يحب البحارة القول بأن 80 % من سكان العالم يعيشون بالقرب من الساحل ، وأن 80 % من التجارة العالمية تنقل بحرا ً ،هل هذه حجج كافية لتبرير نفقات الاسطول البحري ؟
يحدد مذهب أستخدام القوات البحرية اولويات الاستراتيجية الفرنسية ، وبالرغم من ذلك فعموما ً تبقى ذات علاقة مع التغير في المصالح الفرنسية الى حد ما.
فى كلمته الأفتتاحية خلال المؤتمر الخامس عشر للسفراء ذكر الرئيس نيكولاس ساركوزي ثلاثة مجالات تحدد هيكلية السياسة الفرنسية (لأمن الوطني ،الأزدهار الاقتصادي و حقوق الأنسان )، ويمكن أعتبار النقطة الأخيرة تخدم المجالين الاولين ، وبمواجهة تلك العوامل ،فقواتنا المسلحة يجب أن تأخذ فى الحسبان كافة التهديدات الفعلية ، وتلك المدعومة بالحقائق والتهديدات المحتملة.
في الفئة الاخيرة تكمن الصعوبة فى وضع المقترحات وواقعية السيناريوهات التى تساعد فى تأسيس مذهب أستخدام القوات البحرية الذي يساعد فى تحديد الاولويات ،سواء من حيث تحديد مصطلحات انواع المهام التى ستناط بها و فى أختيار التجهيزات و الأمن الوطني والنشاط البحري
تظهر تهديدات الامن الوطني من مصادر مألوفة : الهجرة غير الشرعيه ،تهريب المخدرات والإرهاب .
و تبقى اولويات الأمن داخل الوطن من مهام قوات الشرطة فى الخط الامامي ،ولكن كذلك البحر يلعب دورا ً مهما فكمية المخدرات التى ضبطت فى البحر تقدر بحوالي 1000 مرة أكبر من التى ضبطت على البر ،أما بالنسبة للهجرة غير الشرعية فالمعركة الرئيسية على الساحل الاخرالمقابل من حيث ينطلق المهاجرون ،فعندما تمتلئ القوارب بالمهاجرين فتصل الى مياهنا الأقليمية وعلى متنها يعانون ( نقص المياه والغذاء والجفاف والتعب ) لذا يجب مساعدتهم وإنتشالهم الى اليابسة قبل رحلة إعادتهم والتى يمكن ان تتم مع معرفتنا بالمشاكل التى قد تسببها .
الخط الدفاعي الأول يكمن في التوصل الى اتفاقات مع الدول " المصدر " لمساعدتهم على تفكيك شبكات تهريب المخدرات ،ثانيا ً على مساعدتهم فى مراقبة سواحلهم ومياههم الأقليمية ، فيجب علينا ان " نصدر" مفهومنا للأمن البحري ، و تقديم المساعدات التقنية لمساعدتهم فى تطوير المراقبة البصرية والرادارية لسواحلهم ومساعدتهم فى الحصول على عدة زوارق دورية ، هذا الطموح قد لايتناسب مع قدرات فرنسا ولكن "قاعدة 80:20 يجب ان تساعد فى التركيز على العمل " ( كذلك يعرف بقانون باريتا : 80 % من التأثيرات تأتي من 20% من الأسباب ).
المطلوب من سفننا فى أعالي البحار أن تعترض مهربي المخدرات و القيام بالدورية على حدود المياه الأقليمية للدول " المصدر" للهجرة الغير شرعية فى مطلب لتثبيط عزيمة المهاجرين وأقناعهم بالعودة الى ديارهم ويبقى ذلك غير ممكنا ً حاليا ً ، هذه الأجراءات تتطلب تواجد السفن فى عرض البحر ولكن ليست فى حاجة الى وجود أجهزة متطورة على متنها وإنما التجهيزات الأساسية ( بنادق ، مروحيات ،وسائل اتصالات ) تعتبر كافية .
التحديات الإقتصادية
من وجهة النظر العسكرية يجب ان نأخذ فى الأعتبار أن البلدان الكبرى اليوم مرتبطة اقتصاديا ً ،هذه الحقيقة تلعب دورا ً مشابها ً لدور الردع النووي ، فكافة المتصارعين مدركين لذلك ولديهم قناعة بالحصول على المزيد بدل ان يخسروا الانتصار فى مواجهة كبرى ،فبعض النزاعات حددت طبيعة قابلية النمو الأقتصادي ،بشكل خاص عندما تنطوي على الإستيلأ على ملكية موارد طبيعية قيمة للغاية ، و في بعض سيناريوهات الصراعات " المتماثلة / المتناظرة " تبقى قابلة لأن تتحقق ،على سبيل المثال ، فأفول القوة الامريكية سيترك الباب مفتوحا ً أمام الصين لفرض حصار بحري على تايون وإخضاعها تحت نفوذها ،وفى قطاع النفط يمكن لصراع محدود ان يكون فعالا ً اقتصاديا ً لروسيا إذا أدى ذلك الى سيادتها على الأحتياطات المكتشفة حديثا ً فى القطب الشمالي .
