تحتل الصحاري مناطق شاسعة حول العالم، إذ يمتد بعضها من القطب الشمالي نحو خط الاستواء، والبعض الآخر من القطب الجنوبي نحو خط الاستواء على سطح الكرة الأرضية، وتتركز معظم الصحاري
الرملية ذات المناخات الحارة حول المناطق المدارية، وتبدو أكثر وضوحاً في منطقة شمال إفريقيا والجزيرة العربية وبعض مناطق في آسيا وأمريكا الجنوبية وأجزاء من جنوب أمريكا الشمالية وأستراليا، وتُعرف الحرب الصحراوية التقليدية اختصاراً بأنها (القتال في الصحراء).
وتكمن خطورة الحرب الصحراوية غالباً في قساوة البيئة الصحراوية وعناصرها المدمرة على القوات، سواءً أكانت في وضعية الهجوم أم في وضعية الدفاع حيث تكون ظروف الصحراء في بعض الأحيان أشد خطورةً من نيران العدو نفسه.
وقد خبرت الجماعات البشرية المقاتلة فنون عمليات القتال الصحراوية منذ الأزل حتى اليوم، فمن استطاع من القادة أن يتكيف معها ويتجنب مخاطرها خرج منتصراً حتى لو انسحب من دون قتال، ومن لم يتكيف معها واصطدم بمخاطرها هزمته الصحراء حتى وإن لم يواجه عدواً.
إلا أن المهم والمثير اليوم أن مفهوم الحرب الصحراوية أصبح يتعمق مع منطلق القرن الواحد والعشرين على مستوى ثلاثة أبعاد هي: الإستراتيجيا، التكتيك، العمليات اللامتماثلة.
تمهيد:
كثيرون هم القادة العسكريون عبر التاريخ الذين هزمتهم الصحراء قبل أن يهزمهم العدو لوحده، وقد قال المحللون الأستراتيجيون في هذا السياق: إن صحاري روسيا الثلجية والصحاري العربية الجافة في شمال إفريقيا هي التي هزمت القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية، فالملاحة الصحراوية المضلله ليلاً ونهاراً، وحركة القوات المكشوفة على الأرض، وصعوبة مطابقة المعالم والبيانات المثبتة على الخرائط للتضاريس الأرضية الحقيقية، وشح المعلومات الاستخبارية الآنية، وقلة الموارد الطبيعية الأساسية، وتعقيدات الإمداد اللوجستي، ومخاطر تخزين الذخائروالمواد، ووهن الذيل الإداري والفني، وخطورة حقول الألغام، إضافة إلى عوامل أخرى قد لا تُعد ولا تحصى تصبح جميعها أعداء مجهولين إلى جانب العدو الشرس المقابل الذي لن يخوض سوى قتال الحياة أو الموت في بيئة الصحراء غير المألوفة للقادة والجنود والتي لا نصر لمن لا يتقن خوض صراع البقاء فيها.
نبذة تاريخية:
قامت الولايات المتحدة الأمريكة بعد الحرب العالمية الثانية بوضع برنامج تدريبي متخصص لحرب الصحراء للتعرف على تكتيكات وصعوبات وبيئة الحروب الصحراوية التي جرت خلال الحروب التي نفذتها القوات البريطانية والقوات الألمانية على وجه التحديد بصورة قد لا يكون لها مثيل في التاريخ إبان معارك الدبابات والمدرعات الكبرى والحاسمة كمعارك العلمين ومرسى مطروح والدلتا في شمال إفريقيا والجبهة المصرية، والتي ما زالت تُدرس في كليات الحرب والمعاهد العسكرية العالمية حتى اليوم، واستمرالجيش الأمريكي في تطوير فنون الحرب الصحراوية مستفيداً من الدروس المستقاة من ثلاثة مصادر رئيسة خلال وبعد الحروب العربية - الإسرائيلية، وهي حرب عام 1967 وحرب 1973 والتقارير الحكومية الصادرة عن لجان التحقيق العسكرية في كلا الجانبين: العربي والإسرائيلي.
الأسلحة والتكتيكات:
ما زالت فنون الحرب الصحراوية الحديثة تعتمد على عناصر القتال بالآليات المدرعة والميكانيكية والمناورة بها والإفلات من العدو بسرعة خاطفة في آخر لحظة قبل تعرضها للتدمير المفاجيء من قبل قوات معادية في موقف متقدم ومتميز. وعلى الرغم من كثرة وتعدد الدروس المستنبطة من فنون قتال الصحراء فإن تجارب الحروب الصحراوية الحديثة قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن جيوشاً كثيرةً خاضت معارك مريرة خلال حروب الصحراء، وأنه إذا لم تتفاد الجيوش الحديثة ما وقع لغيرها من أخطاء وسلبيات أو مواقف تعبوية صعبة فإن مصيرها الدمار المحقق.
