منذ بداية التاريخ ، ومنذ ان بدأت بوادر الصراعات والحروب تظهر بين الانسان و أخيه الانسان ! الا وكانت الحاجه ماسة وضرورية لايجاد وسائل للاتصال والرصد وتبادل الاراء والمعلومات ، والتى كانت فى مهدها بدائية للغاية ، فأستخدم القادة العسكريين قديماً فى الميدان (الحمام الزاجل) ! الذى اعتبر وسيلة سريعة وفعالة وقتها ، لتلقى وأرسال التعليمات من قائد الى اخر فى اماكن الصراع
كما كانت اسهل الوسائل لتقديم المعلومات الى صانع القرار السياسي ( الحاكم ) عن وقت وحجم وامكانات قوات العدو المهاجمة للحدود الوطنية أو التى تنوى فعل ذلك لاحقاً .الحرب الالكترونية يمكن من خلالها معاونة الدفاع الجوى لمواجهة نظم الاعاقه والشوشره وها قد مرت القرون ، وأخذ التطور يزداد ويتلاحق وبشكل مذهل على يد العديد من العلماء الغربيين ، امثال (ماركونى - صمويل مورس - جرهام بيل) بعد نجاحاتهم فى اختراع اجهزة الأرسال والاتصال الحالية ، وظهرت اجهزة الرادار وغيرها ، مما كانت من أهم الأسباب فى تغيير اساليب الحرب الى ان وصلت اليها الاَن ، ثم تطور الأمر سريعا الى ان اصبحت المعلومات يتم تبادلها بين القادة الميدانيين وبين قيادتهم العليا عن طريق اجهزة الطيف الكهرومغناطيسى . وبطبيعة الحال ، فأن وسائل الحرب الالكترونية الحديثه يمكن من خلالها معاونة وسائل الدفاع الجوى فى مواجهة نظم الاعاقه والخداع والشوشره المحمولة جواً أو الموضوعة على الارض ، وذلك من خلال اجراء التصميمات للعديد من المواقع الخداعية المشابهة لمواقع الدفاع الجوى الاصلية ، مما يؤدى الى استنزاف للجزء الاكبر من تهديدات العدو الاعاقية ، هذا فضلا عن تقليل نسبة اصابة الرادارات الاصلية او اعاقتها ، ويجب على المخططين اقامة المواقع الخداعية فى مناطق قريبة من المواقع الاصلية ، كما يجب كذلك ان تزود بوسائل خداعية سلبية لجميع وسائل الاستطلاع والتصنت المحمولة جواً مع اضافة اجهزة باعثة للاشعة تحت الحمراء ومحاكاة الموقع الأصلى من الناحية الاداريه من اتصالات لاسلكية الى اخره .
ومن الممكن اجراء تغييرات سريعة ومفاجئة فى عمل ترددات الموجات المرسله بحيث لايمكن لمصدر التشويش متابعة هذا التغيير المستمر بعد اجراء موجات بالتردد الجديد بالسرعة المطلوبة ، فكلما امكن استخدام عدد من الترددات فأنة سوف يكون من الصعوبة التشويش على تلك المعدات او الاجهزة الالكترونية او اعاقتها .
والخداع الالكترونى هو احد الاساليب التى تعتبر من اساسيات الحرب الالكترونية ، وهو معروف بأنه يعتمد على ارسال موجات كهرومغناطيسيه او القيام بتغيير اتجاهها بغرض تضليل العـدو وخـداعة عـن طـريق تقليـد الاشارات المرسلة ، مما ينتج عنه احداث بلبلة فى شبكات العدو الالكتـرونية عـن طـريق ارسـال الموجات بنفس الاسلوب المتبع من قبل العدو بغرض ارباكة حتى يصل فى النهاية بعد تحليلة لتلك الاشارات الى استنتاجات خاطئة .
