من يدخل الحرب بلا قوة، فقد حكم على قواته بالهلاك، ومن يملك القوة ولا يعد لها، فحا له كقوم زرقاء اليمامة، أبلغتهم بتحرك عدوهم فما أعدو لذلك العدة فغزوهم، واقتلعوا عينيها، يقول الله عز وجل (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)لم تقتصر الحروب على مصدر واحد من القوة،
ولا على وجه واحد في الإعداد، بل كلما تقدم العلم، استغلت مصادر جديدة، ومن تلك المصادر و أوجه أعدادها ما يلي: القوة البشرية: إنها قوة لا يستهان بها، وهي من النعم التي يمتن بها الله عز وجل على عباده فقد جاء في القرأن الكريم قوله تعالى (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) وفي الإسراء قوله تعالى ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) .
مصادرها: يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تناسلوا فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة) فلكي تحقق الأمة ذاتها وتثبت مجدها، وتستغل ثرواتها، ولتتوسع دائرة العلم ويكثر العلماء، وتتنوع الصناعات في جميع المجالات، وتكثر بها الجيوش، لا بد من تنامي القوة البشرية، فبها يرتدع العدو، خاف بنو إسرائيل من جالوت وجنوده فقالوا لموسى عليه السلام (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ).
من اوجه إعداد القوة البشرية للحرب:
سلامة المقاتل: منها الخلو من العاهات التي تعطل من قواه البدنية، وأن يكون سليم العقل غير مجنون ولا معتوه، وأن يكون قوي البنية يقول الله تعالى ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما).
التدريب: الإجمالي والفردي للضباط وضباط الصف والمراتب لكي لا يبقى في الجيش جندي ليس له علم بأساليب التبعية وكيفية الاستفادة من الارض، ومن السلاح واتقاء سلاح العدو، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (علموا بنيكم الرمي فإنه نكاية للعدو).
الاعداد الثقافي: إن القوة الجسدية لا تكفي في حرب القرن العشرين، ولا فيما بعده، لأن قوة العقل وحدة الذكاء والمهارات في التدريب واستيعاب أعقد الأسلحة الحديثة هو ما يتطلبه القتال هذه الأيام، والسبيل الوحيد للوصول إلى هذه الغاية الاهتمام بالقراءة والاستزاده من العلم.
التنظيم الاداري، والقتالي (الملكات) في القوات: لا شك أن العوامل التي دعت إلى ذلك كانت عوامل طبيعية منها: أن الجيوش الآن تبلغ الآلاف، إضافة إلى كثرة، وتنوع الأسلحة فلابد لها من التنظيم، كما أن التنظيم الجيد يضمن به السيطرة الكاملة، والتصرف بزمام تلك الجيوش الجرارة تصرفاً حسناً، ويسهل الاستفادة من الأرض التي تقع عليها الحركات، وكذلك القوة المشكلة في التنظيم وفاعلية أسلحتها:
- تسهيل عمل الإمداد من القواعد الخلفية حتى الجندي في خط النار، وتنسيق الإتصال عن طريق وسائط اتصال المخابرة بين المستوى الأعلى والأدنى في التنظيم.
العوامل الطبيعية مصادر قوة لكل دولة ومنها:
الصحارى: إن للصحارى أهمية عظيمة فهي من الناحية الاقتصادية مستودع للثروات من النفط، والغاز، والحديد، والأولمونيوم، وغيرها من المعادن الثمينة. أما من الناحية الحربية فإن كثير من الصناعات الحربية تؤسس وتبنى على تلك الثروات. أما من الناحية الإستراتيجية فهي تمثل مانعاً دفاعياً طبيعياً للدولة، كما تمثل عمق إستراتيجي لقواتها، وللدول المتحالفة معها.
ومن أوجه إعدادها للحرب:
- إعداد قوات جيدة عالية التدريب للقتال، والدفاع عنها وتوفير الملابس والأسلحة والآليات والمعدات التي تتلاءم ومناخها والبحث عن مصادر المياه واستخراجها والدفاع عنها لحل مشكلة المياه للقوات في الصحراء .
- إن ظاهرة انتقال الكثبان الرملية تؤثر في تغيير معالمها، وخاصة الطرق لهذا يجب الاهتمام بالطرق الصحراوية ومراقبتها بصورة دائمة.
- توفير وسائط الاتصال، وتوثيقها بين القوات في الصحراء والقيادات الأخرى وكذلك التنسيق بينها، وبين القوات الجوية والدفاع الجوي عن طريق القيادة العامة للقوات.
الجبال والمرتفعات: إنها مصدر عظيم القوة وقد عبر صلى الله عليه وسلم، عن أهمية الجبال فقال عن جبل أحد (أحد جبل يحبنا ونحبه) ومن الجبال المهمة التي تكون، سبباً للحرب في أي وقت تلك الفاصلة بين الباكستان، والهند، وكذلك الفاصلة بين فلسطين المحتلة ولبنان، وسوريا، وأهمها جبل الشيخ والذي لازالت تحتله إسرائيل وتسيطر عليه، وجبل طارق الذي يتبع إسبانيا ولا زال تحت النفوذ البريطاني.
المرتفعات: ومنها مرتفعات الجولان، فهي أول ما قامت باحتلاله إسرائيل من الأراضي العربية 1967 لخطرها على مستعمراتها، وتقيم عليها خط دفاعي دشمة مشابهة لدشم خط برليف في القوة بل أشد قوة وإعداداً.
