رغم أن العدو الصهيوني يطور الجيش بكافة أصنافه وأسلحته، وغالباً ما يعتمد على السرية التامة فيما يتعلق بالإستراتيجية الدفاعية لكنه يثير بين حين وآخر زوبعة من التشكيك إما لغرض سياسي أو أن هذا أصلا من سياسة الكيان، ومن هذا المقال يتبين للقارئ الكريم مدى الحرص على امتلاك أفضل الوسائل الدفاعية رغم الفساد المتفشي وتبادل التهم بين السياسيين الصهاينة،
وقدغيرت العنوان ليكون تدهور ميزانية البحرية الإسرائيلية لتعلق المقال بهذا الشأن، وقد قصد الكاتب بعنوانه (بحر المتاعب) أن البحر يشكل مصدر تعب لمن يختصون في هذا المجال، وكذلك يسبب المتاعب لإسرائيل التي تشتكي من أبسط الأسباب المهددة لكيانها.
لو تدريجيا)، وقد وصف رئيس هيئة الأركان الصهيوني الحالي بيني جانتز سلاح البحرية بأنه السلاح الأصغر نسبيا، على الرغم من وصفه له في وقت سابق بأنه الذراع الذي يسمح بوصول إسرائيل بدقة وبقوة وفي صمت وأمان لأي نقطة على الكرة الأرضية.
ويذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن إيهود باراك قال في حفل تخرج إحدى دورات البحرية: إن هذا السلاح - ويقصد سلاح البحرية - يحتل تراتيب متقدمة في القدرة المهنية التكنولوجية التي لاقت إعجاب الكثيرين، وقبل كل شيء القدرة التشغيلية والخبرات المكتسبة في العديد من العمليات، وبعيداً عن قواعده يكون هو أحد الأساطيل الوحيدة المؤثرة في العالم حسب اعتقاد المتحدث.
ويضيف: إن سلاح البحرية يعتبر قوة بحرية فعالة وحقيقية، ولكن ليس بالضرورة أنه لا يعاني من بعض المشاكل، فيبدو أن الأمثلة كثيرة لتوضح أكبر مشكلة وهي الميزانية، فبالنظر للحكومة والكنيست ووزارة المالية يظهرأنهم جميعاً يسعون وبشكل حصري تقريبا لزيادة حجم هذه الميزانية، ويتركون لهيئة الدفاع توزيعها، وإن قادة هذه الهيئة كثيراً ما يتكلمون عن التهديدات والاحتياجات الجديدة للجيش للمطالبة بالمزيد من المال، وهذه المسألة تدرعليهم أموالا طائلة، ولكن رجل الشارع لا يسأل ما هي النتائج الناجمة عن قراراتهم، ولا عن كيفية توزيع المال، بل ما يهمه هو ضمان سلامته.
العدالة مفقودة في توزيع الميزانية:
ويعرض إيلي ماروم (تشيني) أنه عندما أنهى منصبه كقائد للقوات البحرية وقدم تقريراً يصف فيه مدى جاهزية هذا السلاح حتى الانتهاء من حرب لبنان الثانية والتي جعلته في وسط خريطة الجيش، ورغم ما حصل لهذا السلاح فإنه مستعد لتولي مهامه في مواجهة أي حرب متوقعة، ووفقاً لسيناريوهات مختلفة وغير مصرح بها فقد نشرت وسائل الإعلام الغربية أن هذه التجهيزات هي جزء من تخطيطات الهجوم الإسرائيلي على إيران.وبشأن الميزانية فإنه وفقا لمصدر في سلاح البحرية فإنها تبلغ حوالي مليار شيكل سنويا، ويذكر الدكتور يوفال شتاينتز أن هذا المبلغ أقل من اثنين في المئة من ميزانية الدفاع، ويرتكز هذا الرقم على (نقاط حيوية) ما يسميها الجيش الإسرائيلي موازنة العلاقات في الميزانية مع تقييم الاحتياجات التي لم تتغير منذ عقد من الزمن على الرغم من التغييرات الواضحة في تقارير التقييم، ويوصف إدراج مليار شيكل هنا تحت اسم (حملة تضليل شعبية) لا يرونها على أرض الواقع، فقد تمت الموافقة مؤخراً على مبلغ 2.4 مليار لشراء طائرة التدريب الجديدة للقوات الجوية، ومن ضمن هذا المبلغ هناك قسط لشراء حاملة الجنود المدرعة والخاصة بالقوات البرية.
