تعرف القيلولة بأنها مدة قليلة من النوم يقضيها الانسان في فترة ما بعد الزوال يحتاجها الجسم ليجدد نشاطه وحيويته ولأهميتها من الناحية العسكرية يؤكد خبراء الصحة العسكرية على ضرورة القيام بها ويطلقون عليها تسمية "القيلولة التكتيكية"
يحتاح الفرد المقاتل إلى القيلولة التكتيكية ليستعيد حيويته وجاهزيته و لكي يشعر بمزيد من بالراحة والإطمئنان خلال العمليات الحربية ما ينعكس على أدائه الجسدي والمعرفي خلال أوقات العمل وخاصة أثناء العمليات الحربية.
ولما لها من قيمة وأهمية كبيرة في تجديد النشاط البدني وتحسين النشاط الذهني للإنسان , أوصت لوائح الأنظمة الصحية العسكرية بضرورة حصول العسكريين والأفراد المقاتلين على قسط كافٍ من النوم خلال الأعمال القتالية وحتى في أقسى ظروف الحرب وهذا أمر ضروري وملح لتحقيق أداء مهني متميز , فالنوم يؤثر بشكل مباشر على صحتهم البدنية والنفسية وبالتالي على نجاحهم في آداء مهامهم , وذلك لأن الأفراد العسكريين يعلمون أن النوم طوال الليل ليس دائمًا خيارًا متاحاً لهم , وخاصة في الجبهات ومناطق الإنتشار والتحشد، حيث تمثل العديد من الإعتبارات تحديا مهماً لهم كالخوف من عمليات الإغارة المفاجئة وما يصاحب ذلك من توتر وقلق وفزع ، ونتيجة لذلك فإنهم بسعون للإستفادة من القيلولة متى ما توفرت الظروف المناسبة لها , ويزداد التحدي خلال العمليات القتالية الفعلية أو خلال أيام العمل الطويلة أو أثناء القيام بواجب الحراسة والمراقبة ومهام الاستطلاع التي تكون على مدار اليوم وتستلزم اليقظة والإنتباه بشكل متزايد.
تتأثر العمليات القتالية بامكانية حصول المقاتلين على قيلولة كافية فخلال العمليات يصبح العسكريين قلقين بشأن سلامتهم , وقد يواجهون أماكن نوم غير مريحة وفترات نوم واستيقاظ غير إعتيادية وحول ذلك يقول المقدم دكتور سكوت ويليامز ويشغل مهمة مدير مركز الطب النفسي العسكري وعلم الأعصاب (CMPN) في معهد والتر ريد وهو أكبر منشأة أبحاث للطب الحيوي تابعة للبحوث الطبية في الجيش الأميركي "يمكن أن تؤدي الأحداث الصادمة السابقة أو إصابات الدماغ الرضخية الخفيفة أيضًا إلى مشاكل إضافية في النوم , ونتيجة لذلك فإن الحصول على نوم مناسب هو رفاهية قد لا يتمتع بها العديد من العسكريين العاملين في الخدمة دائمًا".
وحول متوسط ساعات النوم الواجب الحصول عليها يقول الدكتور توم بالكين ، أحد كبار العلماء في فرع البيولوجيا السلوكية في مركز الطب النفسي العسكري وعلم الأعصاب CMPN ينام الأفراد العسكريون حوالي ست ساعات" يوميًا , بينما يقول الدكتور ويليامز "إن متوسط ست ساعات من النوم ليس كافيًا وينصح بسبع ساعات على الأقل" , مع إمكانية الحصول على قيلولة خلال فترة الظهيرة وينصح الخبراء بأن أفضل وقت للقيلولة هو ما بين الساعة الواحدة ظهرا والرابعة مساءًا.
عادة ما تؤدي قلة النوم إلى ضعف الصحة وهذا الأمر بشكل عام ينعكس سلباً على أداء المقاتلين خلال العمليات القتالية , ويمكن أن تشكل اضطرابات النوم تهديدات كبيرة للاستعداد القتالي ونجاح العمليات العسكرية ، ولذلك يُعد إعطاء الأولوية للنوم أثناء عمليات الإنتشار أمرًا أساسيًا لتحسين الأداء ، وعلى المدى الطويل ، وذلك وفقًا لموقع علم الأحياء السلوكية التابع لمعهد أبحاث والتر ريد للجيش الأمريكي .
قد يبدو الأمر عاديا وغير ذو أهمية عند الكثيرين ولكن للعلم والأبحاث النفسية والسلوكية كلمتها حول هذا الموضوع فقد خصص مركز أبحاث النوم دراسات دراسات عديدة حول أهمية النوم للمقاتلين وحول ذلك تقول الدكتورة سارة ألجير ، وهي عالمة أبحاث النوم في مركز أبحاث النوم بفرع البيولوجيا السلوكية ، إنه عندما تكون فترت النوم الطويلة للأفراد غير عملية ، فإن "ممارسة القيلولة التكتيكية" في وقتها يمكن أن تساعد في الوصول إلى سبع ساعات من النوم الموصى بها لكل 24 ساعة , وتكون القيلولة التكتيكية مثالية في مكان مظلم وهادئ ومريح ، ولكن بشكل واقعي خلال العمليات لا يستطيع أحد ضمان وجود المكان المريح والهاديء فصخب العمليات وأصوات الإنفجارات السائدة في ساحة العمليات تحول المكان لبيئة غير آمنة وغير مريحة , ولذلك يتدرب المقاتلين على استخدام تقنيات النوم للتمتع بقدر كاف من القيلولة تحت أية ظروف وخاصة لمن تتطلب مراكزهم وأعمالهم البقاء مستيقظين لساعات طوال, وذلك لزيادة فاعليتهم أثناء قيادة العمليات الحربية و الإندماج بشكل أسرع مع أقرانهم وتحقيق واجباتهم المشاركين فيها بشكل أفضل.
