إيسين قرية صغيرة تقع جنوب غات على الحدود بين الجزائر وليبيا كانت في موعد مع التاريخ في يوم 5 أكتوبر العام 1957م وكان الحدث هو معركة "ايسين" التاريخية الشهيرة التي خلدها تاريخ الكفاح المشترك يإسمها وأصبحت رمزاً خالداً من رموز المقاومة
والكفاح المسلح ضد الاستعمار بين الشعب الليبي والجزائري بصفة خاصة.
الموقف العام.
أبدت السلطات الليبية إستعداداً كبيراً لدعم كفاح جبهة التحرير الوطني الجزائري وهذا الأمر جعل قادة الجبهة يفكرون في فتح جبهة لجيش التحرير الوطني بالتراب الليبي، و ذلك على الرغم من الظروف الطبيعية الصعبة بليبيا وبعد المسافة، لكن تعرض الجبهة لصعوبات أعاقت نشاطاتها جعلها تخطط لهذا المشروع وكان الوقت في صيف 1957 عندما ارتأت قيادة جيش التحرير الوطني أن ترسل فرقة من الجيش إلى أقصى الجنوب الليبي لترابط بمنطقة غات الواقعة بالقرب من الحدود الليبية ـ الجزائرية للقيام بعمليات عسكرية في صحراء الجزائر لتحقيق جملة من الأهداف منيا : تعميم الثورة في منطقة الصحراء الجنوبية وخلق مشاكل للقوات الفرنسية في تلك المناطق النائية لتشتيت جهودها العسكرية , وأيضا كسب سكان المنطقة الصحراوية الطوارق وإشراكهم في مواجهة المخططات الفرنسية والعمل على إيجاد منافذ إمداد بالأسلحة والمؤن شبيهة بالمنافذ الإستراتيجية على الحدود التونسية والمغربية.
ويبدو أن العامل الأخير كان حاسما في التشجيع على فتح هذه الجبهة، خاصة أمام تضخم مخازن الأسلحة بليبيا وظهور بعض الصعوبات في إدخالها عبر الحدود التونسية، وكان المخطط المشروع يقوم على إنشاء الجبهة من الحدود الليبية ثم والإنتقال إلى مرحلة شن العمليات العسكرية على المراكز الفرنسية بمنطقة جانت ونواحيها، ولكن حدث واكتشف أمر الفرقة العسكرية من قبل الفرنسيين وجرى اشتباك معركة ايسين الذي أفسد نوعا ما خطط بشكل غير متوقع.
وجود الفرقة التابعة لجيش التحرير الجزائري في منطقة غات وفتح جبهة من خلال الحدود الليبية الجزائرية كان حدثا كبيرا وكان لابد من التواصل مع القيادة السياسية في ليبيا آنذاك لطرح الفكرة عليهم فقام ممثلوا جبهة التحرير بليبيا بطرح الفكرة على رئيس الحكومة الليبية، فأشار عليهما بإجراء مباحثات مع رئيس الحكومة الفدرالية بإقليم فزان عبد الجليل سيف النصر باعتبار أن الجيش سيرابط فوق تراب إقليمه، وكان إقليم فزان حديث الإستقلال ولم تجلوا منه القوات الفرنسية إلا في أواخر سنة 1956 ،تولى إدارته سيف النصر، وكان جزءا كبيرا من سكانه ينتمون لقبيلة الطوارق يرتبطون بعلاقات وطيدة مع طوارق ازجر بالجزائر بحكم الجوار الجغرافي والصلات الإجتماعية، وقد كانت المفاوضات مع سيف النصر شاقة لخشيته من ردود فعل الفرنسيين، وتدخل فيها كثير من الوسطاء وتشير الشهادات أن الوفد الجزائري فاوضه لكسب موقفه وإقناعه أن فرقة جيش التحرير الوطني لن تتسبب في مشاكل للإقليم ولن تحارب الفرنسيين فوق التراب الليبي وان نشاطها يتركز على عمليات تمرير الأسلحة بشكل سري، وبعد موافقة سيف النصر شرعت قيادة الثورة في تنفيذ مشروعها مستفيدة من المساعدات المقدمة لها من قبل المسؤولين الميبيين في فزان وغات وقد اشرف اوعمران على إعداد مجموعة جنود هذه الفرقة وتوجيههم في سرية تامة إلى فزان وكلف بقيادتيم الضابط إيدير ، ويذكر محمد الصالح الصديق أن إعداد النجاح لهذه المهمة ميدانيا أسند إلى أحد الجزائريين المقيمين بفزان و اسمه محمد وكيد وضابطين ليبيين هما عبد الرحمان المصراتي ومحمد السوينيه، وكان لهؤلاء الثالثة دور هام في كسب موقف سيف النصر وفي تهيئة الظروف لاستقبال المجاهدين الجزائريين .
