تلخيص وترجمة عن اللغة الروسية : مقدم بحار / حسين على حسين
مصير القذافي كان يمكن ان يكون مختلفا ً تماما ً وانه يمكن ان يكون على قيد الحياة الآن وبصحة جيدة وفى السلطة ، لو ان الجيش الليبي كان فى جانب القذافي خلال أحداث الثورة ، ولكن فى فبراير 2011 انقسم الجيش الليبي ، جزء فقط من وحدات الجيش ظلت موالية للقذافي ، والكثير منهم هربوا وتركوا الخدمة ، وانضم العديد منهم الى صفوف المقاومة والثوار .
ليس هناك مايثير الدهشة على ردة الفعل هذه في بداية الاحتجاجات لأن العسكريين الليبيين كبتوا سخطهم على ظلم القذافي !!، وظهر سخطهم بصورة منتظمة للخارج حتى قبل بداية " الربيع العربي
من محاولة أغتيال الى محاولة أغتيال
احدى المحاولات البارزة ضد القذافي والتى حدثت فى الجيش الليبي سنة 1975 ، حيث حاول المعارضون للقذافي اغتياله خلال العرض العسكري ، وإطلاق النار على المنصة حيث كان يتواجد ، وكان من ابرز منظمي الاغتيال احد الاصدقاء المقربين للقذافي ، وزير التخطيط والبحث العلمي الرائد / عمر المحيشي .
ثم كان هناك تمرد عسكري كبير فى شهر اغسطس 1980 بمدينة طبرق ، إلا أنه سحق بوحشية من قبل وحدات موالية للقذافي ، وفى 1981 كانت هناك محاولتين لأغتيال القذافي ، الاولى كانت محاولة طيارين عسكريين ليبيين إسقاط طائرته العائد بها من موسكو الى طرابلس ، وبعد فترة وجيزة قاموا بالمشاركة فى محاولة كبيرة شارك فيها ضباط كبار من القوات المسلحة الليبية تهدف لتصفية القذافي جسديا ً ، واخذ على عاتقه العقيد / عبد القادر خليفة اطلاق النار على القذافي ، ولكنه اصيب في كتفه .
فى نوفمبر 1985 تم الكشف عن محاولة اخرى بمشاركة اقارب القذافي ، حيث قام عقيد / حسن اشكال بمحاولة اغتيال القذافي فى مدينة سرت ، وتوالت المحاولات مابين 1993-1996 فى المنطقة الوسطى بما فى ذلك مصراتة وكذلك محاولة الانتفاضة الجديدة على القذافي التى انطلقت من المنطقة الشرقية والتى لعب فيها العسكريين دورا ً بارزا ً .
هذه ليست القائمة الكاملة عن المحاولات والثورات العسكرية للإطاحة بالقذافي ، واغلبها لعب فيها قادة عسكريون ضباطا كبار من رتبة عقيد دورا ً بارزا فى تلك المحاولات من خلال تواجدهم فى القوات المسلحة .
وإستياء الجيش من القذافي لم يأت من العدم ، فأولا ً و بالرغم من ان القذافي قدم للجيش دعما ً ماليا ً لاباس به ولكن الوضع كان بعيدا ً عن المثالية ،فالكثير من العسكريين الليبيين لم يكونوا راضين عن حقيقة ان القذافي ميز بينهم " مواليه " وبناء على ذلك منحهم مزايا اكثر ، وفعل القذافي ذلك قاصدا ً ،ليعارض العسكريين بعضهم بعضا ً ، وبذلك لايسمح لهم بالاتفاق حول تنسيق أي عمل ضده .
ولذلك اصبح مركز التمرد فى الجزء الشرقي من ليبيا ، والذي عبر عنه السكان طويلا ً بأن أهتمام القذافي بهم اقل من اهتمامه بطرابلس .
الخسارة والصدمة عارض الكثير من قيادات الجيش الليبي المغامرات العسكرية التى كان يقوم بها القذافي بأنتظام خلال فترة حكمه ، حيث زج بليبيا فى عشرة حروب فى قارة أفريقيا وحدها .
ومن بين هذه الحروب الكبرى التى خاضها النزاع مع مصر فى 1977 ، و حرب تشاد ( 1978 - 1987) و المشاركة فى حرب ضد تنزانيا بجانب اوغندا ( 1978 - 1979) ،و الحرب الأهلية الثانية فى الكونغو ( 1998-2003) ، ودعم آكل لحوم البشر بوكاسا فى مواجهاته مع شعب جمهورية افريقيا الوسطى خلال السبعينيات .
تقدر الخسائر البشرية للجيش الليبي خلال تلك النزاعات بحوالي 10.000شخص وفي أغلبها كانت ليبيا هي الخاسرة ،و المحاولة التى لا معنى لها محاولة إنقاذ نظام الدكتاتور عيدى امين فى اوغندا حيث فقد العديد من الجنود الليبيين ارواحهم وقدرت اعدادهم بحوالي 600 شخص .