طريقة أمريكية للحصول على قيلولة سريعة ومريحة.
لأهمية النوم ومدى تأثيره على صحة العسكريين يستخدم الجيش الأمريكي طريقة متميزة لتسريع النوم والحصول على قيلولة مريحة , ويقال إنها تساعد أي شخص على النوم خلال دقيقتين بحسب ما نشر في كتاب Relax and Winوهذه الطريفة يستخدمها الجيش الأميركي لتساعد أفراده على النوم في مواقف أقل أمنًا مثل ساحات القتال، ويعتقد أنها طورت لضمان عدم ارتكاب الجنود أخطاء خلال العمليات القتالية بسبب الإرهاق والتعب وتقوم هذه التقنية على الآتي:
1- ارخاء عضلات الوجه، بما في ذلك اللسان والفكان والعضلات حول العينين.
2- سحب الكتفين إلى الأسفل قدر الإمكان متبوعا بالعضد والساعد، وجانب واحد كل مرة.
3- الزفر مع ارخاء الصدر وتمديد الساقين بدءا من الفخذين إلى أسفل الجسم.
4- ينبغي أن يقضي الشخص 10 ثوان محاولا تصفية ذهنه قبل التفكير في أنه بإحدى الصور التالية:
- مستلق في زورق طويل خفيف في بحيرة هادئة، ولا شيء سوى سماء زرقاء صافية فوقك.
- مستلق في أرجوحة مخملية سوداء في غرفة حالكة السواد.
- يخاطب نفسه “لا تفكر , لا تفكر , لا تفكر” مرارا وتكرارا لنحو 10 ثوان.
- واقترح هنا استبدالها بالتسبيح او الاستغفار او الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال إن هذا الأسلوب ينجح بنسبة 96% مع من يمارسونه بعد التدرب عليه مدة 6 أسابيع وإذا لم يفلح ذلك كما يقول خبير النوم البريطاني د. نيل ستانلي فإن العامل الأكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالنوم هو تهدئة العقل وتهيئاه للنوم , ومع ذلك يجد البعض صعوبة بالنوم حتى في الأوقات المناسبة لذلك , ولذلك يبدو أن تطبيق هذا التمرين أصبح حاجة ملحة للعسكريين والمدنيين على حد سواء.
وفي
تختلف فترة القيلولة المناسبة لكن طول القيلولة المثالي هو إما غفوة قصيرة من دقيقتين إلى 20 دقيقة وهذا ما توصي به أيضاً وكالة ناسا لعلوم الفضاء , أما القيلولة لمدة ساعة ونصف أو ساعتين قد تجعلك تشعر بالدوار وتعيق دورة نومك العادية.
بالنسبة لمعظم الناس ، تستغرق دورة النوم بأكملها حوالي 90_110 دقيقة , حيث تسمح هذه الفترة للدماغ والجسم بالوصول إلى مراحل النوم العميقة ما يجعل الشخص أقل استجابة للمؤثرات الخارجية , ولذلك من يحصل على تلك المدة سيحصل على جميع فوائد دورة النوم دون التعرض لخطر الترنح عند الاستيقاظ , لكن الأمر يختلف فالقيلولة التكتيكية يجب ان لا تطول مدتها وينبغي ان يبقى العسكريين على درجة عالية من الإنتباه واليقظة والحذر.
أظهرت بعض الدراسات أنه يمكن أن يكون للقيلولة، على فترة طويلة، أثر ضار على صحة الإنسان وجهازه القلبي الوعائي ، لكن هذا لا يعني أبداً أن القيلولة تخلو من الفوائد، وإن كانت متفاوتة نسبياً بين الجنسين حيث قد يتعزز معدل ذكاء الرجل خلال فترات نوم قصيرة مقارنةً بفترات نوم عميق عند المرأة , وعلى العموم يؤكد الخبراء والأطباء على أن القيلولة مفيدة وهي توفر العديد من المزايا للبالغين الأصحاء، بما في ذلك:الاسترخاء وتقليل الإجهاد , وزيادة اليقظة وتحسن في المزاج , وأداء عملي أفضل، بما في ذلك ردود فعل أسرع وذاكرة أفضل.
من القادة العسكريين الذين اشتهروا عبر التاريخ بمزاولة القيلولة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو للقيلولة واعطاء النفس حظها من الراحة وكذلك القائد الفرنسي نابليون بونابارت الذي عرف بإغفاءاته الكثيرة، حتى خلال المجالس الوزارية، حيث يغفو ثم يستيقظ بعد حين ليواصلها، وكان ذات مرة قد نام على كرسيه وأمامه جنرالاته الذين انتظروه واقفين حتى استيقظ.
ومما سبق نخلص الى اهمية القيلولة وأخذ النفس حقها من الراحة واجب ومطلوب وأن احتياج المقاتلين للقيلولة مهم ومؤثر خاصة خلال العمليات العسكرية كما انها مفيدة لعموم البشر بل وسائر المخلوقات لما لها من الفائدة الكبيرة على البنية وعلى الحالة النفسية والمعنوية والصحية بشكل عام.