على أية حال فظهور الصراعات الجانبية الناشئة من أستراتيجية النفوذ او التطويق تظل هي الاكثر احتمالا ً ،وهكذا فنموذج الصراعات الجانبية خلال الحرب الباردة مازالت سارية ، ومع نموذج النزاع اللامتناظر"اللامتماثل" ،يجب الاخذ فى الاعتبار كافة وأكثر انواع هذه الصراعات التى يمكن ان تؤثر على التجارة ،ونظرا ً لتبعية مجتمعاتنا للسلع الاستهلاكية القادمة من البحر ،والتهديدات ضد الممرات البحرية التى لها تأثير سياسي قوي للغاية ،وهكذا يمكن لإيران ان تهدد بسهولة بسد الممرات المستخدمة من قبل ناقلات النفط التى تعبر مضيق هرمز لتثني الدول الغربية عن شن عملية عسكرية ضد برنامجها النووي ، فى هذا النوع من الإبتزاز من الصعب ان يهدد مصالح بلد واحد فقط ،فمثل هذه السيناريوهات الواقعية ستؤثر على فرنسا فى السياق الدولي ، أي ان تهديد الممرات البحرية سيثير ردة فعل دولية قوية ، فى مثل هذه الظروف فالقوة الأقليمية لديها كل المصلحة فى استخدام استراتيجية الأعمال الفدائية " حرب العصابات " ، وجعل الهجمات فجائية فتخفي قواتها فى مناطق حدود المياه الأقليمية او على طول السواحل بين الجزر فالعمل الفدائي البحري " حرب العصابات البحرية " يمكن ان يجرى فقط فى المضايق والقنوات الدولية التي لها بعض الخصائص التي تضمن فاعلية مثل هذه العمليات ،على سبيل مثال يمكن ان تنفذ بالقرب من السواحل لما لها من فائدة فى استغلال السواتر الطبيعية و التغطية القانونية ، و كذلك كثافة الحركة الملاحية تقدم فرصة إختيار الأهداف .. فالعديد من اختناقات الطرق البحرية الحرجة : مضيق مالقا ، مضيق هرمز ، باب المندب ،جبل طارق وقناة السويس ،قناة بنما والقناة الانجليزية ،وفي هذا السياق 20 % من أنتاج النفط العالمي يمر عبر قناة هرمز ، و43 % من حاويات التجارة العالمية تمر عبر مضيق مالقا .
التهديد اللامتناظر يمكن أن ياخذ شكلين من الحرب الفدائية البحرية " حرب العصابات البحرية "،فالشكل الاول " الحرب المفتوحة " تتضمن شن غارات جوية بأستخدام صواريخ زوارق سريعة او غواصات ضد السفن البحرية والتجارية ، هذه الانواع من العمليات محفوفة بالمخاطر الى حد ما لأنها ستدمر القواعد الجوية او مطارات المهاجم و وستكون عملية كفؤة ورد متناسب ،من جهة أخرى ستؤثر على اسواق الاسهم المالية المتقلبه ، ومن المهم الأخذ فى الاعتبار ببساطة بانها يمكن ان تهدد التجارة الدولية البحرية التى لديها تأثيرات قوية على اسواق الاسهم المالية ويعطي للبلد مسالة حرية العمل اكثر ،النموذج الاخر هو تجنب العمل المباشر لكي تتفادى تعقيدات مبررات الرد ،وهذا يمكن ان يشمل التمويل ، التسليح ومساندة شبكات القرصنة او الارهاب البحري بمشاركة دولة ،وكذلك وسائل الانتقام شكل اخر من اشكال العمل الغير مباشر يمكن ان يعتمد على الشبكات الارهابية لإعاقة التجارة الدولية ،على سبيل المثال تفجير سفينة تحمل مواد خطرة بشكل تلقائي مثل ( الاسمدة ، غاز الميثان) فى قناة السويس و بنما ففى هذه الطرق ستتضرر البنية التحتية وستؤدي الى عرقلة كبيرة ،مثل هذه العملية يمكن ان تتم من قبل عمل إرهابي مباشرة من الارض او من قبل مستخدمي السفن مثل حصان طروادة .
الرد الأستراتيجي
يمكن تقسيم الرد الاستراتيجي الى تحالفات استراتيجية و وسائل استراتيجية ،حيث ان التحليل الجيو سياسي يقودنا الى تركيز جهودنا للسيطرة على المضائق والقنوات الدولية بالتعاون مع الدول المجاورة لها لتفادئ ان تصبح ملاذا ً للقرصنة والجريمة او الارهاب المنظم ودعم قواتهم الامنية ، ينبغي لنا ان نوقع اتفاقيات ثنائية تتضمن بنودها السماح لنا بالمطاردة عبر مياهم الأقليميةلمرتكبي الأعمال الإجرامية فى المياه الدولية .
