لتسامح والعدل، وأن نسخرها لخدمة شعوبنا لتحقيق الرفاهية والأمان في ثلاثينيات القرن العشرين تواجد نوعان مختلفان من السياسات المرتبطة بتفادي الحرب العالمية الثانية: 1) سياسة شرقية سوفييتية. 2) سياسة غربية ديمقراطية
أولاً- النموذج السوفييتي من السياسة:
تطبع بتوخي السلام الدائم مع الجاهزية القصوى لإعطاء الضربات لصد العدوان، وذلك بالوقوف وراء إنشاء منظومات شاملة للأمن في أوروبا وآسيا لأجل عدم إعطاء مجال للعدوان، وتوحيد جميع القوى المحبة للسلام، وإنشاء تحالف الدول المضادة للنازية (الفاشية)، والتأثير الموحد ضد المعتدي والجاهزية لتفكيك قوى العدوان وفرض قانون السيادة الدولية.فالاتحاد السوفييتي كان مستعداً لوضع أعداد كبيرة من القوات إلى جانب القوات المقدمة من قبل الدول الغربية (الحلفاء)؛ وذلك لمواجهة المعتدي، فهذة الإجراءات جعلت من الصعوبة على المعتدي أن ينفذ كامل خططه كما يشاء.
ثانياً- النموذج الغربي للسياسة:
وقد تميز هذا الموديل بالأيديولوجية السياسية لرفض أفكار التعاون الأمني، وعدم الرغبة أو بالأصح الرهبة من التوحد مع الاتحاد السوفييتي لصد المعتدي الفاشي، كذلك انعدام الإرادة والتردد في استخدام القوات، والمخاوف من استخدام القوة ضد العدو، وتأييد فكرة التأثير النفسي والمعنوي على العدو (هتلر) لعله يتراجع عن نواياه، كان هذا أحد أهم الأسباب في عدم النجاح في تفادي الحرب، فلو تم التلويح للعدو ومن البداية بما ينتظره من قوة في مواجهته لربما عدل عن فكرة الهجوم وتراجع عن عدوانه، ولكان قد درس الموقف جيداً قبل الإقدام على أي خطوة.عموماً يجب القول: إن أصعب مشكلة في تفادي الحروب تعتبر توافق السياسة مع الإستراتيجية العسكرية، وتوافق المعايير العسكرية مع المعايير المدنية، السياسي الأمريكي الكبير والمعروف ووزير خارجية الولايات المتحدة "هنرى كيسنجر" كتب: أن عدم قدرة الكثير من الدول على حل المشاكل وتفادي الوقوع في الحرب العالمية الثانية كان بسبب أن الدول الغربية اتبعت سياسات تركز على هدف واحد وهو إيقاف هتلر، ولم يستطيعوا خلق إستراتيجية عسكرية تتوافق مع هذا الهدف، كذلك القادة العسكريون أنفسهم لم يظهروا تأثيرهم، ولم يضعوا بصمتهم بل تركوا الأمر للسياسيين، ووثقوا بهم ثقة عمياء، واتبعوا دائماً سياسة الخجل وعدم المواجهه أمام السياسيين مما قوى السياسة التي انفردت بالرأي في اتخاذ القرارالذي كان في كثير من الأحيان خاطئاً.هذا التوصيف صحيح بالنظر لتأثير الغرب في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن العشرين، فالخلاف أو التناقض أدى إلى الاستفزاز، كما في (مؤامرة ميونيخ وغيرها)، فالسياسة والثقة في أن الحرب سيتم من جديد توجيهها نحو الشرق أظهرت سلبية الإستراتيجية العسكرية للغرب بخصوص ألمانيا الفاشية من خلال السياسة الفاشلة التي تم اتباعها.أما السياسة السوفييتية فقد تم تقديمها على أن هذه الحرب عدوانية ولا طائل من ورائها إلا الخراب والدمار.لهذا كانت السياسة أكثر ثباتا وتطلبا في نفس الوقت نحو خلق إستراتيجية عسكرية متكاملة سيطرت على العلاقات الدولية في الشرق والغرب، وكان للقادة الميدانيين التأثير الكبير في طرق إدارتها، كما كانت هذه السياسة تعي إلامكانيات الحقيقية الموجودة، وأخذت بعين الاعتبار الظروف والعوامل التى بواسطتها قد يتم التمكن من تفادي الحرب حتى آخر لحظة.