وعليه فإن من يمتلك أفضل الدبابات والطائرات والتكتيكات في الحرب التقليدية الصحراوية سينتصر في معاركها إذا ما تكيف بدقة مع ظروفها وتدرب جيداً في بيئتها.
لقد تبين من قراءة وتحليل الدروس السابقة المستفادة من بعض حروب الصحراء أن تكتيكاتها لا تختلف كثيراً من حيث المبدأ عن تكتيكات الحروب التقليدية البرية بالآليات المدرعة، وتكتيكات حروب المغاوير التي تعرف اليوم بقوات العمليات الخاصة إلا من حيث حجم الإسناد الجوي الكبير الذي تتطلبه حرب الصحراء بالطائرات العمودية المقاتلة أو بعمليات الإسناد الجوي القريب؛ ذلك لأن القائد الناجح هو الذي يعرف كيف يحول بالمناورة الجريئة المحسوبة على الأرض سلبيات القتال الصحراوي إلى إيجابيات ولصالحه، ويحول إيجابيات القتال الصحراوي إلى سلبيات ليضعها في مواجهة عدوه.
المباديء الإستراتيجية:
كثيرة هي المباديء الإستراتيجية للحرب الصحراوية، فهي لا تبتعد كثيراً عن مباديء إستراتيجيات الحرب الأساسية لكونها مستنبطة منها أصلاً إلا أن القوات الأمريكية كانت قد لخصت مبادىء حرب الصحراء بعد أن قامت بدراسة أخطاء الحروب الصحراوية الحديثة، والتدريب على التكتيكات التي طٌبقت فيها من قبل الأطراف المتحاربة من خلال وضع وتقييم سيناريوهات مشابهة كتلك التي جرت في الحرب المصرية - الإسرائيلية عام 1973، والحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، وحرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) عام 1991، وحرب احتلال العراق عام 2003، والعمليات البرية المحدودة الجارية في أفغانستان منذ عام 2001 حتى اليوم، وقد أنشأ الجيش الأمريكي لهذا الغرض مركزاً وطنياً للتدريب في صحراء موجافي في فورت أروين بولاية كاليفورنيا الأمريكية عام 1980.
واستمر الجيش الأمريكي في تدريب وحداته المقاتلة في ذلك المركز خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حتى أتقنت القوات الأمريكية مواجهة أسلحة ومعدات وتكتيكات القتال التي كانت تمتلكها وتطبقها قوات حلف وارسو آنذاك، ومن ضمنها فنون الحرب الصحراوية؛ ذلك لأن عدداً كبيراً من جيوش دول الشرق الأوسط تتمركز في بيئة صحراوية كثيرة التنوع، وتتسلح بأسلحة شرقية المنشأ؛ وعليه فقد جرى تحديد مبادىء حرب الصحراء المستنبطة بعد مزيد من الدراسات والتحليلات بأنها تنحصر في ثلاثة مبادىء أساسية هي:
أولاً- العثور على العدو (تحديد مواقعه) وبسرعة دون إضاعة الوقت.
وتعد صور الأقمار الصناعية اليوم أفضل وسيلة استخبارية لمراقبة تحركات وانتقال قوات العدو من موقع لآخر في الصحراء المترامية الأطراف، بالإضافة إلى وسائل الاستطلاع الأخرى وفي مقدمتها الطائرات المسيرة من دون طيار، سواء التكتيكية قصيرة المدى على مستوى الفوج والكتيبة والتي تطير من 1-3 ساعات أم متوسطة المدى على مستوى الفرقة أو مجموعة القتال التي تطير على مستوى 12 ساعة متواصلة أو طويلة المدى التي تطير على ارتفاعات شاهقة لتراقب مسرح العمليات كله على مدى أكثر من 48 ساعة متواصلة مع العلم بأن عمليات الكشف والاستطلاع المدرع الخاطف على الأرض من قبل آليات الاستطلاع الخفيفة المتقدمة أمام القوات المدرعة يجب أن تكون مستمرة ليس على مستوى الساعات بل على مستوى الدقائق؛ لتلافي عنصر المفاجأة من قبل قوات العدو وحقول الألغام في أية لحظة هنا أوهناك في ميدان القتال.
