجل بطريقة أظهرت مشاعر القلق داخل نفسه حول طلعته القتالية الأولى . معظم الحضور كانوا على علم بأن الطيار أودي و أوفير مخطوبين لأكثر من سنة وهما ينتظران تحديد موعد الزواج .