الخطوط السياسية التي رسمها الاتحاد السوفييتي لنفسه في الحرب مع ألمانيا حتى فى أسوأ الظروف مايو- يونيو 1941 م كانت في المجمل واقعية إلى أبعد الحدود، عندها كانت هناك آراء بأن السياسة التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار هي السياسة التي لا تتناقض مع طبيعة وقوانين الحروب والتي بالطبع كانت متناقضة تماماً مع القوانين التي تتبعها ألمانيا النازية.فعمليات الجيوش ربما تكون قد شلت وقيدت الوضع السياسي في محاولة إيقاف وتفادي مواصلة الحرب، ولم تقو هذه الأعمال والجهود التحركات لمناقشة الأوضاع بين الدول ناهيك عن تمتين العلاقات بينها، ولم تستطع الدول الغربية بحكم موقفها والرأي العام العالمي اتهام الاتحاد السوفييتي في أنه السبب في مواصلة الحرب، بل انصب جام غضب العالم على ألمانيا النازية، الأمر الذي أرغم الدول الغربية على تشكيل جبهة تتصل مع الجبهه الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي.فكرة درء وتفادي الحروب، وهو الحذر دائماً، وأنه إذا ما سرت في درب أو طريق خطر لا يجب أن ترخي نظرك ولو للحظة عن عدوك؛ حتى لا تجد نفسك وقد أصبحت في ظروف لا تحسد عليها، وجانب الحذر فقط هو الذي يجعل عدوك يحسب لك ألف حساب، وهذا كله يصب في مصلحة تقليل احتمالية نشوب الحرب، أمر كهذا نراه عملياً في التجربة التي مازالت مستمرة بين الكوريتين منذ الخمسينيات وحتى يومنا هذا، فحذر كل منهما من الأخر خلق فرص تعاون كبير ومثمر بينهما برغم توتر الأوضاع.وبالعودة إلى الحرب العالمية الثانية فقد كان لعدم التقدير الجيد والدراسة المستفيضة الدور الكبير في اندلاع الحرب، فقد كان تقدير السياسيين النافذين والقادة العسكريين والعلماء أن الجاهزية التامة للقتال لقواتنا ستكون بحلول سنة 1941م ، كما أنهم استبعدوا فرضية أن تقوم ألمانيا بالهجوم أصلاً، هذة الفرضية التي تستمر حولها الجدالات حتى يومنا هذا تصبح بمرور الزمن أمراً واقعاً، فالآن ينمو الفيض الجماهيرى الذي يقول إن الاتحاد السوفييتي كان يستطيع الوصول إلى منع الإغارة الألمانية على أراضيه إذا قام السياسيون والعسكريون بالضغط بدهاء ومهارة على القيادات والجنرالات الألمان وإيهامهم بأن المعلومات التي لديهم بخصوص ضعف الاتحاد السوفييتي وقواتة المسلحة غير صحيحة، كما كان يجب عرض قوة دفاعات الاتحاد السوفييتي وآلياته ومعداته ووسائطه الحربية كما وجب عرض قوة الاقتصاد العسكري والإمكانيات التقنية وعدم إبعاد العلماء وإظهارهم بالمظهر اللائق وإبراز إنجازاتهم، كذلك إبراز المناورات التي يقوم بها الجيش كتلك المناورة التي أجراها السوفييت في منتصف الثلاثينات، وتركت انطباعاً في الدوائر العسكرية الغربية حيث ذهل الغرب بالتطور في بلادنا وخصوصا أعمال الدفاع العسكرية.وهنا سوف نسوق مثالاً:الكتاب الذي صدر لدينا للكاتب والمؤرخ البولندي صاموئيل لينارت يثبت أنه لو أن الاتحاد السوفييتي لم ينجذب باتجاه الانغلاق المفرط وفي الوقت المناسب وبشكل ملائم قام بعرض مصانعه للدبابات والطائرات والتقنيات الأخرى للألمان وغيرهم لتمكن من جعلهم يتراجعون عن فكرة شن هجوم عليه.فالعلماء العسكريون حذروا دائماً من عدم الاهتمام الكافي بالبناء والتصنيع وتوفير الأفكار والمشاريع لتقوية دور الجيش في درء وتفادي الحروب والنزاعات المسلحة .
