إن أي جيش من جيوش العالم تقليديا كان أو شعبيا يسعى إلى تحقيق هدف النصر ويعمل بكل جد واجتهاد لانجاز هذه الغاية السياسية والوطنية للأمة والتي تتضافر فيها الإمكانيات وتحشد لها كل الجهود وتوضع لها الخطط والاستراتجيات الشاملة في التنظيم والتطوير وإعادة البناء واقتباس الجديد وتراكم الخبرات وإلغاء وحذف كل ما هو قديم وإزاحة كل المعرقلات وإيجاد الحلول والمقترحات البديلة لتحقيق هذه الغاية وبطبيعة الحال المحافظة على الموروثات الجيدة والعادات والتقاليد العسكرية الناجحة التي تمت تجربتها وأثبتت جدواها وقيمتها الفنية والتعبوية .
كمجموعه واحدة من المقومات والظروف والاشتراطات إذا توفرت تحقق النصر وكان حاسما تاما متكاملا وإذا غاب احد هذه الأسباب كان أعرج مبهما غير واضح المعالم . كذلك هي الهزيمة تكون مخيبة للآمال نظرا لتراكم تلك الاشتراطات والتي لم تتوفر وتنجز من اجل هذا الهدف. وهنا نقف على أن عاملاً واحداً من هذه العوامل والشروط لا يكون السبب في النجاح أو الإخفاق كأن تكون الخطة الموضوعة أو الروح المعنوية أو عامل المفاجأة أو التفوق من حيث التكتيك أو النوع والعدد.
بل هي مجموعة من الأخطاء أو الأسباب التي تراكمت فادت إلى احد الحالتين ومن هذا المنطلق دعونا نرى من ناحية مهنية وليست فلسفية بطبيعة الحال الأسباب الرئيسية التي اتفق عليها معظم الخبراء في هذا المجال وقسمت إلى قسمين أساسيين .أسباب رئيسية وأسباب أو عوامل ثانوية.علما بان الأسباب الثانوية لا تقل أهمية بأي حال من الأحوال عن الأساسية وإنما تأتي في أهميتها وتسلسلها كدرجات السلم بحيث لا تستطيع الوصول إلى القمة دون المرور عليها واحدة تلوا أخرى ولا مجال للقفز للأعلى وفي بعض الأحيان قد تكون هذه الأسباب متداخلة إلا أنها تمثل الفسيفساء التي ترسم معالم المنظر العام للوحة بشكلها الكامل.
الأسباب الرئيسية
- التفوق العددي ، ويقصد به التفوق في حجم القوات .
- التفوق النوعي ، ويقصد به التفوق في نوع الاسلحه والذخائر.
- التفوق التكتيكي ، ويقصد به التفوق في نوع الخطط والتدريب .
- التفوق المعنوي ، ويقصد به الإدارة السياسية الداخلية والخارجية .
وفي كثير من الأحوال يتم التعويض في النقص العددي بالسعي إلى التفوق التكتيكي والمعنوي أو النوعي أو كلاهما ويرجع ذلك أيضا العقيدة الوطنية لكل امة فيما إذا كانت تتبنى عقيدة شرقية أو غربية أو وطنية.
الأسباب الثانوية
- الخطة العسكرية الموضوعه والعوامل المؤثرة فيها ومراحل تنفيذها والتمهيد لها .
- القرار السياسي من خلال تحليل وقراءة الموقف العام .
- تامين القوات وسلامتها في جميع مراحل المعركة لتفادي الخسائر البشرية .
- طبيعة الأرض وتأثيراتها الجغرافية .
- التعاون بين الأسلحة المختلفة .
- المميزات الشخصية للقادة وقدراتهم المعرفية والتاهيلية .
- القدرة اللوجيستية ( حشد اكبر قوة في الوقت والمكان المناسب ).
- المبادأة (إدارة المعركة والسيطرة على الخصم وحرمانه من المناورة وإلزامه بالخطة الرئيسية باتخاذ الحركات المضادة)
- الشؤون الإدارية ( الموارد المحلية .القوة الاقتصادية استخدام التكنولوجية )
- المفاجأة ( الإستراتيجية أو التكتيكية )
واربد أن أقف عند هذه النقطة حيث نعلم جميعا إن المفاجاه هي القدرة على إخفاء
مكان وزمان وحجم القوات والنوايا ونوع العمليات ومحدوديتها وهذا ما يسمى بالمفاجأة الإستراتيجية والتي أصبح تقريبا من المستحيل تحقيق هذا النوع في زمن التطور التكنولوجي وتوافر وسائل الاستطلاع الجوي والأقمار الاصطناعية وفي ظل ثورة المعلومات. إلا انه يمكن تحقيق المفاجأة التكتيكية وهي إخفاء عنصر أو اثنان من العناصر السابقة الذكر كالزمان أو المكان مثلا والى جانب
العوامل الثانوية التي تم سياقها وهناك تأثيرات مهمة لابد أن توخذ في الاعتبار وهـــــــــــي:-
- الموقف السياسي الدولي العام .
- لقدرة على التأثير في مراكز القرار الدولي والعالمي .
- التحالفات والاتفاقيات السياسية والعسكرية المختلفة
- العقيدة الدينية والإيديولوجية و الثقافة العامة للمجتمع
- القدرة على تحليل المعلومات السياسية والاقتصادية والعسكرية .
- التأثير الإعلامي الواسع الانتشار
- الاستعداد الحربي والتعبئة العامة في زمن السلم والحرب .
خلاصة القول يأتي الهدف الاستراتيجي الخطير وهو استثمار النصر الى الحد الأقصى وجني ثماره وحصاد الغايات والأهداف التي في الغالب ما يكون الجانب الخفي والمستتر أكثر وضوحا في هذه المرحلة من الجانب المعلن للحرب وتبدأ عملية استغلال النجاح على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني وهنا تظهر ردود الأفعال المختلفة وتباين الغايات و الطموحات فهناك من يرى ان النصر هو تدمير وسحق العدو وإرغامه على قبول شروطه السياسية وإخضاعه لإرادته .
ومنهم من يرى أن الاكتفاء يشل قوة العدو موقنا وحرمانه من تحقيق أهدافه المرجوة هو نصرا.
ومنهم من يرى إن إحباط خطط العدو ونواياه والخروج بدون خسائر مادية وبشرية هو كذلك غاية النصر. ومنهم من يرى أن تحقيق النصر مع خسائر كثيرة ومبالغ فيها في الأرواح لا يرقى إلى مستوى النصر ويدل على القيادة المتعجرفة التي ستهين بقيمة الحياة الإنسانية ، ومنهم من يختزل النصر وغايته في عبور خط دفاعي أو فرض موقف أو وضع جديد على الأرض و لكن يبقى للنصر غاية تكتب في قلوب مهندسيه وبريق يقرءا في عيون صانعيه .
{facebookpopup}