ولكن الهزيمة المذلة كانت فى الحرب مع تشاد ، فالقذافي لم يفشل فقط فى ضم شمال تلك البلاد الى ليبيا الجزء الغني باليورانيوم ( قطاع اوزو) ، ولكن الذي حدث انه قام بصد هجوم القوات التشادية على اراضيه ، ونتيجة لتلك الحرب التي خسر الليبيون حوالي 7500 عسكري ليبي .
و انخفضت الهيبة العسكرية بشكل ملحوظ فبعضا ً من الشباب قام بتشويه نفسه حتى لايرتدي الزي العسكري، وكذلك العديد من المراهقين قاموا بتبادل ( صور تشاد) التى تظهر ابائهم واقاربهم القتلى وارتال المدرعات المدمرة .
و منذ البداية اعتقد الكثير من العسكريين بأن محاولات القذافي لإثبات ذاته فى تشاد آمر غير مقبول و خطوة فاشلة وستحمل معها الكثير من الخسائر البشرية والمادية وبدون جدوى ، فلقد كانوا يدركون بأن الغرب وخصوصا ً فرنسا لن تسمح للقذافي بالوصول الى اليورانيوم التشادي وبذلك يكون قادرا ً على انتاج اسلحة نووية خاصة به .
و فى 2003 غضب عدد كبير من الضباط من حقيقة ان القذافي تبدل من كاره لإسرائيل إلي متعايش معها وذلك في التصريح العلني الذي نبذ فيه وجهات نظره السابقة وتقدمه بفكرة التعايش بين العرب والإسرائيليين فى دولة اسراطين الواحدة و لذلك نجد الآن العديد من الرسومات الساخرة للثوار توصف القذافي بالخائن للقضايا العربية .
و بجانب " خيانة القضايا العربية" بدأ القذافي بسياسة التقارب السريع مع الغرب ومن الواضح انها لم تلقى القبول فى وسط الضباط و الجنود على حد السواء ، وبحسب وجهة نظر الدوائر العسكرية بأنه فعل ذلك تحت تأثر العقيد بما حدث لصدام حسين ، وكان استسلاماَ حقيقيا و خيانة للافكار التى ناشد بها بنفسه خلال عقود من تعليم الليبيين ،والتخلي عن برنامج الأسلحة النووية ، واعترافه بتفجير لوكربي وتسليم المتهم ، فبكل المعايير اصبح تابعا ً للغرب واسرائيل .
جيش بدون رئاسة اركان
احدى الاسباب الهامة التى سببت فى الاستياء الدائم للجيش هي تجارب القذافي العديدة فى " إعادة التنظيم" ، ففي الواقع لم تكن هناك وزارة دفاع مستقلة للجيش ، حيث تم تصفيتها فى 1971 ، وجمع كافة مهامها فى يد القذافي .
و خلال كلمته فى 15 ابريل 1973 أوضح القذافي بأن إعادة تنظيم الجيش كالتالي : " جميع الانظمة التقليدية عادة تكون خائفة من شعوبها وتعد الجيش والشرطة لحمايتها منهم ، خلافا ً لذلك ، سوف أسلح الجماهير الليبية ، التى تؤمن بثورة الفاتح " ، ففي 1979 اقترح برنامجا ً يقضي على الجيش بالكامل والاستعاضة عنه " بالشعب المسلح" " قادراً على صد أي عدوان " وكجزء من هذه الفكرة بدأ فى تجييش النساء ،والتحق المدنيين بالعديد من معسكرات التدريب العسكري من اجل تكوين ميليشيات شعبية ، ونتيجة لإشراك النساء فى الجيش اثار غضب العديد من العسكريين المحافظين .
وإمعانا ً في إهانة الضباط بأمر من القذافي تم إنشاء لجان ثورية عسكرية بمشاركة عملاء خاصين موالين للقذافي للسيطرة على أنشطة الضباط ، وفى النهاية بتاريخ 31 اغسطس 1988 اعلن القذافي " ان حل الجيش والشرطة التقليدية الكلاسيكية " ليحل محلها تشكيل " الشعب المسلح " وبالمثل " إعادة تنظيم " القيادة العليا ونظام امن الدولة والقضاء على قيادات مكافحة التجسس من ذوي الخبرة .
في العام التالي ألغى القذافي نظام الرتب العسكرية والقيادة العامة للقوات المسلحة و استبدلها باللجنة العامة المؤقتة للدفاع ، وهي الواقع خطوة لحرمان الجيش من قيادة عليا ، و العديد من الخبراء أشاروا إلى أن تجارب القذافي فى ليبيا ادت فى نهاية المطاف الى تصفية القوات المسلحة .
لماذا تلك التجارب ؟ هل كانت ضرورية للقذافي ؟ المشكلة ليست فقط فى ان معارف ومهارات القذافي لازالت فى مستوى ملازم عندما قاد تمرد ضد الملك وقفز من رتبة ملازم الى رتبة عليا ، وانما فى المقام الاول شعور القذافي بالقلق ومحاولته منع أي انقلاب عسكري فى البلاد ، وذلك بحسب تصريحاته ذات مرة ، ولفترة طويلة استطاع القذافي ان يلعب بنجاح على التناقضات بين العسكريين ، ولكن تلك التناقضات التى انشائها اصبحت سببا في سقوطه و القضاء عليه .
{facebookpopup}