النظم الاساسية للحرب الالكترونية
تتلخص الحرب الالكترونية (E - W) فى مجموعة من الاجراءات التى يتم اتخاذها من جانب احد الاطراف لمنع الاخر من استعمال اجهزتة الالكترونية التى يمتلكها مع ضرورة التأكيد على سلامة الاجهزة الصديقة ، وجعلها فى حالة من الكفاءة والأستمرارية فى تأدية عملها على الوجه الاكمل ، ومن هذه الاجراءات :-
- عمليـات الحمـايه الالكتـرونية - ECCM ، والتى تهدف الى مقاومة الاجراءات المضادة وهى عمليات المقصود بها حماية الاجهزة الصديقة ، سواء انظمة الاتصالات والمراقبه او اجهزة تحديد الاهداف من عمليات العدو الاعتراضية او الخداعيه التى قد تتسبب فى التشويش عليها وتدميرها من قبل القوات المعادية لها عند معرفة مواقعها .
- عمليات الكترونية مضاده - ECM ، والتى تهدف الى منع العدو من استخدامه اجهزة اتصالاتة المتوفرة ، وكذا التشويش عليها وخداعها حتى تكون سبباً فى قيامه بعملية رد فعل غير محسوبة تكون لصالح القوات الصديقة .
-عمليات اليكترونية مسانده - ESM ، وهى تقوم على البحث عن المواقع الرادارية المعادية واجهزة اتصالاتة الراديوية المضادة ، حتى يمكن تحديد نوايا الخصم وخططة المستقبلية ، وهذه الاجراءات تساعد القوات الصديقة على تحليل المعلومات المستقاة عن العدو ، وبالتالى يسهل تجهيز الخطط والاعمال التى تتخذ لمواجهتة فى الوقت المناسب .
فالمعروف ان التطور الحالى الذى حدث فى معدات وانظمة الحرب الالكترونية نتيجة تصميم انظمة حرب اليكترونية متكاملة ، كى يسهل لها ضمان مجموعات الحرب الالكترونية السلبية والايجابية مع وجوب ربطها بجميع الوسائل الالكترونية الاخرى الموجودة ، ومع جميع نظم الاسلحة عن طريق نظام لنقل المعطيات والاوامر التى تستخدم فى الجانب الالكترونى .
بداية استخدام اجراءات الحرب الالكترونية
يؤكـد المختصــون ان الحـرب الالكترونية قد استخدمت فى بداية القرن العشرين من خلال الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) عندما نجحت قيادة الاسطول البحرى الروسية فى استماعها من خلال اجهزة الرصد لجميع المكالمات اللاسلكية التى كانت تدور بين القياده العليا اليابانية وبين اسطولها البحرى ، وعندها طلب قائد البحرية الروسية السماح له بأستخدام اجهزة التشويش على الاتصالات اليابانية لأعاقة تحركاتهم .
لكن القيادة العليا الروسية رفضت ذلك الطلب ، مقللة من اهمية تلك العمليات فى مواجهة الجانب اليابانى ، ففى بداية المعركة تحركت ما يقرب من 60 سفينة حربية روسية فى شهر تشرين اول/ اكتوبر 1904م متجهة الى الساحل الشرقى لسيبريا ، وعندما وصلت السفن الى المحيط الاطلسى ، دارت حول القارة الافريقية مسافة الاف الاميال ، الى ان وصلت الى مياه البحر الشرقى للصين ، وعند اكتشاف الجانب اليابانى وجود الاسطول الروسي بالقرب من بحر اليابان دارت المعركة الالكترونية بين الجانبين ، اذ بدأ اليابانيين الاتصال عن طريق (الراديو) بقيادتهم لمتابعة الموقف اولاً بأول ، فيما فرض الروس الصمـت الللاسلكـى علـى الاجهـزة اللاسلكية الموجودة على متن سفنهم ، وبعد التقاطهم فيض من اشارات الاتصال االيابانية لم يقم الروس بأى عمليـة تهـدف الـى التشـويش علـى اتصالات اليابانيين .
وكان ذلك بالطبع من حسن طالع الجانب اليـابانى لعـدم ادراك الاميـرال (روز تسفنسكى) قائد الاسطول الروسى لأهمية عمليات التشويش اللاسلكى وقتها ، فما لبث الا ان قام الاسطول اليابانى بتوجية نيرانه الى سفن الروس ومنها سفينة القيادة ، التى بدأت تتهاوى مع غيرها من السفن الروسية الواحدة تلو الاخرى ، الى ان استقرت كل السفن فى القاع للابد ! .