ومن أوجه إعدادها :
- إعداد قوات خاصة عالية التدريب والقابلية القتالية لتأمينها والسيطرة عليها.
- شق الطرق والأنفاق للمواصلات، ولنقل الأسلحة، والإمدادات للقوات المتمركزة فيها.
- تهيئة كهوفها أو حفر أخرى واستغلالها كمستودعات لتخزين الأسلحة والذخيرة.
- المسح الشامل للمناطق الجبلية لتحديد الصالح منها للقتال والدفاع والإنزال عليها وإقامة السدود لربط الجبال المتقاربة وسد الثغرات بينها.
- الإهتمام بنوعية التموين وكذلك الملابس التي تتلاءم مع مناخ الجبال.
البحار: إنها خط دفاعي طبيعي وعائق أمام القوات الغازية من البحر وخاصة إذا تم تأمينها وتحصينها بالأساطيل (سفن، وغوصات حربية) وبالقوات ووسائط الدفاع المختلفة، وتعد من أحسن الخطوط لإمداد القوات المقاتلة على السواحل والمدن والجبال القريبة منها، كما يتخذ من شواطئها مناطق تكديس وقواعد للإمداد وفي حالة السيطرة على الشواطئ تسهل عملية فتح رؤوس كباري لإنزال القوات والأسلحة والمعدات البرمائية كما تمكن القوات من الدخول في الحرب وهي بجاهزية قتالية عالية.
ومن أوجه إعدادها:
- إعداد القوات والأسطول البحري القوي للمحافظة على المياه الإقليمية للدولة.
- تحسين المناطق الصالحة للإنزال لسهولة الدفاع عنها ضد أي إنزال بحري معادٍ.
- السيطرة على الخلجان والمواني ومناطق الإنزال وقواعد التكديس والإمداد ومنع قوارب وسفن العدو من الاقتراب منها.
- تحصين السواحل والمدن الساحلية بالقوات البرمائية والمدفعية الساحلية والألغام البحرية والتنسيق بين القيادات وقيادة القوات البحرية وتوفير كافة الاتصالات للإبلاغ السريع واتخاذ الإجراءات السريعة ضد أي تهديد بحري معادٍ.
الأنهار: مصدر مهم من مصادر القوة للدول التي تتخللها ويظهر ذلك في:
- طرق إمداد إضافية للقوات ومصدر من مصادر توليد الطاقة الكهربائية .
- تروي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لإعاشة السكان والقوات من إنتاجها.
- إقامة السدود للأستفادة من مخزون المياه ومنع العدو من تدميرها لإغراق الأرض .
- السيطرة على منابعها ومنع العدو من تحويل مجراها وقد سعت اسرائيل للقيام بهذا الإجراء بنهر الأردن لإنعاش المناطق التي تحتلها وخاصة صحراء النقب .
- إقامة الكباري لربط المناطق العسكرية وكذلك لسرعة تحرك القوات والإمدادات .
الإمكانيات المادية: وهي المصادر التي تملكها الدولة وتسيطر عليها ولها الحرية المطلقة في استغلالها كالفضاء والبحر وما به من ثروات، والثروات التي فوق الأرض وفي جوفها فكلها تشكل قوة اقتصادية يخصص جزء منها للميزانية الحربية، وللصناعات الحربية.
ومن أوجه إعدادها للحرب:
- توفير القوة البشرية والمعدات والآلات لاستخراج ما يمكن استخراجه، وتجهيز ما يكون منها فوق الأرض وتنسيق التعاون بين الجامعات والأكاديميات وبين أدارة البحوث العسكرية لإعداد الدراسات الخاصة لخدمة التصنيع الحربي ولإرساء قاعدة صناعية حربية للصناعات الجديدة، وتطوير القديم والمحافظة على المخزون، وإيفاد المتفوقين للدراسة بالخارج مع تشجيعهم على التنوع في التخصصات العلمية.
- توفير المصانع للصناعات الحربية والمدنية للمساهمة في اقتصاديات الدولة.
الإنفاق من الأموال لتحقيق القوة ولإعدادها:
يأمر الله عز وجل الأغنياء وغيرهم بالمساهمة بأموالهم في إعداد القوة للحرب يقول الله تعالى (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فعلى الدولة أن تشجع الأثرياء على الإنفاق للمساهمة في إعداد القوة التي بها يحفظ الدين ويصان العرض، ولا تستباح الأرض، ولنا في رسولنا وأصحابه الكرام خير أسوة وأعظم قدوة، فبأموالهم جهزت الجيوش وفتحت الأمم .
وأخيرا إعداد وتهيئة أفراد الأمة للحرب:إن تهيئة أفراد الأمة للحرب حتى (ولو لم تقع) دور مهم في تقبلها وخوضها ويتحقق ذلك بالآتي:- تأدية الأفراد للخدمة العسكرية سواء عن طريق التطوع أو الإجبار .
-انخراط الراغبين في الكليات والأكاديميات العسكرية، لتكوين القيادات العسكرية المؤهلة والواعية والمدركة لأهمية الدفاع عن الوطن وكذلك الكليات العسكرية الطبية لتعيينهم أطباء في المستشفيات العسكرية ومرافقة الوحدات العسكرية في مناطقها، أو في ميادين التدريب وميادين القتال.