ماهي الوسائل الاستراتيجية البحرية التى يمكن ان يعتمد عليها ؟
مساهمة القوات البحرية فى الامن الوطني يكمن فى السفن الكبيرة التى تتيح لنا العمل لمسافات طويلة ،
ومواجهة مصدر التهديد ، فالفرقاطات سيكون لها الدور الرئيسي فى مكافحة القرصنة او ضد الاهداف الجوية او عمليات مكافحة الغواصات وسيكون لها دورا ً هاما ًفى ضمان امن الممرات ، القدرة على إزالة الالغام تعتبر مهمة حيوية لضمان تطهير الطرق خلال المضائق ، و كذلك الغواصات مهمة للاسهام فى المراقبة وعند الضرورة محاصرة المواني ،قابلية مراقبة الحركة الملاحية تعتبر مهمة رئيسية للسيطرة على المضائق ، حيث أظهرت التهديدات المحتملة على الحركة الملاحية بأن نظام التعارف الآلي " AIS "غير مفيد كثيرا ً لأن هناك احتمالية خطر أستخدامه من قبل العدو ،فلذلك من المحتمل ان يطلب من السفن عدم أستخدام هذا النظام ففي هذه الحالة فقابلية أستخدام الطائرات بدون طيار فى المراقبة والتعرف سيكون مهما ً .
من ناحية اخرى فالمضائق الضيقة ليست منطقة مثالية لعمل حاملات الطائرات ، بالإضافة الى تحييد المواني والمطارات المستخدمة كقواعد للاعمال المضادة للاسطول التجاري ، ففائدة حاملات الطائرات فى مكان اخر تمكن فرنسا من استعراض قوتها ولتبادل الدعم العسكري السياسي للحصول على تنازلات على مسائل معينة ،فهذا جزء من استراتيجية النفوذ كما يمكن أن تنشر أي وحدة للجيش او القوات الجوية مع الاستفادة من كونها مرنة جدا ً ،فليس هناك الحاجة الى قاعدة ارضية وبمجرد ظهورالتهديد تنتشرسريعا ً بدون الحاجة لأنتظار قرار الأمم المتحدة .
النتـــــــــــــــــائج
مصالح فرنسا الاستراتيجية الحالية ترتبط أرتباطا ً مباشرا ًبالدور الاستراتيجي للبحر كنقل الناس ( الهجرة) ،نقل الثروات (التجارة الدولية ،المخدرات ) ، دعم التحالفات ( التعاون البحري ) .
فى السياق الحالي لتخفيضات الدفاع ، فإن القوات المسلحة قلقة بشأن عمر تجهزيتها ، لكن لدينا أستراتجية لاتستطيع الاعتماد فقط على متانة وتماسك القوات المسلحة ، يجب على رؤيتنا الجيو سياسية ان تقدم لنا دورا ً قياديا ً فى التحالفات الأستراتيجية ،بهذه الطريقة نحن سنظهر لمواطنينا بأننا لا نأخذ الدور القيادي فقط فى الدفاع ولكن كذلك فى تعزيز ثرواتنا وتماسك مصالحنا الوطنية .
نظرا ً للقوة الرمزية لحاملات الطائرات يمكن ان تغرينا لأستثمارها اولا ً و قبل كل شئ فهذه القطع البحرية التى تعطينا مايلزم لقيادة قوة بحرية دولية ولاسيما فى إطار التعاون الأوروبي .
على اية حال تكمن مصالحنا الحيوية كثيرا ً فى قوات بحرية تقليدية التى تتكون من الفرقاطات و الغواصات وصائدات الألغام ،و أقتناء حاملات طائرات على أعتبار ان ذلك سيؤثر على تلك المطالب مثل وضعها على سقف بيت من الورق المقوى ، وسوف نتعرض لخطر عدم القدرة على الدفاع على مصالحنا الأستراتيجية بعد ان وضعنا كافة اموالنا على مواصلة أعمالنا فى إبراز مظهرنا القوي .
هذا التحليل البسيط لاينظر فى كافة الحالات التى تثير أقل جدلا ً مثل تلك المرتبطة بالردع او نشر القوة فلقد تركت قصدا ً ،لكن المبدأ ان توضع القوى البشرية والاستثمارات المادية فى ترتيب منطقي من حيث الاولويات .
القوات البحرية تعمل بشكل جيد لتعريف مذهب استخدام القوات البحرية لتركيز الجهود الدبلوماسية وتنظيم هيكلية الأقتناء ،من شأن هذه الوثيقة مساعدة من هم فى السلطة ولديهم فهم بسيط للمسائل البحرية لفهم فائدة وجود قوات بحرية .