الصراع الالكترونى فى الحرب العالميه الأولى
فى بداية الحرب العالمية الاولى (1914-1918) ، وصل البريطانيين الى مستوى عالى بقيامهم بعمليات تجسس الكترونية ، استطاعوا من خلالها حل جميع الشيفرات السرية الالمـانية ، وعنـد اكتشـاف الجـانب الالمانى لما يقوم به البريطانيين قاموا بمقاومة تجسسهم بعملية تشويش ضجيجى على الترددات المستخدمه من جانبهم ، وقد تبعه قيام الفرنسيين والبريطانيين بصنع احد الانظمه التى تقوم على تحديد اتجاه لاسلكى فعال ، وقد استخدم من قبل الجانب البريطاني بنجاح كبير فى صراعهم مع الجانب الالمانى ، وتمكنوا من تحديد اماكن اتجاه ووجود الغواصات الالمانيه القابعه تحت المياه ، كما استطاعوا كذلك تحديد الترددات التى تعمل عليها اجهزة اللاسلكى العامله على المناطيد الالمانية التى كانت تقوم بالتحليق دوما فوق العاصمة البريطانية (لندن) لتوجية ضرباتهم الجويه نحو اهدافها .
وعندما نما الى علم عملاء المخابرات الالمانية المتواجدين فى لندن بتلك الاجراءات البريطانيه ، قاموا بأنشاء محطات الكترونية صغيرة ودقيقة للغاية فوق منازلهم بعيداً عن اطراف العاصمة البريطانية ، واكتشف الجانب البريطانى سريعاً عمل الجواسيس الالمان على اراضيهم ففضلوا تركهم يفعلون ما يشاءون حتى يمكنهم تضليل الالمان لاحقاً ، وبالفعل نجح البرطانيين فى تضليل المناطيد الالمانية التى توجهت الى مناطق غير مأهولة ، ومن ثم جرى الاجهاز عليها وتدميرها خارج اهدافها .
التطور الالكترونى فى الحرب العالمية الثانية ، جرى ادخال الرادار دائرة الصـراع وكـان هدفـا اساسيـاً لتوجيـه الضربات الاليكترونيه الموجهه ضده ، فالرادار يعتبركالعين ولكنها عين الكترونية ترى فى الظلام الدامس وفى كل الاحوال الجوية وداخل السحابات الدخانية الكثيفة ، ويمكن من خلاله توجيه نيران المدفعيه بدقه على تجعمات وحشود العدو ، وخير مثال على ذلك ما حدث فى احد المعارك البحرية الشهيرة بين الالمان والبريطانيين عام 1941م ، بعد نجاح الجانب البريطانى فى اغراق اقوى البوارج الالمانية وقتها وهى البارجة (بسمارك) ، وذلك راجع فى الى فضل اجهزة التصنت التى اقامها الجانب البريطانى فى (ايرلندا) .
حيث ارتكب قائد بسمارك خطاً الكترونياً كبيرا اذ قام بأخبار قيادتة فى العاصمـة برليـن عـن ادق تفاصيـل المعركة التى مازالت تدور رحاها ولم تحسم بعد ، وأستمر القائد الألمانى لمدة من الوقت تزيد عن الساعة فى ارسال تقريره المطول ظناً منه ان البريطانيين قد غادروا المعركة وولوا الدبر! ، لكن البريطانيين كانوا يستمعون بشغف الى حديث القائد الالمانى ، فقد كان حديثاً ممتعاً لهم للغاية ، وبعد ان اصغى الى حديثه كان قد تم تحديد موقع بسمارك بالفعل وبدقة كبيرة ، الى ان جرى ابلاغ الطرادين (سوفتك - نورفوتك) بمكانة ، الى ان عثرا علها فقاما بضربة بسيل منهمر من الطوربيدات ، اصابتة اصابات مباشرة وغرق فى الحال .
اسباب فشل عملية ( اسد البحر ) ؟!