انتقلت الفرقة الجزائرية من تونس إلى طرابمس، ومنها إلى منطقة أم العبيد التي تبعد عن سبها ثمانين كيلومترا، وكان مركزا للشرطة الليبية فأخلي ليستريح به المجاهدون الجزائريون وبعد فترة من التدريبات العسكرية انتقلت إلى مكان تمركزها المخطط له بواحة الفيوت بغات الذي قضيت به نحو أربعة أشهر في ظروف قاسية، وقد شرع ايدير في تنظيم مراكز الجيش وتدريب بعض المجندين الجدد ، فجعل مركزا رئيسيا في الفيوت على بعد 72 لكم من غات، وآخر في أم العبيد يمثل قاعدة خلفية، وشيئا فشيئا بدأت الفرقة تضاعف أعدادها عن طريق التجنيد، وان كنا لا نعرف بالضبط عدد جنود هذه الجبهة فالمصادر الفرنسية تقدر أعدادها ما بين أربعمائة إلى خمسمائة جندي و قد وجدت الفرقة كل المساعدة من قبل المسؤولين الليبيين وسكان المنطقة، وخاصة متصرف مدينة غات المدعو الحسيني وقائد وحدة الجيش الليبي بها نوري الصديق، وقد أمرت السلطات الليبية بإنشاء مركز للجيش الليبي قرب غات لحماية المركز الجزائري وتأمينه وزيادة في الاحتياط وصدرت الأوامر بضرورة أن يكون نشاط الجزائريين سريا وتحت صبغة أنهم عمال تونسيون يعملون في البترول وفقا لتوجيهات أوعمران حتى يتحقق النجاح لمهمتهم .
وقامت فرقة جيش التحرير الوطني بالتنسيق مع قيادة الجيش الليبي على كسب السكان الجزائريين الطوارق المستقرين في غات وتجنيدىم لخدمة الثورة، وكان لهذا العمل التعبوي أثره في انتشار الوعي الثوري بين أوساط سكان المناطق المجاورة كجانت و ايميزي...الخ، كما قامت وحدات جيش التحرير الوطني بادخال بعض كميات الأسلحة، وخططت لتشجيع تمشيط المنطقة والتنسيق مع مناطق الداخل وفرقة المجندين في الجيش الفرنسي للالتحاق بصفوفها، كما واجهت المناورات والمخططات الفرنسية الرامية إلى فصل الصحراء والى حماية الشركات البترولية الاجنبية.
كانت القوات الفرنسية في جانت تدرك مدى الأهمية الإستراتيجية لواحة غات في حماية الوجود الفرنسي في المنطقة الصحراوية الشرقية للجزائر، ولم تكن تتوقع أن يصلها الخطر من هذه المنطقة ولكن بعض الشكوك بدأت تنتابها على ضوء بعض التحركات المشبوهة والأخبار التي تلتقطها عيونها.
شعرت قيادة الجبهة الجنوبية مع دخول موسم خريف سنة 1957 بضرورة الانتقال إلى مرحلة شن العمليات العسكرية، فدخلت في عدة اشتباكات مع فرقة المياريين وخططت لضرب عدة أهداف عسكرية، ومنها اعتراض سبيل قافلة شركة "سياتي" المشبوهة القادمة بالتموين من شمال تشاد باتجاه جانت, وقد قرر إيدير الهجوم عمى القافلة بالتنسيق مع قائد الجيش الليبي نوري الصديق الذي قدم له التفاصيل الكاملة عن موعد قدوم القافلة وزوده ببعض الجنود الليبيين, وجاء القرار على خلفية نشاطها المريب في ترصد تحركات الجزائريين، وكان الهجوم يهدف إلى قطع المدد عن القوات الفرنسية بجانت واليزي، وإظهار قوة جيش التحرير وبث الرعب في صفوف الفرنسيين ، ويبدو أن العملية التي كانت تهدف إلى توفير حماية أكبر لعمليات نقل الأسلحة وتحرك الجزائريين التي يبدو أنها لفتت انتباه الفرنسيين ودفعتهم لمواجهة الموقف وهذا أمر لم يؤخذ في الحسبان.
