برنامج "البيغاسوس" للتجسس هو نظام من تصميم شركة (NSO) الإسرائيلية، وهي تعمل على تطوير برامج للحرب الإلكترونية والتجسس الرقمي، ويقع مقر هذه الشركة في "هرتسليا"، وقد تم تأسيسها سنة 2010 من قبل خريجي الوحدة 8200
في سلاح المخابرات الإسرائيلي، ويعمل فيها نحو 500 شخص، وتقوم بتطوير وتسويق البرامج المستخدمة للتجسس على الأشخاص والكيانات المشبوهة. ويتم تنفيذ هذا النظام عن طريق زرع برامج تجسس في الجهاز الإلكتروني للشخص المُستهدف، وعادةً ما يكون ذلك على الهاتف الخلوي.
وكانت الشركة تقوم بتصنيع وتسويق هذه البرنامج لصالح عدة دول قبل أن تلغي وزارة دفاع الكيان الصهيوني تصريح التصدير بعد موجة من الإنتقادات داخل الكيان وخارجه. ومن بين الدول التي تحصلت على هذا البرنامج واستخدمته بالفعل المكسيك، التي تعاقدت عليه مقابل حوالي 15.5 مليون دولار. وادعت هذه الشركة أنها تبيع التكنولوجيا فقط وأنها تلتزم بإجراءات شراء صارمة.
وأدرجت الولايات المتحدة مؤخرا هذه الشركة المصممة لبرنامج "بيغاسوس"على اللائحة السوداء للشركات التي تهدد الأمن القومي الأمريكي .ويُذكر أنه بمجرد تحميل هذا البرنامج على الهاتف الذكي، يتيح التجسّس على مستخدم الهاتف من خلال الإطلاع على الرسائل والبيانات والصور وجهات الإتصال الخاصة بالمستخدم، مع إمكانية تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بُعد.
وفي تحليل تقني عميق حول كيفية عمل برنامج التجسس، ذكر خبراء في الأمن السيبراني، أن شركة (NSO) طورت قدرات تستخدم واحدة من أكثر عمليات استغلال الثغرات تطورا من الناحية الفنية التي رأيناها على الإطلاق، وكان يُعتقد في السابق أنها ستكون في متناول يد مجموعة قليلة من الدول لكنها انتشرت لدى العديد من البلدان .
وتناول التقييم الذي أجراه الخبراء على وجه التحديد قدرات (NSO) ضد أجهزة آيفون؛ وهو ما دفع شركة آبل إلى رفع دعوى قضائية ضد هذه الشركة. وذكروا أن لديها إمكانيات مماثلة يمكنها أيضا استهداف أجهزة أندرويد دون الحاجة للنقر على الجهاز.
وأضاف الخبراء أن (NSO) تقدم لعملائها "تقنية استغلال مع نقرة صفرية" حتى لا يدرك الأفراد المستهدفون، حتى أولئك المتمرسون تقنيا، أنهم مستهدفون.
ففي2016 نشرت شركة آبل تحديثًا أمنيًا لنظام التشغيل (Iso) بعد تعرضه للإختراق، ووجد الباحثون الذين اكتشفوا الإختراق دليلًا على أنه تم تنفيذه بواسطة برنامج "بيغاسوس".
وفي 2017 نشرت الحكومة المكسيكية استعمالها البرنامج من أجل التجسس على المعارضة ومن بينهم محامون ممن حققوا في مقتل 43 طالبًا في إيغولا وفي 2018 رفع المعارض السعودي عمر عبدالعزيز دعوة قضائيّة ضدّ تلك الشركة لمساعدتها السلطات السعوديّة في التجسس على هاتفه.
ويذكر مختبر "سيتيزن لاب الكندي" لمراقبة الإنترنت أن برنامج "بيغاسوس" الذي تسوقه الشركة كثيرا ما تستخدمه دول لها سجلات مشبوهة في حقوق الإنسان وتاريخ حافل بالسلوك التعسفي التي تمارسه أجهزة أمن الدولة والمخابرات.
ويُعدّ هذا البرنامج من أنظمة التجسس باهظة التكلفة، فوفقا لقائمة أسعار عام 2016، وبحسب موقع "فاست كومباني، "فإن شركة (NSO) تطلب 650 ألف دولار من العملاء مقابل اختراق 10 أجهزة؛ إضافة إلى نصف مليون دولار رسوم تثبيت البرنامج.
وتوضح شركة "كاسبرسكاي" المتخصصة في برامج الحماية من الفيروسات أن هذا البرنامج من الأنواع الضارة المعيارية، وأنه مؤلف من وحدات تقوم أولا بـمسح الجهاز المستهدف، وقراءة رسائل المستخدم وبريده الإلكتروني، والإستماع إلى مكالماته، مع التقاط صور للشاشة، وتسجيل نقرات المفاتيح..
وبإمكان الجهاز أيضا الإستماع إلى ملفات الصوت المشفرة، وقراءة الرسائل المشفرة بفضل قدراته على تسجيل نقرات المفاتيح وتسجيل الصوت، حيث يقوم بسرقة الرسائل قبل تشفيرها وكذلك الرسائل الواردة بعد فك تشفيرها.
وقد تحدث للجهاز المستهدف أعراض مثل عمل ضوء كاميرا الهاتف في أوقات غير متوقعة، أو ارتفاع حرارة الجهاز بشكل أعلى من الطبيعي، أو استهلاك البطارية بسرعة أكبر أو تغير خلفية الشاشة، أو ظهور برامج جديدة بشكل مفاجئ، أو يتم استهلاك مساحة التخزين بشكل سريع.