فى صيف عام 1940م خططت القياده الالمانية لعملية غزو الاراضى البريطانية والتى سميت (أسد البحر - SeaLion) ، ولضمان نجاح خطتهم ، فقد جرى الاعداد لتدمير سلاح الجو الملكى البريطانى واخراجة نهائياً من سماء المعركه ، وفى البدايه استهدف الطيارين الالمان المطارات والقواعد الجوية البريطانية وقيادتها الارضية ، وبعد مرور ايام على القصف بدأت تتهاوى عشرات الطائرات القاذفة والمقاتلة الالمانية بطياريها فوق الاراضى البريطانية على الرغم من التفوق العددى للالمان وكفاءة طياريهم امام خصومهم .
واستنتجت القيادة الالمانية ان هناك سراً فى الامر يجب معرفتة ، ولكنهم عجزوا عن الوصول اليه ، والحقيقة التى كشفت عنها القياده البريطانية فيما بعد ، هو انهم نجحوا فى أقامة شبكة منسقة من الهوائيات العالية الارتفاع جرى نصبها على الساحل الجنوبى للجزر البريطانية ، وهى هوائيات خاصة بشبكة الرادار التى كانت بعيدة المدى ، والتى اوهمت القياده الالمانيه بواسطة عملية التضليل الاليكترونى بأستخدامها موجه قصيره لا تتعدى 2م باهدافا خداعيه ، وعندما فطن الالمان لحقيقة الامر قاموا بعدة هجمات جوية عليها فدمروا بعضها وفشلوا فى ضرب الكثير منها.
عند ذلك فكر الجانب الالمانى فى تغيير تكتيكاتة فى معاركهم الجوية مع الجانب الاخر ، فقاموا بتطوير نظام لتحديد مسار طيرانهم لزيادة دقة انظمة الاصابة فى احـلك الليالـى ظلمـة ، ولكـن الجـانب البريطانى استطاع معرفة انظمة عمل الاجهزة اللاسلكية الالمانية الموجوده فى طائراتهم ، الامر الذى نتج عنه خداع الطيارين الالمان اللذين ضلوا طريقهم نحو المدن البريطانية وبدلا من ضربها قاموا بالقاء حمولات طائراتهم من الاف الاطنـان مـن القنـابل الـى المنـاطق الصحراويه الغير مأهوله والخاليه من أى اعمار .
وبأنتهاء عملية اسد البحر كان الالمان قد فقدوا ما يزيد عن الف طائره وقاذفه ، فضلا عن فقدهم المئات من الطيارين الاكفـاء ، ويرجـع فشـل عمليـة غزو الاراضـى البريطانيـة الـى نجـاح البريطانييـن فـى اختـراع اجهـزة الكترونية ضللت الطيارين الالمان واعاقـة عمـل طائـراتهـم وخـدعت اجهزتهم العاملة عليها ، الامر الذى ادى الى تدنى الحالة المعنوية للطيار الالمانى واحباطة ، الى ان صدر قرارا مفاجئا من قبل " الفوهور" شخصيا بوقف عملية تنفيذ خطة اسد البحر الى اجل مسمى ! .
هذا وقد كتب السير (ونستون تشرشل) رئيس الوزراء البريطانى انذاك فى مذكراتة ، معبراً ببساطة عن الحرب الالكترونية ليقول " ان الحرب الالكترونية هى تلك الحرب السحرية التى تجرى بلا هوادة ، فهى قدمت اعظم العون للحلفاء فى معارك الحرب العالمية الثانية ، كما انها قلبت موازين القوة لصالحنا ، فقد كان لظهور اجهزة الرادار واقامتها على شواطئنا الجنوبية بالغ الاثر واعظم النجاحات التى ساعدت على اكتشاف الطائرات المعاديه لحظة دخولها اجوائنا ، ومن ثم جرى على الفور اتخاذ اللازم تجاهها ، مما ادى الى اسقاط المئات منها " .