وقع اعتراض القافلة يوم 16 سبتمبر 1957 وكانت القافلة الفرنسية مكونة من ثمانية عشرة سيارة يقودها جزائريون ويشرف عليهم فرنسي، فتم قتل الفرنسي واقتياد الجزائريين إلى مركز جيش التحرير الوطني وأحرقت السيارات داخل الحدود الجزائرية بمؤونتها قصدا حتى لا يظهر جيش التحرير الوطني بأنه يقوم بأعمال القرصنة وقطع الطريق على الرغم من أنه تم إعتراضها في الأراضي الليبية ومن أجل أن يوصل رسالة للفرنسيين بأنهم مهددون في كل مكان، و كذلك بهدف عدم المساس باتفاقية التعاون الفرنسية ـ الليبية وجعل ليبيا في موقف محايد بعيد عن أية مسؤولية، على الرغم من اطلاع المسؤولين على خفايا الأمور ومنهم الضابط نوري الصديق.
تشير كثير من المصادر الى أن القوات الفرنسية كانت تتأهب لتوجيه ضربة لقاعدة الثوار بغات، وأنها وجدت في هذا الإعتداء مبررا كافيا لشن حملة واسعة على الجنوب الليبي بهدف تطهير المنطقة من الثوار الذين يهددون منطقة جانت ـ ايميزي، ويسجل شارل رينو أن قائد فيلق المهاري في التاسيلي الملازم قودار بادر باصطحاب زعيم طوارق المنطقة الى مطار إيليزي لمشاهدة القوات التي نزلت يوم 17 سبتمبر بالمطار لدعم الترسانة العسكرية، وهي عشر طائرات حربية من نوع 2501 NORD -تحمل الجنود المظليين التابعين للتشكيل السادس بقيادة الملازم الأول ديفادي ومجموعة من سيارات الدفع الرباعية، كما تشير المعلومات إلى وصول الفيلق الصحراوي الأول المحمول للتشكيل الأجنبي وتركيزه على عامل استقطاب الطوارق والتأثير القيادة الفرنسية والتحضير لشن العمليات العسكرية من خلال استعراض القوة، خاصة وأنها كانت تخشى ردة فعل السكان وتسعى جاهدة لمنع انتشار الثورة بمنطقة التاسيلي.
وفي يوم 22 سبتمبر 7957 انعقد اجتماع للقيادة الفرنسية بإليزي حضره الجنرال "جوهو" القادم من العاصمة ممثلا للجنرال "سالان"، والجنرال "دارسيمولاس" قائد المنطقة العسكرية للواحات، والمقدم "مادلان" قائد مركز قيادة الجو، والملازمين "روسي" و"قودار"، والملازم أول "فلدان" المختص في الاشارة، والمقدم "توريت" المكلف بمتابعة عمليات الاستكشاف الجوية ميدانيا وعددا من ضباط هيئة الاركان ، وقد استمعوا إلى تقرير المقدم "توريت" والذي يصف الوضع بمنطقة الحدود الجزائرية الليبية بالخطير جدا، ويقترح تطيهر المنطقة من الثوار باحتلال مناطق من الحدود الليبية، و منها سردالس وغات، ورسم خطة عسكرية سماها عملية 176 ترمي إلى تنفيذ هجوم عسكري بري وجوي على منطقة غات، وخلال المداولة تحفظ البعض على مشروع إعادة الاحتلال وعلى توجيه عملية عسكرية كبرى تلفت الأنظار بحكم أن فرنسا تمر بظروف صعبة في شمال إفريقيا وتواجه انتقادات الرأي العام الدولي، وفي الختام خاطب "جوهو" "توريت" بالقول: "أطلق يدك للقيام بأي عملية بشرط عدم إثارة زوبعة تكون نتائجها وخيمة"، ولم يحدد طبيعة هذه العملية واخذ طائرة راجعا إلى العاصمة تاركا حرية التصرف للعسكريين في الميدان.
