هذه الصفحات تستعرض كتاب ( روميل والفيلق الأفريقي .. حرب الصحراء ) الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1998. للعميد الركن: سليمان محمود سليمان.
والذي يروي فيه أحداث ومعارك الحرب العالمية الثانية التي جرت فوق الأرض الليبية بين قوات المحور والحلفاء في بداية أربعينيات القرن الماضي.
يتكون الكتاب من مقدمة وأحد عشر فصلاً وخاتمة، في المقدمة يعطي الكاتب لمحة عن المنطقة التي عاش فيها طفولته، وعن تاريخها، لأنها هي الساحة التي ستدور عليها وفي نطاقها المعارك الني تصفها وتتحدث عنها الفصول الأحد عشر.فبعد هزيمة إيطاليا أمام القوات البريطانية في شمال افريقيه وطردها من برقة، حتى وصلت إلى منطقة خليج سرت، رأت ألمانيا أن تساعد حليفتها إيطاليا في استعادة برقة وطرد بريطانيا من مصر، ومن ثم السيطرة على جنوب البحر الأبيض المتوسط.
لذلك أرسلت اللواء (فون توما) خبير الدبابات إلى ليبيا لاستطلاع الموقف، وكان رأيه أن أربع فرق مدرعة كافية لتحقيق الهدف، وأن هذا العدد هو الحد الأقصى الذي يمكن تموينه وامداده في الصحراء.
وفي 1941/1/11 م أصدر هتلر الأمر رقم 22 بشأن إعداد قوة وإرسالها إلى ليبيا، لذلك أُعتبر هذا الآمر شهادة ميلاد الفيلق الأفريقي، وقد أطلقت هيئة الأركان الألمانية على هذه العملية أسم (زهرة عباد الشمس) ومن هنا بدأ (الفيلق الأفريقي الألماني) الذي اختير اللواء (افرين روميل) قائداً له. واخُتيرت شجرة النخيل شعاراً له.
وبعد أن استلم روميل أمر القيادة العليا طار إلى روما لمقابلة القادة الايطاليين،
ومن ثم إلى ليبيا حيث وصل إلى مطار قلعة بينيتو (مطار طرابلس الدولي) يوم 1941/2/12 م، ووصلت بعده طلائع القوات الألمانية إلى ميناء طرابلس يوم 1941/3/31 .
وطار روميل بطائرته نحو الشرق مستطلعاً القوات البريطانية في منطقة خليج سرت، كما قام باستعراض بعض قواته بالميدان الرئيسي بمدينة طرابلس. كان طلب القيادة الألمانية من روميل أن يتوقف ولا يقوم بمهاجمة القوات البريطانية، إلا بعد استكمال تواجد قواته في ليبيا والذي لن يحدث قبل شهر مايو. وكان ذلك تقدير واعتقاد البريطانيين.
إلا أن روميل رأى عكس ذلك فبدأ بالهجوم على القوات البريطانية في 1941/3/31 م بداية من مرسى البريقة متجهاً نحو إجدابيا، ثم عبر الصحراء إلى المخيلي بعكس ما كان يعتقده القادة البريطانيون. وتم له احتلال المخيلي الصحراوية في قلب برقة، والتي كانت قاعدة إمداد القوات البريطانية، وتم لروميل أسر ألفي جندي من القوات البريطانية، وأسر عدد من قادتها كان بينهم اللواء (أوكنور) الضابط الأيرلندي خبير حرب الصحراء وهو الذي طرد ودمر القسم الأكبر من الجيش العاشر الايطالي الذي كان يقوده سفاح ليبيا المشير غرسياني وغنم روميل في هذه المعركة أيضاً نظارته البلاستكية الشهيرة، وكذلك مكتب على عربة قيادة.
ورغم شدة الهجوم الألماني وسرعته إلا أنه فشل في احتلال طبرق واكتفى بالالتفاف حولها، وظلت طبرق الجوزة التي يصعب كسرها. وانطلق روميل نحو الحدود المصرية فاحتل البردي والسلوم وكابوتيزو. وخاض في سبيل ذلك معارك دامية. وكل ذلك تم وباقي قواته لم يكتمل وصولها إلى ليبيا.