التطور الالكترونى فى الحرب الكورية (1950م - 1953م )
اما فى الحرب الكوريه ، فقد ظهر جليا حجم التطور الكبير فى استخدام الانظمه الاليكترونيه ، فبعد ان بدأ الكورين الشمالين فى استخدام المدافع المضاده للطاءرات الموجهه راداريا ، اتبعه كـذلك نجاحهـم فـى توجيـه طائراتهـم المقاتلة نحو اهدافها بأستخدام نظام الاتصال اللاسلكى ، عندها لم يقف الامريكين مكتوفى الايدى فأنتجوا على وجه السرعة طائرات تشويش لاسلكى ايجابى ، وجرى تخصيصها لحماية وتغطية الطيران العامل ضد الكشف الرادارى من جانب الشماليين .
ثم تبعـه ادخـال الامـريكين طــائرات مخصصة لكشف اماكن تمركز محطات رادار العدو وتحديد الاحداثيات بها ، وزودوا طائراتهم بأجهزة قادرة على التقاط الاشعة الكهرومغناطيسية المنبعثة من اجهزة الرادار فتحدد ما اذا تم اكتشافهم من الجانب المعادى من عدمه ، وكانت فى مصاحبة الطائرات الامريكية طائرات حاملة لواقط سلبية لكشف الوسائط الراداريه العاملة فى نظام الدفاع الجوى الشمالى ، هذا بالاضافة الى مصاحبة القاذفات طائرات اخرى وعلى متنها اجهزة مخصصـة لكشـف طـائرات العـدو
الاعتراضية التى من المحتمل ان تحاصرهم من الخلف .
وعقب نهاية الحرب الكورية ، تبين للامريكين انهم نجحوا فى ان يتفادوا الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات بواسطة استخدام انظمة الحرب الالكترونية التى كانت تحملها طائرات المراقبة الالكترونية ، وعلى ضوء التجارب التى مر بها الامريكين ، قاموا بدراسة الاساليب والطرائق التى واجهتهـم فـى الحـرب ، ليخرجـوا باقتراحات هادفة الى تطوير وسائلهم الالكترونية المضادة لشبكات الرادار وانظمة الاتصال اللاسلكية المعادية . أستعمال التشويش الالكترونى يتطلب الحنكة والدهاء !
وفى اوائل الستينات من القرن الماضى زود الامريكين معظم قاذفاتهم بحاضنات لاجهزة التشويش الالكترونى من اجل الحماية الفردية ، وكان التحكم بالتشويش وتوجيهة يتم يدويا او اليا ، ولكن حدث تطور تقنى ضخم فشمل ادخال عناصر مستحدثة محمولة داخل الطائره للكشف والتحليل والتشويش على بضع اهداف فى وقت واحد ، لأن استعمال التشويش يتطلب العمل على بذل مزيد من الحنكة والدهاء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، يمكن للوسائل الالكترونية بعد تحليلها الترددات والاشارات المعاديه ان تقوم بعملية تقليد (تزييف) تلك الاشارات تماماً ، ثم تبادر بعدها بأعادة بثها الى المصدر الاصلى الذى خرجت منه كى تحمـل معلـومات تضليليـة للجـانب المعادى ، الذى يساعد على قيام العدو ببناء شبكة معلومات خاطئة ينتج عنها فى النهاية اتخاذ القرارات فى الوقت الخطأ ، مما يتسبب فى فقدانه ميزة الحصول على المعلومات الصحيحه التى تؤثر بالسلب على نتيجة الصراع القائم بينه وبين خصمه .
الحرب الالكترونية على الجبهة العربيه ( 1967م - 1982م )
نجحت اسرائيل فى الساعات الاولى لحرب حزيران / يونيو عام 1967م فى أستخدام اجهزة التشويش اللاسلكية ضد اجهزة الرادار المصرية وضد مواقع الصواريخ طراز(سام) روسية الصنع ، وأستخدم سلاح الجو الاسرائيلى طائرات من نوع (داكوتا) جرى تزويدها بمساعدة امريكية بأنظمة التشويش الالكترونى ، مما مكنها من التشويش على معظم الرادارات التى تقع فى خط مرور الطائرات الاسرائيلية ساعة قيامها بضرب المطارات والقواعد الجوية المصرية فى صباح اول ايام الحرب ، مما تسبب فى حدوث تعمية مؤقتة لكافة انظمة ومحطات الرادار المصرية .