مع أن هذا تم الاستهانة به والتشكيك فيه وفي جدواه لكنه وفي نفس الوقت أثار الانتباه ودفع باتجاه دراسة هذه الأفكار، في الوقت الحاضر الأعمال التي تقام لتفادي ودرء الحروب والنزاعات مازالت أكبر حجما ومعقدة وذلك بالنظر لمحتواها ومدى اهميتها لأمن الدولة .السياسة أحيانا تنتج الحروب، وتعيق الوصول إلى الأهداف، ولكن لتفادي الحروب لا بد من تواجد معارضة شديدة لهذا التذبذب.
فالدولة الروسية تعطي الأسبقية في درء الحروب للوسائل غير العسكرية (كالوسائل السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، المعلوماتية، وغيرها) هذة السياسة المضادة للحروب مدعوة لإنشاء علاقات وخصوصا مع دول الجوار، حيث ستكون هذه العلاقات ثمينة جدا، وهي مدعوة أيضاً أن تحول وبفعالية الأوضاع السائدة من أوضاع موالية للتحزبية إلى أوضاع تحبذ الموضوعية في الطرح؛ حتى لا تبرر عمليات العدوان على من لم يتفق معها في التوجهات السياسية.أيضا أثناء أي توتر في الأوضاع من المهم تفعيل وتنشيط الاتصالات الدبلوماسية لتفادي التهديد المسلح والوصول لعقد اتفاقية بخصوص عدم السماح باللجوء إلى القوة مهما حدث، وعدم إقحام القوات المسلحة وحل المشاكل بالطرق السلمية وإيقاف أي اعتداءات محتملة، ورفع فعالية رسالة السلام وتعليم القوات التعامل بعقل مع أي ظرف، كذلك المصادقة على اتفاقيات تجارية واقتصادية لتقريب وجهات النظر وإعلاء حسن النية، كل هذه التحركات يجب أن تكون منظمة وفي وقتها المناسب ومحددة ومرنة.والأهم ألا تكون فى وقت تكون فيه العلاقات في قمة توترها، وفي الوقت الذي تكون فيه نسبة الكراهية في أعلى مستوياتها، والاستعانة بالدول الصديقة للطرفين لتخفيف حدة التوتر.فمنذ فترة طويلة أصبح واضحاً أن درء الحروب والاعتداءات المسلحة يجب أن يكون عملاً تكافلياً (اتحادياً)، ومن المهم أن تكون الأطراف المتحدة تحت قيادة (العمل المشترك)؛ وذلك لتقدير المواقف وإزالة التهديد باستراتيجية شاملة تحتوي على خطة عمليات وأليات للتحرك على هذه أو تلك الحالة، وتحديد المهام المشتركة ودعم كل طرف للآخر، فتاريخياً تعلمنا أن كل دولة تشمل أمنها الوطني بالرعاية والعناية يجب أن تسعى إلى امتلاك أصدقاء جيدين وجديرين بالثقة وحلفاء آمنين عليها وعلى أراضيها، ولا تترك المجال بأي حال من الأحوال لأن تسوء العلاقات مع هؤلاء الأصدقاء.
