لقد تعددت طرق خوض الحروب وأشكالها و مسمياتها منذ العصور القديمة إلى يومنا هذا، ابتدأ من القتال بالسيف والرمح إلى اكتشاف البارود واستخدام البنادق وتصنيع الدبابات والمدفعية والطيران، وبدأت تتطور هذه الوسائط شيئاً فشيئاً إلى اختراع اللاسلكي وبث الإشارات اللاسلكية والتواصل عبر هذه الاتصالات إلى غيرها من الوسائط الأخرى التي أسهمت في قتل الإنسان وتدمير الأوطان والاستيلاء عليها ونهب ثروات الشعوب وتجويعها
ومع تطور هذا السلاح وظهور الحواسيب وشبكات التواصل أصبحت الحرب الجديدة لا تقل أهمية عن تلك الحروب ذات الطابع القتالي والفتك والتدمير، إنها الحرب الاقتصادية و الحرب الإعلامية التي تتصدر الآن كافة الحروب على الواجهة السياسة العالمية .وكنتيجة لهذا التطور ودخول الإلكترونيات في كافة مشتملات الحياة والآلات وقيادة كافة الأسلحة بالوسائط الإلكترونية ظهر نوع آخر من الحروب، وهو الحرب الإلكترونية. وقبل الحديث عن هذه الحرب علينا أن نعرف ما هي مكونات هذه الحرب وتقسيماتها.
تتكون الحرب الإلكترونية من:
- الإسناد الإلكتروني (التصنت).
- الإجراءات الإلكترونية المضادة.
- الإجراءات الإلكترونية المضادة المضادة.
وقد سبق الحديث عن تلك المواضيع في مقالات سابقاً، ولكن سنربط بعض هذه المكونات بما يتماشى مع الموضوع، ولكي نذكر القارئ الجديد أو من لم يطلع على المقالات السابقة بذلك وماهي الحرب الإلكترونية بمفهومها الشامل:إن الحرب الإلكترونية عبارة عن مجموعة من الإجراءات التنظيمية والفنية الرامية إلى معرفة العدو أو الخصم، وكشف و تحديد مكان تواجده وتتبع خطواته وتحركاته ومنعه من التواصل مع بعضه، والتأثير عليه وتدميره وخلق الإجراءات الإلكترونية المضادة لمنعه من التأثير علي قواتنا.
ولتنفيذ هذه الإجراءات لا بد من توفر عدة أمور وتقنيات وإجراءات تنظيمية وفنية وإمكانيات مادية وبشرية وقاعدة صلبة يتم الانطلاق منها على أسس علمية صحيحة تنطلق بمراحل تطورية تقود إلى الأفضل.
إذاً الحرب الإلكترونية عبارة عن تضافر كل الجهود التي تتمثل في الإجراءات التنظيمية في كيفية التنظيم والتخطيط لها من حيث التدريب وتوزيع الوسائط الإلكترونية وطرق استثمارها والاستفادة منها إضافة للجهود الفنية التي تتمثل في الأجهزة ومنظومات القيادة والتي يجب أن تكون جاهزة وباستمرارللعمل والصيانة الدورية وتطوير الأجهزة والوسائط الإلكترونية، ومن خلال الإجراءات التنظيمية والفنية لا بد من اكتساب الخبرة في تنظيم وطرق استمرار هذه الأجهزة، والطرق التي يمكن بها السيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي الذي يقوم بتحديد ثوابته وتحليله والتأثير عليه بالإبطال الإلكتروني أو بإجرات إلكترونية أخرى مضادة تعكس هذه الثوابت إلى إجرات مضادة مضادة هو الذي سيتمكن في النهاية من الإمساك بزمام الأمور والتأثير على العدو، وكسب النصر في المعركة .وليكن معلوماً لدينا أن كافة الأجهزة الإلكترونية التي تصدر منها إشارات هي مصدر للحصول على المعلومات بواسطة أجهزة إلكترونية أخرى تقوم بالتصنت على تلك الأجهزة حيت يتم الحصول على هذه المعلومات عن طريق تحليل ومعالجة الإشارات الملتقطة من أجهزة إلكترونية تسمى بأجهزة التصنت والمراقبة، ناهيك عن المعلومات الأخرى التي يتم الحصول عليها من طرق أخرى مختلفة مثل الصحف والمجلات وأخبار عامة الناس والإذاعة والتلفزيون والصور وما يتم الحصول عليه من باقي المصادر الأخرى الاستخباراتية المتخصصة في ذلك، كل هذه المعلومات مع تحليل عمل مختلف الوسائط الإلكترونية والرادارية والعاملة بالأشعة تحت الحمراء والأشعة الليزرية المستخدمة في قيادة وأنظمة القوات وتحديد أماكن صدور هذه الإشارات وتحديد إحداثياتها، وتستطيع من خلال ذلك معرفة العدو ونواياه و تحركاته ومراقبته، وبذلك نكون معه في كافة أنشطته وأهدافه، ونستطيع إبطال تلك المخططات وتفادي ضرباته والتصدي لها والقيام بالأعمال المضادة تجاهه، وإعطاء الإندار المبكر، وبالاعتماد على الوسائط الإلكترونية والأقمار الصناعية والتواصل عبر الشبكة العنكبوتية ووسائط التواصل الأخرى وظهور الحكومات الإكترونية وربط حركة التسوق ومولدات الطاقة والمواصلات والوسائط الإستراتجية للدولة بالوسائط الألكترونية والحواسيب مما أدى إلى ظهور هذا الصراع الجديد، وهو الحرب الإلكترونية التي تشن يومياً.والمتتبع للأحداث يرى أن الصراع الإلكتروني أو الحرب الإلكترونية على اشتباك مستمر على كافة المستويات والاتجاهات، ويتم ذلك عن طريق الاختراق والدخول على هذه الشبكات وسرقة المعلومات أو تخريب هذه المنظومات، وعن طريق نشر الفيروسات وتدمير وتعطيل الوسائط الإلكترونية، وهذه الإجراءات التي تتم الآن حلت مكان الحرب الباردة أيام الصراع ما بين المعسكرين الشرقي والغربي، وكل ما يجري الآن في الساحة الدولية ما هوإلا جزء بسيط جداً من الصراع، وذلك بأنه لم تتم حرب إلكترونية إلى حد الآن بين طرفين.لو حصلت حرب إلكترونية بين روسيا والصين والولايات المتحدة واليابان أوروبا، ودخلت هذه الدول في صراع إلكتروني فيما بينها من تدمير منظومات قيادة وأقمار صناعية فإن العالم قد يعود إلى عصور ما قبل اختراع الوسائط الإلكترونية وانقطاع العالم بعضه عن بعض، والرجوع إلى الحمام الزاجل والتأشير المنظور.
ذلك بأنه سيتخلل هذه الحرب تفجيرات نووية في طبقة اليونسفير تؤدي إلى عدم انتشار الموجات الكهرومغناطيسة، وتودى إلى عدم التواصل.ومن النتائج الإيجابية لهذا التقدم التقني التواصل عبر هذه الشبكات إلى اجتياز حدود الدولة السياسية، وكسر الإعلام الموجه الذي كبل المواطن عدة عقود، وفتح الأبواب على مصراعيه لتشكيل كتل بشرية من مناطق بعيدة وأناس غير أصدقاء للتلاقي في هدف واحد، ولعل بزوغ الفجر الجديد (الربيع العربي) في بلداننا الذي أسقط الدكتاتوريات والطغاة، وفتح آفاقاً جديداً للحريات هو من إيجابيات هذا التطور في تقنية المعلومات.