اما فى حرب الاستنزاف ، وبعد ان تنبة القادة المصريه الى اهمية الصراع الالكترونى ، برز الى الوجود النظام المصري المتكامل لشبكة صواريخ (سام 3) التى كانت لديهم ، والتى حققت نجاحاً الكترونياً فى مواجهة الطيران الاسرائيلى نظرا لتمتعها بقدرة عالية علـى التغلـب علـى اعمـال الاعـاقة الالكترونية التى استخدمها الجانب الاسرائيلى ، هذا أضاف الى قدرتة الفائقة على اصابة الاهداف التى تطير على ارتفاع منخفض حتى (1500م) ، واخفق الطيران الاسرائيلى فى اصابة اهدافه الارضية كما تعود عليها من ذى قبل ، نتيجة عجزه فى استخدام انظمة التشويش والخداع الامريكية التى كانت فى حوزتة ، والذى نتج عنه اسقاط العشرات من الطائرات الاسرائيلية على الجبهة وداخل العمق المصرى ، وفى وقتها اعترف الجانبان الامريكى والاسرائيلى بعجزهما سويا عن مواجهة التفـوق الالكتـرونى الصلـب للشبكـة الصاروخية التى ابدع المصرين فى اقامتها من طرازى سام ( 2 - 3 ) .
فى حرب 1973م - افقاد معدات التشويش الاسرائيليه المصداقيه والحد من قدرتها فى حرب 1973م المجيدة بذل الاسرائيلين كل جهدهم من اجل تحقيق السيطرة الجوية على الجبهة المصرية والسورية كما حدث اثناء حرب 1967م ، وأستخدموا احدث ما جرى تصنيعة من وسائل الحرب الالكترونية الامريكية من اجهزة مضادة لتقليل فعالية الصواريخ العربية طراز (سام4) ، فأستخدم الطيران الاسرائيلى اول ايام الحرب بالونات حرارية والتـى توضـع فـى اسفـل الطـائرات (Fantom-f 4) ، حتى تحول مسار الصواريخ العربية الذاتية التوجية الباحثة عن الاشعة تحت الحمراء .
ولكن الاسلوب الاسرائيلى اثبت فشله فى مواجهة الشبكة المصرية المقامة للحماية الالكترونية ، فعندما كان الطيار الاسرائيلـى ينخفـض لتفـادى ظهـوره راداريـا ، كـانت تقـابلة الصـواريخ (سام7) التى تحمل على الكتف وتعمل بمدى 3 كم ، واذا حاول الارتفاع رويدا يجد امامه الصواريخ طراز (سام 6) جنجل عالية الحداثة وقتها والتى تحتوى على رادار كشف وملاحقة ويعمل على تردد كبير ما بين (5-8) ميجا هيرتز ، والصاروخ (سام6) يعمل ضد الاهداف المنخفضة والمتوسطة والمرتفعة حتى (16 كم) ، وقد تميز عن غيره من عائلة سام بعدم معرفة الاشارات الصادرة من رادارة الموجة له ، نظرا لاستخدامة بأسلوب مبتكر ومفاجئ اذهل الاسرائيلين والامريكين معا ، ونتج عن تلك المنظومة المصرية المتكـاملة اسقـاط (113) طـائرة اسرائيلية بالصواريخ الموجهة فى الايام الاولى للحرب ، بعد ما شكلت قواعد الصواريخ سام عثرة كبيرة امام معدات التشويش الالكترونى الاسرائيلية المحمولة جواً ، وحدت من قدرتها على العمل وأفقدتة مصداقيتها .
