تشهد الجزائر تغييرات على كل المستويات في موازاة الحراك الشعبي المطالِب بتغيير للنظام، فعلى الرغم من اتخاذ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قرارات عدة لتعديل المسار، وفي خضم هذا الوضع، أُجري تغيير وصِف بـ"المهم"، شمل جهاز الاستخبارات
في شقيها المتعلقَين بالأمن الداخلي والخارجي من دون تقديم توضيحات وحصل تغيير بالغ الأهمية في الجزائر عشية "الجمعة الرابعة" من الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، للمطالبة برحيل النظام، إذ عُيِّن الجنرال علي بن داود، الذي كان مديراً للأمن الداخلي، رئيساً للمديرية العامة للأمن الخارجي، محل الجنرال محمد بوزيت، المعروف باسم "يوسف". ولم تتم الاشارة إلى هذا "التغيير الهادئ" علناً، ولا على المستويين الإعلامي والسياسي ولا حتى على المستوى الشعبي.
وذكر مصدر مطلع رفض كشف هويته أن "التغيير له علاقة بما يحدث في البلاد من حراك سياسي وسيطرة الشعب على الشارع ورفعه مطالب برحيل بوتفليقة وتغيير كلي للنظام". وأوضح أن "النظام الجزائري يسعى إلى مواجهة ضغوط المجتمع الدولي الذي بات يخشى زعزعة الاستقرار في بلد كبير في شمال إفريقيا يقع على بعد ساعة واحدة من السواحل الأوروبية"، بخاصة في ظل تصريحات ساسة فرنسيين أشاروا الى ضرورة ايجاد حل للانسداد وتجنّب أي انزلاق نحو العنف، وهذا ما اعتبرته جهات جزائرية "تدخلاً خارجياً يستدعي الشجب".
يُذكر أن الجنرال بن داود، عمل سنوات طويلة ملحقاً لدائرة الاستعلام والأمن في السفارة الجزائرية في باريس، وكان له خلالها تواصل مع كبار مسؤولي الأمن والسياسة بفرنسا، وهذا ما مكّنه من تأسيس شبكة علاقات واسعة ضمن أكثر الدوائر المتنفذة في مجال الصحافة الفرنسية.
كذلك أكد المصدر ذاته أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مارس ضغطاً كبيراً على محيط بوتفليقة من أجل التوصل إلى خريطة طريق تقترح مخارج للأزمة الحالية في الجزائر. وأثارت تصريحات الرئيس الفرنسي عقب اصدار الرئيس الجزائري قرارات هدفها تهدئة المتظاهرين، غضباً في الشارع الجزائري، بخاصة بعد إشادته بقرار بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة، متمنياً أن "تكون المهلة الانتقالية معقولة". وأضاف المصدر أن الملف الجزائري يحوز "أهمية استراتيجية" لدى دول الاتحاد الاوروبي وبشكل خاص فرنسا.
تابع المصدر أن التغييرات المرتقبة على مستوى جهاز الاستخبارات تندرج في سياق هيكلة الأجهزة الأمنية، مشيراً إلى أحاديث في الكواليس عن عودة مرتقبة للجنرال محمد مدين، الملقّب بـ "توفيق"، على رأس مجلس الأمن القومي. واعتبر أن كل ما يحدث حالياً على الساحة الجزائرية، انعكاس للصراع في أعلى هرم السلطة. وقال "لا يمكن استبعاد ارتباط ملف خليفة بوتفليقة بالتغييرات في المؤسسة العسكرية، على الرغم من وجود أسباب أخرى وراء هذه التغييرات".
وكان بوتفليقة أنهى في العام 2015، مهمات مدير الاستخبارات محمد مدين (توفيق)، في تطور رأى فيه مراقبون إجراءً للحد من تدخل رجال الاستخبارات في السياسة، إلا أن الحقيقة قد تكمن في صراع اندلع بين الطرفين عندما عارض الجنرال المُقال الولاية الرابعة للرئيس، وسعيه إلى إيجاد حليف آخر لعلمه بمرض بوتفليقة وعجزه عن اكمال ولايته. وهذا ما الرئيس إلى اتخاذ إجراءات عدة ضمن مؤسسات الدولة، عبر تنحية جنرالات، لكن الامور لم تهدأ وبلغت الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد.
يُذكر أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين قال حين تحدث عن السلطة في بلده، إن "الجيش يشكل العمود الفقري للبلاد، والاستخبارات نخاعها الشوكي".