ويعد تصرف "جوهو" هذا موافقة مبدئية على شن العمليات العسكرية، حيث تعودت القيادة العسكرية في العاصمة عدم تبني الاعتداءات العسكرية على دول الجوار، وتنسبها دائما للقيادات الميدانية التي تتصرف وفق ما تراه مناسبا في إدارة المعركة، وأما الموقف السياسي فقد عبرت عنه الحكومة الفرنسية في باريس عندما شجبت الاعتداء الذي تم على الأراضي الليبية و طلبت من سفيرها في ليبيا رفع احتجاج لدى الحكومة الليبية .
وقائع معركة إيسين.
ميدانيا تشير مختلف المصادر أن القوات الفرنسية كانت تحضر لعمل عسكري كبير في الجنوب الليبي، دلت عليه الطلعات الاستطلاعات المتكررة للطيران الفرنسي والاعتداءات التي طالت قرية إيسين، ففي يوم 23 سبتمبر 1957 قصفت طائرة فرنسية القرية وقتلت أحد الليبيين، وبعد يومين أغارت عدة طائرات على القرية من جديد وقتلت مواطنا آخر، كما سجل اعتداء ثالث في آخر الشهر طال مواشي أحد الليبيين بوادي الركين قرب إيسين .
وبعد تجنيد عدة كتائب وفرق خاصة بالطيران شرعت القوات الفرنسية في تنفيذ هجومها على قرية إيسين يوم 05 أكتوبر 1957 ،حيث يذكر شارل رينو أن الطابور المكون من 16 سيارة و80 جنديا شق طريقه من تين الكوم إلى إيسين، وعلى الساعة التاسعة والنصف وعلى مقربة من ايسين خرجت وحدة من الثوار الجزائريين والليبيين لاعتراض الهجوم على مشارف الوادي، وكان الأمر مفاجئا للفرنسيين فأرسلت السيارات المصفحة للرد على الهجوم باستعمال المدفعية، وبعد مقاومة شرسة سقط احد الجنود الليبيين شهيدا، وفي منتصف النهار تدخلت طائرة مقاتلة وأصيبت بوابل من الرصاص وجرح قائدها وثقب خزانها فتم الاستنجاد بطائرة ثانية، وفي حدود الساعة الواحدة والنصف التحق أربعون جنديا على متن شاحنتين بميدان المعركة، وأمام عدم تكافئ القوى اضطرت القوات الجزائرية والليبية للانسحاب من المعركة، وقد حاولت القوات الفرنسية ملاحقتهم ولكنها تراجعت وعادت من حيث أتت دون أن تكمل مهمتها. .
ويبدوا واضحا أن جيش التحرير الوطني حقق في هذه المواجهة انتصارا معنويا كبيرا، وان كانت الشهادات لا تقف على وصف مجريات المعركة وتركز على نتائجها، ويذكر قائد الجيش الليبي نوري الصديق في شهادته انه وبمجرد إعلامه بدخول القوات الفرنسية استنفر قواته و أمرها لتأخذ مواقعها في مواجهة المعتدين، وانه اتصل بحكومته لإبلاغها بمهاجمة القوات الفرنسية لمراكز الجزائريين في ايسين فجاءه أمر بعدم التدخل، ويضيف أن هذا الأمر حز في نفسه وقرر أن يقاتل إلى جانب إخوانه الجزائريين، وانه استشار جنوده وخيرهم بين أن ينصاعوا لأمر الحكومة أو يذهبوا معه للمشاركة في المعركة فوقفوا إلى جانبه دون تردد تضامنا مع إخوانهم الجزائريين.