الصراع الالكترونى فى الجنوب اللبنانى عام 1982م
تميزت معركة جنوب لبنان التى دارت رحاها بين وسائل الدفاع الجوى السورية وبين الطيران الحربى الاسرائيلى ، بأستخدام مكثف للغاية وعلى مستوى على من التقنية لأحدث ما وصل الية العلم فى مجال انظمة الحرب الألكترونية ، عندما واجهت اسرائيل بطاريات الدفاع الجوى السورية فى منطقة (سهل البقاع ) بجنوب لبنان من طراز (سام 6) بعملية اعاقة الكترونية غاية فى التعقيد ، وقد استخدمت اسرائيل نظام استطلاع " اَنى " مباشر نتيجة اعتمادها على انظمة الاستطلاع والرصد والمتابعة ، كما اشركت طائرات الاستطلاع المسيرة عن بعد ، والتى نجحت من خلالها فى الجمع والتنسيق بين عمل الطائرات الاسرائيلية القاذفة والصواريخ " ارض ارض " والمدفعية طويلة المدى .
ثم اتبعة اجراء عملية تعمية وشوشرة للاجهزة السورية بوسائط الحرب الالكترونية ، ومن ثم قيام القاذفات الاسرائيلية بتوجية ضرباتها التدميرية ضد الاهداف السورية ، ونجح الجانب الاسرائيلى فى مشاغلة الرادارات السورية فى سهل البقاع ومعرفة تردداتها بدفة ، ومن بعدها جرى مشاغلتها بالطائرات من دون طيار من طراز(سكاوت) لاجبار الرادارات على التشغيل حتى يسهل كشفها وتحديد اماكن تواجدها ، نظراً لقيام السورين بالتموية عليها .
وكانت الطائرات الموجهة تطيرعلى ارتفاع اقل من 10 كم ، وهى طائرات مجهزة بوسائط الحرب الالكترونية ، ومنها ما هو مجهز بكاميرات تليفزيونية واجهزة خاصة لاستقبال الاشعة تحت الحمراء ، ونتج عنة تحديد اسرائيل لجميع الاهداف السورية المراد تدميرها ، وتم عمل تقييم لكل المعلومات التى حصلوا عليها وتم نقلها على الفور الى المختصين فى القواعد الجوية والقوات الارضية المكلفة بعملية التدمير ، وحتى يتأكد الاسرائيلين من اجراء عملية التعمية للأجهزة السورية ومنعها عن العمل ، استخدموا انظمة تشويش متطورة من النوع السلبى ، ومنها اجهزة العاكسات الثنائية الاقطاب (dipole) وأهـداف كـاذبة علـى خـط طيـرانها المهاجم بواسطة الطائرات الموجهة من دون طيار من نوع(an - bqm 34) وهى صناعة امريكية بالطبع ، كما استخدموا عقب ذلك اجهزة تشويش الكترونى ورادارى وحرارى جرى تحمليها على متن الطائرة بوينج (707) المخصصة للانذار المبكر ، وهى بعيدة المدى وتستطيع العمل لفترات طويلة وعلى ارتفاعات يصعب على وسائل الدفاع الجوى التقليدية الوصول اليها ، وبدأت الطائرات الاسرائيلية مهمتها بضرب مواقع الصواريخ السورية فى توقيت منظم ، وشاركت الطائرات من دون طيار كذلك فى توجية الضربات بعد ان حملت هى الاخرى بالمتفجرات شديدة التدمير التى تتجة مباشرة نحو اشعة الرادار ، وقامت الطائرات (F - 4) بأعمال ابطال اللاسلكى بالصواريخ طراز ( شرايك - Shrike) ، كما تعاونت المدفعية بعيدة المدى عيار 155مم وراجمات الصواريخ فى ضرب الانظمة السورية المضادة للدفاع الجوى ، الى ان جاء دور الطائرات (ف 16- كفير- سكاى هوك) فقامت بأسقاط قنابل السقوط الحر والقنابل العنقودية (روك اي) ، وفى النهاية كانت اسرائيل قد تمكنت من تدمير حوالى 30 منصة اطلاق للصواريخ المضادة للطائرات من انواع سام (6- 8- 9) .
التفوق الالكترونى فى حرب (تحرير الكويت) عام 1991م
على الرغم من ان معارك حرب تحرير الكويت استمرت 45 يوما ، الا انها اعتبرت اكبرحرب تم فيها استخدام وسائل القتال الالكترونية وعلى اوسع نطاقا ، ففيها قامت طائرات التحالف بعملياتها فى اللحظات الاولى دون ادنى مواجهه عراقيه ، وتمثلت فى استخدام اجهزة الاعاقة الخداعية ، ومشوشات الاشعة تحت الحمراء ، فضلا عن الرقائق المعدنية طراز (Chaff) ومستقبلات الانذار الراداريه.
