حدث غريب ومثير جرى خلال الحرب العالمية الأولى الحرب التي وصفت بالشرسة وكانت بحق من أعنف الصراعات التاريخية في حياة الأمم والشعوب , حدث حمل رسالة السلام بعفوية النفس البشرية التي تعود في أحيان كثيرة لفطرتها التي تنزع للسلام والتواد حتى
في أصعب الظروف حدث ذلك عشية عيد الميلاد المجيد عام 1914 حدث قد يصنف بأنه حالة عصيان غير معلنة وفي وضع أخر من الممكن أن نطلق عليه حالة إنسانية خالصة نزعت فيها النفس البشرية للسلام والأمن وسط أتون حرب مدمرة أتت على كل شيء حولهم حالة غريبة خاطر فيها الأعداء السابقون بأرواحهم بالخروج إلى الأرض البراح التي لا تنتمي لأحد بين الخنادق المتحاربة، لكي يتبادلوا التهاني بعيد الميلاد المجيد، وليلعبوا كرة القدم بفرح ووئام.
الهدنة العفوية غير المعلنة ووقف إطلاق النار حدث بين القوات الألمانية من جهة ومن القوات البريطانية والفرنسية من طهة أخرى القصة نقلها لنا الكابتن إيه. دي . شارتر Captain A. De. Charter يالذي كان مشاركاً في تلك الحرب وكان ضمن كتبية غوردون الجبلية الثانية، خلال فترة الحرب الأوروبية (1914-1916) التي شهدت فترتين عرفت الأولى بحرب الحركة والثانية بحرب الخنادق - حيث أخذت الحرب طابع الثبات في المواقع - وذلك عندما حل السلام لفترة وجيزة في الخنادق الإنجليزية والألمانية الأمامية على الجبهة الغربية وقد وصف ذلك الحدث المثير وتلك اللحظة الحاسمة في رسالته إلى "أعز الأمهات"، تلك الرسالة التاريخية التي أفرج عنها سجل "البريد الملكي" البريطاني بإذن من عائلة الجندي والتي تعد وثيقة إنسانية وشاهداً على لحظة صفاء روحي ومشاعر إنسانية فياضة إجتاحت نفوسهم.
كتب الكابتن شارتر في رسالته "أعتقد أنني قد شاهدت اليوم واحداً من أكثر المشاهد التي يمكن أن يراها أحد إدهاشاً على الإطلاق عند حوالي الساعة العاشرة هذا الصباح، كنت أختلس النظر من فوق المتراس عندما شاهدت جندياً ألمانياً يلوح بذراعيه، وفي اللحظة التالية خرج اثنان منهم من خندقهم وساروا في اتجاه خنادقنا".
"كنا على وشك أن نطلق النار عليهم عندما رأينا أنهم لم يكونوا يحملون البنادق، وهكذا ذهب أحد رجالنا لملاقاتهم وخلال دقيقتين، أصبحت الأرض التي تفصل بين خطي الخنادق تعج بالرجال والضباط من كلا الجانبين، وهم يتصافحون بالأيدي ويتمنون لبعضهم بعضاً عيد ميلاد سعيدا".
تم تبادل بعض الرجال السجائر والتواقيع التذكارية، بينما استمتع آخرون ببساطة بالفرصة الأولى لتحريك أرجلهم والسير بحرية منذ شهور، من دون أن يواجهوا نيران الرشاشات الأتوماتيكية , لعب الجانبان مباراة كرة قدم، فازت فيها ألمانيا بنتيجة 3-2.
وكتب الكابتن شارتر، معرباً عن أمله بأن يدوم هذا السلام الهش، لوقت قصير على الأقل: "كان لدينا لقاء آخر مع الألمان في الوسط بين الخنادق تبادلنا السجائر والتواقيع، والتقط البعض الآخر صوراً مشتركة".
"لا أعرف كم من الوقت سوف يدوم هذا , أعتقد أنه كان ينبغي أن ينتهي بالأمس، لكننا لا نسمع اليوم أصوات إطلاق نار على طول الجبهة، سوى بعض القصف البعيد".
"كنا ننال، على أي حال، هدنة خلال يوم رأس السنة، حيث أراد الألمان أن يروا الكيفية التي خرجت بها الصور!."
قال الكابتن شارتر إن الهدنة صمدت حتى عندما قام جندي بريطاني بإطلاق النار في الهواء عن طريق الخطأ، لكنها عندما ظهرت التقارير عن وقف إطلاق النار غير الرسمي، شعر القادة العسكريون من كلا جانبي الصراع بالغضب بسبب "التليين" الواضح في المواقف، والذي جرى وضع حد له بسرعة.
أصبح كل من يتحدى الأوامر يواجه المحاكمة العسكرية والحكم بالإعدام، وسرعان ما تواصل القتال مرة أخرى.
رسم الكابتن شارتر صورة حية لذلك الحضور الوجيز للنوايا الحسنة في حرب ضروس، والتي قال إنها تمكنت من احتواء "الكثير من المرارة والمشاعر "، لكنها لم تدم طويلاً.
ومضت رسالته إلى القول: "كانت هذه الهدنة غير العادية مرتجلة تماماً لم تكن هناك أي ترتيبات مسبقة، وكان قد تقرر بطبيعة الحال أن لا يكون هناك أي وقف للقتال".
الجنرال والكاتب العسكري الفرنسي القائد الأعلى لجيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى فرديناند فوش
بعد ذلك تواصلت الحرب لحوالي أربع سنوات أخرى، وأسفرت عن موت نحو 37 مليون شخص من المدنيين والعسكريين ثم جاءت الهدنة الدائمة لتنتهي تلك الحرب ويعم الفرح باريس ولندن ، وأستراليا والولايات المتحدة، بعد سنوات من عمليات الاقتتال المرعبة , حيث وقعت الهدنة بين الحلفاء والإمبراطورية الألمانية في 11 نوفمبر 1918،لتكون إيذانا بنهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ليقول الجنرال والكاتب العسكري الفرنسي القائد الأعلى لجيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى فرديناند فوش قولته "هذا ليس بسلام إنها هدنة لعشرين عاماً" عندما وقع على هدنة كومبين التي أنهت الحرب العالمية العالمية الأولى بين الحلفاء والألمان .