ويذكر أحد الخبراء أنه بإمكان البرنامج فعل أي شيء يمكن للمستخدمين القيام به، بما في ذلك قراءة الرسائل النصية، وتشغيل الكاميرا والميكروفون، وإضافة وإزالة الملفات، ومعالجة البيانات.
وأشارت التقارير إلى أن تنصيب "بيغاسوس" على الهواتف يكلف حوالي 500 ألف دولار، تدفع من قبل العميل لإدراجه في النظام كما سبق ذكره. بعدها يقوم العميل بدفع حوالي 650 ألف دولار لاختراق 10 أجهزة آيفون أو أندرويد. كما تقدم شركة(NSO) تخفيضات كلما زاد عدد الأجهزة المستهدفة.
هذا وعلى الرغم من أن جميع التقارير تفيد أنه حتى أجهزة الأيفون التي تحمل آخر إصدار من (نظام iOS) تتعرض لخطر "بيغاسوس"، غير أن الحفاظ على تحديث الهاتف أحيانا قد يضمن الحد الأدنى من الأمان، ويكون أقل عرضة للإستغلال.
ووفقا للأبحاث والمؤشرات فإنه لم يتم الجزم بأن هناك إصدارا يستهدف الكمبيوترات حتى الآن، كما يمكن أن يكون موجودا ولكن لم نكتشفه بعد. وبالنسبة للهواتف فهناك إصدارات مختلفة منه، لهواتف نوكيا وآيفون وأندرويد، وبلاك بيري وغيرها.
فعادة شركات التقنية المختصة بالتجسس يكون لديها اختصاص معين، إما بالحواسيب أو بالهواتف، فالبرمجيات الخبيثة لا تعمل بذات الآلية، وتختلف بحسب الأجهزة، إذ أن اختراق الهاتف لا يعتمد على استجابة الضحية للإختراق، فيمكن استهدافه من خلال "مكالمة لم يرد عليها"، ولكن في عالم الحواسيب يجب أن يقوم الشخص بأمر ما ليتم اختراق جهازه، وبالتالي الجهد والتقنية مختلفة، حسب ما ورد في بعض التقارير الصحفية.
هذا ولم يكن الفلسطينيون بعيدين عن هذا التجسس، حيث طالت عددا من موظفي وزارة الخارجية الفلسطينية الذين لم تُكشف هوياتهم، لكنهم على علاقة وثيقة بملف المحكمة الجنائية، وفق ما نقلت مصادر صحيفة. وأضاف المصدر أن ثلاثة موظفين من المؤسسات التي وضعها الإحتلال على قائمة "الإرهاب"، قد تحولت هواتفهم الذكية إلى أدوات تجسّس بواسطة هذا البرنامج، وهم من سكان القدس، ويحملون الجنسيتين الأميركية والفرنسية، ويعملون في مؤسسات "الحق" و"الضمير" ومركز "بيسان للبحوث والإنماء"، وأصابع الاتهام تتجه لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
كما انضم عمالقة التكنولوجيا، بما في ذلك شركتا مايكروسوفت وغوغل، إلى المعركة القانونية التي تخوضها فيسبوك ضد الشركة المصنعة للبرنامج وقدمت مذكرة مساندة في محكمة الاستئناف الأميركية ، كما تبعتهم شركات أخرى منها شركة سيسك ، وشركة "في إم وير" ورابطة الإنترنت ومقرها في واشنطن
وقد كشف برنامج "ما خفي أعظم" الذي تبثه فضائية الجزيرة عن أن 36 صحفيا من صحفيي الجزيرة تعرضت هواتفهم للإختراق بوساطة برنامج "بيغاسوس" ، وكشف أيضا تسريبات عن استثمار إماراتي كبير في شركات صهيونية تنتج تقنيات التجسس.
"البيغاسوس" داخل الكيان الصهيوني: في سياق الإنتقادات الداخلية وما أحدثه هذا البرنامج من سيل من الطعون والمحاكمات والمطالبات بوقف توزيعه ومعاقبة الشركة المصنعة.. فقد ذكرت صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية أن عشرات الأشخاص استُهدفوا ولم يُشتبه في ارتكابهم أي سلوك إجرامي، ودون الحصول على إذن لازم من المحكمة.
وقد استقال رئيس مجلس إدارة شركة NSO)) من منصبه بعد فضائح ارتبطت بهذا المنتج، لكنه نفي أن تكون هذه الخطوة مرتبطة بالجدل حول برنامج المراقبة.
وأخيرا: فإن هذا البرنامج والذي يستوحى من عبارة الحصان المجنح لدى الإغريق أو حصان طروادة، هو برنامج تجسسي خطير جدا، وقد ذكرنا آنفا بعض من تعرضوا لخطر الاستهداف به، لكن أيضا يوجد الكثير من مشاهير العالم سواء كانوا سياسيين كبار أو برلمانيين أوصحفيين أومفكرين أو رجال أعمال وغيرهم.. ممن تم استهدافهم بهذا البرنامج وانتهاك خصوصياتهم.
وقد طالب حقوقيون حول العالم من عدة بلدان بسرعة إجراء تشريعات دولية صارمة ضد انتشار هذه البرمجيات الخبيثة , أما الشركة المصنّعة فقد ذكرت في سياق تبريراتها أن منتجاتها مخصصة للاستخدام ضد المجرمين والإرهابيين، وإنها لا تتحكم في كيفية استخدام عملائها للبرنامج.