كان روميل يعتمد في جمع المعلومات على الاستطلاع البري والجوي، أما المعلومات المهمة كانت تأتيه من اعتراض الاتصالات اللاسلكية البريطانية.
استمرت المعارك بين الطرفين المتحاربين سجال على جانبي الحدود المصرية الليبية في ممر حلفايا وفي السلوم (معركة الفأس) ولم يستطع البريطانيون التقدم غرباً، ولم يستطع الألمان كسر الجوزة.
في ليلة 1941/11/15 م تسللت إلى شاطئ مدينة سوسة فرقة كوماندوس بريطانية لتنفيذ خطة لقتل أو أسر القائد
الألماني روميل وذلك بالهجوم على بيت من طابقين يقع قرب ضريح سيدي رافع بمدينة البيضاء، كانت تعتقد الاستخبارات البريطانية أنه مقر إقامة ثعلب الصحراء. إلا أن المحاولة باءت بالفشل.
ردت القوات البريطانية بهجوم مضاد قبل خمسة أيام من الموعد الذي حدده روميل للهجوم على طبرق، وكان هجوماً مفاجئاً بدأ أثنا هطول الأمطار في الصحراء يوم 1941/11/17 م.
كانت القوات البريطانية تفوق قوات روميل من الألمان والايطاليين في عدد الجنود والدبابات والمدفعية وبدأ الهجوم من مراكز القوات البريطانية في غرب مصر ومن طبرق في اتجاه مركز القوات الألمانية جنوب طبرق، وكانت الخطة البريطانية تعتمد على ردات فعل القوات الألمانية مما لاقت نقداً كبيراً.
الموقف القتالي وكذلك واللوجستي (الاداري ) جعلا روميل يأمر قواته بالانسحاب إلى خليج سرت رغم رفض حلفاءه الايطاليين وبعض من القيادات الألمانية العليا، وهذا الهجوم هو ما عرف بمعركة الصليبي. لقد كان انسحاب روميل تكتيكياً للحفاظ على قواته ومعداته، والاقتراب من قاعدة إمداده في طرابلس لذلك رد بهجوم مضاد فور توقف هجوم البريطانيين عند مرسى البريقة بعد أن عرف أن قواته تفوق قوات أعداءه الموجودة في برقة، واستخدم روميل مبدأ السرية التامة في خطته وتحركه وأخفى ذلك حتى على حلفاءه الطليان. وكان هدفه الأول من الهجوم استعادة بنغازي للاستفادة من ميناءها، وكذلك احتلال قلب صحراء برقة (مسوس المخيلي) ومن ثم طرد البريطانيين من برقة، وكان له ذلك حيث انسحب البريطانيون إلى منطقة عين الغزالة غرب طبرق وأقاموا خط دفاعي بطول 40 ميل.
وفي 26 /1942ف أستأنف روميل تعرضه لقوات الحلفاء عند خط عين الغزالة - بئر أحكيم، ويظل هدفه من ذلك هو كسر الجوزة.
وفي هذه المعركة تمكن من دحر القوات البريطانية وحلفاءها من خط عين الغزالة - بئر أحكيم، وتقدم ملتفاً حول طبرق التي تمكن من احتلالها في يوم 21 الصيف 1942ف ورُقي روميل في هذا اليوم إلى رتبة مشير.
انطلق المشير روميل بقواته من طبرق باتجاه العلمين، للسيطرة على ذلك الموقع المهم الذي يقع بين البحر المتوسط شمالاً وبحر الرمال ومنخفض القطارة جنوباً وخط الجبهة به يصل إلى 35 ميلاً و توجد بالمنطقة الهضاب التي تفصل امتداد الصحراء، ويستفاد منها في عمليات الاستطلاع. وفي هذا المكان تواجهت قوات الحلفاء وقوات المحور مواجهة مصيرية تحددت بها نتائج الحرب العالمية الثانية في شمال إفريقيا، وكان يقود قوات المحور المشير روميل، ويقود قوات الحلفاء اللواء مونتيغمري. كان مؤشر القوة في عدد القوات والأسلحة يميل إلى صالح الحلفاء بشكل كبير جداً ، وكان روميل يعاني من نقص شديد في كل شيء وخاصةً الوقود.
