بالنظر إلى النتائج والآثار الفظيعة المترتبة على الحروب عبر التاريخ، فقد بات واضحا أن الحرب ولا شيء غيرها يمكن أن يخلف الأحجام الهائلة من الخسائر البشرية والإصابات ومن الخراب والبؤس..
فإذا أخدنا، على سبيل المثال لا الحصر، الحرب العالمية الثانية وسابقتها، والتي استخدمت فيها شتى الأسلحة الحديثة بما فيها الفتاكة، نجد الملايين من الخسائر البشرية علاوة على جموع كبيرة من الضحايا الذين تعرضوا لأشد المآسي وعانوا الكثير من ويلات الحرب، والغالبية العظمى منهم من المدنيين الأبرياء، جلّهم من النساء والشيوخ والأطفال. وحيثما تقع العمليات الحربية فغالبا ما ترافقها أنشطة إرهابية واعتداءات مختلفة تطال السكان المحليين، يواجه فيها الأهالي في أحيان كثيرة مصيرا مجهولا، حيث كثيرا ما يتعرضون للإساءة وللعديد من الإنتهاكات من قبيل حالات الاغتصاب والسلب والتهجير العرقي، وحتى لعمليات الإبادة الجماعية. وفي تلك الأثناء تستباح الممتلكات الخاصة والعامة وتتعرض للنهب وللمصادرة، في حين أن هؤلاء المدنيين الأبرياء لا علاقة لهم بما يجري وهم بعيدون كل البعد عن القتال المباشر.
وإذ كان من الضرورة بمكان إيجاد تشريع دولي يتم بمقتضاه الحد من تداعيات الحروب، لذلك فقد وجد المجتمع الدولي نفسه إزاء وضع لا بد معه من إرساء تدابير جادة بغية الحفاظ على الحقوق الإنسانية بشكل عام، والعمل على درء الكثير من صنوف المآسي والويلات التي تطال المدنيين خلال المواجهات المسلحة. ولهذا الغرض انعقدت الكثير من المباحثات ونظمت العديد من المفاوضات على المستوى الإقليمي والعالمي لوضع حد لمواجهة هذه النكبات والحد من جرائم الحرب.
ومن هذا المنطلق جاء القانون الدولي الإنساني وهو عبارة عن فرع القانون الدولي العام، ويتجسد في مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية التي تحد من استخدام العنف أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ويهدف إلى فرض قيود على المتحاربين، وينظم استخدام القوة وحماية الأشخاص والممتلكات الخاصة والعامة التي ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية. وعرفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف، وتُعنى على وجه التحديد بحل المشاكل ذات الصفة الإنسانية الناجمة مباشرة عن النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية والتي تحد لاعتبارات إنسانية من حق أطراف النزاع في اللجوء إلى ما يختارونه من أساليب أو وسائل القتال وتحمي الأشخاص والممتلكات. وعموما فقد أجمعت أغلب التعريفات التي تناولت هذا القانون على حقيقة واحدة مفادها أن هدف هذا القانون هو حماية الأشخاص الذين يعانون من ويلات الحرب.
ومن أجل تنفيذ هذا القانون لضمان الحقوق بشكل عام ولصالح المدنيين بشكل خاص كان لا بد من الإلمام به ومعرفة أحكامه من قبل أهل الإختصاص في أي بلد وذلك بغية إتاحة الظروف لإعادة الأمن والاستقرار والمحافظة على النظام والقانون عند الإقتضاء، وذلك بناء على أسس وركائز تدعم السلطة القائمة بصورة شرعية ودستورية في زمن السلم.
والمتتبع لثقافة القانون الدولي الإنساني يعلم أن ليبيا صادقت على اتفاقيات جنيف ذات الصلة بهذا القانون منذ سنة 1956 م. والدول الموقعة على هذه الاتفاقيات تصبح ملزمة بنشر هذا القانون من خلال اتفاقية جنيف الأولى (المادة 47 وجنيف الثانية المادة 48 وجنيف الثالثة المادة 127 وجنيف الرابعة المادة 144) وتنص المادة ذات الصلة بذلك على أن « تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن نشر نص هذه الاتفاقية على أوسع نطاق ممكن في بلدانها في وقت السلم كما في وقت الحرب وتتعهد بصفة خاصة بأن تدرج دراستها ضمن برامج التعليم العسكري والمدني بحيث تصبح معروفة لجميع السكان وعلى الأخص للقوات المسلحة وأفراد الخدمات الطبية والدينية «
ودرءا لتبعات الحروب وانعكاساتها الخطيرة على المجتمعات، يجب على جميع الدول أن تعمل على تسوية نزاعاتها بالوسائل السلمية وأن تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة إلا عند الضرورة القصوى، حيث يحق لكل دولة أن تستعمل القوة ضد دولة أخرى في حالة الدفاع عن النفس، وفي حالة إذا ما تعرضت أراضيها ومصالحها للخطر أو الإعتداء وهو ما يدخل في إطار حق الحرب واسترداد الحق المغتصب بواسطة الحرب، والدفاع عن النفس وفق الشرع الديني وشرعية الأمم المتحدة. ويشار إلى أن القانون الدولي الإنساني لن يكون أبداً عائقاً أمام تنفيذ المهمة العسكرية ولا يتعارض مع المبادئ التعبوية ولكن يعمل على تنظيم طرق ووسائل القتال ويضيق الفجوة بين المتطلبات الإنسانية وضرورات الحرب.
وبالنظر إلى أن القانون الدولي الإنساني يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية كما نصت عليه الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لذلك فمن الأهمية أن يكون أفراد الجيش ورجال القانون على إلمام ودراية بمبادئ هذا القانون، فمفهوم القانون الدولي الإنساني يحوي مبدئياً في طياته الحرب والإنسانية، فهما يلتقيان من حيث إن الحرب تتساوى مع الخراب والدمار والإنسانية قد تنسجم مع الرحمة والوئام. فالقانون الدولي الإنساني غرضه حماية الأشخاص المتضررين في حالة النزاع المسلح وحماية الممتلكات والأموال التي ليست لها علاقة بالعمليات العسكرية، وهو يسعى إلى حماية الأشخاص غير المشتركين بصورة مباشرة في النزاعات المسلحة، كما يسعى إلى إنقاذ الجرحى والغرقى ويكفل حقوق أسرى الحرب.
هذا وقد تأثر القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بحماية ضحايا الحروب وأسلوب إدارة القتال بالصكوك الدولية الهامة في ميدان حقوق الإنسان، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وذلك على أن الإنسان يحق له التمتع بحقوقه اللصيقة بآدميته وكرامته البشرية على قدم المساواة في زمن السلم أو زمن الحرب دون أي تمييز ضار يقوم على العرق أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.والقانون الدولي الإنساني بهذا الاسم يتداوله الأكاديميون وأساتذة الجامعات ويطلق عليه أحياناً قانون النزاعات المسلحة أو قانون الحرب وهذا ما يتداوله القادة العسكريون والقادة الميدانيون في ساحات العمليات وميادين القتال.