ثانياً- تثبيت قوات العدو (عدم السماح لها بالحركة) .
وذلك من خلال المناورة بالنيران المتوفرة والإحاطة بأجنحة العدو، واستخدام مدفعية الميدان وراجمات الصواريخ متعددة الأنابيب والهاون الثقيل، بالإضافة إلى الإسناد العضوي بالطائرات العمودية المقاتلة، وما لم تكن تكتيكات حركة القوات المدرعة والآلية سريعة وخاطفة على الأرض لا يمكن تثبيت قوات العدو في مواقعها، ذلك لأن الصحراء مفتوحة نسبيا،ً فالحركة قد تعني النجاة والإفلات، وعدم الحركة يعني الدمار والموت المحقق.
ثالثاً- تدمير قوات العدو (من أطول مدى ممكن).
وتعد الضربات الجوية طويلة المدى أو (عمليات التجريد الجوي) من أفضل الوسائل لحرمان العدو من قواته بالعمق وخطوط إمداداته اللوجستية، وتعطيل اتصالاته وإخراج الممكن منها عن العمل بقصد إضعاف عمليات القيادة والسيطرة على قواته، وإرباك خططه وقراراته، وحرمان قطعاته من القدرة على المناورة، أما فيما يتعلق بنيران الأسلحة المباشرة فيجب استخدامها عن بُعد لتدمير قوات العدو بمدى قد يتجاوز من 1.5 إلى 2 ميل، وذلك في حال تمكنت دبابات وآليات القتال المدرعة وعربات المشاة المدرعة من تجاوز مواقع العدو القوية أو اختراقها.
التطـــوير:
نظراً لأهمية الحرب الصحراوية الحديثة، وبروز خطورتها من جديد على القوات المسلحة توجهت قيادة القوات البرية الهندية بالاشتراك مع القوات الجوية إلى وضع تصور جديد للعقيدة القتالية الصحراوية في التاسع عشر من مارس عام 2008 من خلال لعبة حرب تدريبية سُميت(النار والمناورة)، ويختلف هذا المشروع عن العقيدة القتالية التقليدية للحرب الصحراوية، وكان من بين العناصر القتالية -علاوة على الدبابات وآليات القتال المدرعة والقوة الجوية المخصصة للإسناد- آليات المشاة الخفيفة عالية الحركة التي يجري استخدامها بهذا الشكل لأول مرة، في إطار العمليات الصحراوية المشتركة للقوات البرية، وقد شاركت بالتمرين صواريخ الدبابات من نوع تي -90 ووحدات دفاع جوي قادرة على العمل تحت مختلف أنواع الطقس والبيئة الصحراوية، واستخدمت كذلك طائرات غير مأهولة، وأحدث معدات الاستشعار الإلكتروني والمراقبة المتعددة المصادر.
وتركز دور القوات الجوية في هذا السيناريو الجديد بالإضافة للإسناد الناري القريب والمكثف على نشر القوات المحمولة جواً لأغراض الاقتحام والإنزال الجوي، والدعم المباشر للقوات الأرضية بنيران الطائرات العمودية وثابتة الجناح؛ وحتى يكون التمرين أقرب ما يكون للحرب الصحراوية المستقبلية الجاري تصورها استخدمت في التمرين أحدث و أكثر الأنظمة والأجهزة الإلكترونية كفاءةً بما يتلاءم مع المتطلبات الفنية والإلكترونية لحرب الصحراء.
الصعـــوبات:
لا تقف صعوبات إدارة المعركة الصحراوية عند حد معين كماً ونوعاً؛ ذلك أنها تشمل العقيدة القتالية والتكتيكات والتقنيات وإجراءات المعركة وغير ذلك إلا أنه جرى تحديد وحصر صعوبات ومشاكل الحرب الصحراوية فيما يلي:
- الصعوبات الطبية والبيولوجية: ووتتمثل في الأمراض ومعالجة الجرحى والأطعمة والمياه الصالحة للشرب واللباس وتغيرات الطقس والعناصر الكيماوية لا سيما الغازات السامة وغازات الأعصاب والحرب النفسية ومعنويات الجنود غير المؤهلين لحرب الصحراء، والحشرات والزواحف والتقرحات الجلدية وأمراض الحساسية بكافة أنواعها والتسمم الغذائي وكفاءة المستشفيات الطبية المتحركة.