ويضيف ان المعركة خاضها الجنود الجزائريون والليبيين جنبا إلى جنب، دون أن يوضح ما إذا كان الجنود الليبيون هم الذين بادروا إلى اطلاق النار أو التحقوا متأخرين لنجدة الجزائريين، ويرجح ان يكونوا هم المبادرون، ويضيف ان المعركة امتدت إلى غاية الساعة الخامسة مساء، وان الجنود الليبيون اسقطوا الطائرة الفرنسية ولم يعطبوها كما تذعي رواية شارل رينو. وانه استشهد جنديان ليبيان، وهذا ما يؤكده بيان الحكومة الليبية .
بعض تفاصيل المعركة من شهود عيان.
في لقاء صحفي أجري في منتصف التسعينات مع جنود سابقين شاركوا في معركة أيسين وهما العسكريين السابقين مسعود سعد الكالمى وإبراهيم الصغير، وتحدث الحاج مسعود الكالمى عن مشاركته في المعركة فقال : كنا نعمل أنداك في كتيبة عمر المختار المتمركزة في مدينة الزاوية وكانت رتبتي في ذلك الوقت جندي أول عندما صدرت الأوامر بالذهاب إلى فزان للتصدي للهجوم الفرنسي على ايسين _ غات وبناءاً على ذلك أستنفرت الكتيبة وألغيت الإجازات وانطلقنا من هناك، واذكر كان الوقت خريف عام 1957 واستغرقت الرحلة ثلاثة أيام في طاويات) لاندروفر وشاحنات كومر وتمركزنا في غات التي يتواجد بها الكثير من الثوار الجزائريين ثم قسمنا إلى مفارز وكلفنا بالقيام بالدوريات على الحدود وكان تسليح الكتيبة بنادق 303 إنجليزية نوع فكرس ورشاش براون وغدارات ووسائل النقل الطاوية اللاندروفر وكنا بقيادة الضباط آمر الكتيبة نوري الصديق ومعاونه محمد عبد المولى وآمر السرية سالم الفرجاني والضباط حميد المدفعي ومحمد عبد المولى وعثمان عباس وهو من أبناء الجنوب من براك وكان في إجازة والتحق فورا بعد أن قطع أجازته وصلنا منطقة ايسين وقمنا بإحتلال مواقع دفاعية مجهزة سلفا في منطقة تكثر بها أشجار الأثل ولم يدفع الفرنسيين بقوات برية في مواجهتنا بل قامت طائرة اخدت تقصفنا وأصيب منا جنديان بكسور وجروح، والرمال المحيطة بموقعنا خففت خسائرنا لأن القذائف تغوص فيها ثم قامت الطائرة برمي السيارة التي أقلت المتصرف من ايسين لكنه نجى من القصف.
وكما سمعنا انهم حاولوا خطف متصرف غات بطائرة مروحية تنزل في مزرعته لأنه زعيم الطوارق وفي حالة القبض عليه وأرغم على أن يصدر أمرا للطوارق بإيقاف حملتهم ودعمهم للثوار سيفعلون لأن الطوارق يسمعون كلام شيوخهم، وفي ذلك الوقت هرب إلى الجزائر وكانت حركة الثوار الجزائريين المنطلقين من غات نشطة جدا واستطاعوا تدمير رتل فرنسي فيه بعض العملاء الجزائريين وقال الفرنسيين أن الذي يحاربنا هو الجيش الليبي.
نتائج معركة إيسين.
أكدت معركة ايسين تضامن الجزائريين والليبيين في معركة الكفاح المسلح ضد المستعمر، وعززت الشعور الوطني والجهادي لدى الليبيين تجاه القضية الجزائرية وكانت المعركة قد سجلت استشهاد الليبيين في سبيل نصرة الثورة الجزائرية، وكل تلك الأحداث حثت عموم أبناء الشعب الليبي الى تنظيم مظاهرات وتجمعات دعت إلى التضامن مع الكفاح الجزائري ودعمه بكل السبل الممكنة.
خلدت إيسين تاريخ الكفاح المشترك وأصبحت رمزاً خالداً من رموز المقاومة والكفاح المسلح ضد الاستعمار وبين الشعب الليبي والجزائري بصفة خاصة في كفاحه المرير ضد فرنسا الاستعمارية على الرغم من قلة ومحدودية الإمكانات.
