ظلت كوريا الشمالة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة تعكف على أنشطتها النووية وتمضي قدما في برامجها الموجهة إلى إنتاج السلاح النووي وإلى تطوير قدراتها الصاروخية بوتيرة متواصلة، متحدية بذلك العقوبات الدولية. وحيث لم يعد يُسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول كوريا الشمالة لغرض التحقق، فإن هذه الوكالة
تركز على الأقمار الإصطناعية في مراقبة الأنشطة ذات العلاقة التي تقوم بها الدولة الكورية واستنادا لذلك ظهرت مؤشرات ودلائل مؤكدة تكشف عن عمليات جارية للحصول على البلوتونيوم من الوقود المنضب في موقع "يونجبيون" الذري. وإذ ما انفكت بيونغ يانغ تسعى إلى إحراز التقدم الذي تنشده على صعيد برنامجها وطموحاتها المرتبطة بإنتاج وتطوير القنابل النووية، فهي بذلك تثير موجات من الإستياء والتنديد من الدول المناهضة لها، وتواجه في الأثناء الكثير من التبعات جراء أنشطتها.
وفي ما يلي تغطية موجزة لأبرز الأحداث المدرجة في سجل كوريا الشمالية النووي، ومراحل التقدّم الذي تحرزه هذه الدولة في المسارات ذات الصلة.
- 1992: موافقة كوريا الشمالية على تمكين خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية من زيارة وتفتيش منشآتها النووية، غير أن هذه الدولة تراجعت عن هذه الموافقة في وقت لاحق، رافضة وصول المفتشين الدوليين إلى المواقع المحتملة لإنتاج الأسلحة النووية في بلادها.
- 1994: موافقة كوريا الشمالية على تعليق برنامجها النووي لقاء حصولها على مفاعلين نووين بقيمة 5 مليار دولار أمريكي مع كمية مجانية من الوقود.
- 1995: صدور موافقة رسمية من الولايات المتحدة على تزويد كوريا الشمالية بمفاعلين نوويين من الطراز الحديث، خاصين بإنتاج البلوتونيوم المنخفض، وهما لا يرقيان إلى مستوى إنتاج وتطوير سلاح نووي.
- 2002: إقرار بيونج يانج بامتلاكها برنامج سري لإنتاج سلاح نووي، وهو ما جعل الولايات المتحدة تعمد إلى التوقّف عن إمدادها بالنفط، وكان رد كوريا الشمالية إعادة تشغيل مفاعل بيونغ يانغ النووي وطرد المفتشين الدوليين.
- 2003: انسحاب كوريا الشمالية من اتفاقية عدم الإنتشار النووي معلنة أنها قد أنتجت كمية من البلوتونيوم كافية للشروع في إنتاج القنابل الذرية.
- 2005: كوريا الشمالية تعلن عن إنتاجها أسلحة نووية لغرض الدفاع الذاتي، ثم توافق خلال محادثات سداسية على تعليق برنامجها النووي لقاء ضمانات دبلوماسية تتعلق بأمنها مع حصولها على مساعدة في مجال الطاقة.
- 2006: تم الإعلان عن تنفيذ أول ثلاثة انفجارات نووية تحت الأرض في موقع بونغي- ري المخصص لإجراء التجارب النووية.
- 2007: مقابل مليون طن من الوقود والشطب من قائمة الدول المصنفة أمريكيا بكونها إرهابية، كوريا الشمالية توافق على البدء في تفكيك برنامجها النووي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم سرعان ما انسحبت من المفاوضات فأعلنت عن إعادة تفعيل برنامجها النووي ووقف التعاون مع الوكالة الدولية وهو ما تزامن مع تشديد العقوبات على بيونغ يانغ من قبل الأمم المتحدة.
- 2009: غداةانسحابها من المحادثات الدولية بشأن نزع أسلحتها النووية جاء إعلان بيونغ يانغ إجراء اختبارها النووي الثاني تحت الأرض.
- 2013: ثالث اختبار نووي تجريه كوريا الشمالية، تقدّر قوة تفجيره بطاقة تتراوح بين 6 و7 كيلوطن، وتم التنفيذ بواسطة استخدام ما عُرف في وسائل الإعلام بالجهاز النووي الخفيف والمصغر.
- مايو 2015:إعلان بيونغ يانغ أنها اختبرت صاروخا أطلق من غواصة، ما يجعل أمر اكتشافه أكثر صعوبة من الأجهزة التقليدية. وفي شهر ديسمبر من نفس السنة تلى ذلك إعلان كوريا الشمالية عن تطوير وتجربة سلاح نووي على هيئة قنبلة هيدروجينية، مؤكدة في الأثناء أنها لا تعتزم التخلّي عن برنامجها النووي. وتأتي هذه التجربة كرابع إختبار للأسلحة النووية يتم إجراؤه من قبل هذا البلد.
- سبتمبر 2016: إعلان كوريا الشمالية إجراءها تجربة نووية، وهي الخامسة من نوعها، وقد وصفها الإعلام الحكومي الرسمي بالناجحة والأقوى حتى الآن في تاريخ بيونغ يانغ قياسا إلى سابقاتها. وتزامنت هذه التجربة مع رصد زلزال قوته 5,3 درجات بالقرب من موقع التفجير.
على خلفية كل ما تقدم بشأن الأنشطة الكورية الآنفة الذكر، وبالتزامن مع ظهور مختلف التطورات المتلاحقة في مجريات تلك الأنشطة، كانت العديد من ردود الفعل القوية تتصاعد في الأثناء في أوساط الدول المجاورة لهذه الدولة ولدى الولايات المتحدة وحليفاتها الغربية، فبينما تعتبر كل من الجارة الكورية الجنوبية واليابان أن سلوك بيونغ يانغ هو عمل غير مقبول ويشكل تحديا واستفزازا كبيرا، تكتفي الصين بالإعراب عن اعتراضها على ممارسات كوريا الشمالية.
أما موقف الولايات والمتحدة ودول غربية فكان شديدا وينطوي على الكثير من الإدانات والتلويح بتسليط المزيد من الإجراءات والعقوبات الدولية، وهو موقف مغاير تماما لموقفها تجاه الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة في ما يمتلكه من ترسانة نووية مع رفضه القاطع إخضاع منشآته النووية للتفتيش الدولي، فما من دولة من تلك الدول عمدت يوما إلى الإعراب عن أدنى قلق أو استياء تجاه هذا الكيان وقدراته النووية.. وكأن المقاصد طالما أنها ترتبط بما يسمى "بأمن وسلامة إسرائيل" فإن الأمر يغدو مباحا في نظر الدول الحليفة لهذا الكيان، من دون الإلتفات إلى أي اعتبار جدي لما يشكله ذلك بصورة مباشرة من تهديد صارخ للسلم والأمن في إقليم الشرق الأوسط والعالم العربي.
إن السلاح النووي هو أخطر وسائل الدمار الشامل وأشدها فتكا، لما فيه من تأثيرات تدميرية آنية ولاحقة كفيلة بتهديد حياة جموع البشر في كوكب الأرض ومقومات وجودهم، لذلك فهو مرفوض جملة وتفصيلا وينبغي على المجتمع الدولي العمل بجدية من أجل إلغائه نهائيا من العالم أجمع دون تمييز، ولا يحق بأي حال من الأحوال السماح باحتكاره من قبل دول محددة تبيحه لنفسها وتحرمه على غيرها.
الدول التي تمتلك اسلحة نووية