من المهم لروسيا أسوة بدول العالم إنشاء العلاقات والاتصالات مع جميع جيرانها، ففي الترتيب الأول يجب أن تكون هذه العلاقات جيدة مع رابطة الدول المستقلة، وهي (دول الاتحاد السوفييتي السابق)، ويجب تقوية وتنمية التعاون المشترك معها في كل مناحي الحياة والأعمال. وبمعايير كاملة استعمال الدبلوماسية والسمعة الطيبة التي تتمتع بها روسيا في هذه الدول والمكانة الرفيعة لروسيا والتي تعيها شعوب هذه الدول وتعرفها جيدا.كذلك يجب التركيز على خلق تعاون (ثقافي، إنساني، معلوماتي، مدني) والحفاظ على تنمية ثقافية حضارية عامة، ويجب تعزيز الاتصالات بجميع أنواعها.
أثبتت التجارب أن المستعمرين يشنون الحروب عندما يكونون واثقين من النجاح فقط؛ لذلك من المهم التخمين في الوقت المناسب بما يخطط العدو له ومحاولة معرفة أفكاره وطموحاته، كذلك يجب كسر ثقته في النجاح والإيعاز بحتمية هزيمته وخسارته التي لا محيد عنها حتى يفكر كثيرا قبل أن يقدم على أي خطوة عدائية.فالإيعازبمهارة والتوضيح بدهاء عبر الوسائل المختلفة للعدو بخسارته المؤكدة التي تنتظره في حال هجومه وعدوانه تقف في مقدمة العوامل الواقعية لردع العدو.لقد أنشأ العالم والمنظر العسكري الغربي كينجستون مكلوري قانونا خاصا به يقول: (الهجوم يشن على الضعفاء، ولا يشن على الأقوياء أبداً، ولكن قد ينجو من الهجوم من كان ضعيفا ويتخذ لنفسه دائماً هيئة الأقوياء).فإبراز وإظهار القوة مطلوب، ولكن يجب اختيار الطريقة المثلى لإظهار هذة القوة، فمن الضروري إجادة فن إعطاء إشارات إستراتيجية شرط أن تكون هذه الإشارات متماشية مع القانون الدولي، وعدم تحويل هذه الإشارات إلى ما يوحي بالتهديد، وألا تكون هذه الإشارات مصدرا لإفساد العلاقات القائمة.وهذه التراتبية طبقها الاتحاد السوفييتي، وأعطت نتائج باهرة، حيث أجاد إعطاء إشارات في عدة أزمات منها:(أزمة السويس: 1956م، أزمة الكاريبي: 1962م، أزمة برلين: 1960- 1970م).كل هذا يرينا الدروس المستفادة والعمليات الناجحة في درء الحروب، وأسباب عدم النجاح في تفادي خطرها أحيانا، كل هذا موجود في وثائق الأمم المتحدة ووثائق مجلس الأمن، والوثائق المتضمنة للجهود التي بذلهاالكثير من السياسيين المعروفين والدبلوماسيين والعلماء.أن السياسة تقودها الوسائل العسكرية والمدنية على حد سواء هو خلاصة أعمال فرق مستقلة، تم توحيدها في أسلوب موحد لغرض درء شبح الحرب أو تفاديها. وتتم ممارسة السياسة وبكثافة في حالة التهديد بالحرب أو في العديد من الإشكالات ذات الطابع غير العسكري (المدني) ذات ترتيب وطني أو إقليمي والعديد العديد من الأعمال التي تستوجب التدخل السياسي لهذا يجب أن نأخذ على عاتقنا حسن توظيف السياسة، وأن نعالج بها الأمور الأكثر أهمية، وأن نطوعها لتحقيق الأغراض النبيلة والإبداع الخلاق، وأن نستخدمها لنشر قيم