بدأت المعركة ليلة 23 -1942ف بين الجيش الثامن البريطاني وجيش البانزر الألماني، وبدأ هجوم الجيش الثامن بعملية الشحنة الفائقة، بقوات ضخمة لا مقدرة لروميل على صدها، وأرسل روميل إلى هتلر طالباً المدد. فأجابه هتلر بأن دعاه إلى الصمود والمقاومة حتى النهاية بتحقيق النصر أو الموت في الصحراء بدون أن يرسل إليه أي شيء، وحاول روميل إطاعة قائده فأوقف الانسحاب الذي كان قد قرره.
إلا أن قوات الحلفاء أجبرته على الانسحاب غرباً الذي بدأ من منطقة الحدود الليبية المصرية يوم 4 -1942ف لينهي وجود قوات المحور في ليبيا وشمال أفريقيا، حيث غادر روميل ليبيا متجها نحو الحدود التونسية .
إن هذا العرض لكتاب (روميل والفيلق الإفريقي...حرب الصحراء) لا يمثل تلخيصاً له، بل هي دعوة لقراءته، لذا لم نتطرق إلى تفاصيل المعارك، ولا المواقف الشيقة والمثيرة الواردة به، وإن قمنا بالتلميح عن بعضها روميل والقادة الألمان وجنودهم، ولعل هذا الإعجاب يستند إلى التعاطف الذي كان يبديه الليبيون تجاه القوات الألمانية، نتيجة المعاملة الطيبة التي كان يمارسها الألمان مع الليبيين بعكس ما كان يفعله الطليان أثناء احتلالهم لليبيا، كما ذكر الكاتب في المقدمة. ولقد كان العرب جميعاً يتعاطفون مع هتلر وألمانيا لأسباب عديدة، منها أنه دك لندن عاصمة بريطانيا التي كانت قواتها تحتل معظم أقطار الوطن العربي كما أن قواته احتلت فرنسا التي كانت تحتل عدد أخر من أقطار هذا الوطن.
إن هذا الكتاب يجعل قارئه وخاصة العسكري يعيش الحدث نتيجة لوصف الكاتب للشعور الإنساني عند هذه المواقف، كما أنه لا يُغفل الأحداث البسيطة التي تحدث على هامش المعارك، والكتاب يحتوي على عدد من الصور التي توضح تلك المعارك كما توجد به صور للقادة والقوات الألمانية ولبعض المواقع بالمنطقة. وما يميز الكتاب أنه يعتمد على مراجع عربية وأجنبية من طرفي الصراع لذلك، نرى دقة الوصف وحيادية التحليل رغم الإعجاب الشديد بالجانب الألماني. يذكر المؤلف اعتزاز الضباط والجنود الألمان وفخرهم باشتراكهم في تلك المعارك بالرغم من هزيمة بلادهم النكراء. وورد في الكتاب عبارات للقائد الألماني اللواء (فون ازبيك) تقول: (لقد كان هناك صديقان عرفناهما بصورة خاصة، وبقيت أثارهما في مخيلتنا احدهما الزهور التي كانت تنبثق في الربيع بعد هطول الأمطار، فتجعل الصحراء الليبية جنة من الجنان، وثانيهما سكان وأسياد الصحراء العرب الذين عُرفوا بحسن الوفادة وكرم الضيافة).
إن هذا الكتاب جدير بالقراءة وخاصة من قبل العسكريين لأنه يصف مسرح عمليات بالغ الصعوبة، ومهم لمن يحبون دراسة التاريخ، وتاريخ الحروب وخاصةً الحرب العالمية الثانية في صفحتها الإفريقية .