وقد صممت انظمة الدعم الالكترونية المحمولة على الطائرات التكتيكية التى هاجمت المواقع العراقية ، والتى تتعرض للكشف من اجهزة الرادار الموجودة فى المنطقة من اجل ان تقوم بعملية احلال فى انظمة تتبع الاهداف العراقية ، مما ادى الى جعل الصواريخ العراقية (ارض- جو) غير دقيقة فى الاتجاة نحو اهدافها ، فعند رؤية الطيار الصواريخ تنطلق نحوة يقوم على الفور بقذف العواكس او المصايد فى النظام الالي ، وتم استخدام الرقائق المعدنية والمشاعل الحرارية على نطاق واسع بواسهة الجانبين الامرىكى والبريطانى ، فتلك الرقائق تعتبر فعالة للغاية فى خلق صورة غير حقيقية على شاشات الرادار المعادية ، اضافة الى ان المشاعل ضللت عمل الصواريخ التى تقوم بالبحث عن المصدر الحرارى ، كما ان استخدام الانظمه الالكترونية لعب دورا اساسيا فى تقليل نسبة الخسائر فى طائرات التحالف المهاجمه للاهداف العراقية .
وخلال مهاجمة الاهداف المعاديه داخل الاراضى الكويتية ، تم بث معلومات مزيفة بأجهزة الرادار حتى توحى للعراقين بأن قوات التحالف مازالت فى اماكنها بالاراضى السعودية ، وجرى ادخال فيروسات معلوماتية فى شبكة الاتصال العراقية بدلا من التصنت عليها ، ونتيجة لاعمال الاعاقة والشوشرة التى استخدمتها طائرات التحالف ، تم احداث ثغرة كبيرة فى نظام القيادة والسطرة فى السلاح الجوى العراقى ، لينتج عنة عدم قيام الطائرات العراقية الاعتراضية بالتصدى لهجمات طائرات التحالف ، لان اتصالها بالقيادة الارضية اصبح معدوما ، مما ادى فى النهاية الى هروب العشرات منها الى ايران ، وكان لنجاح قوات التحالف فى حربها الالكترونية على مسرحى العمليات فى الاراضى الكويتية والعراقية بالغ الاثر فى عزل القوات العراقية عن قيادتها نتيجة لفقدها القيادة الالكترونية ، والتى كان من نتاجئها تقليل خسائر الطائرات المتحالفة الى ادنى مستوى والحاق الهزيمة بالقوات البرية العراقية فى غضون ساعات ! .
،،، خاتمه ،،،
بعد استعراض اساليب وأنظمة عمل الحرب الالكترونية ، وما اعقبة من تطور فى كافة وسائل الكشف والتتبع والتشويش ، وايضاح مدى نجاح عمل المنظومة الالكترونية فى العديد من المعارك التى دارت رحاها فى القرن العشرين ، يتضح لنا انه اذا لم تولى الدوله التى هى احد اطراف الصراع الاهتمام الكافى بالتطور الالكترونى ، ومتابعة ذلك التطورة على الدوام ، فأنها قد تصبح خارج طابور التقدم التقنى ، مما يعقبة ان تظل عرضة للتدمير فى حالة حدوث صراع او هجوم مباغت على اراضيها ! ، لان اسلحتها الدفاعية والهجومية سواء الارضية او الجوية وحتى البحرية سوف تصبح عمياء وصماء ولا فائده منها ، فى الوقت الذى يسعى فية الخصم الى مواكبة التطور الالكترونى ودون هوادة .
المراجع **
مجلة الدفاع السعوديه العدد (95)
مجلة كلية الملك خالد العسكريه السعوديه العددان (33-35)
مجلة القوات الجويه الاماراتيه الاعداد (33-133-141)
مجلة الحرس الوطنى السعوديه العددان (202-203)