و مع تواصل الاعتقاد بعدم وصول الأموال لسلاح البحرية؛ وذلك لأن هيئة الدفاع المختصة بتوزيع الميزانية يتكون جل أعضائها من مسؤولين في البرية أو بعض المدنيين الذين يعينون من قبل جنرالات القوات البرية، وأيضاً ليس ببساطة دخول ضباط سلاح البحرية فى هذه الهيئة، و بالتأكيد لن تكون على حساب سلاح آخر.تفعيل سلاح البحرية:في فبراير 2002 نظمت اللجنة المشكلة لشؤون الخارجية والدفاع؛ وذلك للنظر في (تفعيل سلاح البحرية) ليصبح ذراعاً إستراتيجياً، حيث ذكر رئيس اللجنة أنه حان الوقت بعد مضي 53 عاماً من الاعتماد بشكل أساسي على سلاح الجو ليفتح أمام الجيش الإسرائيلي طرح خيارات بديلة بشكل واضح، فهوكما يبدو لا يريد وضع كل البيض في سلة القوات الجوية. ويضيف يوفال شتاينتز الذي يشغل الآن منصب وزير المالية أنه يختلف مع أعضاء لجنة الدفاع حول طلب هذه الارقام الكبيرة، ولكنه لم يلمح بخفض طلباتهم أكثر من ذلك، وأشار إلى أنه يسعى في مساعدة سلاح البحرية وفتح باب حرية التعبيرلأفراد الجيش ومن بينهم أفراد البحرية.
ومن جهة أخرى: فإن وسائل الإعلام تشعل نار الخلافات من خلال بعض التصريحات داخل هيئة الدفاع التي توجه للجيش الإسرائيلي لتخلق دائرة ثالثة تسلط عليها الأضواء، وتكثف من مطالبها من الجيش دائماً وبشكل سري، ويؤكد قائد الأسطول البحري بوجه خاص أهمية التركيز على الإعداد للحرب وخاصة بعد اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط في مياه البحرالمتوسط، ووجوب الدفاع عن هذه المياه وحمايتها، فمن خلالها يدخل أكثر من 90 % من البضائع المستوردة، فهذه مصلحة وطنية واضحة للعيان، ويذكر أحد كبار ضباط البحرية: (نود أن يفهم الجميع ما معنى أن يطير صاروخ فوقنا، وأن يدرك ماذا يعني وصول سفينة مشبوهة إلى موانئنا).
إن التغيرات الإقليمية في العامين الماضيين تضاف إلى دائرة التهديدات المحتملة، فمثلاً البحرية المصرية التي تمتلك عدة سفن تحمل صواريخ تسبب قلقاً بسبب نظرتها العدائية للجيش الإسرائيلي.
أما في سلاح البحرية فإن الشيء الوحيد الذي يعمل بكفاءة طوال العقد الماضي هو الغواصات، وهذا ليس مستغرباً، فقد واجه قرار شراء غواصات من إيهود أولمرت معارضة كبيرة من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي بقيادة دان حالوتس، وكذلك شراء ثلاث غواصات إضافية من ألمانيا: واحدة منها قد وصلت لإسرائيل خلال العامين الماضيين؛ ويرجع ذلك في الأساس إلى العوامل المنصوص عليها في قرارات إسرائيل الحاسمة التي لا ترقى لأن تكون في حجم مسألة الأمن المثيرة وكذلك الفرص الاقتصادية.
إسرئيل وتركيزها على الدعم الخارجي:
يتحدث الجنرال ماروم في وسائل الإعلام عن (قدرة الضربة الثانية) وغيرها من الأمور التي لا يمكن تفصيلها هنا، والجميع يدرك ما أهمية الغواصات وخاصة بعد التمويل السخي المقدم من الحكومة الألمانية وبعد التسهيلات التي وقعت عليها أنجيلا ميركل، فإن هذا هو السائد دائماً في سهولة اتخاذ القرارات، وذلك عندما يأتي المال من خارج إسرائيل، ولم يكن تبادلاً للمصالح أصلاً إلا أن الحكومة الألمانية لا تقدم لإسرائيل خياراً بين الغواصات والمدافع بحسب قول المتحدث، ويضيف أن دخول الغواصات الجديدة يتطلب زيادة في تمارين الغطس إلى الضعف تقريبا، وكذلك التخلي عن زيادة أعداد السفن المتراكمة وتكاليف الصيانة وما إلى ذلك.
