ذكر مصدر مقرّب من مراكز القرار العسكري أن اجتماعاً طارئاً للقيادة العسكرية عُقد أخيراً لـ "بحث تداعيات الحراك الشعبي الذي فاق التوقعات، إذ كانت قيادة الجيش تراهن على تراجع حدة الاحتجاجات وتهدئة الأمور، تمهيداً لإطلاق مسار الفترة الانتقالية. لكن العكس
حدث، إذ تصاعدت نبرة النقمة الشعبية واتسعت رقعتها واستقطبت تظاهرات "جمعة الرحيل"، التي عمت مختلف المدن والمقاطعات الجزائرية للأسبوع الرابع على التوالي، أكثر من 20 مليون محتج، من بينهم نحو 6 ملايين في العاصمة الجزائرية، وفق تقديرات أولية نُقلت عن أجهزة الحماية المدنية.
أضاف المصدر أن الاجتماع العسكري شهد تجاذبات عاصفة بين عدد من كبار الضباط بشأن ما اعتبره بعضهم "قصوراً وتخبطاً في الإجراءات التي أُعلنت بعد تأجيل الانتخابات".
وعبّر قادة في الجيش عن مخاوفهم من أن "تتسبب الأخطاء المتتالية في أسلوب المعالجة السياسية للأزمة باحتقان الأوضاع أمنياً، وجرّ البلاد نحو دوامة العنف"، وهذا ما دفع برئيس هيئة الأركان، الجنرال أحمد قايد صالح، الى طمأنة العسكريين إلى أن "الجيش سيستجيب كل التطلعات الشعبية، وسيعمل على تسليم السلطة إلى الرئيس الذي ستختاره الإرادة الشعبية". وتابع المصدر ذاته أن قائد الأركان تعهد أمام "الضباط الناقمين" أنه لن يقبل "إراقة قطرة دم واحدة"، قائلاً إن "مَن يمس سلامة الشعب يمسني شخصياً".
وسرت أنباء نُسبت إلى مصادر إعلامية معروفة بقربها من المؤسسة العسكرية عن احتمال تولي رئيس هيئة الأركان، الجنرال قايد صالح، منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية التي سيُعلن تشكيلها في الأيام القليلة المقبلة. ويُرجَّح أن هذه الخطوة تأتي امتداداً للتجاذبات التي شهدها الاجتماع الأمني الأخير، إذ إن تسلم رئيس هيئة الأركان منصب وزير الدفاع، الذي يشغله بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم في العام 1999، من شأنه أن يخفّف مخاوف "الضباط الناقمين" من لجوء بعض "جماعات الضغط" المحسوبة على محيط الرئيس الى أعمال استفزازية بهدف جرّ المتظاهرين إلى العنف، ووضع الجيش أمام الأمر الواقع، ليتدخل مضطراً لضبط الأمن، وهذا ما لا ترغب فيه القيادة العسكرية الحالية. لكن كل هذه الخطوات التطيمينة لم تنجح على ما يبدو، في وضع حد للخلافات والتجاذبات في أعلى هرم المؤسسة العسكرية. ولم تكد تمضي ساعات قليلة على الاجتماع الأمني الأخير حتى انتشر خبر تنحية قائد جهاز الاستخبارات الخارجية، الجنرال يوسف بوزيت، ليحل محله الجنرال علي بن داوود.
ولم ترشح أي تفاصيل عن ملابسات هذا القرار ودوافعه، إلا أن عودة الجنرال بن داوود إلى قيادة الاستخبارات الخارجية بعد إحالته على التقاعد في العام 2015، ضمن حملة أطلقها مقربون من بوتفليقة آنذاك لإبعاد "الحرس القديم" في جهاز الاستخبارات، إثر إقالة مديره الجنرال توفيق مدين، تشكّل حدثاً لافتاً.