- الصعوبات الإلكترونية والاتصالات: وتتمثل في مشاكل وضوح الصوت ومدى التغطية اللاسلكية وتداخل وازدواجية الإشارات اللاسلكية، وانكسار وإنحراف الموجات الراديوية وفقدان استلام الإشارات اللاسلكية نتيجة الغبار والتشويش الإلكتروني واللاسلكي وضعف الاستقبال اللاسلكي والراداري وتفاوت قوة الإشارات اللاسلكية والرادارية بين الليل والنهار لكونها أقوى ليلاً وأضعف نهاراً.
- صعوبات الرؤية الليلية والنهارية: بالأجهزة والأنظمة الإلكترو - بصرية، وكذلك بالنظر ومناظير الأشعة تحت الحمراء، ومحدودية الرؤية الطبيعية والاصطناعية على حد سواء .
- صعوبات الحركة والنقل الناتجة عن أسباب طبوغرافية أو اصطناعية أو ضعف الإمداد اللوجستي وأعمال الصيانة، وعدم توفر الآليات الملائمة للعمل في الصحراء كالآليات المجنزرة بدلاً من المدولبة.
- صعوبات صيانة الطائرات العمودية المقاتلة ذات إمكانيات الإقلاع والهبوط القصيرين، وحراستها الأرضية وتأمين متطلبات الأمان والسلامة لطواقمها العملياتية والفنية بما فيها قطع الغيار والوقود والذخائر.
- صعوبات النجاة والتعايش وصراع البقاء على الأرض للطيارين بعد القفز بالمظلات، والقوات التائهة في الصحراء، وتحديد المكان بالأقمار الصناعية والاتصالات وعمليات البحث والإنقاذ.
- صعوبات ضبط حركة القوات واتجاهاتها على الأرض ليلاً ونهاراً، ومشاكل الأسرى والاحتفاظ بهم، والتعامل مع المدنيين الذين يعيشون في الصحراء على قلة أعدادهم، وضيق مساحة الرقعة التي ينتشرون فيها ويتحركون عليها.
الحلول المحتملة:
لا يوجد حل مثالي واحد ومتكامل لاية صعوبة من صعوبات حروب الصحراء؛ إذ إن لكل صعوبة حلولاً مقترحة متعددة تعتمد على عوامل كثيرة بناء على مدى تأثير تلك الصعوبات على مجريات القتال اليومي ساعة بعد ساعة ودقيقة بعد دقيقة إلا أن معظم المراجع العسكرية التي درست وحللت صعوبات الحروب الصحراوية قد أجمعت على إطار موحد لتذليل معظم الصعوبات والمعضلات المحتملة، ألا وهو التدريب والتكيف في الصحراء، وضرورة تواجد القوات فيها لفترات طويلة وكافية للتعرف على البيئة الصحراوية وأساسيات القتال الصحراوي، ومن هنا تبرز الحاجة إلى التدريبات النظرية والتطبيقات العملية ميدانياً لا بل وبلورة حرب ليست جديدة بالمفهوم التاريحي إلا أنها بحاجة إلى التجديد بالمفهوم القتالي.
وفي الختام تعتبر فنون الحرب الصحراوية من فنون الحرب القديمة المتجددة؛ ذلك أن أساسياتها ومكوناتها قديمة ومتطورة ومستمرة، في حين لا بد من مواكبة مستجدات كافة المتطلبات المتعلقة بها والمؤثرة في نتائجها من وقت لآخر لا سيما في المجالات البشرية والتسليحية واللوجستية والتدريبية، وعلى الرغم من أن الصحراء وظروفها باقية وثابتة على حالها منذ آلاف السنين فإن التحديات والتهديدات والتحديدات التي تواجه جيوش حروب الصحراء متعددة ومتغيرة، ولن تتوقف على حال، وإذا لم يُدرب قادة المعارك الصحراوية وجنودها تدريباً صحراوياً جيداً فإن الأسلحة والمعدات القتالية مهما بلغت من التطور والتحديث لن تؤدي أدوار وفنون الحروب الصحراوية لوحدها لا سيما مع تداخلات الإستراتيجيا والتكتيك والعمليات اللامتناظرة !.
- http://www.answers.com/topic/desert-warfare
- http://www.absoluteastronomy.com/topics/Desert_warfare
- http://www.samachaar.in/Delhi/Armed_forces_to_unfold_desert_warfare_doctrine_23218
- http://en.wikipedia.org/wiki/Desert_warfare
- REPORT NUMBER 82-0205, PROBLEMS IN DESERT WARFARE, MAJOR ALLAN R. BECKER, USAF- 19 October 1990