وببساطة فإن القوات البحرية حالياً ليس لديها ميزانية مناسبة لإدارة ست غواصات، وهذا النظام لديه فساد نسبي داخل سلاح البحرية، وذلك في كمية انتشار القطع البحرية المسلحة، وخاصة القطع الصاروخية التي قوتها تقترب من الخط الأحمر؛ وذلك لأن ثلث القطع قديم، فمثلاً الزورق الصاروخي التابع للبحرية الذي قاده تشيني خلال حرب لبنان منذ 30 عاماً (وفي ذلك الحين لم يكن حديثا تماما) فهو لا يزال في الخدمة في سلاح البحرية إلى اليوم.سلاح البحرية وأمان إسرائيل:
يتم التباحث داخل سلاح البحرية من أجل ضرورة اتخاذ قرار سريع لتوفير المهارات المطلوبة في ظرف خمس سنوات على الأقل مع التركيز على عدم قدرة الجيش على مراقبة السفن المارة عبر المياه مع ازدحامها، هذا ويجد سلاح البحرية صعوبة في حماية منصات الغاز والأماكن التي من شأنها خدمة إسرائيل مع التلويح دائماً بخطر السقوط في اعتداءات لم يحسب لها من قبل، وتحديداً لا يركز خبراء سلاح البحرية على الجزء الأكبر من القطع البحرية وخاصة القطع الصاروخية وسفن الإبرار، وإنما يقتصرون على ما يعمل حاليا في سلاح البحرية، ونظراً لأسباب اقتصادية فإنهم مستعدون للحديث حول السفن البحرية التي أصبحت لا تحمل المعايير العسكرية الكاملة، وكذلك تقليص جزء من الوظائف، ولكن من الواضح من خلال هذا البحث أنه يمكن التركيز على القوة البحرية الأكثر قدرة على الدفاع عن النفس والسيطرة الكاملة على بيئتنا وفرض حزام مخابراتي من حولنا.
ومع احترامنا لما تقوم به الغواصات فإنها لا تحمي المياه بشكل اقتصادي، فالمطلوب عند النظر في تكلفة الشراء الأخذ بعين الاعتبار ميزانية سلاح البحرية لتتم المحافظة عليها، فقيادة سلاح البحرية سترصد لهذا المشروع حوالي ثلاثة مليار شيكل في غضون الخمس سنوات القادمة، وإن أكثر من نصف هذا المبلغ صودق عليه مؤخراً لشراء طائرة تدريب خاصة للقوات الجوية.
وغالباً ما تستخدم كلمة (اختلاس) في سلاح البحرية فلا يمكن تفسيرها على النحو المطلوب وخاصة مع عدم العلم بما يحدث داخل سلاح البحرية، و يجب العمل بجد على تحديث القطع البحرية، والبعض منها لا يمكن صيانتها، كما يجب التفكير في الاستغناء عن بعضها كما في فكتوريا وفرانكوف التي وصفت بالمتهالكة بالإضافة إلى 13 قطعة بحرية أخرى لا تتبع سلاح البحرية الآن، وكانت بقيادة اللواء رام روثبيرج وهو خريج القوات البحرية وقائد سابق في وحدات النخبة.
والحقيقة أن عدم وجود هيكلية في اتخاذ القرار وخاصة في مسائل الأمن يبرهن أن المسؤولين لم يتأثروا بالعالم المشتعل، وأن قيادة الجيش تود الاستمرار في هذا الشأن مع أملها أن تكون قيادة وطنية بعد ما حدث في السنوات الأخيرة - وخاصة في حرب لبنان الثانية - التي أصابتنا بالهستيريا أكثر مما يصدق، ويأمل وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان أن يكونا ذوي وطنية في هذه البلاد بغض النظرعن سعيهما لتحفيز الجيش الذي تحتاجه إسرائيل.
إن ميزانية سلاح البحرية أقل ميزانية في الجيش، ويعتقد المختصون أن القوات الجوية والبحرية بينهما فارق كبير أصلا ً، فسلاح الجو يحصل على معظم المميزات، فحصته من الميزانية هي أكثر من نصف النفقات العسكرية إجمالاً، ويحتكر المسؤولون به بعض القرارات مثل شراء طائرة مقاتلة متطورة مكلفة للغاية، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لشراء طائرة - F35، في حين لا تحصل قوات البحرية على شيء مما ذكر في هذه القضية إلا الغواصات، ولكن هذا تحد أمام المواطن الذي لا يعلم من يصنع القرار، وهذا تحد أيضاً للقادة العسكريين الذين لهم وجهة نظر في مثل هذه الأمور كما في أنظمة الدفاع مثل (القبة الحديدية)، والقرارت التي صيغت من أجلها، إن من يترددون اليوم على وزارة الدفاع يعتقدون أن الجدل دائر حول هذه المنصة وكذلك الأنظمة الخاصة بسلاح البرية مثل ناقلة الجنود المدرعة متعددة المهام وغيرها من الوسائل المهمة في ميدان الحرب، ولكن في حين يتحدث الجميع عن أهمية التفكير في الدفاع والأمن خاصة بعد تلك المتغيرات، فمن الذي يوضح لنا ما معنى ميزانية منخفضة؟
هل يعقل ما يصدر عن القيادة الدفاعية الإسرائيلية؟! وما هو المهم قبل أن ندفع ضريبة لدرء التهديدات؟
فهل عندها يحين الوقت لمنح الميزانيات ؟