أزمت هذه الحادثة العلاقات الليبية ـ الفرنسية، واستنكرت الحكومة الليبية هذا الاعتداء في البيان الذي أصدرته، وجاء فيه:" انه في يوم 3 أكتوبر 1957 قامت القوات الفرنسية المرابطة بجنوب الجزائر، متكونة من بعض الدبابات والمصفحات والجنود تدعمها طائرات بمهاجمة قرية ايسين..." وتضمن تصريح القيادة العسكرية العامة في الجزائر الصادر يوم 3 أكتوبر 1957 تبريرا للقيام بمطاردة الثوار الجزائريين ودعوة لمنع تواجدهم على التراب الليبي ، وبعد ذلك جنح الطرفان للجنة تحقيق مشتركة للنظر في أسباب الخلاف، ضمت ممثل فرنسا في ليبيا، ونوري الصديق ممثلا عن الجانب الليبي ومنصور الكيخيا وعمر مالك ممثلين لحكومة فزان، ويبدو ان فرض ترأس نوري الصديق المتعاطف مع الثورة الجزائرية كان أمرا مقصودا ومدبرا وفعال ،سار التحقيق في الاتجاه المأمول، فأكد أن الاعتداء على القافلة الفرنسية حدث في الأراضي الجزائرية، وانه كان من حق الجيش الليبي الرد على هجوم القوات الفرنسية، وانه ليس من حق فرنسا الاعتداء على سيادة ليبيا.
وهكذا يبدوا أن فرنسا تأثرت بردود الفعل التي أثارها الاعتداء على ايسين ، خاصة وان ليبيا هددت بعرض المسألة على مجلس الأمن وان القضية الجزائرية بدأت تلقى تأييدا لتدويلها في دورة الأمم المتحدة. كما ان عدم القدرة على تحقيق الاهداف المرسومة عسكريا دعا القيادة العسكرية للتخلي عن عملية الهجوم التي كانت في بدايتها، وانتهت عملية 176 دون أن تحقق نتائج تذكر بشهادة القادة الفرنسيين .
عن المعركة.
يقول المؤرخ الجزائري محمد العربي الزبيري أن معركة قرية إيسين في جنوب غرب ليبيا على الحدود مع الجزائر "فتحت باب الكفاح ضد المستعمر الفرنسي في جنوب شرق الجزائر " وساهمت في فك الحصار على الشمال بعد اشتداد القتال به.
هذا الحدث التاريخي المهم، لم يحظ بالتعريف والاهتمام بما يستحقه، لا سيما أن هذه عملية أيسين فملابسات معركة أيسين وظروفها وما جرى خلالها لا تزال أحداث غير مدروسة عسكريا بالرغم من أنها جرت على أرض ليبية وأشتركت فيها وحدة من جيش ليبيا النظامي ومفارز من جيش المجاهدين الجزائرين ومتطوعون ليبيين أسلحتهم لم تكن متكافئة مع عدوهم وكان إستخدام الفرنسيين للطائرات فيها سابقة في سير العمليات العسكرية في صحراء الجنوب الجزائري فقد كانت مجرد محاولة منهم لتغيير دفة العمليات لصالحهم في أرض صحراوية شاسعة يسهل فيها الإنتشار ونقل المعركة إلى اتجاه آخر.
ومع ذلك مثلت معركة إيسين درسا مهما في التضامن والتآزر بين البلدين الشقيقين وتعاونا إستراتيجيا مبكرا في تكوين جبهة صحراوية ضد عدو مشترك تضافرا فيها الجهود السياسية والعسكرية لتعزيز التضامن بيت الشعبين.
ملاحظة هامة : نشر المقال في 5 أكتوبر 2017 وأعيد نشره بعد الحصول على مصدر مهم لتاريخ المعركة بتاريخ 5 أكتوبر 2022م وحافظنا على عدد المشاهدات للمقال لأهميته التاريخية في الكفاح المسلح ونصرة للشعب الجزائري الشقيق خلال مقاومته للإستعمار الفرنسي البغيض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
جبهة جيش التحرير الجزائري بالحدود الليبية ومعركة ايسين في أكتوبر 7591 ،عنوان تضامن ليبي ـ جزائري.
الدكتور : مقلاتي عبد الله ـ جامعة محمد بوضياف بالمسيلة.
مجلة الباحث في العلوم الانسانية والاجتماعية
https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/503/2/1/99035